بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - اليتيمة الجزء الثاني
رابط للجزء الاول
https://www.algardenia.com/maqalat/43459-2020-03-04-17-03-56.html
بعد مرور 20 سنة
طوق رجال الشرطة بيت الراقصة سمية بعد وصول بلاغ من مجهول مفاده ان جريمة قتل قد وقعت بذلك المنزل. وقف العقيد فيصل ومعه قوة كبيرة من اعوان الشرطة الذين طوقوا المنزل ثم نادى بالمذياع طالباً من المجرم ان يسلم نفسه. انتظرت الشرطة لعدة دقائق لكن المجرم رفض ان يسلم نفسه فكرر العقيد ندائه لكن في هذه المرة كان يتوعد المجرم بالقصاص الشديد إن لم ينصاع لطلبهم. وبعد عشر دقائق نادى العقيد للمرة الاخيرة واخبر المجرم بان الشرطة ستقتحم المكان، هنا رد عليهم الرجل من وراء الباب وقال،
الرجل : انا بريء انا لم اقتل احداً.
العقيد فيصل : هذا ما سنعرفه من خلال التحقيق. علينا اولاً ان نأخذ افادتك لذلك سلم نفسك ولا تقاوم.
الرجل : هل تعدني بانك ستطلق سراحي؟
العقيد فيصل : سنطلق سراحك فور تأكدنا من برائتك. اما الآن فسوف تأتي معنا لكي نأخذ افادتك.
الرجل : حسناً انا خارج من الباب، انا اعزل.
العقيد فيصل : اخرج رافعاً يديك الى الاعلى.
فُتحت الباب وخرج الرجل منها، وحالما لمحه العقيد، صاح باعلى صوته،
العقيد فيصل : انبطح على الارض.
انبطح الرجل ارضاً فاسرع اليه اثنان من اعوان الشرطة وكبلوا يديه خلف ظهره ثم مسكوا بكتفيه ورفعوه الى الاعلى كي يقف على قدميه. دخلت الشرطة الى بيت المجني عليها وصاروا يتفحصون مسرح الجريمة. عثروا على المجني عليها ملقية على ظهرها في سريرها وقد تخضب السرير وملابسها بالدم. كانت جثة هامدة بدون حراك. امر العقيد اعوانه قائلاً، "لا يلمس احدكم اي شيء حتى يصل فريق الطب الجنائي"
بدأ اعوان الشرطة بتطويق المكان فسأل العقيد المتهم عن اسمه، قال اسمي لؤي فالح الدملوجي. اخرجوا لؤي معهم ثم وضعوه بعربة الشرطة واسرعوا به الى المركز. وفور وصلوهم المركز اخذوا بصمات اصابعه ثم جردوه من محتويات جيوبه وادخلوه بزنزانة ثم اقفلوا عليه الباب. نظر لؤي حوله فوجد ثلاثة من الموقوفين يشاطرونه الزنزانة فحيوه وقالوا له "برائة ان شاء الله" لكنه لم يرد عليهم فدنى منه احدهم وقال،
الموقوف : لماذا لا ترد يا رجل؟
لؤي : ولماذا ارد عليك؟ هل انت صديقي او اخي؟
الموقوف : ولماذا انت متعجرف ومتعالي ايها الصرصار الحقير؟ هل تعتقد انك افضل منا؟
لؤي : ابعد عني والا نلت منك يا غبي.
هنا لم يتحمل الموقوف ما قاله لؤي فقام بصفعه صفعة قوية هزت رأسه فوقف على اثرها واراد ان يدافع عن نفسه واذا بالموقوفين الباقين يتكالبون عليه ويمطرونه ضرباً وركلاً حتى وقع على الارض مغشياً عليه. دخل احد افراد الشرطة وشاهد لؤي مرمياً على الارض فناداه وقال، "قف على رجلك ايها الموقوف"
الا ان لؤي كان فاقداً للوعي ولم يتمكن من الرد على الشرطي. هنا ذهب الشرطي عنده وصار يصفعه حتى بدأ يسترد وعيه ببطئ شديد عندها سأله،
الشرطي : من الذي فعل بك هذا؟
عرف لؤي انه لو وشى بباقي الموقوفين فانهم سوف لن يرحموه بعد ذلك لذا قرر ان يقول،
لؤي : لم يعتدي علي احد. لقد تزحلقت قدماي وسقطت على الارض.
الشرطي : وهل تتوقع مني ان اصدق ذلك يا موقوف؟
لؤي : بامكانك ان تصدق ما تريد ولكن هذا كل ماعندي.
الشرطي : حسناً ساخبر العقيد بذلك.
خرج الشرطي من الزنزانة فنهظ لؤي من الارض وجلس على المسطبة الخشبية ولم يتحدث معه احد. بعد اربعة ساعات دخل عليه احد رجال الشرطة وناداه قائلاً، "لؤي الدملوجي، تعال معي" وضع الشرطي اصفاداً على معصمي لؤي واخذه معه خارج الزنزانة. سار لؤي امام الشرطي حتى ادخله الى غرفة كتب عليها (غرفة التحقيق). ادخله فيها وربط الاصفاد على المنضدة الحديدة التي جلس خلفها لؤي ثم خرج واغلق الباب ورائه. بعد نصف ساعة دخل العقيد فيصل للغرفة وجلس امام لؤي. تفحصه بدقة عالية ثم قال،
العقيد فيصل الفلاحي : انا العقيد فيصل الفلاحي، جئت للتحقيق بقضية المجني عليها الراقصة سمية حݘام. انت لؤي فالح الدملوجي متهم بقتل هذه الراقصة. ما هي اقوالك؟
لؤي : انا لم اقتلها سيدي. كان لدي موعد معها وعندما وصلت الى منزلها كانت قد فارقت الحياة فعلاً وقبل ان اتمكن من الخروج قامت الشرطة بمداهمة المنزل وكأنها كانت تنتظرني.
العقيد فيصل الفلاحي : لكننا عثرنا على اداة الجريمة وهي سكين منزلي يستخدم في المطابخ. قمنا بمطابقة البصمات التي رفعناها منه مع بصماتك فوجدناها مطابقة تماماً.
لؤي : هذا كلام غير معقول. كيف تجدون بصماتي على آداة الجريمة وانا لم اضع يدي عليها.هل يعقل ذلك؟
العقيد فيصل الفلاحي : لا اعلم يا لؤي، انت الذي يجب ان تخبرني، ماذا جاء ببصماتك على اداة الجريمة؟
لؤي : ربما تريدون الايقاع بي لسبب ما؟
العقيد فيصل الفلاحي : ولماذا نفعل ذلك؟ ما هي مصلحتنا بفعل ذلك؟ هل يعرفك رجال الشرطة؟ هل لك سوابق؟ هل سبق وان تشاجرت مع احدهم؟
لؤي : كلامك منطقي ولكن كيف حصل ذلك؟
العقيد فيصل الفلاحي : الآن اريدك ان تعود الى الزنزانة وتفكر ملياً بكل التسائلات هذه، عسى ان تجد جواباً معقولاً ينقذك من حبل المشنقة.
لؤي : ماذا قلت؟ المشنقة؟
العقيد فيصل الفلاحي : وهل كنت تعتقد اننا سنكتفي بحبسك بضعة ايام ثم نقَبّلكَ ونرجعك الى بيتك؟
لؤي : لكني بريء ولم ارتكب اي جريمة.
العقيد فيصل الفلاحي : هذا ما سيتوصل اليه التحقيق.
نادى العقيد على احد اعوان الشرطة وامره باخذ المتهم وارجاعه الى الزنزانة.
في اليوم التالي صرخ لؤي من فتحة باب الزنزانة طالباً التحدث بالهاتف. فاوصلوا طلب المتهم للعقيد فاعطاهم الاذن كي يسمحوا له بالتحدث بالهاتف. دخل لؤي بصحبة الشرطي الى غرفة العقيد فاشار العقيد بيده كي يستعمل الهاتف. ضغط لؤي على رقم هاتف والدته فرفعت السماعة وقالت،
اسماء : من الطالب؟
لؤي : انا لؤي يا امي. احتاج مساعدتك. انا بمركز الشرطة.
اسماء : ماذا؟ مركز الشرطة؟ يا ساتر يا ربي. ماذا فعلت هذه المرة؟ هل انت بخير؟
لؤي : ساخبرك عندما تأتين.
اسماء : باي مركز شرطة انت يا لؤي؟
لؤي : مركز شرطة الجادرية.
اسماء : حسناً ساتي فوراً.
وضع لؤي سماعة الهاتف وشكر الضابط فسأله،
الضابط : هل تسكن والدتك بمفردها؟
لؤي : اجل.
الضابط : ولماذا لا تسكن انت معها، فانت لست متزوجاً.
لؤي : انا لا احب تدخلها بحياتي الخاصة، اين ذهَبتَ؟ متى سترجع؟ مع من كنت اليوم؟ لماذا تأخرت؟ لماذا لا تبحث عن عمل؟
الضابط : حسناً فهمت. بمعنى آخر انت صايع.
هنا اومأ الضابط للشرطي كي يرجع لؤي الى زنزانته.
بعد ساعة دخلت اسماء مركز الشرطة وسألت عن ابنها فادلها احدهم الى مكتب العقيد. طرقت الباب فاذن لها بالدخول،
اسماء : السلام عليكم حضرة الضابط، انا اسماء والدة لؤي. هل تأذن لي بالدخول؟
العقيد فيصل الفلاحي : تفضلي يا اختي، اجلسي رجاءاً.
اسماء : اود ان تخبرني عن كل شيء يتعلق بابني لؤي، فهو ولد طائش ومتهور لكنه طيب القلب ولا يرتكب اي جريمة. لقد اخبرني الشرطي الذي بالباب انكم اتهمتم ابني بالقتل.
العقيد فيصل الفلاحي : ان ابنك لؤي خرج من شقة قتيلة لم يمضي على وفاتها سوى بضع دقائق. والسكين الذي طعنت به القتيلة يحمل بصمات اصابع ابنك لؤي. بالوقت الحالي هو مشتبه به ولكن عندما تنتهي التحقيقات ونتأكد من انه هو الفاعل فاننا سنقوم بتوجيه التهمة اليه وسيحول الى النيابة كي تأخذ العدالة مجراها. هذا كل ما استطيع ان اقوله لكِ.
اسماء : بما انه ما زال مشتبه به فلماذا لا يخرج الليلة ويعود للبيت معي؟
العقيد فيصل الفلاحي : هذا غير ممكن يا مدام اسماء. يجب التحفظ عليه حتى نعرف نتيجة التحقيق.
اسماء : ارجوك يا حضرة العقيد. اتوسل اليك، هو ابني الوحيد وانا اطلب من شهامتك ان ترأف بهذا الفتى الشاب. ارجوك.
العقيد فيصل الفلاحي : انا اطبق القانون هنا وليس لدي اي سلطة تمكنني من اخراج لؤي الليلة. نصيحتي لك ان تخرجي الان لبيتك وغداً تحاولي ان تنتظري قرار النيابة فإن وجهوا له تهمة القتل وهذا امر محتمل فانا انصحك ان تجدي محامياً جيداً يحاول ان يخفف الحكم عنه. ارجوكِ سيدتي لا تطيلي الحديث معي فانا مشغول بقضايا غيرها.
اسماء : هل تأذن لي كي ارى ابني الآن؟
العقيد فيصل الفلاحي : اجل ولكن لخمس دقائق فقط.
ما ان التقت اسماء بابنها لؤي وقبلته واستفسرت عن احواله الا وجائها الضابط وطلب منها انهاء المقابلة. خرجت اسماء من المركز وهي تمسح دموعها بعد ان قابلت ابنها. رجعت بيتها وقررت البحث عن محامي جيد. باليوم التالي اتصلت اسماء هاتفياً باحدى قريباتها في بغداد الجديدة وسألتها إن كانت تعرف محامياً جيداً يستطيع اخراج ابنها من مأزقه هذا الا ان قريبتها اعتذرت وقالت بانها لا تعرف اي محامي. بعد ذلك قامت اسماء بالاتصال بعدة اصدقاء ومعارف آخرين كي تسألهم عن محامي جيد. وبآخر المطاف اخبرها ابن عم زوجها ان هناك محامي يدعى جمال ابو التمن وهو محامي بارع لم يخسر قضية واحدة منذ اكثر من ثلاثين عاماً وقام باعطائها رقم هاتفه. اتصلت اسماء بذلك الرقم وطلبت مقابلة المحامي فاعطاها السكرتير موعداً كي تقابله باليوم التالي. ذهبت اسماء باليوم التالي قبل الموعد بساعة واحدة كي تتأكد من وصولها مكتب المحامي حتى لا تضيع تلك الفرصة من يدها. عندما جاء دورها نادي الساعي اسمها وادخلها على غرفة المحامي، وجدت رجلاً سبعينياُ جالساً خلف مكتبه واضبارات كثيرة تملأ سطح مكتبه. حيته باحترام فرحب بها واشار لها بالجلوس. بدأت اسماء بشرح ملابسات قضية ابنها لؤي وكيف انها متأكدة من برائته فاوقفها فجأة وقال،
المحامي جمال : كان بودي ان اساعدك يا سيدة اسماء لكن القضية التي جئت من اجلها هي قضية جنائية. وانا لا اتعامل مع تلك الانواع من القضايا.
اسماء : لماذا يا سيدي؟ لقد اخبرني قريب زوجي بانك ابرع محامي بالبلد.
المحامي جمال : انا محامي متمرس وهذا صحيح لكني متخصص بقضايا من نوع آخر تماماً.
اسماء : اليس المحامون يدافعون عن حقوق الابرياء يا سيد جمال؟
المحامي جمال : هناك الكثير من انواع القضايا يا سيدة اسماء مثل القضايا الزوجية، القضايا العقارية، القضايا المالية، القضايا الإنهائية، القضايا الجنائية. انا متخصص بالقضايا الزوجية. اي انني اساعد على الطلاق والنفقة والحضانة وما شابه. اما قضية ولدك فانك تحتاجين الى محامي متخصص بالقضايا الجنائية. لان ابنك متهم بجناية قتل. فالنيابة هي التي تقرر إن كانت قضية ابنك جنحة أم جناية، والقانون الجنائي هو القانون المحلي، أو التابع للولاية، أو المنطقة والذي يحدد الأعمال الإجرامية والجرائم، ويُصدر حكم إلقاء القبض على منفذيها، وهو المسؤول في نفس الوقت عن احتجازهم، وتقديمهم للمحاكمة وفرض عقوبات محددة عليهم. لذلك انا انصحك ان توكلي محامياً متخصص بذلك النوع من القضايا.
اسماء : لكني لا اعرف اي محامي سواء كان من هذا النوع او ذاك. الا قمت بنصحي كي استطيع ان اوكله.
المحامي جمال : بالحقيقة انا اعرف محامية واحدة تعتبر من افضل المحامين العراقيين بمجال القضايا الجنائية. بامكانك الاتصال بها فإن وافقتْ على طلبك فهي افضل ما موجود في ميدان العدالة.
اسماء : أرجوك اعطني اسمها وعنوانها ورقم هاتفها سيدي.
المحامي جمال : اسمها اسراء وهذه بطاقتها الشخصية.
اعطى البطاقة للسيدة اسماء فقرأت الاسم الكامل، (اسراء سالم القطان) "يا الهي هذه الطفلة اليتيمة التي كانت تعيش ببيتي. ايعقل ان تكون هي نفس تلك الطفلة الهادئة البريئة؟ ايمكن ان تكون الآن افضل محامية بهذا التخصص؟"
المحامي جمال : هل هناك مشكلة يا سيدة اسماء؟ هل لديك تحسس من محامية انثى؟
اسماء : لا ابداً، ساتصل بهذه المحامية علها تستطيع مساعدتي. شكراً لك معروفك هذا سيد جمال. طاب يومك.
خرجت اسماء من مكتب المحامي جمال والف سؤال وسؤال يدور ببالها. "لم تَمُرّ سوى بضع سنين منذ ان كانت طفلة صغيرة تلهو وتلعب بفناء الدار، ايعقل انها تخرجت واصبحت محامية كبيرة بهذه السرعة؟ ايعقل ان تكون هذه اليتيمة هي امل ولدي الوحيد بالخروج من ذلك المأزق الذي هو فيه؟ دعني اتصل بها، قد يكون هناك تشابه بالاسماء فعائلة القطان عائلة كبيرة وقد يكون لديهم اكثر من سالم من الذين اسمو ابنتهم اسراء"
رجعت اسماء لبيتها مسرعة واتصلت بالرقم الذي حصلت عليه من المحامي جمال فاجابها صوت على الهاتف،
المحامية اسراء : مكتب المحامية اسراء سالم تفضلوا.
اسماء : السلام عليكم حضرة المحامية. انا اسمي اسماء زوجة المرحوم فالح الدملوجي.
المحامية اسراء : الخالة اسماء؟ ايعقل هذا؟ بعد كل هذه السنين؟ كيف حالك يا خالة؟
اسماء : انا بمحنة كبيرة الآن يا ابنتي واحتاج مساعدتك. ارجوك لا تخذليني.
المحامية اسراء : بالتأكيد يا خالتي، فانا والمرحومة امي مدانون لك بفضل كبير. كيف استطيع مساعدتك؟
اسماء : ابني لؤي تورط بقضية كبيرة واتهموه بالقتل. انا متأكدة من انه بريء. اخبرني المحامي السيد جمال ابو التمن انك افضل المحامين بالقضايا الجنائية.
المحامية اسراء : اجل هذا صحيح فانا متخصصة بهذا النوع من القضايا لكن ما هي المشكلة؟
اسماء : عثرت الشرطة على ولدي ببيت احدى السيدات المقتولات للتو فاتهموه بقتلها.
المحامية اسراء : إذاً تعالي الى مكتبي اليوم الساعة الحادية عشرة وسنتحدث بالتفصيل عن القضية.
اسماء : شكراً لك يا ابنتي فهذا دين لن انساه ابداً.
اغلقت الهاتف وتبسمت المحامية اسراء قائلةً في سرها "لا استبعد منك ان تصبح قاتلاً الآن بعد كل هذا الشر الذي شفته منك في السنين الغابرة. سيعاقبك القضاء قبل ان يعاقبك الله في الآخرة"
في تمام الساعة الحادة عشر تماماً دخلت السكرتيرة على المحامية اسراء واخبرتها ان هناك سيدة تدعى اسماء تريد التحدث معها. فاذنت لها بالدخول.
اسراء : اهلاً وسهلاً بك يا خالتي العزيزة. تفضلي واجلسي. هل تشربين القهوة ام الشاي؟
اسماء : اهلاً بك يا ابنتي. الصلات والسلام على سيدنا محمد لقد اصبحت محامية كبيرة والحمد لله. شكراً يا ابنتي لا اريد شرب اي شيء. اريد فقط التحدث اليك عن القضية فالامر مقلق للغاية.
اسراء : إذاً تفضلي بالجلوس واخبريني بكل شيء.
بدأت السيدة اسماء تقص عليها ملابسات الحادث كما اخبرها ابنها لؤي ثم اخبرتها باختصار ما تدعيه الشرطة. هنا سألت اسراء،
اسراء : وهل احيلت القضية للنيابة بعد؟
اسماء : نعم. هذا ما قاله العقيد فيصل.
اسراء : إذاً دعيني اذهب للنيابة الآن واتحقق من الامر ولكن قبل كل شيء اريدك ان توقعي لي هنا على هذه الاوراق. انه توكيل منك لي كي امثل لؤي اي اكون محاميته.
وقعت السيدة اسراء على الوكالة وخرجت من مكتب اسراء. اخذت اسراء حقيبتها وارتدت معطفها ثم خرجت للشارع حيث استقلت سيارتها المرسيدس وانطلقت نحو النيابة العامة. في الطريق كانت تتحاور مع نفسها وتقول، "اتمنى لو انني استطيع ان اثبت التهمة على هذا الحقير والف حبل المشنقة حول عنقه، فمجرم مثله لا يستحق الحياة ابداً، لكن ماذا عن شرفي المهني؟ ماذا عن القسم الذي اقسمته عندما اصبحت محامية؟ هل يجوز ان اوقع بموكلي واعمل ضده ام اعمل قصارى جهدي كي ادافع عنه واثبت برائته (إن كان بريئاً). كيف استطيع ان اتصرف بنفس الشر الذي كان يتصرف به هو؟ دعنا نرى اوليات القضية"
دخلت النيابة وتحدثت مع رئيس النيابة السيد منذر المصري قائلةً،
اسراء : السلام عليكم سيد منذر.
منذر : اهلاً وسهلاً بسيدة المحاميات العراقيات. كيف حالك؟
اسراء : انا بخير سيدي. جئتك اليوم بقضية السيد لؤي فالح الدملوجي.
منذر : القضية شبه منتهية يا اسراء. القتيلة هي راقصة تدعى سمية، وجدت مقتوله ببيتها بالجادرية والمتهم لؤي كان موجوداً في منزلها عندما داهمته الشرطة. كانت اداة الجريمة مازالت مغروسة بقلبها ولم نعثر على اي بصمات اخرى على اداة الجريمة سوى بصمات للمتهم لؤي.
اسراء : وكيف عرفت الشرطة بوقوع الجريمة؟
منذر : لحظة واحدة، دعيني انظر الى الملف...
قلب السيد منذر بالملف لعدة دقائق ثم اكمل حديثه،
منذر : نعم، نعم جائهم بلاغ من مجهول على الهاتف.
اسراء : الا تعتقد ان ذلك غريباً يا استاذ منذر؟ لماذا لم يفصح ذلك الشخص المخبر عن هويته؟ وكيف عرف بوقوع الجريمة؟
منذر : لا اعلم بعد. سنحقق بالامر، وسوف نصل للحقيقة لامحال.
اسراء : حسناً. هل بامكاني اخذ نسخة عن الملف؟
منذر : بالتأكيد، هذا حقك سيدتي مادام لديك توكيل.
ضغط منذر على الجرس فدخل احد اعوان الشرطة. اعطاه الملف وطلب منه ان يصوره ويعطي نسخة منه الى السيدة اسراء كي تطلع عليه. بعد خمس دقائق عاد الساعي ومعه ملفان. اعطى واحداً منهما الى اسراء. نظرت اسراء لمنذر وقالت،
اسراء : ساكون على اتصال دائم معك سيدي، شكراً جزيلاً.
منذر : لا شكر على واجب.
خرجت اسراء متجهة الى مكتبها. وفور دخولها المكتب خلعت معطفها وجلست على كرسيها الوثير ثم بدأت تقرأ الملف بتمعن شديد. في مكان آخر من المدينة جلست السيدة اسماء في صالة منزلها وهي حزينة جداً. فقاطع ذلك الصمت صوت جرس الباب ولما فتحت الباب وجدت صديقتها القديمة السيدة كريمة واقفة هناك. رحبت بها وادخلتها الصالة ثم بدأ الحديث.
كريمة : تبدين حزينة يا اسماء، ما الامر؟
اسماء : انه لؤي يا كريمة. فمشاكله لا تنتهي ابداً. هذه المرة اتهموه بالقتل لكنه بريء ولم يرتكب اي جريمة انا متأكدة من ذلك.
كريمة : يا ساتر يا ربي. ان لؤي لا يعمل ذلك مؤكداً. ولكن هل وكلت له محامي؟
اسماء : سوف لن تصدقي يا كريمة ما ساقوله لك. محاميته هي اسراء.
كريمة : اتقصدين اسراء الطفلة اليتيمة التي عاشت عندك بالبيت ابنة المرحومة عائشة؟
اسماء : اجل، اجل انها هي بعينها. لقد اصبحت محامية من اشهر المحامين بالبلد وهي التي ستنوب عن لؤي وتثبت برائته.
كريمة : يا لسخرية القدر! بالامس كانت طفلة صغيرة تلعب ببيتك ويلعب معها لؤي.
اسماء : كلا يا كريمة، لؤي لم يكن يلعب معها. كان دائماً يؤذيها ويكيد لها المكائد ويظلمها.
كريمة : الم يكونا بنفس العمر؟
اسماء : اجل لكن لؤي لم يكمل دراسته لانه فضل ان يصيع بالشوارع بصحبة اصدقاء السوء. اما اسراء فقد كانت مثابرة منذ صغرها وقد اصبحت واحدة من امهر المحامين بالعراق اتصدقي ذلك؟
كريمة : اجل اجل ولا تنسي ان الذي يعيش بالعوزة دائماً ينجح بحياته وبتعليمه لانه يريد ان يبلغ مستوى افضل مما عاش عليه. بينما كان لؤي مدللاً ولم يجد من يضغط عليه كي يثابر ويتعلم.
اسماء : انا اعلم اني كنت مقصرة من هذه الناحية لكني ندمت على اسلوبي هذا.
كريمة : ومتى سيتقابلان؟
اسماء : ستذهب اسراء بالغد وتقابل لؤي.
كريمة : وهل لديه علم بقدومها؟
اسماء : لا اعتقد ذلك. سيتفاجأ حتماً.
في صباح اليوم التالي استقلت اسراء سيارتها وتوجهت الى حيث يحتجز لؤي وطلبت من الضابط هناك كي يأذن لها فامر باحضار لؤي بينما جلست هي بمكتبه. بعد قليل طرق الشرطي الباب ودخل بصحبة لؤي. نظر لؤي لاسراء فعرفها على الفور لكنه لم ينبس ببنت شفة. قال الضابط، : "ساترككما تتحدثان، بينما اخرج الى خارج مكتبي". خرج الضابط واقفل الباب خلفه. نظر لؤي لاسراء وابتسم ابتسامته الرخيصة المستفزة وقال،
لؤي : لماذا جئت يا غبية؟ اجئت كي تشمتي بي لاني متهم هنا وانت حرة؟ كم انت سافلة ووضيعة. انا متأكد من انك تشعرين بالنصر لانك حرة طليقة وانا مقيد هنا. انا لا اريد ان اقابلك يا بائعة الهواء.
اسراء : انت مخطئ يا لؤي انتظر...
قاطعها لؤي ثانية بكل وقاحة وقال،
لؤي : انا اعرف المتسولين الذين على شاكلتك يا ساقطة. من المؤكد ان لديك عشيق في الشرطة سمح لك ان تأتي كي تتفرجي عليّ وتفرغي سمك يا افعى مقابل اوقات سعيدة وفرتيها له.
اسراء : اسمع مني يا لؤي انا...
قاطعها ثانية وانهال عليها بسلسلة من الشتائم اثناء رجوع الضابط الى المكتب. فصرخ الضابط بلؤي بعد ان سمع كل الاهانات وقال،
الضابط : هل جننت ايها الغبي المتخلف؟ اتعلم من هي هذه السيدة التي تكيل لها الكلام البذيء؟ اغلق فمك القذر واعلم ان هذه السيدة هي افضل محامية ببغداد بل بالعراق ككل وهي متخصصة بالترافع عن المجرمين القمامة من امثالك يا معتوه.
بهذه اللحظة حملت اسراء حقيبتها وغادرت مكتب الضابط وهي تمسح دموعها لكن الضابط استمر بتأنيب لؤي قائلاً،
الضابط : إذا كنت حقاً بريء كما تدعي فانت بحاجة لمحامي قدير يتمكن من اقناع المحكمة ببرائتك، لكنك بفعلتك هذه قد خسرت افضل من يستطيع ان ينقذك من الوحل الذي أدخلت قدميك فيه.
لؤي : وكيف لي ان اعلم ذلك؟ في الماضي كانت تعمل مع والدتها كخادمة ببيتنا.
الضابط : وانت كذلك بالماضي كنت حراً طليقاً والآن انت متهم بجريمة قتل وستصبح من اصحاب السوابق إن لم يعدموك.
نادى الضابط لاحد اعوان الشرطة كي يرجعوا المتهم الى زنزانته. بعد مرور بضع ساعات وقبل انتهاء الدوام الرسمي طرقت السيدة اسماء باب الضابط وقالت،
اسماء : اتأذن لي بالدخول سيدي؟
الضابط : تفضلي يا ام لؤي، كيف استطيع مساعدتك؟
اسماء : اردت ان اعلمك اني قد وكلت احدى المحاميات هذ الصباح وسوف تتصل بكم قريباً.
الضابط : انها فعلاً جائت الى هنا قبل ساعتين. لكن ابنك الذكي قام باهانتها وكال لها ابشع الكلام فخرجت وهي غاضبة جداً واعتقد انها سوف لن تقبل قضيتكم بعد الآن وانا بالحقيقة لا الومها على قرارها لما سمعته من ابنك العبقري.
اسماء : يا الهي ما لهذا الولد المتهور! كم تعبت حتى وجدت تلك السيدة التي قبلت الانابة عن ولدي، كيف يتصرف معها بهذا الشكل؟ هل اخبرتموه من تكون؟
الضابط : يقول انها ووالدتها كانتا تعملان كخادمات ببيتكم.
اسماء : هذا صحيح، لكن ذلك كان قبل زمن طويل جداً وانا لم اعاملهما ولو لمرة واحدة كخادمات بالبيت بل كنت احترمهما واساعدهما كثيراً. لكن ولدي كان يكره الطفلة.
الضابط : لقد قامت بصنع شيء عظيم من نفسها لكي تصبح افضل محامية بالبلد. الا ان ولدك اثبت انه اغبى مهرج بالبلد عندما اهانها واغضبها كثيراً.
اسماء : وما العمل الآن ايها الضابط؟
الضابط : انا اقترح عليك ان تجدي له محامياً آخر يستطيع ان يقبل قضيته.
اسماء : شكراً لك سيدي. ساعمل بنصيحتك.
خرجت اسماء من مكتب الضابط وهي محملة بمشاعر الخجل الكبير من تلك المحامية الموقرة وبنفس الوقت شعرت بالاحباط من تصرفات ولدها. من خارج مركز الشرطة ركبت سيارة اجرة وتوجهت الى مكتب المحامية اسراء مباشرة. دخلت صالة الانتظار فشاهدت مجموعة كبيرة من الناس ينتظرون دورهم كي يدخلوا عند المحامية. تقدمت نحو سكرتيرة المحامية وقالت،
اسماء : ارجو المعذرة يا ابنتي فانا اريد ان اتحدث مع السيدة اسراء على عجل.
السكرتيرة : لا يمكنك اليوم يا خالتي فجميع من هم بصالة الانتظار لديهم مواعيد مسبقة معها.
اسماء : بامكاني ان انتظر حتى تنتهي من آخر زبون لديها ثم اقابلها بعد ذلك.
السكرتيرة : ذلك يرجع لقرار السيدة اسراء. ساعلمها بحضورك. الاسم؟
اسماء : انا اسمي اسماء والدة المتهم لؤي.
السكرتيرة : حسناً لقد سجلت الاسم عندي وساخبرها بذلك عندما تنتهي من المراجع الحالي.
بعد مرور ربع ساعة خرجت اسراء وهي تتحدث مع موكلها ثم ودعته فذهبت السكرتيرة عندها واخبرتها بخصوص اسماء فأومأت برأسها اشارة بالقبول. ثم عادت الى مكتبها ودخل عليها المراجع التالي. ذهبت السكرتيرة الى حيث تجلس السيدة اسماء واخبرتها بان المحامية ستقابلها بعد الانتهاء من جميع المراجعين. وما ان انقضت 3 ساعات حتى خرج آخر مراجع من غرفة المحامية اسراء فجائت اسراء بنفسها واستدعت السيدة اسماء الى مكتبها، فتبعتها الثانية.
اسماء : انا اعلم انك غاضبة من ابني لؤي لانه استعمل كلاماً لا يليق بك لكني جئت اليوم كي استسمحك واطلب منك ان لا تتخلي عن اخاك لؤي. واعلمي انه يعاني كثيراً لانه متهم بقضية قتل زور وانه بريء تماماً منها.
اسراء : إن لؤي ليس اخي، ولم اتعاملوني كاخت له طوال السنين الطويلة التي عشتها عندكم. وقد آذاني كثيراً وضربني واهانني. لكني كمحامية واستطيع ان اتغاضى عن الاهانات التي وجهها لي هذا الصباح إذا ما اعتذر عما قاله امام الضابط وساقوم بالدفاع عنه فقط من اجلك انت ومن اجل العشرة التي بيننا.
اسماء : سيعتذر ابني انا متأكدة من ذلك سيعتذر. ساتحدث اليه وساقرص اذنه كي يتصرف معك باحترام.
اسراء : حسناً اتصلي بي واخبريني إن تحدثت معه ووافق على الاعتذار.
اسماء : بكل سرور سيدتي. دعيني اقبل يدك.
اسراء : استغفر الله سيدتي، انا لازلت انظر اليك كما كنت انظر لوالدتي رحمها الله.
خرجت السيدة اسماء من مكتب المحامية اسراء وهي سعيدة جداً لانها استطاعت ان تحيد المحامية عن قرارها برفض القضية. وفي اليوم التالي توجهت السيدة اسماء الى حيث يحتجز لؤي وطلبت من الضابط مقابلة ابنها، وبعد بضع دقائق احضر الشرطي لؤي مكبل اليدين وادخله الى الغرفة فخرج الضابط بدوره كي يفسح المجال للسيدة اسماء حتى تتحدث مع ابنها. قالت اسماء،
اسماء : بالامس ذهبت الى مكتب المحامية اسراء...
قاطعها ابنها قائلاً،
لؤي : قصدك الخادمة اسراء. هاهاها. يا لسخرية القدر. خدامة الامس محامية اليوم.
اسماء : اسمع مني ايها القرد الاهبل. عليك ان تحترم تلك المحامية التي لم تعد تلك اليتيمة التي كنت تضطهدها عندما كانت طفلة ضعيفة. فانت اليوم بامس الحاجة اليها. لقد تحايلت عليها كثيراً حتى وافقت ان تعدل عن قرارها بالانسحاب من قضيتك. يجب عليك ان تعتذر منها وان تتعامل معها باحترام كبير كان هذا شرطها الاساسي، افهمت؟
لؤي : اجل، اجل يا امي. سافعل اي شيء كي اخرج من هنا فالطعام هنا سيء للغاية والاسرّة غير مريحة.
اسماء : إذاً ساخبرها بانك ستعتذر منها وستأتي لزيارتك باقرب فرصة.
لؤي : ما لهذا الزمان لا ينصف البشر؟ ها هو السيد يعتذر من خادمته والخادمة تصفح لسيدها. حسناً يا امي ساعتذر منها وامري الى الله.
باليوم التالي حضرت اسراء وطلبت مقابلة لؤي فاحضروه وتركوهما بمفردهما. قالت اسراء،
اسراء : اسمع يا لؤي، لقد جائت والدتك بالامس وطلبت مني كي ادافع عنك. وقد كانت على وشك ان تُقَبّل يدي كي اقبل بالانابة عنك. لكنك تستطيع ان ترفض توكيلي فبتلك الحالة تقوم المحكمة بتخصيص محامي لك من عندها.
لؤي : إذا كنت كما وصفك الضابط فلا بأس. اجلسي هنا ودعينا نتحدث. وانا اعتذر عما بدر مني. اتريديني ان اقبلك من فمك؟
اسراء : لا هذا غير ضروري.
جلس الاثنان وصارا يتحدثان عن ملابسات القضية وكيف القي القبض عليه ليلة وقوع الجريمة خارج بيت المجني عليها. قامت اسراء بتسجيل الكثير من الملاحظات التي زودها بها موكلها لؤي ووعدته انها ستتحقق مما جاء في حديثه. خرجت اسراء من المركز وتوجهت مباشرة الى مكتبها حيث اتصلت بابوعلي المحقق الشخصي الذي تلجأ اليه في بعض الامور عندما تريد التحقيق بالقضايا المستعصية. ابوعلي هذا هو شرطي سابق وهو نفسه من اصحاب السوابق لكنه تاب عن اعماله الغير قانونية منذ زمن طويل وصار يعمل لدى المحامية اسراء وهي تثق به جداً وبالمعلومات التي يجلبها لها. وعدها ابوعلي ان يحقق بامر الراقصة سمية ولؤي.
بعد ثلاثة ايام اتصل ابوعلي باسراء هاتفياً واخبرها انه يحمل معه جعبة من المعلومات عن قضية لؤي فاتفقت معه ان يحضر الى مكتبها بعد الظهر اي بعد ان تفرغ من جميع المراجعين بمكتبها. دخل ابوعلي المكتب فلاحظ ان سكرتيرة اسراء قد غادرت المكتب فعلم انه لم يبقى احد من المراجعين في قاعة الانتظار لذلك توجه مباشرة وطرق باب مكتب اسراء فاذنت له بالدخول.
ابوعلي : السلام عليك يا سيدتي.
اسراء : وعليكم السلام، خبرني يا ابوعلي هل عثرت على شيء؟
ابوعلي : اجل، هناك معلومات كثيرة سوف تنفعنا. اولاً تتبعت المكالمات الهاتفية التي وردت للشرطة وعلمت مصدر المكالمة التي تمت من خلالها البلاغ بوقوع الجريمة.
اسراء : ولكن كيف استطعت ان تتجسس على مكالمات الشرطة؟
ابوعلي : انسيتي اني كنت شرطياً ولا زال لدي الكثير من الاصقاء بالشرطة؟
اسراء : اجل، اجل واصل حديثك.
ابوعلي : من خلال تتبع شريحة الهاتف المسجلة اكتشفت ان الذي اتصل بالشرطة واخبر عن الجريمة هو عقيل ابو شنيشل الملقب بابو ورور. اتعرفين لماذا يسمونه (ابو ورور)؟
اسراء : لا
ابوعلي : لانه يحمل مسدساً معه دائماً. حتى ان هذا اللقب موثق في سجلات الشرطة. وقد قضى سنين طويلة بالسجن اكثر مما عاشه خارج السجن. وقد فهمت من جيران المجني عليها ان ابو ورور كان يتردد على دار المجني عليها كثيراً حتى ان البعض منهم كان يعرفه من الندبة الطويلة التي على وجهه والتي تبدأ من اسفل عينه اليسرى وتنتهي بالقرب من فمه. وكان على ما يبدو قد علم بتردد لؤي على دار الراقصة... ما اسمها؟
اسراء : سمية
ابوعلي : اجل سمية، لذا اعتقد انه قام بقتلها بسبب الغيرة قبل مجيء لؤي ثم تربص خارج بيتها وانتظر دخول لؤي عندها حتى قام بالاتصال بالشرطة وبلغ عنه.
اسراء : هذه معلومات في غاية الاهمية. ولكن كيف سنستطيع ان نثبت براءة لؤي حيث ان بصماته كانت موجودة على اداة الجريمة.
ابوعلي : هذا شيء بسيط سيدتي. اي لص يستطيع ان يدخل شقة لؤي ويأخذ اي سكين من حزمة السكاكين الموجودة بمطبخه ثم يقوم باسخدام ذلك السكين بطعن الضحية بعد ان يرتدي قفازاً.
اسراء : وهل نستطيع اثبات ذلك؟
ابوعلي : اجل سيدتي. فالسكاكين الباقية الموجودة بشقته لديها نفس الطمغة لشركة التصنيع وكلها تحتوي على بصمات لؤي وينقصها سكين واحد فقط هو نفسه السكين الذي استخدم بالجريمة.
اسراء : وهل بامكاننا اثبات انتماء اداة الجريمة الى مجموعة السكاكين التي بشقة لؤي؟
ابوعلي : اجل. السكين مصنوع من نوع رفيع والشركة المُصَنّعة في بريطانيا تعطي رقم تسلسل فريد لكل سكينة بالمجموعة. واداة الجريمة تحمل رقم تسلسل والرقم هذا يقع بوسط ارقام التسلسلية الباقية بمجموعة السكاكاين ببيت لؤي. واذا ما صار هناك نقاش حول هذا الموضوع فان الشركة بامكانها ان تتدخل بارسال مندوب عنها كي يتحقق من اصالة السكين باساليب علمية دقيقة.
اسراء : وكيف توصلت لكل هذه المعلومات؟
ابوعلي : بما ان لدي الكثير من زملاء السجن الذي قضيت فيه سنتين. علمت منهم كل ما اريد معرفته عن ابو ورور وطلبت منهم ان لا يخبروا احداً باستفساراتي ولا الجهة التي اعمل لها (انتِ طبعاً). فوعدوني انهم سيبقون على استفساراتي.
اسراء : جيد جداً. والآن اريدك ان تركز بحثك عن المدعو عقيل ابو شنيشل الملقب بابو ورور. اريد كل المعلومات عنه باقصى سرعة لان انتماء اداة الجريمة لمجموعة سكاكين لؤي لا يثبت برائته وعلينا البحث بالفاعل الحقيقي. لدي شعور ان ابو ورور هو الذي وراء تلك الجريمة.
ابوعلي : ستكون المعلومات عندك غداً او بعد غد على اقصى تقدير إن شاء الله.
خرج ابوعلي من مكتب اسراء واتجه الى الحانوت الذي بالقرب من باب العمارة التي يقع فيها مكتب اسراء لكي يشتري علبة سجائر. اما اسراء فقامت بجمع ملفات واوراق لها وحاسوبها النقال ثم ارتدت معطفها وخرجت الى خارج مكتبها قاصدةً دارها لكنها قبل ان تدخل سيارتها فاجأها شخص من الخلف ووضع خنجراً على رقبتها وقال،
المجرم : اسمعي ايتها الساقطة. استديري وارجعي الآن الى مكتبك، دعنا نتحدث.
اسراء : حسناً، حسناً ولكن ابعد عني هذا الخنجر.
استدارت اسراء فلاحظت الندبة التي على وجهه فعرفته فوراً ورجعت معه الى مدخل العمارة فتبعها المجرم وهو يخفي الخنجر خلف يده. دخل الاثنان الى الشقة ثم الى مكتب اسراء وبحركة خفيفة ادارت اسراء خاصية التسجيل الصوتي بهاتفها الذكي دون ان يلاحظ المجرم ثم التفتت اليه وقالت وهي تنظر بعينيه بتحدي،
اسراء : اهلاً وسهلاً بالسيد عقيل ابو شنيشل او ربما تحب ان اناديك ابو ورور؟
عقيل : يا لك من حقيرة، كيف عرفتِ اسمي ومن الذي اخبرك بكل المعلومات عني؟ اهو ذلك الكلب ابوعلي؟
اسراء : انا اعرف عنك كل شيء والشرطة الآن تبحث عنك بكل مكان. لقد اخبرني ذلك الضابط الذي يشرف على توقيف لؤي.
عقيل : هذه كذبة كبيرة. انا لا اصدقك.
اسراء : انها ليست كذبة ابداً. أخبرني انهم سيخلون سبيله اليوم وان لم تصدقني فبامكانك الذهاب معي الى المركز الساعة الخامسة حيث سيطلقون سراحه.
عقيل : انا لا اصدق كل هذا الكلام. انت اختلقت هذه الكذبة لتخلّصي نفسك مني.
اسراء : ولماذا اخلص نفسي؟ هل تريد ان تقتلني كما قتلت المسكينة سمية البريئة بسكين لؤي الذي سرقته من شقته؟
عقيل : انها ليست بريئة، لقد خانتني الساقطة وصار ذلك الكلب لؤي يتردد عليها ويواقعها ببيتها كل يوم.
اسراء : وهل يبرر ذلك جريمة قتل؟
عقيل : انا لم اقل اني قتلتها. انا قلت انها خانتني.
اسراء : لا تكن غبياً، لقد عثر على بقية السكاكين التي بشقة لؤي من حيث سرقت انت السكين. وقد تأكدت الشرطة من انك انت القاتل. وما هي الا مسألة وقت ويلقون القبض عليك. لكني مازلت لا اعلم لماذا قتلتها. فقد كان بامكانك ان تجد انسانة اخرى تحبها وتحبك.
عقيل : قتلتها لاني احببتها كثيراً وهي اوهمتني بانها تبادلني نفس الحب وبنفس المقدار. حتى ظهر الكلب الساقط لؤي وصار يعطيها المال ويضحك عليها ويعدها بالزواج.
بهذه اللحظة دخل ابوعلي من باب المكتب وضرب ابو ورور على رأسه فسقط مغشياً عليه فقالت اسراء،
اسراء : يا الهي كم انا سعيدة برؤيتك هنا، ما الذي جعلك ترجع الى المكتب؟ كنت قد خرجتَ قبلي بزمن طويل؟
ابوعلي : لقد اردت شراء علبة سجائر من الحانوت الذي بجانب العمارة عندما رأيت ذلك الكلب يهددك بالسكين بينما كنتِ تركبين السيارة فتبعتكما من بعيد ودخلت ورائكما الشقة بحذر شديد. وعندما سمعت حواركما عرفت وقتها انك تحاولين جره بالكلام كي يعترف فانتظرت قليلاً حتى اعترف ثم قمت وقتها بضربه على رأسه.
اسراء : انا اشكرك على ما فعلت. ساتصل بالشرطة فوراً.
بعد مرور ربع ساعة دخلت الشرطة الى مكتب اسراء وقاموا بالقاء القبض على ابو ورور واخذوه الى المركز مكبل اليدين. ركبت اسراء سيارتها وتبعتهم الى المركز. هناك اسمعت التسجيل الذي سجلته على هاتفها النقال والذي يحتوي على اعترافات ابو ورور الى الضابط والمدعي العام فابتسما واخبراها بان اطلاق سراح لؤي سيتم بعد ان يوثقوا ذلك التسجيل الذي يحتوي على الاعترافات الواضحة لابو ورور.
اتصلت اسراء بالسيدة اسماء هاتفياً وزفت لها نبأ البرائة وطلبت منها ان تتوجه فوراً الى مكان احتجاز لؤي كي تستقبله من هناك. وبعد انتظار طويل دام 4 ساعات خرج لؤي من المركز فوجد امه تكاد تقف على رؤوس اصابعها من شدة لهفتها على ابنها كي تضمه وتقبله ووقفت الى جانبها المحامية اسراء. التحمت الام وابنها بحرارة وهي تقبله وتبكي بحرارة. وبعد قليل التفت لؤي الى اسراء وقال،
لؤي : لا اعرف كيف اشكرك يا سيدة اسراء. فلولاك لكنت قد وصلت الى حبل المشنقة. لقد اخطأت كثيراً بتصرفي المج معك وارجو منك ان تسامحيني.
اسراء : بالرغم من كل ما جرى فانت لا تزال مثل اخي يا لؤي. انا اعرف ان طبعك حاد جداً لكني كنت متأكدة من برائتك.
اسماء : بارك الله بك يابنتي اسراء. انا ولؤي سنبقى مدانين لك مدى ما حيينا.
لؤي : ومع ذلك فانا متأكد ان قطتك البليدة فوفو كانت تستحق الحرق.
رفعت اسراء حقيبتها كي تضرب لؤي على رأسه لكنه هرب منها وكان الجميع يضحك وهم يركبون سيارة اسراء.
1677 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع