الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
الحرب العالمية الثالثة
لقد خاضت البشرية عبر تاريخها الطويل حروبا كثيرة أسفرت عن ملايين الضحايا، ومن أشهر تلك الحروب الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) والحرب لعالمية الثانية (1939-1945). وفي هذه الأيام يخوض العالم أجمع حربا ضروسا غير مسبوقة بين بني آدم من جهة وكائن مجهري غزا الأرض من جهة أخرى. إنها حرب عالمية ثالثة بين كائن مجهري دخيل يشغل حيزا ضئيلا لا يكاد يبلغ 0.00015 ملم مربع بعد أن اقتحم الأرض التي تزيد مساحتها عن 550000000 كم مربع وبث الرعب بين سكانها الذين يزيد عددهم عن 7 مليار نسمة!!
وهذه الحرب لا تنفع معها الأسلحة التقليدية ولا الأسلحة الذرية ولا القنابل الهيدروجينية ولا الأقمار الاصطناعية ولا التقنيات الإلكترونية ولا الطائرات المخيّرة أو المسيَّرة. إنها حرب أُصيب بتداعياتها شخصيات قيادية كبيرة، وأجبرت الملوك والرؤساء وكبار المسؤولين للظهور على شاشات التلفاز ليعلنوا خططهم المرتبكة في مواجهة هذا العدو الجديد المرعب.
لقد نجم عن هذا الغزو العديد من التداعيات البالغة الخطورة. وأولها الخسائر البشرية المتصاعدة والتي بلغت حتى هذا اليوم 15,105 حالة وفاة وبلغ عدد الإصابات 337,114 إصابة في العالم أجمع. أما الخسائر المالية فهي كارثية وبالتريليونات ويصعب حصرها بعد توقف معظم النشاطات التجارية والأنشطة الاجتماعية والفعاليات الرياضية والفنية، تم أغلاق الحدود وأصاب الشلل حركات النقل البرية والبحرية والجوية.
كما أغلقت المدارس والجامعات أبوابها، وأصاب الشلل شبه التام مختلف مجالات الحياة، فانقطعت أرزاق شرائح كثيرة من المجتمع البشري، وأصبحت الناس حبيسة المنازل والبيوت، فظهرت مشاكل جديدة ومتعددة.
لقد نجم عن مكوث الناس في بيوتهم لفترات زمنية طويلة بلا عمل، اتجاههم إلى شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات. أما الفضائيات فلم يعد لها سلعة سوى (أخبار فيروس كورونا وخسائره البشرية المتصاعدة وتتبع انتشاره). وأما شبكات التواصل الاجتماعي فلم يعد لها سلعة رائجة سوى (فيروس كورونا) بمنشورات متباينة ورسائل وفيديوهات برؤى مختلفة فيها الدعوية وفيها التوجيهية وفيها التي لها أغراض وأهداف أخرى.
لقد أفرز هذا الظرف العديد من الإفرازات المادية والمعنوية المؤثرة؛ أحدها الخوف والقلق والاهتزاز النفسي للكثير من الناس. واليوم يخوض المواطن على ساحات الكرة الأرضية حربا نفسية ضروسا نتيجة للتهويل الإعلامي، مما يؤثِّر سلبا على الوضع النفسي والمعنوي لعامة الناس.
ونحن أبناء آدم وحواء نشعر اليوم جميعا بأخوَّتنا الإنسانية، ونقف جميعا في مختلف بقاع الأرض لنعيش سوية في هذا الظرف الصعب في مواجهة هذا الكائن المجهري. ويجب علينا أن لا ندع هذه الحرب النفسية تفعل فعلها بنا وتؤثر على معنوياتنا لأن ذلك يؤدي إلى هبوط وتدني في الجهاز المناعي في أجسامنا ونحن بأمس الحاجة اليه في هذه الأيام.
نعم يجب أن نخاف ويجب أن نحذر ونأخذ كل الاحتياطات اللازمة وعدم الاستهتار واللامبالاة، ولكن بالمقابل يجب أن نكون حذرين ونأخذ بالأسباب لنخرج من هذه المعركة المريرة سالمين بإذن الله تعالى. ويجب أن يكون إيماننا راسخا بالله جلت قدرته في هذا الظرف العصيب وفي هذا الامتحان العسير ولنتذكر دائما قوله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51).
1154 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع