د. علي محمد فخرو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عبر أكثر من قرن ونصف والأمة العربية، وبالتالي مجتمعات وطنها العربي، تعيش حالة انعدام الوزن السياسي. ابان ذلك الزمن الطويل مرت في أربع محاولات لاستعادة ذلك التوازن الضروري لكل عملية نهوض. وفي كل مرة تنتهي المحاولة بحصاد لايكفي لعملية النهوض والتحديث الذاتي. دعنا نفصل باقتضاب شديد مانعني بذلك.
بدأت المحاولة الأولى في القرن التاسع عشر عندما حاولت مجموعة من المفكرين الاصلاحيين الاسلاميين، أمثال محمد عبده والافغاني والطهطاوي والكواكبي وغيرهم، طرح مشروع قراءة جديدة للدين الاسلامي لاخراج بلاد العرب والمسلمين من التخلف الفقهي والحضاري، كانت محاولة فكرية اسلامية للتحرير من نير الاستعمار من جهة وللخروخ من سبات القرون الى ألق العصر من جهة ثانية.
لكن تلك المحاولة توقفت في منتصف الطريق ولم تقد الى مشروع سياسي يقلب الأفكار الى فعل فكان من السهل الانتقال الى المحاولة الثانية التي تمثلت، بدعم من قوى الاستعمار الغربي ومن بعض المفكرين، في تقديم المشروع الليبرالي بوجهيه الاقتصادي الرأسمالي والسياسي الديموقراطي التمثيلي البرلماني.
لقد أريد لتلك المحاولة أن تتعايش مع اقطاع زراعي وتحالف قبلي - عائلي - مالي فكان أن تشوهت وأصبحت مظهرية مزورة، ففقدت المجتمعات العربية أملها في تلك المحاولة، الأمر الذي هيأ لقبول المحاولة الثالثة المتمثلة في انقلابات عسكرية متتالية جاءت تحت مظلة المشروع القومي العربي، فكرا وممارسة.
لقد كانت المحاولة الثالثة واعدة وفاعلة في الواقع السياسي العربي بسبب وجود فكر سياسي معقول يقف وراءها، وأحزاب وحركات سياسية تناضل من أجل تحقيقها، وقيادات تاريخية، من مثل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تجيش الجماهير لدعمها. لكن التكالب الصهيوني والاستعماري من جهة وبعض الأخطاء المرتكبة من جهة ثانية أديا الى التراجع المعروف لتلك المحاولة، الأمر الذي أوجد فراغا سياسيا في حياة الأمة كان لا بد من ملئه، فكان أن دخلت الأمة في المحاولة الرابعة.
المحاولة الرابعة هي التي تعيشها الأمة العربية، عبر الوطن العربي كله، حاليا. انها خلط من فعل ثوري كما حدث في تونس ومصر مثلا، ومن صعود مفاجئ للاسلام السياسي. وكما كان الحال مع المحاولات الثلاث السابقة فان المحاولة الرابعة تواجه المشاكل والأهوال الخارجية والداخلية.
أما الخارج فلا يحتاج الى تبيان. فالمحاولة الرابعة تواجه الصهيونية التي تسعى بكل قواها لتدميرها، وهي تواجه الاستعمار الغربي الساعي لوضعها تحت جناحية، وهي تواجه قوى اقليمية تسعى لأن تهمين على مسارها.
لكن الاشكالية الأكبر تكمن في الداخل. فالصمود الاسلامي السياسي منقسم على نفسه فيما بين وسطية قليلة الخبرة والكفاءة وغير مهيأة للقيام بقيادة تاريخية وبين سلفيه متزمته مهووسة بالقشور من الأمور وبالتراجع التاريخي العبثي وبين جهادية انتحارية تقتل الأبرياء وتساهم في تدمير المجتمعات. هذه الوجوه الثلاثة للاسلام السياسي، المتصارعة فيما بينها، غير القادرة على قيادة الزخم الثوري الذي تعيشه المجتمعات العربية، مع العجز المفجع عند القوى الثورية الشبابية في الانتقال من الفعل الثوري الى المشروع السياسي.. هذا كله بدأ يفعل في الانسان العربي العادي فعله، اذ هناك بوادر فقدان للأمل وشكوك في امكانية نجاح المحاولة الرابعة.
النتيجة هي أننا في بدايات دخول الأمة في دورة فقدان للتوازن السياسي، وبالتالي فقدان للقدرة على الاختيار، اختيار مسار سياسي واضح المعالم تجتمع من حوله كتلة جماهيرية كبيرة، تؤمن به وتناضل من أجله وتطمئن الى أنه سيقودها الى مستقبل نهضوي حداثي ذاتي. من هذه الأهمية القصوى لوجود الكتلة التاريخية التي ستعمل من أجل بلورة ذلك المسار للأمة ومن أجل تنظيم القوى للعمل في سبيل انجاحه ومن أجل ارجاع الأمل في النفوس. وهذا حديث المقال القادم.
979 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع