مصطفى محمد غريب
الفساد والفقر وكورونا والمحاصصة في العراق فصل من فصول الأزمة!...
"مؤشر الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية للعام الماضي 2019 وضعت العراق في ذيل التصنيف الدولي أكثر الدول فسادا في العالم، فبعد (17 ) عاما على تغيير النظام السابق لا يزال العراق يتذيل هذا التصنيف الدولي في كل عام من دون أن تستطيع الحكومات المتعاقبة من انتشال العراق منه -- ايلاف"**
ان الأزمة العامة التي تهيمن على العراق أصبحت غولاً متعدد الأطراف اذا سمح لنا ان نسميها غولاً، هذه الأزمة تحمل العديد من الابعاد في اقسامها المترابطة التي تكمل الواحدة الأخرى، لتصبح أداة في تكوين الأزمة العامة مع اقسام أخرى، الفساد المالي والإداري والفقر واخيراً وباء كورونا عبارة عن قسم مترابط الابعاد، فالفساد بأنواعه واصحابه بشكل عام أداة رئيسية في سرقة قوت الشعب والأموال العامة بدلاً من المساهمة في البناء والتطور فقد أدى الى زيادة الفقر وحتى دون الفقر وساهم الفساد في عدم التصدي الواعي المادي والمعنوي لوباء الكورونا بملموسية مدى فقر القطاع الصحي إلا من تضحية العاملين فيه الذين نشهد لهم بسالتهم ودورهم وتضحياتهم، والقطاع الصحي يفتقر الى ابسط المعالجات والامكانيات المتطورة وبخاصة في قطاع الدولة وبصدد وباء كورونا فإن مخاطر انتشاره على الأبواب واكثر ،ومن هذا الباب اكد جواد الموسوي مقرر خلية الازمة النيابية "ان النظام الصحي في العراق سيشهد انهياراً خلال عشرة ايام مقبلة في حال لم تتخذ الجهات المعنية لمواجهة جائحة كورونا إجراءات صارمة ، لنتصور حجم المأساة اذا انهار النظام الصحي على حياة الملايين من الكادحين من العمال والفلاحين والكسبة والموظفين الصغار والفقراء الذين لا عمل لهم والبطالة وآلاف العوائل التي تعيش الفاقة والاملاق في العشوائيات والمخيمات البائسة!
من هنا نحن نرى الارتباط العضوي بين الفساد وما بين فقر الناس والعاطلين عن العمل او الكسبة اليوميين، من جهة ثانية ضعف القطاع الصحي وفقره من المستشفيات والمستوصفات والمعدات الطبية وغيرهما من المؤسسات الصحية، وضعف القطاع من الكادر الطبي بكل انواعه وبخاصة الأطباء العاملين في القطاع الحكومي مقارنة مع الدول التي تكاد ان تكون شبه مستقرة نسبياً، ولا ننسى أبداً كارثة هروب وهجرة العشرات من الأطباء بسبب العنف الطائفي والمافيات المسلحة والتهديدات التي طالتهم لدفع الإتاوات المالية ، هذه الابعاد التي تُشكل مع ابعاد أخرى سببها نهج المحاصصة الطائفية والاضطرابات الأمنية والبطالة وغيرهم من الذين شكلوا الازمة العامة، وعليه نجد ان الفساد المالي والإداري قد أطلق عليه في الوقت الحالي في اكثر من موقع او مقال " علمٌ فوقهُ نارُ " هذه التسمية اعيدت على مسمعي في دمشق قبل حوالي ( 40 ) حيث ادين النظام العراقي السابق بالبدء اشعال الحرب بشكل واضح واكد احدهم موضحاً ان بداية الحرب من قبل النظام العراقي كعلم فوقه نار لكن البعض كان يحاول التبرير وتجميل قوله على الرغم من الحقيقة لينطبق عليه الشطر الشعري المنسوب للشاعر صالح بن القدوس الازدي المتوفى عام( 776 ) " يعطيك من طرف اللسان حلاوة ---- ويروغ منك كما يروغ الثعلب " اذكر ذلك بعد سماعي الى تهويلات وتبريرات بعض المسؤولين والجهات المسؤولة المتهمة بالفساد اصلاً القول : بان الفساد نسبي ليس بهذا الحجم أي ان حالة "علمٌ ونار" لا ينطبق عليها المثل، ولسنا هنا للتبرير لأننا سنقدم أمثلة حية على ان الفساد المالي والإداري أصبحا اكثر من معروفين واكثر من ملموسية، فمجرد معرفة أسباب انتفاضة تشرين ( 2019 ) التي قدمت اكثر من ( 700 ) شهيد وآلاف المصابين التي دوت أصواتهم بالضد من الفساد والفقر والبطالة والمحاصصة والأحزاب الفاسدة ، وزيارة طارئة لأكثرية مؤسسات ودوائر الدولة سيلمس المراجع ضخامة الفساد الإداري تفشي الرشوة والتزوير والبيروقراطية سيقتنع بما ذهبنا اليه ، وللمعرفة اكثر على المرء الاطلاع على ما أصدرته هيئة النزاهة والنزاهة البرلمانية التي هي بالعشرات تكشف مدى اتساع دائرة الفساد بشقيه الذي اصبح مضرب الامثال، ولو نأخذ موضع مشروع مطار كركوك الذي طالبت لجنة النزاهة البرلمانية بتداعيات الفساد وبكافة الأوليات المتعلقة بإحالة المشروع للاستثمار لتحويله الى مطار مدني، وطالبت لجنة النزاهة بحيثيات المعلومات واشارت " تم منح مدارجه الاثنين وبرجه وأبنيته وأملاكه وبنيته التحتية بكلفة (١٠٠ ) مليار دولار لمستثمرين لم يصرفوا على المشروع سوى مليارين" كيف يستطيع الانسان المجنون تقبل موضوعة الكلفة الهائلة والصرف العجيب الذي يشير الى الفرق الشاسع بين الكلفة والصرف، وأشارت لجنة النزاهة البرلمانية ان الشركات المكلفة بالمشروع وبخاصة احد الأشخاص المهمين قام بتنسيب أستاذ جامعي الى المحافظة " لتنفيذ مشروع المطار بدون موافقات رسمية لأن هيئة الاستثمار أقرت ببطلان العقد ولم تعترف به أساساً"، مثال آخر حول ما نشرته وسائل الاعلام والعديد من المختصين في لجان النزاهة على صرف ( 60 ) مليار على قطاع الكهرباء ولا نسهب بالحديث عن الوضع المأساوي لقضية الكهرباء ، اين ذهبت المليارات من الدولارات التي لو كانت بيد امينة ونزيهة لتم بناء دولة حديثة وليس قطاع كهربائي ؟،في موضوع اخر اشارت النزاهة حول كلفة المشاريع المتلكئة في البصرة " تجاوزت ( 572 ) مليار دينار وكشفت النزاهة مشروع عن ( 47 ) تحوم حولها شبهات فساد إدارية ومالية وأشارت إلى النزاهة "أن الكلفة الإجمالية التي حدَّدها الفريق المركزي للمشاريع المتلكئة والمتوقفة (572,521,211,620) مليار دينار" اما المبالغ التي صرفت فقد بلغت (195,080,348,371) مليار دينار، ولهذا تمت احالتها الى مديرية تحقيق الهيئة في محافظة البصرة لاتخاذ اللازم بحق هذا التلكؤ والفساد ولكن كيف ستجري الأمور وهل "تلفلف" القضية كما " لفلفت " المئات من القضايا المشابهة الله وحد يعلم!!، ومن اعجب العجائب واكبر المهازل في عالم الفساد والسرقة اتهام الطيور اكل ( 772 ) طن من الحنطة الموجودة في سايلو النجف الافقي، فلا داعي للاستغراب ان مؤشر الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية لعام ( 2019) صنفت العراق في ذيل التصنيف الدولي كونه اكثر الدول فسادا حيث احتل الأكثر بعد حصوله على ( 20 ) نقطة فقط من بين ( 180) دولة.
هذا فيض من غيض فهل هناك اكثر من مهزلة الحنطة والمخفي اعظم؟ والحديث حول الفساد له اول وليس له آخر، اما المبالغ المفقودة والمختفية بطرق عديدة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ان نسب الفقر تزايدت باطراد لا مثيل له وأشار الحزب الشيوعي بلاغ لجنته المركزية في 6 / 12 / 2019 ان " نسب البطالة والفقر، فضلا عن عوامل اخرى خارجية وتدخلات اقليمية، انتفض شعبنا وشبابه على وجه الخصوص " ومثلما اشرنا في المقدمة ان احد العوامل الرئيسية لانتفاضة تشرين الفساد والفقر والبطالة ، ولا بد من التذكير ان جائحة كورونا عمقت الازمة اكثر حيث كشف عادل الركابي وزير التخطيط عن نسبة الفقر بسبب جائحة كورونا حيث وصلت الى " 40% بعدما كانت في العام الماضي 23% حسب مؤشرات الجهاز المركزي للإحصاء " ونوه الى" وجود الكثير من المشاريع المتوقفة منذ عام ٢٠٠٨، لأسباب فنية ومالية".
هذا هو حال العراق المزرى الذي أصيب بالصميم جراء حكم الفاسدين والأحزاب والتنظيمات والشخصيات الفاسدة ، وهذا الجزء هو احد الأجزاء المكملة للازمة العامة التي تحتاج للخلاص والإصلاح الى جهود مضنية ونزيهة من قبل الحكومة الجديدة وعلى الرغم من التفاؤل بانتصار الحق الوطني لكن ذلك يجعلنا نفكر مليون مرة بما وعدته حكومات إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي تلك الوعود التي انقلبت الى وقائع مظلمة في طريق تحرير العراق من التخلف والتبعية وجعله يصطف مع الدول المتقدمة بما يملك من إمكانيات مالية هائلة، ان انتفاضة تشرين 2019 هي انتفاضة الحق من اجل انقاذ البلاد من الضياع ومن الكارثة والفواجع التي تنتظره اذا لم تباشر الايدي النظيفة في التخلص من المحاصصة والفساد ومعالجة قضايا الفقر والمرض والتعليم...الخ ونعتقد ونحن على صواب باعتقادنا مثلما كنا ان ابطال انتفاضة تشرين لن يكفوا عن المطالبة سلمياً بالحقوق المشروعة ولن يخضعوا الى الابتزاز والقمع والخداع وسيكون الانتصار ابداً للشعب العر اقي.
** مؤشر الفساد في العراق: لمنظمة الشفافية الدولية نشرته ايلاف
2570 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع