ليث رؤف حسن
كان أبي جالسا بجواري وأنا أقود سيارتي البيوك 1974 الجديدة في بغداد أثناء زيارة سريعة إلى بغداد ودجلة الخير (يانبعا أفارقه على الكراهة بين الحين والحين) كنت أسير في شارع الرشيد بإتجاه أبي نؤاس وفجأ صاح الوالد بي لأتوقف!!
فتح الباب ونزل وسلم بحرارة على أحد السابلة في الشارع و فتح الباب الخلفية وقال له إركب يا نعيم.
حشر الرجل نفسه في المقعد الخلفي للسيارة وعرفني به الوالد قائلا: هذا عمك نعيم من إخواننا وجيراننا في الكرادة. أهلا وسهلا.
طلب مني الوالد التوجه للكرادة وهكذا فعلت, ثم بدأ الحديث بين الأصدقاء, سأله الوالد عن أحواله وأهل بيته وكانوا مسافرين إلى لندن وهو يجيب بإقتضاب بلهجة مصلاوية (لم أكن أعلم إنها يهودية) إلى أن سأله الوالد بصراحته المعهودة, لويش گاعد بها الكسافة هنا بعد عمر طويل وأولادك ما شاء الله في لندن ؟ لماذا لا تلحق بهم وترتاح؟؟؟
كانت إجابته أروع إجابة ودرس في الوطنية: أنا أهلي هنا في كل زاوية من زوايا بغداد وتربة بغداد وذرات وحبات رمل دجلة وريحة القداح مال بغداد!!!
لماذا تريدني أتبع الشباب الطائر؟؟؟؟؟.
أنا سأدفن في هذه التربة العزيزة رؤف بيگ وأشتم رائحة تراب بغداد بعد الموت!!!..
وأحسست بانني أمام صرح عراقي كبير وفخور بعراقته التي تمتد جذورها إلى أكثر من ألفي عام عمقا في تأريخ بلدي الذي أفتخر به كمنبع للأعراق والحضارات. صرح عراقي أصيل جذره نواة الأرض وسقفه السماء السابعة.
وصلنا الكرادة وغادر مسرعا بعد أن علمنا درس في الوطن وعلاقة الأصلاء من الناس بالأرض التي رضعوا منها ورضوا بالعذاب والموت فيها عن طيبة خاطر.
899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع