جناحا مسيرة المرأة العربية

                                             

                        د.علي محمد فخرو

جناحا مسيرة المرأة العربية

ها أننا قد عدنا واحتفلنا من جديد بيوم المرأة العالمى، وبالطبع فنحن معنيُّون فى الدّرجة الأولى بالمرأة العربية.

فى اعتقادى أن فى الموضوع المتعلق بالمرأة العربية جانبين يحتاجان لإبرازهما كل على حدة بسبب الاختلاف الكبير فى المنطلق والمعالجة والواقع.
الجانب الأول المتعلق بالمرأة كذات وشخصية اجتماعية، يبيّن بصورة جليّة أن التقدّم الهائل فى مكانة وحقوق ومسئوليات المرأة، والذى حدث على الأخص عبر المائة سنة الماضية، كان نتيجة لجهود ونشاطات المرأة الذاتية فى بناء قدراتها ومستوياتها، وبالتالى ظروف حياتها.
ولذلك فلا منة لأحد على جلّ ما حققته المرأة العربية.
فالفتاة العربية أقنعت وأرغمت أهلها لإرسالها إلى المدرسة. وهناك اجتهدت وتميزت وتفوّقت. وكانت نسبة ومستوى نجاحها فى جميع المراحل المدرسية أعلى من زميلها الفتى العربى. وهذا قاد إلى دخولها التعليم العالى من أوسع أبوابه، وبأعداد كبيرة، وإلى قبولها فى كلياتها وتخصصاتها المفّضلة. والنتيجة كانت اقتحام المرأة العربية ميادين مهن الطب والهندسة والتعليم والمحاماة والقضاء وإدارة الأعمال. وفى السنين الأخيرة برزت كلاعبة أساسية فى ميدان السياسة، كوزيرة ونائبة برلمانية وسفيرة ومساهمة بإبداع وقيادة فى حراكات الربيع العربى الجماهيرية، وبمواقف صلبة شجاعة فى مواجهة الاستبداد والفساد.
كل ذلك قد قاد إلى استقلالها المالى والاقتصادى وإلى مساهمتها الهائلة فى سد حاجات أفراد أسرتها المادية والمعنويّة، وإلى صعود مكانتها فى مؤسسات ونشاطات الحياة المجتمعية المدنية، لتصبح فى النهاية مساوية بجدارة لزميلها الرجل فى القيام بواجبات ومسئوليات المواطنة المنتجة المتفاعلة.
هذا الواقع الجديد الذى أوجده عرق ودموع ودماء وتضحيات المرأة العربية عبر عشرات السنين هو الذى قاد مفكرا إسلاميا، تميّز بالسماحة والموضوعية والفهم العميق لروح دين الإسلام ومقاصده الكبرى، دين الحق والقسط والميزان، جمال البنّا، لأن يكون له الموقف القائل: «إن الفقه الجديد يجعل قضية المرأة من الشريعة ويجعل المصدر الأول للشريعة هو العقل؛ لأن الشريعة ليس فيها ما يتعلق بذات الله تعالى، ولا عالم السمعيات التى تختص بها العقيدة. من هنا فإن الفقه يحدد موقفه من المرأة فى ضوء ما يحكم به العقل، فهو يتدبّر كل السياسات والاتجاهات والتصرفات بالنسبة لتاريخ تطور حركة المرأة فى العالم أجمع، أو بالنسبة للتاريخ الإسلامى»، هذا قول جاء فى كتاب «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء» لجمال البنا.
وهذا قول يردّ على كل من يعترض، من بعض الأزواج والمشرّعين والفقهاء والكتاب والمتحدثين، ويصرّ على فهم الدين الإسلامى العظيم كدين جمود وانغلاق وتحيّز ضد كرامة المرأة وإنسانيتها، وبالتالى يغمض عينه عن رؤية تلك المسيرة وما يترتب عليها من حقوق للمرأة وواجبات عليها.
ثانيا، هناك الجانب المتعلق بالرّجل العربى. فتحت مظلّة ما يعرف «بالرّجولة» تبنّى الرجل العربى أفكارا وسلوكيات بدوية قادت إلى تنظيم هرمى عائلى يقوم على أساس دونية المرأة والأطفال الصّغار وهيمنة وتسلّط الرجال الكبار. نتيجة لذلك قامت العلاقات الأسرية على ممارسات الترغيب من قبل الأب والترغيب من قبل الأم، وعلى غياب الأخذ والعطاء والتساوى. ومنذ الصّغر تغرس بألف شكل وشكل مشاعر التفوق وحقوق الامتيازات عند الأبناء، وذلك على حساب البنات.
لقد كتب الكثير عن المثالب الكثيرة فى تركيبة الأسرة العربية التقليدية. ما يهُمنا هو إبراز أهمية تغيير تعريف ومنطلق وممارسة ما يعرف «بالرجولة»، وذلك من خلال عمليات تحليلية ونقدية وتجاوزية، تاريخانية علمية عقلانية صارمة، تؤدّى إلى ممارسة الرجولة بعدالة ورفق وتضامن وعلاقات إنسانية متساوية. تغيير وتشذيب وأنسنة وعى الرجل العربى بالنسبة لأطروحة الرجولة، وإبراز تضادها التام مع روح العصر الذى نعيش ومع الحقوق الإنسانية المعقولة التى تبنتها غالبية كبيرة من الأمم، هو تتمة منطقية لجهد المرأة الذاتى الذى وصفنا بعضا من نتائجه المبهرة.
عند ذلك سيصبح تحرير المرأة العربية من الظلم والاضطهاد والإخضاع والدونية، أى الانتقال من التاريخ المتخلف إلى الحاضر المشرق والمستقبل الواعد، جهدا مجتمعيا إنسانيا عربيا بامتياز. إنها مهمة كبيرة ومعقدة ستحتاج لجهود العائلة والمدرسة والجامعة والنادى والحزب والنّقابة والمحكمة، إضافة لجهود البرلمانات والحكومات.
تجديد الوعى العربى بحقيقة وإنسانية وتساوى وكرامة المرأة العربية يجب أن يدخله الرجل العربى من بابه الواسع، جنبا إلى جنب مع أخته المرأة العربية، وذلك هو الرجولة الحقُة.
مفكر عربى من البحرين

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1064 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع