يعقوب أفرام منصور
وباء كورونا١٩يدقّ جرس النذير
كان النذير الأول الخطير للبشرية هو الصادر عن الرب البارئ إلى عبده الصالح (نوح) بواقعة طوفان غامر كاسح شامل مُبيد قبل حوالي 7600 عام،إستنادًا إلى عملية مسح استكشاف جيولوجي، قام به فريق مؤلّف من عالِمين أمريكيين في العقد الأخير من القرن الأخير من القرن العشرين هما وليم ريان ووالتر بتمان، بمعيّة علماء محيطات من بلغاريا وروسيا وتركيا، لإستكشاف البحر الأسود الذي منه ـ خلال وادي البسفور الضيّق ـ حصل الدفق الطوفاني الهائل بقوة لا يمكن تصوّرها بسبب انصباب مياه البحر الأبيض المتوسط، متدفّقة فوق الشواطئ والأنهار واليابسة، مدمّرة ومطاردة جميع أشكال الحياة والحضارة في طريقها، وجرى هروب الناس منها إلى غير رجعة. فقد كشف الباحثان العالمان أدلّة آثاريّة ووراثية ولغوية مشيرة إلى حصول تشتّت بشري سريع، وامتدّ إلى غرب أوربا وآسيا الوسطى والصين ومصر والخليج العربي وشعوب منطقة البحر الأسود، حتى إنه يمكن أن يكون ضمنَهم السومريّون الذين أسسوا أول حضارة مدوّنة في بلاد ما بين النهرين، فكانت هي منبع حضارة العالم. (أنظر كتاب " طوفان نوح " من منشورات "بيت الحكمة " ومجلة "ألفكر المسيحي " ـ دار البستان للصحافة والنشر ـ بغداد 2005) .
هذه المعلومات الموثّقة تذكّرنا بما ورد في ( أسطورة جلجامش ) السومرية عن الخلق والطوفان ، كما تذكّرنا ب (سِفر التكوين) من (الكتاب المقدّس) في فصوله 6 ـ 9 عن الطوفان، وبذا تبرز بعض نقاط التقاء وإنجازات قويّة بفضل طاقة نوح (الصالح الوحيد آنئذٍ) لتوجيهات الرب، إذ يُعَدّ الأب الثاني للجنس البشري، ورجل الصبر والثبات، وبنّاء عظيم للسفن !
غِبّ الطوفان جرى تنامي عدد البشر من نسل أبناء نوح : سام ـ حام ـ يافت، كما تعددت أجناسهم وأعراقهم ولغاتهم، وانتشرت الخلائق على أطراف سطوح كوكب الأرض خلال زهاء 5500 سنة قبل بداية التقويم الميلادي ب (2020 سنة) . في بحر هذه الحقبة الطويلة من التاريخ الحضاري البشري قامت دويلات ثم دُوَل وممالك وسلطنات وإمبراطوريات، شاعت فيها الديانات الوثنية، حتى ظهور إبراهيم أبي المؤمنين في حوالي عام 1800 ق.م. ـ اي بعد حمورابي ب 100 سنة، فكان إبراهيم أول مخلوق مؤمن بوجود الله خالق البشر والأكوان وهو رب العدل والحق والصلاح والإستقامة. ولما ظهر موسى (كليم الله) كان الزمان حوالي 1300 ق.م.، وكانت السُنن والشرائع المعروفة آنذاك هي شريعة حمورابي حوالي عام 1750 ق.م.، وشريعة نرام سن الأكدي في عام 2000 ق.م. ، لكنها كانت قليلة البنود والشهرة. مع العلم أن إبراهيم عاصر مَلْكي صادق ، ملك وكاهن للعلي في أورشليم حيث التقى إبراهيم وباركه، وكان المديانيون المقيمون على ساحل البحر الأحمر وفي صحراء سيناء في زمان موسى قومًا موحّدين الله لأنهم نسل إبراهيم من زوجته الثانية قطورة.
مع وجود هذه الأديان الوثنية، ووجود الشرائع والسُنن الأنف ذكرها حينئذٍ ـ قبل شريعة موسىى ـ التي من شأن جميعها تنظيم الحياة الحسنة وتطبيق العدالة وصيانة الحقوق الفردية والعامة، وترسيم الحدود المتاخمة بين الدول، لكن تخللتها الحروب والمطامع والمفاسد والتآمر وشيوع الغش والمظالم والرذائل والسيئات التي أ!زعجت وأغضبت الله الخالق أيضًا كما كانت قبل الطوفان وربما أكثر !
شاء الرب بعدئذٍ أن يظهر النبي موسى من الشعب العبراني الذي يحمل عقيدة إبراهيم بعد حوالي 500 سنة، أي حوالي عام 1300 ق. م. وفي العهد الأخير من فراعنة وادي النيل وفي مصر وفي العصر الوسيط من حقبة الدولة الآشورية، ليُقَفّي على موسى بأنبياء عديدين من بني إسرائيل العبريين خلال فترات متفاوتة، وكان كل نبي منهم بمثابة منذر ومرشد وهادٍ لقوم أسرائيل (غلاظ الرقاب ، كما نعتهم موسى) وجميع أنبيائهم تنبأوا بمجيء نبي مخلّص يُدعى المسيح المنتظَر، شاءه العبرانيون مخلّصًا سياسيًا. لكن الشعب الإسرائيلي لم يسلك السلوك الإيماني المنصاع لإرادة الله ووصاياه، ولا بالإعتماد عليه في امور حياتهم، ولم يُحبوا الله كما طلب ووجب عليهم كما شرح لهم موسى ذلك في سِفره (تثنية الإشتراع)، فكان أن سلّط الله عليهم قضبان غضبه من خلال حكّام آشور والكلديين مرارًا عديدة، كما أنذرهم عبرَ االنبوءات، غير أنهم قتلوا معظمهم.
في غضون ألفي عام تقريبًا من تاريخ البشرية، قبل مولد السيّد المسيح، وعلى الرغم من بروز إبراهيم على مسرح الوجود والتاريخ، ثّم موسى كليم الله وشريعته ذات الوصاياالعشر، ومحتوى سِفر "تثنية الإشتراع"، سادت الحروب والمظالم والأطماع والموبقات والرذائل والنفاق، وعبادة الأوثان والبقر، برغم اشتهار وتطبيق شريعة حمورابي وقوانين الفرس واليونان والرومان، وشاع الفجور والأسترقاق والسفك بدوافع الإستملاك والإشتهار والإستعباد والغطرسة، حتى إن قياصرة روما عدّوا أنفسهم ألهة أرضيين تستوجب الشعب أن يسجدوا لهم ويُبخّروا لهم كما للأصنام !
بعد600 سنة من التاريخ الميلادي أُستُهِلّ إنتشار عقيدة الإسلام التوحيدية في أقطار المشرق أولاً ثمّ في أقطار الغرب الأوربي فالأمريكي ففي كل القارات. لكن برغم انتشار العقائد والمذاهب الإيمانية للأديان التوحيدية الكتابية أمست البشرية غارقة في بحر من الآثام والذنوب والشرور إلى حد الكفر وإطاعة غوايات إبليس على نحوٍ متصاعد منذ (عصر التنوير!) والثورة الصناعية، وتعاظم الثروات والغنى الباذخ وجالب الشرور والإنحرافات المرافقة للمد الإستعماري، واستفحال الأطماع التي لا تشبع أبدًا إلى حد الفتك والسفك في حربين عالميتين رهيبتين، رافقتهما وعود زائفة من القوى الكبرى بمنح الإستقلال للشعوب والقوميات الصغرى، وتحريم الحروب كما نصّ ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945. لكن برزت حُمّى تسابق التسلّح ( قبلاً وحاليًا ) هوالمنذر بالإهلاك الشامل، والأنكى هو الإعداد لغزو الكواكب والعوالم الفضائية بدافع الغرور المظلم وكبرياء التعالم، متجاهلين حقيقة علمية هي إستحالة عيش خلائق الأرض على كواكب أخرى ـ إن وُجدت ! لقد بلغ الإنسان الذروة في الإرتقاء الحضاري التكنولوجي، وليس الأخلاقي وهو الأوجب، وعلّته الكبرى هي بعده الشاسع عن الله ، واعتماده على القوة والذكاء في حل معضلاته ومشاكله، وليس على سبل الله القويمة،؛ ثمّ علّته الثانية : إغراقه في الطمع الذي لا يشبع بكل أشكاله !
وآخر ما شهدته البشرية حاليًا، منذ مطلع آذار 20، من سوء فعل وقسوة واستهتار بالقِيَم الأخلاقية والإنسانية، وبأرواح الناس عمومًا في كل القارات، هو نشرٌ مفتعل متعمّد لفايروس وباء كورونا19 شديد الفتك، وسيع الإنتشار، غزير التكاثر، وقامت ـ ـ بهندسته الإعدادية لتوليده وتكثيره وتطويره في مختبرات خاصة ـ ثلاث قوى إقتصادية متناحرة متنافسة تنافسًا حادًا : شرقية وغربية وأوسطية، وحدة التنافس بين القوتين الأولَيين تبلغ درجة التحرّق لبلوغ الهيمنة الإقتصادية على دوَل وشعوب العالم، وبينهم كيان ثالث ثانوي أوسطي، إنتهز فرصة الإنتشار الوبائي هذا لتحقيق مآربه الطموحة إلى الإمتداد والتوسّع لينافس القوّتين؛ وتسعى القوى الثلاث لتحقيق أغراض إيذائية موغلة في القسوة والأنانية الجرمية القاتلة التي تستحق المساءلة والعقاب، وستكشف الأيام وشيكًا عن أسرار هذه المساعي الجرميّة، فليس من خافٍ إلاّ سيُعلَم !
هذا الفعل الجرمي يوحي بتكراره، لذا اقول ، وآخَرون يقولون : [ إن وباء كورونا19 يدقّ جرس النذير الخطير] وذلك لنهاية مأساوية لخلائق هذا الكوكب قبل نهاية إفنائها بالأسلحة النووية المخزونة في عنابر الدوَل الجشعة المستهترة بأرواح المليارات، إذ إن الشائع قبل شهور هو التحضير لإنتاج وباء يحمل الرقم 33 ـ أي بعد 13 سنة ! ولعلّ الراسخين في العلم والعرفان يدركون مغزى هذا الرقم المشهور بالشؤم، ومرامه ومصدره ! ولا أستبعد إنتاج وباء قبله وآخّر بعده ! والذين يعيشون يرون! ولكن من مدعاة الأسف الشديد والمحزن هو إن (الإنسان) يبدو جليًا الآن ( ليس سيّد نفسه ) ـ كما يجب أن يكون ـ لذا فهو ليس سيّد مصيره، بل هو مسودٌ عليه !
1285 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع