عوني القلمجي
من هم ابناء السفارات يا مقتدى انت ام الثوار؟!
كل الذين يهاجمون الثورة العراقية، او يحاولون تشويه مسيرتها، او التشكيك باهدافها او النيل منها، او التامر عليها، او الذين يتمنون فشلها، بصرف النظر عن اختلاف الاسباب والنوايا هم، اما اطراف العملية السياسية التي صممها المحتل الامريكي، وختم عليها وصيفه الايراني، وتكفل بحمايتها قادة المليشيات المسلحة، او هم مجاميع من المرتزقة وعديمي الذمة والضمير، الذين يعتاشون على فتات موائد المحتل وعملائه، اما على شكل رواتب تحت مسميات الجهاد والنضال، او هبات او قطع اراض او رشاوى. في حين وقف عموم العراقيين الاصلاء الى جانب الثورة، ودافعوا عنها وساندوا كفاحها وضحوا في سبيلها . اما الذين استخدموا السلاح ضد الثوار السلميين، وراح ضحيته استشهاد المئات وجرح الالاف، فهؤلاء لن يفلتوا من العقاب مهما طال الزمن. فالدماء لا تسقط بالتقادم.
هؤلاء الاشرار الذين شكلوا الاداة الضاربة للمحتل، والوسيلة لتكريس مشروعه لعقود طويلة، وحماية العملية السياسية من السقوط، حصلوا مقابل ذلك على مناصب ووزارات ومكاسب وغنائم، وزعت عليهم تحت مسمى الشراكة الوطنية، وهي في الحقيقة كلمة السر لمبدا المحاصصة الطائفية والعرقية. وبذلك اثبتت هذه الاطراف، للعامة والخاصة، بانهم ليسوا احزابا وكتلا سياسية او دينية، او ممثلين لفئات او قوميات او مذاهب، شيعية او سنية او كردية، وانما هم مجموعة من الخونة والمجرمين واللصوص. هذه الاوصاف هي ذاتها التي اختصرها سيدهم الحاكم المدني الامريكي للعراق بعد احتلاله، بول بريمر، في نصائحه العشرة التي قدمها للسفير الامريكي اللاحق في بغداد نغروبونتي، بقوله" احذر هؤلاء الذين اطعمناهم واويناهم نصفهم كذابين والنصف الاخر لصوص".
وكان من بين اخطر هؤلاء الاشرار، وخاصة على الثورة التشرينية العظيمة، هو مقتدى الصدر، بتياره وميليشياته المسلحة المسماة سرايا السلام، وهو الاسم الاخر لجيش المهدي، الذي اقترن اسمه بالجرائم والسرقات. ومرد خطورته يعود الى سياسة الدجل والوصولية والانتهازية، المقرونة بقدر كبير من الخداع والتضليل التي انتهجها طيلة هذه السنين العجاف. ففي الوقت الذي ينعم فيه مقتدى بظل هذه العملية الاحتلالية الوافر، ويغرف من نعيمها، ويرتقي سلم السلطة بواسطتها ويصبح من اغنى الاغنياء بفضلها، نجده في الوقت ذاته، يتصدر كل مظاهرة او انتفاضة شعبية ضد هذه العملية الطائفية، ويحاول ركوب موجتها ويتقدم صفوفها ويرفع شعارات رنانة تثير مشاعر الحماس مثل، "شلع قلع كلهم حرامية"، ليس من اجل قيادتها وتحقيق اهدافها المعلنة، كما كان يتخيل البعض، وانما من اجل التفرد بتمثيلها والهيمنة عليها، ليتمكن من حرف مسيرتها وتقزيم مطالبها وحصرها بمطالب خدمية متواضعة، وصولا الى افشالها. ثم ابتزاز الحكومة العاجزة عن القيام بهذا الفعل، بانه القادر الوحيد على حمايتها وانقاذ عمليتها السياسية من السقوط. وحين افتضح امره وتم عزله عن ساحات الثورة، تجنبا لجربه السياسي والعقلي ، انتقل علنا وبصلافة ضد الثورة، وتطوع لقتل ابنائها نيابة عن قوات الحكومة والمليشيات المسلحة، او ما اطلق عليهم "الطرف الثالث". بل اخذ يتباهى بجريمته بطريقة مقززة وضحكات صفراء ومن دون حياء او خجل، مرة عبر تغريدات تافهة، ومرة عبر تصريحات صحفية، واخرى عبر لقاءات تلفزيونية. متناسيا ان مثل هذه الجرائم، تدخل في باب الخيانة الوطنية، والقتل مع سبق الاصرار والترصد، وكلتا الجريمتين تستحق عقوبة الموت وفق الشرائع السماوية والوضعية. اما اقذر افعال الصدر المشينة، تلك التي انطوت على نذالة وخسة باتهام الثورة وابنائها وشهدائها بانهم ابناء السفارات، او ابناء غير شرعيين، اي اتهامهم مرة بالعمالة للاجنبي، ومرة الطعن بشرفهم. هل رايتم سقوطا سياسيا واخلاقيا بهذا القدر؟
مقابل هذه الصورة السوداء وخطورة هؤلاء الاشرار على الثورة، تبرز عوامل تراجعهم جراء ضعفهم وانعزالهم عن المجتمع العراقي. حيث التف عموم الناس حول الثورة واعلنوا، بكل الطرق والوسائل، تاييدهم لها ومساندتهم لمسيرتها والدفاع عن مشروعية اهدافها وتقديم التضحيات في سبيلها، ولولا الحماية التي وفرها هؤلاء الاشرار لانفسهم، والامكانات المالية التي بحوزتهم، والقدرات العسكرية الهائلة لديهم والة القمع العدوانية المتمرسة في هذا المجال، لما استطاعوا البقاء في السلطة طيلة هذه السنين العجاف. اما مقتدى الصدر فقد خسر هو الاخر اتباعه ومؤيديه بشكل كبير، جراء جرائمه المشينة وافتضاح امره كشخص اثبت تبعيته للولي الفقيه الايراني المدعو علي خامنئي، الذي ساهم في تدمير العراق واتخذ موقفا عدائيا وحاقدا على الثورة منذ ساعاتها الاولى، وشارك حرسه الثوري في قمعها وقتل ابنائها. وهذا امر طبيعي اذ لا يمكن لنموذج بمواصفات مقتدى الصدر خداع الناس مدة طويلة، فحبل الكذب قصير كما يقال. خاصة وانه تقدم الصفوف الاولى للميليشيات المسلحة، لقتل الثوار في جميع ساحات التحرير وعلى رؤوس الاشهاد.
لقد اسقطت هذه الجرائم ادعاءاته بالاخلاص والوطنية ومعاداة الطائفية، واسقطت كذلك مكانته المختلقة والمشبوهة كرجل دين، ينتمي الى عائلة احيطت بهالة من القدسية التي لا تستحقها، لا من قريب ولا من بعيد، على خلاف المكانة التي يحصل عليها الانسان بسبب وطنيته او قدرته على القيادة او لعلمه او شجاعته واستعداده للتضحية الخ. اما رجل الدين فغالبا ما يحصل على هذه الصفة زورا لا ايمانا. فالدين يشكل في بيئة يسودها الفقر والجهل وتنخرها افات التخلف والمرض، ظاهرة إنسانية تعبرعن مجموع الظواهر النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية، وذات ابعاد مختلفة ومركبة في حياة البشر. تمنح رجل الدين قدسية تستوجب في احيان كثيرة طاعة عمياءالى حد التضحية بدون تفكير او حساب. ناهيك عن تمرير الخديعة الكبرى التي تصور رجل الدين هذا الذي ينتمي الى المذهب الشيعي بانه الحارس الامين للمذهب والمدافع الامين عن حقوقه التي يزعم استعادها بعد مظلومية مئات السنين.
مما يزيد الطين بلة، الطرف الاخر "السني" وخاصة الحكام في الدول المجاورة، مثل تركيا والسعودية ومصر والاردن وقطر والكويت، منحوا مقتدى الصدر قوة كبيرة في عيون هؤلاء البسطاء، من خلال تقديمه بانه الشيعي العربي غير التابع للاجندة الايرانية، واعتباره مرجعا وطنيا معتدلا ومستقلا يمكن التعامل معه. الى درجة جعلتهم يتغاضون عن حقائق ووقائع عنيدة مغايرة تماما. فالصدر كان اكثر قادة الاحزاب الشيعية الطائفية انتماء للاجندات الايرانية واشدهم طائفية وعدوانية ضد مخالفي التسييس الطائفي. وهو الذي تصدر ما سمي بالحرب الطائفية التي اعدت لها امريكا ونفذتها ايران، بعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء سنة 2006 . حتى أصبح جيش المهدي بنظر الاحزاب الطائفية اليد الضاربة للمذهب. اما حصته في العملية السياسية فهي كبيرة في كل مرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد حصل في حكومة نوري المالكي مقابل تاييده له على حساب خصمه ابراهيم الجعفري على ثماني حقائب وزارية هي: التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية والإسكان والإعمار والبلديات والموارد المائية والسياحة والآثار ووزارتي دولة إضافة إلى منصب النائب الأول لرئيس البرلمان. اما خلاف الصدر مع شركائه في الحكم، فانه لا ينطلق من معارضة وطنية او سياسية او عقائدية، وانما مصدره المناصب والمكاسب والنفوذ. فهو يساند المالكي اذ وجد في ذلك حاجة او تلبية لاوامر ايرانية، فإذا لم ينل نصيبه الكامل يعود إلى اتهامه بالدكتاتورية والتفرد بالسلطة. بل لم يدخر مقتدى وسيلة الا واستخدمها، مثل تحالفه مع الحزب الشيوعي العراقي لتلوين عمامته السوداء التي اصبحت سبة بالنسبة للعراقيين بلون العلمانية والتقدمية.
بعبارة اخرى، اذا تاملنا سلوك مقتدى وتياره منذ الاحتلال وحتى يومنا هذا، لما ترددنا في القول، بان مقتدى اصبح الاشد بين اصحاب الدكاكين الحزبية والميليشياوية في العراق ارتباطا بقرار المرشد الإيراني. وقد نجد دليلا على ذلك قبوله الفوري باوامر خامنئي بقتل الثوار مقابل مبايعته من قبل جميع المليشيات كقائد لها دون منازع. ناهيك عن تشربه بافكار الولي الفقيه الايراني، وترسخها في عقله وسلوكه خلال الفترة التي قضاها في ايران والممتدة من 2007 2011 اي اربع سنوات متواصلة.
ولكي لا نطيل اكثر، ترى من هم ابناء السفارات يا مقتدى انت ام الثوار؟ الم تثبت بانك الابن البار للسفارة الايرانية والحبيب لسفارات امارات الخليج العربي، وخاصة السعودية، الست صديقا للسفارة الامريكية عبر عملائها في العملية السياسية؟ لقد صدق من قال "الاناء ينضح بما فيه". و" اذا كنت لا تستحي فافعل ما تشاء".
عوني القلمجي
2/6/2020
2985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع