الغجر (الكاولية في العراق) الجزء الأول

                                                 

                       إعداد: بدري نوئيل يوسف

        

   

 الغجر (الكاولية في العراق) الجزء الأول

الغجر يعشقون الحكايات ذات النهايات السعيدة، بل ربما هم أكثر من بقية المجتمعات، لأنه لا وجود لشعب مثلهم له رغبة في الحرية التي افتقدها دائماً، ولا يوجد هناك إنسان مثلهم يحلم ببحار بعيدة وأميرات رائعات وممالك مسحورة بينما الحياة تجري في عروقه.

منذ أن وطأت مجاميع الهجرات الأولى للغجر، القادمة من شبه الجزيرة الهندية واسيا الصغرى وارض الرافدين قبل مئات السنين، وهم يعانون القهر والظلم والرفض والعزلة، التي فرضها عليهم المجتمع من جهة بسبب خصوصية الثقافة التي يتميز بها هذا النسيج، والمتمثلة بالتحرر من بعض القيم السائدة والمتصادمة، مع الموروث الثقافي والاجتماعي والديني للمجتمع العراقي المحافظ، وينظر إليهم المجتمع نظره ازدراء ويوجهون لهم أقبح الشتائم أمام الملا، وأقسى ما يقول لشخص في العراق "أنت كاولي ابن كاولي.
فالغجر في العراق يسمون " كاولية " ويعتقد العراقي بن هذه التسمية تعني كابولي أي قادم من كابول عاصمة أفغانستان وهذا الجواب يحمل شيئا من الحقيقة، أما في بلاد الشام فيطلق عليهم "نوري"، وتختلف أسباب التسمية، فبعضهم يعتقد أنها جاءت من كلمة "النور" لأن الغجري معروف بملابسه الملونة المفرحة وبارتباطه بالرقص وأجواء الفرح، أما البعض الآخر فيرى أنها نسبة لأهم قبيلة لدى الغجر وهي "لوري".
فالغجر أصلهم من الهند وأفغانستان وخصوصا المناطق الجبلية في هذه المناطق، فبشرتهم ولون عيونهم وقوامهم يشابه سكان جبال الهند وأفغانستان وقد بدأ هؤلاء الأقوام يصعدون الى الشمال الغربي منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ودخلوا بلاد فارس ثم نزلوا السهل العراقي في الألف الأول ق.م وكانوا بدوا رحلا يعيشون على منتجاتهم الحيوانية وخصوصا الحليب.
الغجر كما هو معروف تاريخيا قبائل هندية الأصل، وبالتحديد من حوض نهر السند، دخلوا المجتمع العربي عن طريق بلاد فارس، وكانوا يعرفون بزنوج الهند بسبب بشرتهم السمراء، حيث كانت لهم أزياء خاصة وتسريحات شعر تخصهم، ويعيش «الغجر» في عدد كبير من بلدان الوطن العربي، بعضهم استطاع أن يندمج مع المجتمع الذي يعيش فيه، لكن الغالبية قاومت دعوات الاندماج وأصرت على البقاء في حدود مجتمعها الخاص بعاداته وتقاليده الخاصة جدا. وعرف العرب الغجر قبل الإسلام حين اختلطت قبيلة تميم بهم وجاورتهم قبيلة عبد القيس في جنوب العراق وبعد مرجئ الإسلام وانتشاره.
يقال بأن كان هناك مصاهرة سياسية جمعت بين ملك بلاد فارس وملك الهند قبل آلاف السنين وتحديدًا في القرن الثامن الميلادي، وفي ذاك الوقت احتاج ملك بلاد فارس أن يضيف إلى مجلسه بعض أجواء الرقص والغناء، وما كان من ملك الهند إلا أن أرسل له اثنا عشر ألف غجري لتلبية رغبته، وبالفعل هاجر إليه هؤلاء، واستقبلهم الملك وقدم لهم المواشي والقمح ليعيشوا منه ويستقروا في البلاد.
لكن بعد فترة وجيزة عادت هذه الجماعة إلى الملك وأخبروه بأنهم لا يملكون طعام ولا صنعة، فغضب منهم الملك وطردهم من بلاد فارس، لينتشروا بعد ذلك في شتى أنحاء العالم، فلقد هاجروا وانشطروا إلى 3 أقسام، جزء ذهب إلى أوروبا، والجزء الآخر توجه إلى منطقة الشرق الأوسط، والأخير ذهب إلى شمال إفريقيا، ولم يساهموا في صنع التاريخ كباقي القوميات التي عاشت في الأرض العراقية، وذلك بحكم أنهم قوم عابرون في المكان والتاريخ غير أنهم سببوا بعض المتاعب والاضطرابات، بسبب عاداتهم المغايرة لتقاليد وأعراف العراقيين، يشكل الغجر في العراق اقليه عرفية حيث يتراوح عددهم ما بين أربعمائة ألف إلى نصف مليون وينتشرون في جماعات صغيرة بطول أراضي العراق، ويسكنون في مجتمعات فردية منعزلة عن أطراف المدن، وتوجد مجتمعاتهم في بغداد أبى غريب والكمالية والبصيرة وشارع بشار وحي الطرب على طريق الزيرو الموصل وهجيج والسحاجى، إضافة إلى بعض القرى في سهول جنوب العراق كالديوانية وقرية الغوارة والمتنى والغجر والناصرية وعفك. لذلك فانهم متأثرون بالعرب وليس من الضرورة أن يكونوا هم عربا.
الفجر لم يختلطوا بالسكان بشكل مباشر في العراق، لان الأراضي الزراعية كانت خاضعة لأصحابها العراقيين، فلا مجال لهم لممارسة الزراعة ولذلك بقوا على أعتاب القرى الزراعية بين الصحراء والسهل يعيشون على حيواناتهم وينتظرون من يأتي اليهم ليقدموا له الحفلة الخاصة أو يأخذهم لأحياء حفلة لعائلته بمناسبة الأعراس، ولذلك كانوا يسمون في العراق القديم بكاولي، وكاولي باللغة العراقية القديمة تعني أصدقاء لانهم يقومون بدور مسالم وحميمي، ولم تظهر منهم العداوة والبغضاء، وهذا التعبير دارج لحد الآن عندما تسكن عائلة بالقرب من القرية فيكون السؤال هل هؤلاء "من ربعنا" ويكون الجواب "لا انهم صدجان" أي أصدقاء. وهو تقسيم منطقي قديما وحديثا فأما هم من الأهل والعشيرة أو انهم أعداء أو أصدقاء ولكونهم لم يكونوا محاربين ولم يكونوا أعداء أطلق عليهم كلمة أصدقاء "كاولي" كلمة غجري العربية فهي كلمة عراقية قديمة عربها العرب وحولوها من ككري الى غجري والككري باللغة العراقية القديمة تعني " أبو الحليب" أو الذي يعيش على الحليب لان كلمة ككر "تلفظ بالكاف العراقية" تعني حليب وككري هو الذي يعيش على الحليب لأن هؤلاء الناس كان غذاؤهم الرئيسي منتجاتهم الحيوانية وخصوصا الحليب.
وقد استمر وجود الغجر في العراق، حتى دخول العراق في كنف الإسلام، وبذلك لم تعد تجارة هؤلاء الناس رائجة، بل كسدت تجارتهم لان الإسلام حارب تجارة هؤلاء الناس المرفوضة دينيا، ولهذا شد الرحال الكثير منهم الى تركيا ومنها الى أوروبا والقسم الآخر ذهب الى مصر واستقر فيها.
حتى أن الأوروبيين التقوا بهم في مصر قبل أن يستقر الغجر في أوروبا ولهذا فأن اغلب اللغات الأوروبية تسمي الغجر" جبسي “وهو خطأ تاريخي ولغوي لأن الغجر ليسوا سكان مصر الحقيقيين، ولكن الرومان عندما وصلوا مصر قبل الميلاد أطلقوا عليهم ولهذا حصل الخلط بين مصر والغجر.
من اللافت للنظر عدم وجود لغة خاصة بالغجر، رغم الشبه الكبير جدا فيما بينهم، رغم المناطق الجغرافية المتباعدة التي يسكنونها، فلغة الغجر تؤخذ من لغة الأرض التي يسكنونها، بل ويتكلمون لهجتها غجر العراق يتكلمون العربية وغجر إسبانيا يتكلمون الإسبانية وغجر مصر يتكلمون المصرية ،وحتى في العراق فأن غجر في الجنوب تتحدث بلهجة الجنوب العراقي، وغجر الموصل يتكلمون اللهجة الموصلية، وعندما يلتقي غجري من العراق بغجري من رومانيا مثلا فلا توجد لغة مشتركة بينهم وبذلك لم يعد الغجر امه واحدة أو قومية واحدة، لانتفاء صفة القومية عنهم لانهم لا يتكلمون لغة واحدة تميزهم، رغم اصلهم الواحد وثقافتهم الواحدة وأشكالهم المتقاربة.
وحتى الدين فأن ديانة الغجر تؤخذ من ديانة المنطقة التي يسكنونها، فغجر البلاد الإسلامية مسلمون وغجر المناطق البروتستانتية بروتستانت، وغجر المناطق الكاثوليكية كاثوليك، وغجر إنكلترا إنكليكان، وحتى في العراق فأن غجر الجنوب شيعة، وغجر الشمال سنة، وبذلك فأن الغجر يأخذون لغة ودين الأرض التي يسكنونها أما المهنة المشتركة الأساسية لكل الغجر في العالم فهو الرقص والغناء، وبعض الصفات الأخرى المشتركة مثل تربية صغار اليتامى من البنات، والبعض يتهمهم بسرقة الأطفال وهذه صفة نادرة لان الغجر مسالمون، لا يسعون لمشاكل في أي ارض يسكنونها لأن مصيرهم سيكون الموت، وخير من عبر عن وضعية ومكانة الغجر الكاتب العراقي ”عبدالخالق الركابي“ في روايته عبدالله العاشق.
ومع ذلك فأن للغجر مهنا أخرى مع الرقص والغناء فمهنة غجر القاهرة هي تجارة الخيل وتربيتها، ومهنة غجر يوغسلافيا صناعة البارود ومهنة غجر رومانيا وهنغاريا العزف على البزق والجيتار والناي في الشوارع ومهنة غجر إسبانيا رقصة الفلامنكو، وقد امتهن بعض غجر العراق مهنة تربية الخيول وخصوصا بعد فتح حلبة سباق الخيول في العراق وقد أصبح هؤلاء من أغنياء العراق، ففي منطقة الكمالية في بغداد توجد بيوت غنية جدا من الغجر اغتنت من وراء الخيول وسباقها وكان العصر الذهبي للغجر في العراق أيام النظام السابق، فقد كان الكثير من المسؤولين ومن أقارب السلطة وهم كثيرون جدا أصبحت لديهم محميات من الغجريات أغدقوا عليهن الغالي والرخيص بشرط أن تبقى هذه المحمية للسيد الفلاني، فان الكثير من أزلام النظام السابق كانوا لا يرتاحون ولا يستأنسون إلا مع الغجريات لأنهم ولدوا في بيئة فقيرة بدوية لم يكن باستطاعتهم إن يروا أي فتاة سوى الفجر أثناء الأفراح.
عُرف عن الغجر ارتباطهم العميق بالموسيقى، عزفًا ورقصًا وغناءً، وكانت مواهبهم سببًا رئيسيًا في حصولهم على قدر من التسامح والصفح، ويتضح ذلك من خلال المهرجان السنوي الذي تقيمه تركيا في بعض مدنه إحياءً للتراث والعادات الغجرية، إذ يكثر في هذا اليوم الرقص والغناء وارتداء الملابس الملونة والمبهجة كجزء من هويتهم، وعادةً ما تغلب مشاعر الحنين على أغانيهم التي تتحدث عن الحب والفقر والطرق الطويلة والحرية. ويتميزون بلون بشرتهم السمراء ومطابقة لون شعرهم مع لون بشرتهم، كما يعرفون بعيونهم اللامعة وأسنانهم البراقة ومناكبهم العريضة وقصر قامتهم نسبيًا، ويلفتون الأنظار بملابسهم وزينتهم المشابهة للقرويين والهنود في الألوان والتطريزات.
المثير للاهتمام مدى تعلقهم وارتباطهم بأفراد الأسرة والأقارب بشكل عام، فهم يسعدون بإنجاب الفتيات، لاعتقادهم أنها سبب وجودهم وتكاثرهم وعلى ذلك يعتبرون المرأة العنصر الأساسي في العائلة، فعادةً ما يقطن الزوج عند أهل زوجته وليس العكس، وتعتمد الأسرة عليها ماديًا ولذلك تمارس أعمالًا مختلفة مثل الرقص والغناء وبيع الورد وغيرها من المعاملات التجارية البسيطة.
يعتقد الغجر أن الموتة في الفراش فعل لا يليق بالغجري وعليه أن يموت خارج المنزل أو الخيمة حتى تنقل روحه إلى العالم الآخر، وفي بعض التقاليد، تُحرق الخيمة حزنًا على الميت ويتم التخلص من معلقاته أما بالنسبة لعادات الزواج، لا تحبذ جماعات الغجر زواج الغجري أو الغجرية من غير الغجر، وتعتبره من الأفعال المشينة، إذ تطرد المرأة الغجرية من الجماعة، في حين تكون العقوبة مخففة بالنسبة للغجري الذي اقترن بامرأة غير غجرية، التي تقابل بالكراهية والازدراء والتهميش من الجماعة على مدى سنوات طويلة، بحسب ما يذكر الكتاب، وأحيانًا قد تتعرض للقتل بسبب مخالفتها لأعراف القبيلة، ولذلك فإن الزواج التقليدي هو الأكثر شيوعًا بينهم.
المصدر
تاريخ الغجرـ من تأليف ايلينا ماروشيكوفا وفاسلين بوبوف.
الغجر في ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب ـ جمال حيدر.
أوديسة الغجر ـ خليل صويلح.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع