بسام شكري
الأحزاب التي ولدت في ساحات الاعتصام في العراق
عندما تأسس العراق الحديث على يد المغفور له الملك فيصل الأول في 23 اب 1921 بدأت تتشكل ملامح دولة جديدة في المنطقة وفي ذلك الزمن كانت معظم الدول العربية تحت نير الاستعمار بعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم أراضيها بين بريطانيا وفرنسا وقد تم تشكيل المجلس التأسيسي العراقي سنة 1924 وكانت واجباته المصادقة على الدستور والموافقة على قانون الانتخابات والمصادقة على المعاهدة العراقية البريطانية وفي سنة 1925 تم اجراء انتخابات لأول مجلس نواب عراقي حيث تم تأسيس مجلسي النواب والاعيان كأول لبنة في بناء الدولة العراقية حيث ان مجلس الاعيان الذي يقوم الملك بتعيينهم وعدده 88 عضوا ومجلس النواب المنتخب وعددهم 272 عضوا منتخبا من قبل الشعب وفلسفة مجلس الاعيان في بداية استقلال العراق كانت باختيار الأشخاص المهمين في المجتمع من رجال اعمال وشيوخ عشائر ورجال علم ورجال دين وشخصيات اجتماعية مهمة لتكون ظهيرا للملك لمساعدته وإعطاء الراي والمشورة في بناء العراق .
أحزاب الفترة الملكية
لقد ساهمت الأحزاب على بساطتها وطبيعة تنظيمها والتي تشكلت في العراق في الفترة الملكية في بناء سياسة العراق الخارجية والداخلية والرقابة على أجهزة الدولة وتسيير شؤون العراق وكانت هناك أنظمة وقوانين واعراف برلمانية ترسخت بموجب القوانين من جانب وحماية الملك لها من جانب اخر وكانت عمليات الانتخابات وتشكيل الحكومات واسقاطها تتم بروح ديمقراطية عالية لم يشهدها العراق بعد العهد الملكي ولغاية هذه الساعة , وكان نمط الأحزاب في العهد الملكي هو النمط الوطني الذي يدافع عن حقوق ومصالح العراقيين وبناء دولتهم وإنجاز استقلال العراق الكامل والتخلص من الهيمنة البريطانية ولكن ما ان جاء النظام الجمهوري حتى تم الغاء النظام الملكي بكل ما فيه من تقاليد سياسية وبرلمانية ديمقراطية وإلغاء وحضر الأحزاب القائمة في ذلك الوقت وتم الغاء البرلمان واغلاقه وملاحقة كافة أعضاء الأحزاب التي كانت في العراق والزج بهم في السجون بتهمه انهم كانوا من أعوان النظام الملكي الذي اطلق عليه في حينه "العهد البائد" وتم معاملة كل من شارك في الحكم منذ تأسيس العراق عام 1921 لغاية 1958 معاملة المجرم حتى صور الملك قد تم حرقها أينما وجدت وعمليات اتلاف وحرق مخلفات العهد الملكي كانت تتم بسرية وسرعة خوفا من اكتشافها لدى المواطنين وكأن العراق الذي قامت الملكية ببنائه على مدى أربعين عاما كان عراقا مذنبا ومجرما ومنذ سقوط الملكية في العراق لم يتم احترام تاريخ العراق ورجالاته الذين بذلوا الغالي والنفيس من اجله وقد تمت عمليات اغتيال متعددة لشخصيات وطنية وهرب الكثيرين من السياسيين الى خارج العراق وبذلك تحول العراق من النظام البرلماني الديمقراطي الى النظام الدكتاتوري الرئاسي الفردي وأصبحت الدولة تسير بدون أي رقابة ويتم اصدار القوانين حسب رغبة الحاكم وليس حسب مصلحة الشعب وقد اثبت الزمن ان النظام الملكي كان نظاما ديمقراطيا يمارس الشعب فيه سلطاته وحقه عكس النظام الجمهوري وانا هنا لا ادافع عن النظام الملكي لكن تلك الحالة مفارقة لم يفكر فيها الشعب العراقي طوال الفترة السابقة لانشغاله بالصراعات والحروب الداخلية و الخارجية .
أحزاب العهد الجمهوري
خلال فترة حكم عبد الكريم قاسم ظهرت للعلن فقط ثلاث أحزاب جديدة على الساحة العراقية هي الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي والقوميين العرب , وكانت بداية الصراع بين الأحزاب الثلاثة في ظل ظروف المنطقة والعالم فالحركة الشيوعية كانت في اوجها وحركة القومية العربية كذلك وفيما بينهم تيارات إسلامي تعمل في الخفاء وكان الجميع ينشر أفكاره وأديباته على الجماهير لكسب اكبر عدد ممكن وقد مر النظام الجمهوري بعدة أنظمة تمت خلالها عمليات تصفية حسابات وصراعات وجبهات وطنية " كما كانت تسمى في حينها " وكان الحزبين الكرديين الوحيدين في ذلك الوقت مشغولين في الصراع مع السلطة او الصراع فيما بينهما وقد تمخضت تلك المرحلة عن تقسيم المجتمع العراقي بين التيارات المتصارعة بدون ان يكون لمصلحة العراق أي حيز في تلك الصراعات والى ان جاء الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 الذي اعتبرته الأمم المتحدة عملية رسميا غزو وليس تحرير كما يحلو للبعض ان يسميه وقد ظهرت أحزاب دينية متعددة بعد عملية الغزو من خلفيات معظمها إيرانية وحاولت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ان تظفي الشرعية على عملية الغزو فقامت بتشكيل برلمان وكتابة دستور بناء على مصالحها وعلى قياسات تلك الأحزاب التي كانت بالحقيقة مجموعات من المرتزقة جاءت من ايران وتعمل لصالحها .
أحزاب مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي
الأحزاب التي تشكلت بعد الغزو الأمريكي للعراق هي أحزاب من نمط الأحزاب الدينية الطائفية التي تعتمد الميليشيات المسلحة في إدارة شؤونها وتقوم بنهب ثروات العراق بشكل علني وبدون رادع والبرلمان الذي يضم تلك الأحزاب ما هو الا اطار قانوني يشرعن عمليات النهب والفساد وتعمل تلك الأحزاب تحت مظلة المرجعية الدينية وضمن توجيهاتها كغطاء ديني في ابشع استغلال للدين من قبل مافيات السلطة الفاسدة وتلك الأحزاب لا تمتلك جماهير على الأرض بل تمتلك مستفيدين وموظفين وميليشيات تقوم بدفع الأموال لهم مقابل الخدمات التي يقدمونها وكافة أحزاب الميليشيات تحت قيادة واحدة مقرها في طهران تحركها بالشكل الذي تريد وهذا ما حصل عندما تجمعت كافة تلك الأحزاب وظهرت بشكل موحد على انها من ضمن التيار الصدري في مواجهة المتظاهرين السلميين ولتأييد حكومة توفيق علاوي – الصدر, واما الشيوعيين والقوميين والبعثيين فمازال لديهم جماهيرهم التي تؤمن بأفكارهم لكنهم ومع الأسف مازالوا هم متمسكين بقوالب أفكارهم ويرفضون الاعتراف بأخطاء الماضي او بالمصالحة فيما بينهم وهم مازالوا يعادون بعضهم البعض في الوقت الذي تتطلب المصلحة الوطنية نسيان الماضي والاتحاد لإنقاذ العراق وانا اعرف ان ذلك مستحيل لكنني اذكره هنا كشهادة تاريخية تضع تلك الأحزاب امام مسؤولياتها التاريخية
وبالنسبة للأحزاب الكردية فقد بدأت تتشكل مبكرا بعد عام 1991 عندما حصلت منطقة شمال العراق على شبه استقلال ذاتي وخرجت للعلن أحزاب تلبي حاجة السكان المحليين وبعض منها كان ومازال متمسكا بوحدة العراق أكثر من بقية أحزاب المنطقة الخضراء في حين عزف الحزبان القديمان الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني على نغمة الانفصال خلال الفترات السابقة.
بعد ثورة تشرين 2019 بدأت تتشكل تجمعات ترفض ان يطلق عليها في البداية تسمية حزب وذلك للسمعة السيئة للأحزاب التي حكمت ونهبت ثروات العراق منذ الغزو الأمريكي للعراق 2003 فكانت تسمه تجمعات وتنسيقيات ثم اخذت تطلق على نفسها أحزاب بعد ان ظهرت الحاجة لوجود أحزاب جديدة تقارع أحزاب السلطة السياسية الدينية التي تحتكر السلطة وتعيث فسادا في العراق , والأحزاب الجديدة مختلفة عن الأنواع الثلاثة التي ذكرناها في الاسترسال التاريخي لتاريخ الأحزاب العراقية فالأحزاب الجديدة مختلفة عن أحزاب العهد الملكي التي كانت تعتمد على القوة العشائرية والاقطاع والتاريخ العائلي لأعضائها وتختلف عن أحزاب فترة الجمهورية كالشيوعيين والبعثيين والقوميين الذين كانوا يعتمدون على الثورات والانقلابات وأفكار وايديولوجيات سياسية وكم هائل من الكتب والنظريات الفكرية وتختلف عن أحزاب فترة الغزو التي اعتمدت العباءة الدينية الطائفية بالاستناد الى دعم المرجعية الدينية في النجف الاشرف في نهب ثروات السلطة وتداول السلطة وكافة وظائفها و مناصبها بطريقة المزادات العلنية.
ان أفكار الأحزاب التي بدأت تتشكل في العراق في ساحات الاعتصامات اخذت طابع المصلحة الوطنية وتجاهلت أي تأثيرات مباشرة او غير مباشرة من داخل وخارج الحدود وبديلا عن النظريات السياسية والأيديولوجية او العباءة الدينية فقد اعتمدت تلك الأحزاب نظريات اقتصادية وتنموية واصلاحية بحتة وكل افكارها تنصب على كيفية انقاد العراق من اللصوص وتوظيف الثروة الوطنية في خدمة التنمية فتلك الأحزاب بدون فكر أيديولوجي مسبق وفكرها الأيديولوجي هو نظريات اقتصادية وتنموية لإنقاذ العراق وقد تجاوزت تلك الأحزاب كافة الديانات والقوميات وأصبحت عابرة للطائفية حيث توحد العراقيين بين صفوفها وتلك الأحزاب مشابهة لحد كبير الأحزاب الأوروبية التي تعتمد برامجها الانتخابية والتنافسية على توفير افضل الخدمات للمواطنين وعلى وجه معتدل وذلك نتيجة لحاجة الشعب العراقي بعد تجارب 98 عاما من الأحزاب المختلفة التي ظهر في العراق منذ تأسيسه لغاية الان .وقد جاء ذلك التطور كنتيجة طبيعية للتجارب التي مر بها العراق والتي اختمرت بأفكار الشباب الذي يقود الاعتصامات السلمية.
من اين ظهرت افكار الأحزاب الجديدة
في بداية التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في 1-10-2019 كانت بدون قيادة وهذا ما كان المحير للأحزاب السياسية الدينية الحاكمة وللقوى التي تتحكم بها من خارج الحدود فلو تم العثور على قيادة واحدة لتلك التظاهرات لتمت تصفيتها جسديا بشكل فوري وانتهت مشكلة التظاهرات التي تؤرقهم وبقيت حالة من الضياع تسود الطبقة السياسية الدينية لأكثر من ثلاثة اشهر بدأت بعدها تلك القوى بالتفكير في طرق عدة لاستفزاز القيادات السرية للتظاهرات للظهور للعلن من اجل اصطيادها وقامت بحملات اختطافات واغتيالات لناشطين من بين المتظاهرين تعتقد قوى السلطة الفاسدة انهم قيادات التظاهرات واستعملت مختلف الأسلحة والأساليب حيث أرسلت اعوانها لكي يندسوا بين المتظاهرين للتعرف على أي قائد او ناشط او أي شخص يطالب بحقه بشكل لافت وقد دخلت جماعة الصدر في الشهر الثالث للتظاهرات لمسرح الاحداث وانتشرت في ساحات الاعتصامات بحجة معارضة السلطة وحماية المتظاهرين واستمرت مجموعات الصدر بجمع المعلومات عن المتظاهرين طول الأشهر الماضية الى ان تم ترشيح محمد علاوي كورقة إيرانية أخيرة لإيقاف التظاهرات عندها تحولت جماعة التيار الصدري الى أعداء للمتظاهرين وفي ليلة وضحاها تحولت جماعة الصدر من خيمة واحدة في ساحة الاحتجاج الى الاف من الأشخاص فكيف حصل ذلك ومن اين جاءت تلك الجموع ؟ لقد قامت أحزاب السلطة بإرسال ميليشياتها الى ساحات الاعتصامات تحت مظلة التيار الصدري واخذت تلك المجاميع الكبيرة في محاولات انهاء التظاهرات وفتح الطرق والجسور المغلقة واكتشف المتظاهرين السلميين تلك اللعبة وبدأ اللعب على المكشوف بين فريق المتظاهرين من جهة وفريق أحزاب السلطة السياسية الدينية التي تدعي انها من التيار الصدري من جهة أخرى ومرجعية النجف الاشرف تتفرج طبعا وتغض الطرف على أي اغتيالات او اختطافات وتحاول تهدئة المتظاهرين حفاظا على مكاسبها المادية من جانب وباعتبارها القيادة الدينية للسلطة الفاسدة .
ان الفساد المستشري في سلطة المنطقة الخضراء وتكرار اخطاء الحكومات الفاسدة المتعاقبة وانكشاف الورقة الطائفية التي لعبت عليها السلطة الفاسدة لتفريق العراقيين من اجل السيطرة عليهم ونهب ثرواتهم قد ولد لدى الشباب المتظاهرين وعيا سياسيا وفهما لمشكلتهم الحقيقية ومن رحم معاناة المتظاهرين ولدت أفكار جديدة لأحزاب جديدة ستقارع أحزاب السلطة السياسية الدينية في جوانب مختلفة سواء كانت بالانتخابات او بأساليب مواجهة جديدة لم تعهدها أحزاب السلطة الفاسدة. ان ما وفرته وسائل الاتصال في العالم بواسطة الانترنيت من اطلاع العراقيين في داخل العراق على ما يجري في العالم وأين وصلت الدول المتقدمة الأقل ثروة وسكانا منهم من تطور وتنمية وتعرف الشباب والشابات على أساليب متطورة وحديثة في مقارعة السلطة الطائفية الفاسدة وهذا ما غاب عن بال السلطة ورفع مستوى الوعي وأعاد تنظيف النفوس والارواح مما علق بها من ادران واوساخ السنوات الستة عشر الماضية.
لقد حاولت أحزاب السلطة الفاسدة تحويل مسار التظاهرات الى العنف حتى تأخذ المبرر القانوني لقمع تلك التظاهرات بالعنف ولكنها فشلك واستمر المتظاهرين بالروح السلمية الإيجابية في التعامل مع الجميع، وحاولت التعرف على قيادات المتظاهرين لكنها فشلت لان التظاهرات بدأت بشكل عشوائي ثم تحولت الى تجمعات تتحرك وفق أسلوب الكر والفر مع السلطة وميليشياتها والان وبعد ان احترقت اخر ورقة لإيران في السيطرة على المتظاهرين بحكومة توفيق علاوي – الصدر وانكشف ظهر ميليشيات السلطة فقد بدأت تتشكل أحزاب من داخل ساحات الاعتصامات على نمط مشابه للنمط الأوروبي الذي يأخذ مصلحة وحاجة الناس كمنهاج له وايديولوجية وطنية نابعة من الواقع وأفكار تلك التجمعات تنوعت بين أفكار أحزاب الخضر الأوروبية التي تهتم " بالبيئة وبالثروة المائية المنهوبة من قبل تركيا وإيران والمهملة في العراق والثروة الزراعية والسمكية التي تمت تدميرها ليتسنى للفاسدين استيراد الأغذية من الخارج ومن إيران بالذات" وبين أحزاب يسار الوسط التي تطالب بدولة وسطية السياسة محايدة مدنية يتساوى فيها الجميع وتنمية وتطور اقتصادي وصناعي وعلمي واستقلال كامل للعراق وديمقراطية حقيقية وبرلمان نابع من أحزاب الشعب وليس من أحزاب الميليشيات يقوم بالرقابة على كافة مفاصل الدولة وتوفير فرص متساوية للجميع وتعليم مجاني وتطور تكنولوجي , ان تحليلي لاختيار المتظاهرين أحزاب على غرار أحزاب الخضر ويسار الوسط الأوروبية لما يحتاجه العراق في الوقت الحاضر فالبيئة مدمرة والزراعة كذلك والثروات المائية منهوبة من الجيران وفيما يخص يسار الوسط فان العراق قد تعب من أحزاب اليسار وأحزاب الميليشيات اليمينية واقتصاده مدمر وبدون خدمات وغياب القانون فيسار الوسط خير من يلبي حاجة العراق لبناء دولة مدنية في الوقت الحاضر.
الدولة الجديدة التي يريدها المتظاهرين ليس اقل من دول أوروبا ودول الخليج العربي ليكون بمستواها وأفضل منها في التطور والازدهار وأولويات النظام الذي يريده المتظاهرين هو العراق اولا.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع