ترجمه من العبرية د. نسيم قزاز
حوار مع ساسون أفندي النائب اليهودي من بغداد
ملحق رقم 1
حوار أجراه مراسل صحيفة هعولام الصادرة في فيلنا في شهر آذار/مارس 1909 مع ساسون حسقيل اثر انتخابه نائب عن مدينة بغداد لمجلس المبعوثان العثماني
تسنى لي في أحد هذه الأيام أجراء مقابلة مع ساسون حسقيل اليهودي النائب الرابع عن بغداد في مجلس المبعوثان التركي, الذي أثار انتخابه نزاعاً بين "المحافظين المسلمين" وبين "الاتحاد والترقي".
ولد ساسون حسقيل عام 1860, ويقارب عمره اليوم الخمسين عاماً. تلقى علومه في مدرسة الأليانس في بغداد مسقط رأسه, وبعد أن أكمل دراسته في هذه المدرسة أرسله والده الثري إلى فيينا ودخل المعهد الدراسي العالي لعلوم الشرق, الذي كان مدرسة للقناصل, وهو اليوم موصود بوجه اليهود.
وعند عودته إلى مسقط رأسه شغل لسنين عديدة وظيفة مترجم في قسم الشؤون الخارجية بولاية بغداد. ثم تولى إدارة شركة الملاحة للسفن في نهر الفرات.
ساسون أفندي طويل القامة (أطول نائب في مجلس المبعوثان التركي), وتنم سحنات وجهه عن مجهود روحاني عظيم. وعيناه توجهان نظرات ثاقبة نحو المتكلم معه ترافقها ابتسامة غير واضحة - بين الاستهزاء والرضا - تحوم على شفتيه, وتشير بشرته السمراء إلى منبته البغدادي ويُبرز ذلك بصورة خاصة بياض لحيته ذات الشعر القصير. ويظهر على ملامحه, أثناء كلامه وحركاته, التأثير العربي بصورة واضحة وذلك رغم سلوكه وتصرفاته الأوروبية
عندما عرّفت ساسون أفندي بأني مراسلً عبري سَرّ جداً وأعرب عن موافقته على الإجابة على أسئلتي بكل سرور.
طبعاً, كان سؤالي الأول عن الطائفة اليهودية في بغداد. قلت له إن هذه الطائفة بعيدة جداً عن أوروبا وقراؤنا سيكونون مدينين بالشكر والامتنان لحضرتكم على جميع المعلومات المهمة التي ستدلون بها لي.
بلطف, بدأ ساسون أفندي يشرح لي وضع يهود بغداد قائلاً إن عددهم يقدر بين خمسة وأربعين وخمسين ألفاً وهم يعدون انفسهم – بحق أو بدونه - من سبايا بابل الذين لم يعودا إلى الديار المقدسة وذلك لانعدام وثائق تؤكد هذا الادعاء. وأضاف, أن شخصية اليهودي البغدادي هي شخصية عربية بجميع ملامحها, وإن التأثير العربي كبير جداً على يهود بغداد. إذ أن اليهود أخذوا من العرب أسلوب تصرفاتهم وعاداتهم والأهم من ذلك – لغتهم. يتكلم يهود بغداد فيما بينهم بالعربية. ومعرفة تعاليم التوراة لدى عامة يهود البلاد العربية ليست بقدر واسع. فقط الحاخامون متضلعون بالتوراة, وقد نال الكثير منهم في الآونة الأخيرة شهرة واسعة. وأن هناك أسئلة وأمور دينية توجه من الهند وأقاليم أخرى إلى الحاخام الأكبر الراب يوسف حييم. في عام 1865 تأسست في بغداد أول مدرسة للأليانس التابعة لجمعية "كل الإسرائيليين أشقاء", وفي هذه المدرسة يتلقى الآن علومهم نحو 600 طالب. يطبق المنهج الدراسي في هذه المدرسة على غرار المناهج الدراسية المتبعة في مدارس الأليانس الأخرى – تدرس فيها اللغة الفرنسية والعربية. وكذلك العبرية بمستوى يمكن فيه التلاميذ من تأدية الصلاة. أما تعليم اللغة العبرية على نطاق أوسع فيتم في مدرسة "تلمود توراه" التي تضم نحو ثلاثة آلاف تلميذ. سارت هذه المدرسة حتى السنوات الأخيرة على غرار الأسلوب المتبع لدى نظيراتها في مدارس الشرق, حيث كان التلاميذ يرددون ما كان الحاخام يتلو عليهم ويحفظونه عن ظهر قلب, ولم يكن باستطاعة التلاميذ بعد مضي عدة سنوات قراءة النص على ما يرام. لكن قبل خمس سنوات أدخلنا تعديلات, والآن يتم تعليم التوراة مع شرح باللغة العربية, وكذلك أدخلنا الكتابة التي لم تكن في المنهج من قبل. ونحاول الآن تأسيس روضة للأطفال يقتصر التعليم فيها على اللغة العبرية فقط.
لا يوجد للطائفة اليهودية في بغداد, حتى يومنا هذا, تأثير كبير على شؤون المدينة رغم نسبتها العالية بين السكان (50 ألفاً ضمن 200 ألف). كذلك في الماضي لم يكن لهم ً أي تأثير في هذا المركز الإسلامي المتعصب, واليوم أيضاً يعتبر المحافظون المسلمون المتعصبون اليهود سبباً للانقلاب البغيض في نظرهم.
إن أغلبية اليهود الأثرياء يعملون بالتجارة وخاصة مع بلاد فارس, أما السواد منهم فيتكون من باعة جوالين وأصحاب مهن ذوي مستوى اجتماعي واقتصادي منخفض.
العلاقة بين اليهود والعرب ليست جيدة, وأحد الأسباب لذلك هو تخلف جمهور المسلمين المتعصب جداً, والسبب الآخر هو أن اليهود كونهم أكثر تطوراً ورقاءً من جيرانهم العرب سارعوا للانضمام إلى حزب "الاتحاد والترقي" حالاً بعد إعلان الدستور. وتجلى موقف العرب المعادي بأعمال شغب قاموا بها ضد اليهود, وكانت الصحف الأوروبية قد تناولت الحدث في حينه.
وشرح لي النائب اليهودي أحداث هذه الأحداث قائلاً :
عند ما أقيم في بغداد فرع لحزب "الاتحاد والترقي" انجرف وجهاء المسلمين مع التيار بدافع إظهار "لبيريتهم" غير أنهم رفضوا ضم يهود إلى الفرع فتنحوا. ثم جاء تركيان أعضاء "تركيا الفتاة" مندوبان عن اللجنة المركزية لحزب "الاتحاد والترقي", فنُظم لهما حفل استقبال جميل شارك فيه اليهود أيضاً, مما أثار حفيظة المسلمين فطالبوا بإبعاد اليهود من الفرع. فلم يُستجب طلبهم, وعندها أرادوا الانتقام من اليهود فحرضوا الجماهير المتطرفة وهيجوها وبدأ الرعاع بأعمال الشغب ضد اليهود.
جماعة إثر أخرى من الرعاع جاءت إلى محلات اليهود وبدأت بأعمال البطش والتنكيل وتريد استباحة الأموال. فتصدى لهم اليهود دفاعاً عن الأرواح والأموال وحدثت مشاجرات ومعارك بين الطرفين أسفرت عن ما ينوف على أربعين جريحاً من كلا الطرفين. ولم تتدخل الشرطة أو الجيش إلا بعد طلب مُلح من رؤساء الطائفة, فتدخل الجيش بعد أمد وأخمد الفتنة. حدث ذلك في عيد العرازيل الماضي [هكذا كان يُسمى (חג סוכות) عند سكان بغداد العرب].
رداً على سؤالي عن السبب لمعاملة العرب السيئة لليهود خصوصاً في بغداد, بينما نلاحظ أن في المدن العربية والتركية الأخرى لا يوجد , تقريباً شعور بغضاء ضد اليهود ؟. أجابني محاوري -:
السبب الرئيسي الأول تقريباً هو حسد المسلمين المفرط وانعدام التربية وحسن السلوك, إن اليهود عنصر ضعيف جداً في بغداد لذلك يستضعفونه العرب, لأن العرب يكرهون الضعيف.
ثم وجهت سؤالي للسيد ساسون عن سير الانتخابات في بغداد التي نشرت عنها الصحف تقارير متباينة. فأجابني -:
كان ليهود بغداد عشرون ناخباً وللمسلمين ثلاثون. وفي حينه شنّ المسلمون دعاية واسعة ضد اليهود, وعقد وجهاؤهم اجتماعات أرغموا فيها الناخبين لتأدية القسم على القرآن يتعهدون فيه أنهم لا يصوتوا لصالح اليهود, لأنها وصمة عار ستكون في جبين بغداد المحمدية إذا ما تم تمثيلها بمجلس المبعوثان في استانبول من قبل يهود. ونجعت هذه الدعاية وأدى الناخبون القسم ووفوا بتعهدهم, لذا لم يُنتخب يهودي في مدينة بغداد. ومع ذلك تم انتخابي بفضل الأصوات التي نلتها في انتخابات لواء بغداد وكانت حصيلتها 28 صوتاً (بما في ذلك صوتاًن من منتخبين أثنين أعضاء حزب "الاتحاد والترقي") وهكذا حسم الأمر وانتُخبت ممثلاً عن بغداد.
ثم دار حوارنا حول موقف السيد ساسون من الموضوع اليهودي القومي. فكان هذا القسم من الحوار غير شائق إذ إن السيد ساسون يجهل حركتنا القومية وآراؤه في هذا الشأن هي الآراء التي أتى بها قبل ثلاثين عاماً من فيينا. إن السيد ساسون يريد الاندماج وهو لا يرى عنصراً إيجابيا موحِّداً لليهود سوى الدين. وهو يحبذ الاندماج مع العرب (بالطبع وحسب رأيه يجب [قبل ذلك] على يهود بغداد الاندماج مع العرب). ومعنى ذلك أن العبرية هي لغة دينية ولا يرى فيها منافع أخرى. إن نائب بغداد لم يسمع عن حركتنا القومية. الصهيونية غريبة عنه مطلقاً. وعندما أخبرني عن روضة الأطفال التي شيدت في بغداد أضاف -: "أنا شخصياً معارض لهذه المؤسسة". وأراد أن يثبت لي انه, لا يوجد, على وجه التقريب, بين يهود البلدان المختلفة ما يوحدهم, فأخبرني عن حقبة من حياته قائلاً -: إن أثناء دراسته في فيينا لم يتعرفوا عليه كيهودي, وذهب ذات مرة في عيد رأس السنة إلى الكنيس فتعرف فيه على زملاء له في المعهد, ولم يكن يعرف من قبل أنهم يهود. وبعد هذا الحادث اخذ يتقرب إلى هؤلاء اليهود.
ومن الطبيعي يجب مع أشخاص كهؤلاء [أمثال ساسون] البداية من الألفباء. لقد تحاورنا ما يقارب الساعتين حول المسألة القومية, ومسألة السكان اليهود في الديار المقدسة وتركيا, حقيقة أن السيد ساسون بعيد عنا ولكن هذا الحوار أثبت لي أن للاندماج على نهج ساسون لا أساس له, لا نظرياً ولا واقعياً. فمثلاً في نهاية حوارنا اعترف بلزوم إقامة مركز روحاني لليهود, حتى لو كان في الديار المقدسة, إذا ما قدر له الوجود".
- وما هي طلباتكم منا؟ سألني
- إننا نرجو من يهود تركيا أن يكونوا عثمانيين مخلصين ويهوداً قوميين. ومنكم النواب اليهود نرجو دعماً معنوياً ولفت نظر.
- ودعت ساسون وأنا مدرك إذا لم يقف النائب الرابع اليهودي إلى جانبنا بصورة تامة فكذلك لم يكن ضدنا, ومن المحتمل جداً في المستقبل عندما يتعرف على القوميين اليهود وعلى طموحاتهم سينضم هو الأخر إلى عملية انبعاثنا.
1368 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع