عوني القلمجي
بعد ان عرته المليشيات الكاظمي يتوسل ورقة توت
ما ان انتهى العراقيون من كذبة عادل عبد المهدي، والالقاب الفارغة التي اغدقت عليه من قبيل، سياسي مخضرم وخبير اقتصادي ومستقيل من الفساد، وكذلك الترهات حول استقلال حكومته عن الاحزاب والمليشيات، او قدرته على انهاء الفساد ومحاسبة الفاسدين، حتى وجدنا انفسنا امام كذبة مماثلة تخص هذه المرة مصطفى الكاظمي، مضافا اليها عنصر مثير، يتعلق بانهاء تدخلات ايران السافرة وطرد نفوذها من العراق ونزع سلاح المليشيات الموالية لها، وحصره بيد الدولة. لكن فضيحة الكاظمي انتشرت بسرعة لم تكن متوقعة. حيث عرض في مقالة كتبها في احدى الصحف، شكواه من قوة وجبروت المليشيات المسلحة، وتشاؤمه من مستقبله وقدرته على تحقيق "برنامجه الاصلاحي". لينتهي الى استجداء رضا هذه المليشيات، بدل تحجيمها ونزع اسلحتها. ولضمان بقائه في منصبه، ابدى حبه واحترامه لهذه المليشيات، وحرصه الشديد على وحدة فصائلها، واستعداده لحل الخلافات التي نشبت بين الفصائل التابعة للولي الفقيه الايراني علي خامنئي، وبين التابعة للمرجع الديني علي السيستاني، حول المراكز القيادية وتقاسم الحصص المالية والمناصب الوزراية. واختار شعارا معلبا لتبرير خيبته وفضيحته، "لا صوت يعلو على صوت المعركة ضد تنظيم داعش الارهابي". هذا التنظيم الذي يهزم او يستعيد قواه وفق ما يقرره صانعوه. وكان قبلها قد زار المقر الرئيسي لميليشيلت ما يسمى بالحشد الشعبي، وهي التسمية التي تتلحف بها هذه المليشيات، وارتدى ملابسها ووقف خاشعا منحنيا امام قادتها.
اما علاقة الكاظمي بملالي طهران، فهي علاقة العبد بسيده. وقد ظهر ذلك جليا وواضحا، اثناء تسلمه الشروط الايرانية، عن طريق رئيس فيلق القدس الايراني اسماعيل قااني، الذي زار بغداد لهذا الغرض يوم الاربعاء الماضي، والتي ينبغي على الكاظمي تثبيتها في المفاوضات الشكلية التي ستعقد قريبا بين الولايات المتحدة والعراق لتنظيم التواجد الامريكي في العراق وعدد القواعد العسكرية، وما ينبغي ان يقدمه العراق لامريكا، مقابل حمايتها له من اي عدوان داخلي او خارجي. ولم ينس الكاظمي، لتعزيز عبوديته، تقديم رشوة للايرانيين بتجديد عقد شراء الكهرباء من ايران لمدة سنتين بدل سنة واحدة، بعربون لهذه الصفقة بقيمة نصف مليار دولار. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فقد عرض الكاظمي على قااني اسماء المرشحين لاشغال الوزارات السبعة مستجديا الموافقة عليها قبل عرضها على البرلمان يوم السبت الماضي. ولمداراة خيبته،صرح الكاظمي، بانه لم يسمح للوفد الايراني دخول العراق قبل حصوله على التأشيرة. ترى على من تضحك يا مصطفى؟ اتفهم غبائك وجهلك بمعنى ان يكون المرء عراقيا؟ لكن لا تحتاج الى عقل جبار لتعي فحوى المقولة الخالدة "العراقي مفتح باللبن" في اشارة للذكاء الحاد وقراءة ما بين السطور. وسافترض يا مصطقى انك ابكم، واصم، ترى الم تشاهد بام عينك ثوار ساحات التحرير كافة ترفع صورك ممهورة بعلامة اكس، وجملة مختصرة تقول "مرفوض بامر الشعب"؟.
لن تفاجئ هذه النهاية السوداء المتابعين للشان العراقي بمختلف مستوياتهم. فالكاظمي نتاج ذات المستنقع الاسن، المسمى بالعملية السياسية، وان مهمة وطنية بحجم استعادة العراق المنهوب، لن يقدم على انجازها الكاظمي او غيره حتى اذا صدقت النوايا، لاسباب كثيرة، في الصدارة منها المليشيات التي تتضخم يوما بعد يوم عدة وعددا، وتتجذر في مفاصل السلطة، وتهيمن على مقدرات البلاد، اضافة الى الدعم الذي تحظى به من قبل ايران، التي تعتبرهذه المليشيات يدها الضاربة في العراق، وتحظى ايضا بمباركة امريكا التي تعتبرها هي الاخرى، الاداة الفعالة التي تخدم سياسة الفوضى الخلاقة، التي صممت لتدمير العراق دولة ومجتمعا. ليس هذا فحسب، وانما تحولت هذه المليشيات الى مشروع شبيه، او نسخة طبق الاصل، من مشروع الحرس الثوري الايراني. ودعكم من وصف هذه المليشيات بالحشد الشعبي، الذي قاتل التنظيم الارهابي داعش. اذ لا وجود لاسم الحشد في فتوى المرجع الديني علي السيستاني. فبدل ان ينخرط المستجيبون للفتوى في القوى الأمنية الرسمية بناء على نص الفتوى، اجبرتهم المليشيات المسلحة على الانخراط في صفوفها. ولرفع اي التباس نؤكد، بان السيستاني، تعمد ان تكون صيغة الفتوى قابلة للتاويل، خشية افتضاح امر المرجعية ودعمها للعملية السياسية، وتسترها على الفساد والفاسدين.
هذا المشروع الايراني، او الحرس الثوري العراقي المرتقب، لم يات من فراغ، حيث ارسى قواعده الامام الخميني قبل استلامه السلطة. فهو قد امن بان الاعتماد على المليشيات المسلحة ضد اي قوة دولية كبرى او عظمى، هو اكثر ضمانا من الاعتماد على الجيوش النظامية، وان مشروع الجمهورية الاسلامية العالمية المبتكر من قبله، لا يمكن تحقيقه والحفاظ عليه من قبل جيش نظامي ينتمي الى جيوش دول العالم الثالث، لان مثل هذا الجيش مهما كان متطورا لا يمكنه مقارعة جيوش الدولة العظمى، مثل جيش الولايات المتحدة الامريكية. ليس فقط من حيث العدة والعتاد، وانما للفرق الهائل في التطور العلمي والتكنولوجي وانواع الطائرات والقنابل ذات الدمار الشامل. فليس صدفة اذن اعتماد ملالي طهران على الحرس الثوري الايراني اكثر من اعتمادهم على الجيش النظامي الايراني، كما انه ليس صدفة الاهتمام بتقوية المليشيات المسلحة المواليه لها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، على حساب الجيوش في هذه البلدان، بل ان ملالي طهران قد سعوا فعلا الى اضعاف هذه الجيوش لصالح المليشيات المسلحة. وقد نجد نموذجها الصارخ في العراق، حيث تسعى من خلال عملائها في السلطة الى اضعاف الجيش العراقي. بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان هذا المشروع ليس من بنات الفكر العراقي، وانما هو مخطط ايراني لحكم العراق والقضاء على اية محاولة وطنية شعبية لاسقاطه. فليس غريبا والحالة هذه ان تتقدم المليشيات بخطى ثابتة لاستلام السلطة فعليا في العراق، واعتبار الحكومات المتعاقبة الغطاء الشرعي والقانوني لها. وخير دليل على ذلك تصرفات قادة هذه المليشيات تجاه رؤساء الحكومات، والتعامل معها بلغة الامر الناهي، وفي احيان كثيرة تصل لحد التهديدات المثيرة للاشمئزاز لرئيس هذه الحكومة او تلك من قبيل "مثلما اتينا بك
نستطيع اخراجك؟ او " صير عاقل احسن الك" او " امامك شهر لتنفيذ طلباتنا". او " لا تقترب ابدا من الخطوط الحمراء".
ماذا يعني كل ذلك؟
يعني ان كل ما قيل عن العملية السياسية الديمقراطية والنظام الديمقراطي والانتخابات واصابعها البنفسجية وصناديقها الخضراء، وعن السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والفصل بينها، ليست سوى كذبة كبرى. فحكم المليشيات المسلحة يتعارض مع النظام الديمقراطي بكل عناصره. وبالتالي فان الحكومات المتعاقبة ليست سوى ديكور لهذه المليشيات، وان البرلمان هو مكان لشرعنة وجودها. وان القضاء هو ساحة لتبرئتها من جرائمها. وفي نهاية المطاف، فان نظاما بهذه المواصفات، لن يكون في صالح الشعب ولن يلبي اي مطلب من مطالبه المشروعة مهما كان متواضعا.
هذا ليس موقفا كيديا ضد العملية السياسية في العراق، وانما هو نتيجة منطقية لما تقوم به هذه المليشيات من جرائم وسرقات ورشاوى وتخريب وتدمير العراق دولة ومجتمعا. واذا حدث وارادت هذه الحكومة او تلك لاي سبب كان اجراء اصلاح او تغيير جدي ، فان امريكا وايران لن تقبلا به او تستسلما له طوعيا، وانما ستقاتل من اجل منع مثل هذا التغيير. فاستمرار الفساد والفاسدين، وتجويع الشعب واذلاله، وتحطيم ارادته وصموده، هو الاساس الذي تستند عليه للحفاظ على غنيمتها. وخير دليل على ذلك وقوف الدولتين ضد الثورة العراقية منذ ساعاتها الاولى. بل والمشاركة في قمعها بقوة السلاح. وبالتالي لا طريق للخلاص من المحنة التي يعيشها العراق، قبل الخلاص من هذه العملية السياسية، ولا طريق لتحقيق ذلك سوى التوجه الى دعم الثورة العراقية المباركة، واسنادها بكل الوسائل المتاحة، ليتمكن شعبنا من تشكيل حكومة وطنية مستقلة، تاخذ على عاتقها بناء العراق الجديد فعلا. واية مراهنة اخرى لتحقيق هذا الهدف المشروع سواء كانت على الكاظمي او غيره، مراهنة فاشلة قطعا. خاصة على من جردته المليشيات من ملابسه واشياء اخرى.
عوني القلمجي
7/6/2020
2993 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع