عوني القلمجي
حتمية انتصار الثورة العراقية
ليس غريبا ان يسود الاعتقاد لدى عدد كبير من المحللين السياسين، حول صعوبة نجاح الثورة العراقية وانتصارها جراء العقبات الكبيرة التي تعترضها، وصولا الى اصدار البعض منهم حكما بفشلها او اعتبار فرص نجاحها معدومة، او صعبة المنال. فهؤلاء يرون الاشياء ليس كما تجري حقا، وانما يروها كما تبدو من خلال حساب موازين القوى، بين ىسلطة لديها قوة عسكرية ضاربة مدعومة بمليشيات مسلحة وتحظى بدعم دولة عظمى مثل امريكا، وقوة اقليمية مثل ايران، وبين ثوار سلميين لا يحملون سوى العلم العراقي وشعار نريد وطن. بعبارة اخرى فان هؤلاء ينظرون الى الثورة ويحكمون عليها كما تبدو، او يتمنون احيانا ان تبدو، وليس كما تجري حقا.
ولكي لا نطيل اكثر، يمكننا القول بان السلطة الحاكمة في العراق قد استنفذت كل ما لديها من امكانات متاحة للخلاص من شبح الثورة العراقية. فلا هي استطاعت انهاء الثورة بالقوة العسكرية النظامية أو المليشياوية، ولا هي قادرة على الاستجابة لمطالبها المشروعة، او جزء منها لان ذلك ينهي نفوذها الى الابد. مثلما فشلت في التحايل على الثوار وخداعهم بوعود وردية او اصلاحات وهمية، جراء القناعة الراسخة التي تولدت لدى الثوار، بان الحكومة القادمة، وبصرف النظر عمن يراسها، سواء كان من داخل العملية السياسية او خارجها، لن تكون سوى امتداد للحكومات السابقة والتي من صلب مهماتها خدمة المحتل الامريكي ووصيفه الايراني وليس خدمة العراقيين. اما الاستعانة بمقتدى الصدر لركوب موجة الثورة وحرفها عن مسارها، كما فعل في المرات السابقة، فقد طرده الثوار من جميع ساحات التحرير بشعار "لا مقتدى ولا هادي تبقى حره بلادي". في حين تحقق الثورة الانتصار تلو الاخر، من خلال امتداد لهيبها الى مساحات جغرافية واسعة، وانضواء عموم فئات الشعب العراقي تحت لوائها، بحيث شملت جميع القوميات والاديان والمذاهب، اضافة الى اشتراك كافة النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية. والاهم من ذلك كله مشاركة المراة العراقية بهذه الثورة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العراق. حيث سطرت اسمى ايات الشجاعة والبطولة، واظهرت مدى ايمانها العميق بالثورة، واستعدادها غير المحدود للتضحية والفداء من اجل الوطن. ناهيك عن ان الثورة دخلت في كل بيت عراقي وفي كل مدرسة وجامعة ومعمل ودار عبادة.
لكن هذا ليس كل شيء، فهذه الثورة ليست تظاهرة هدفها توفير الخدمات المحدودة، او تظاهرة للدفاع عن حقوق الانسان، تبدا وتنتهي في وقت محدد سلفا، وانما هي ثورة ذات اهداف سياسية ووطنية كبيرة، تستند الى قوانين اجتماعية تسري على جميع المجتمعات البشرية، التي قررت التحرر من انظمتها المشبوهة والعيش بحرية وكرامة. بل هي فعل ثوري وكفاحي قد يمتد الى وقت طويل، تنتقل فيه من مرحلة دنيا الى مرحلة ارقى، وتشترك فيها جميع القوى والاحزاب الوطنية، والشخصيات السياسية، والكتاب والمثقفين والشعراء والفنانين وغيرهم. بمعنى اخر فالثورة، هذه المرة، ليست شبيهة بالثورات والانتفاضات التي قامت من اجل توفير بعض الخدمات المتصلة بابسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء، او ايجاد فرص عمل، او اطلاق سراح سجناء سياسيين او اناس عاديين، وانما قامت من اجل قضايا سياسية ووطنية كبرى وفي مقدمتها استعادة الوطن المنهوب وتخليص البلاد من حكم المليشيات وانهاء الفساد وتقديم رؤوسه الى المحاكم المختصة، من خلال تشكيل حكومة وطنية مستقلة. وبالتالي من الصعب على السلطة خداعها او تضليلها بتعهدات ووعود كاذبة، او تسمح لها بالالتفاف عليها او ركوب موجتها والتحكم بمصيرها وحرف مسيرتها، او اقناعها القبول بانصاف الحلول. خاصة وان هؤلاء الاشرار لم يتركوا اي خيار امام الشعب العراقي سوى هذا الطريق ومواصلة الثورة الشعبية حتى تحقيق اهدافها كاملة غير منقوصة. حيث لم يرفض هؤلاء الاشرار الاستجابة لاي مطلب متواضع من مطالب الثوار فحسب، وانما مارسوا ضدهم جميع الاساليب الفجة والعنجهية واستخدام القوة والاستعانة بالاجنبي. بما فيها الاستعانة بالمرجعيات الدينية في النجف التي عبرت في خلاصة موقفها عن الانحياز لما يسمى بالعملية السياسية، التي عمادها القتلة وسراق المال العام ونفايات المحتل الامريكي ووصيفه الايراني، في حين كان من المفترض الوقوف الى جانب الثوار،على الاقل من مبدا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بالمقابل، اختلفت الميليشيات المسلحة التي تمسك بزمام السلطة وتتحكم بشؤون البلاد والعباد فيما بينها حول زعامة ما يسمى بالبيت الشيعي، وحول المناصب والمغانم، وخاصة بين تكتل مقتدى الصدر وهادي العامري من جهة، وتكتل نوري المالكي وعمار الحكيم وقيس الخزعلي من جهة اخرى. ولا نستبعد انتقال هذا الخلاف الى مواجهات عسكرية، على غرار المواجهة التي حصلت في نهاية شهر اذار عام 2008 ، بين قوات نوري المالكي العسكرية، حين كان رئيسا للوزراء، وبين جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، التي اشتهرت باسم صولة الفرسان. ومما يعزز هذا التوجه غياب الجنرال قاسم سليماني عراب هؤلاء الاشرار وصمام امانهم. خاصة وان خليفته اسماعيل قااني ومحمد كوثراني، المسؤول عن الملف العراقي في حزب الله اللبناني، فشلا في سد الفراغ الذي تركه سليماني. مثلما فشل الامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني، الذي زار العراق السبت الماضي. وقد اكد هذه الحقيقة عضو مجلس النواب عن تحالف "الفتح" فاضل جابر بقوله، ان شمخاني اكد بعد اجتماعه بقادة هذه المليشيات على"ان الخلافات السياسية داخل القوى الشيعية مستمرة، بسبب تباين وجهات النظر"، ودعا شمخاني في تصريح صحافي هذه القوى "إلى وضع خلافاتها جانباً، والاتفاق على شخصية قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية". في اشارة واضحة الى عجز هؤلاء الاشرار عن تمرير حكومة محمد توفيق علاوي، بسبب الخلافات التي نشبت بينهم.
هذا الوضع المرتبك لاطراف العملية السياسية، وافتضاح حقيقة الخلافات بين متزعميها، منح الثورة العراقية مزيدا من المشروعية وعزز فرص انتصارها. وشجع الناس للانضواء تحت لوائها والاستعداد للتضحية في سبيلها والدفاع عنها بدمائهم. خاصة وان هذه الثورة، تميزت عن غيرها من الثورات والانتفاضات الشعبية التي حدثت في العراق المحتل،حيث استبقت الاحداث واستعدت لمواجهة طويلة الأمد، في كل ساحات المدن وشوارعها. اضافة الى اكتسابها خبرات كبيرة في العمل السلمي المنظم والصبور، وبروز قيادات حكيمة لادارة معركتها ضد السلطة الحاكمة، مسلحة بمطالب مشروعة لبت طموحات عموم العراقيين. ناهيك عن اصرارها على مواصلة صمودها الاسطوري الذي انحنت شعوب العالم امامه،على الرغم من سقوط مئات الشهداء وجرح اكثر من ثلاثين الفا من ابنائها.
اما امريكا وحلفاؤها من الدول الاقليمية، فليس بامكانهم مواصلة حماية السلطة الى ما لا نهاية، والوقوف ضد الثورة، او التورط في محاولات انهائها بالقوة العسكرية. فاذا حدث وانتصرت الثورة وقامت بتشكيل حكومة وطنية مستقلة، فانها ،اي امريكا، ستخسر نفوذها في العراق وتوجه لها ضربة موجعة تشمل مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ونحن على يقين بان امريكا وحلفاءها ستضطر رغما عن انفها الى التخلي عن هؤلاء الاشرار، كما تخلت من قبل عن " الشاه بهلوي في ايران وحسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس وغيرهم الكثير. بل وتنحاز الى الثورة التي باتت ترسخ جذورها في الارض وترتفع في الافق رايات انتصارها. اما الدول العربية المجاورة التي تلتزم الصمت ازاء عمليات قتل الثوار واغتيال نشطائهم واختطاف البعض الاخر، فستتبع سيدها وتنحاز الى جانب الثورة، وربما تتسابق معه لكسب ود القادم الجديد، مثلما سينشط الراي العام العربي والدولي في مساندة الثورة العراقية. وبالتالي ستفقد الحكومة اخر حصونها المدافعة عنها، ويصبح بيتها امام الثوار واهنا كبيت العنكبوت.
عوني القلمجي
9/3/2020
3157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع