مصطفى العمري
كثيرةٌ هي المفاهيم والمصطلحات التي نشأنا عليها التي تدعوا الى الوحدة و عدم مفارقة الجماعة لأننا كنا نقول أن يد الله مع الجماعة , والذي يخرق قانون الجماعة أي العرف القائم كأنما خرق قانون الله وتعاليمه , لا يجرئ فحل من فحول هذه الأمة على أن يفكر خارج الاطار المعرفي التراكمي للأمة أو الجماعة التي ينتمي لها .
المعرفة التراكمية أو المعرفة الموروثة هي التي تسطح العقل العام وتجعل من أفرادها مطية للغاية التي يتبناها المعتقد , دون السماح لك انت الذي تنتمي الى تلك الجماعة أن تحرك لبنة واحدة من معتقدها حتى لو كان على أساس الهندسة الحديثة وبطريقة القواعد و الأسس المتطورة
يعيش المجتمع العربي ( الاسلامي ) ظاهرياً على أنه مجتمع واحد متألف متجانس تجمعه فكرة واحدة ودين واحد وتقاليد مشتركة , لكنه ليس كذلك لأن المجتمع العربي يعيش في دوائر حديدية ممغنطة تريد أن تجذب أكثر عدد من الأشخاص دون أن تفقد شخصاً واحداً, كل هذه الدوائر المتعددة الألوان و المختلفة في طبيعة العمل , سابغة على نفسها من أنها الافضل و الأنسب للمجتمع الذي تعيش فيه لأنها ترى أن خرقك لفكر وتعاليم الأخر نصر مابعده نصر , لكن إشارتك الى موضع خلل في الموقع الذي انت فيه يعد ضرباً من ضروب الجريمة التي تستحق عليها القتل . هذه التراكمية الاجتماعية و الدينية هي التي أدت بنا الى الاعتقاد أن كل شيء ولدنا عليه هو الصواب الذي لا يشاطره صواب أخر , أما الأخر الذي يعتقد بالفكر المغاير فهو الخطأ بعينه .
سار المسلمون وفق نظريتين الاولى التي تؤمن بالالغاء والاقصاء دون التفتيش عن سفر الخصم أو المطالعة البسيطة في تأريخه والعيش في مناخه , و إن وجدت هذه المطالعة أو القراءة فانها ستأتي متشنجة موغلة في الكره والتعصب سادّة كل منافذ التفكير الانساني و مانعة كل روحانيات الانسان ان يكون انساناً حقاً .
الثانية هي التي تمنعك أن تخوض في تراثك في عقيدتك تحرم عليك سؤالك في دينك و موروثك تفرض عليك قوانينها الجائرة إجتماعية غليظة متخلفة أو دينية متشددة متطرفة , لاتجرئ أن تقول كفى فمعاول الهدم بانتظارك .
لم نلتفت نحن الى أنفسنا و الى أخلاقنا التي نجترها منذ تأريخ بعيد لم نلتفت أو لا نريد أن نلتفت الى سلوكياتنا الاجتماعية و الدينية لكي نشذبها , نطورها , نجلي الصدأ القديم منها لا نريد أن نجدد في خطابنا المزدري بالاديان والمعتقدات الاخرى .
يقول الدكتور محمد عابد الجابري :( إننا نحن العرب نعيش اليوم نهاية مرحلة أصبحت قديمة ونقف على عتبة مرحلة ستكون جديدة إنه يتطلب منا، في الجانب الثقافي على الأقل، تدشين عصر جديد، يكون بداية لانطلاقة تاريخية لثقافتنا وفكرنا ).
وبما أننا على أعتاب المرحلة الجديدة كما يقول ( الجابري ) فأود أن أتساءل عن بعض السلوكيات او الاخلاقيات التي نمارسها دون خجل أو وجل , بالتأكيد هذه التساؤلات لا أود أن أشرك بها جميع الناس لكنني راغب في الخوض بها مع بعض العقول العربية و الإسلامية غير المتحزبة أو المتطرفة , النقية التي ترى في المشترك الانساني و الحب الوجداني هو المرتكز الاول لكل تطلعاتها .
الجهل المؤسس ..
هل يتفق معي المسلم أو العربي بالتحديد ان هناك حالة من التخلف تجتاح مدننا و شوارعنا ؟ وأن هناك أزمة سيبقى أثرها عالقاً الى ما بعد مائة سنة اذا لم يتدارك الامر ؟ هل يدرك الواعون ان هناك جهل مؤسس يراد منه إغراق الأمة بالردئ من الفكر و المهمش من الرأي ؟ فعلى سبيل المثال منع تداول الكتب التي تؤمن بالفكر الاخر او المعتقد الاخر من دخول مكتبات الاقطار المحكومة على نسق واحد وباتجاه منغلق , كنت قد ذهبت الى الحج في احد الاعوام وقبل مغادرتنا مطار جدة أعطونا كتيبات صغيرة لا تتجاوز الاربعة , و بعد وصولنا الى أول توقف في مطار طهران الايراني أخذوا منا كل الكتب , وبدون إستئذان , خوفاً ان تنقل عدوى الفكر أو ان يعطس أحدنا ليكون وهابياً في يوم وليلة .
كذلك الامر في بعض دول الخليج , فالذي يقدم من العراق الى الكويت سيجد من ينتظره هناك باحثاً.عن الكتب الشيعية بالتحديد الخارقة لقانون الطبيعة البشرية و المستفحلة في اكتشافات العالم الكوني المتحضر ! , يبحث الجندي الحدودي وبعد كاميرات المراقبة ليكشف أن تلك الكتب ماهي إلا كتب الادعية المعروفة ضياء الصالحين أو مفاتيح الجنان أو أي كتاب أخر , حتى يقوم بمصادرته و أخذه عنوة دون أن يعرف محتواه و ما يدور في أوساطه , بالتأكيد أن ذلك الجندي المسكين غير ملام , لأنه يتلقى أوامره من القيادة العليا التي تتبنى الجهل المؤسس .
974 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع