عوني القلمجي
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
يوما بعد اخر يكشف مقتدى الصدر عن نفسه امام الشعب العراقي، بانه العدو رقم واحد ضد اي مظاهرة او انتفاضة تقوم ضد سلطة الاحتلال الحاكمة في العراق. الى درجة لم يعد بامكان حتى اتباعه الدفاع عنه كما كان يحدث ايام زمان. خاصة بعد اقتحام ميليشياته ذوي القبعات الزرقاء جميع ساحات التحرير في المدن الثائرة، واستشهاد وجرح العشرات من الثوار السلميين، الذين لايحملون بايديهم سوى العلم العراقي وشعار نريد وطن. ومما يزيد طين السيد بلة، ان ما قام به جاء باوامر ايرانية وبمباركة امريكية ورضى العديد من دول الجوار المعادية، وفي مقدمتها السعودية وتركيا. وقد كشفت هذه الحقيقة وقائع اجتماع مدينة قم الايرانية، الذي ضم مقتدى الصدر وقادة من المليشيات المسلحة، التي كان يسميها الصدر بالمليشيات الوقحة، ومنهم ابو ولاء الولائي وقيس الخزعلي وهادي العامري وابو زينب اللامي. حيث اتفقوا على تكليف مقتدى الصدر القيام، بمهمة تصفية انتفاضة شعب مظلوم، مقابل تنصيبه زعيما اوحدا لجميع هذه المليشيات. وقد عبر الصدر عن هذه المهمة بقول ملتو "إنني كمسؤول المقاومة العراقية الوطنية أعطي امرا بجهوزية المجاهدين لا سيما جيش الإمام المهدي ولواء اليوم الموعود ومن يأتمر بأمرنا من الفصائل الوطنية المنضبطة لنكون على استعداد تام لحماية العراق".
ما قام به السيد ليس غريبا على الاطلاق، فهو في الاصل لم يكن يوما ضد العملية السياسية، التي لحمتها المحاصصة الطائفية والعرقية وسداها الفساد والفاسدون. بل هو اكثر حرصا من غيره على حمايتها، والوقوف بالمرصاد ضد اي خطر تتعرض لها، لسبب بسيط جدا، فالسيد يعيش في ظلها ويتمتع بخيراتها ونال نصيبه منها، سلطة وغنائم. بالمقابل اثبت السيد بما لا يدع مجالا للشك، بانه ليس ضد ايران ولا ضد هيمنتها على مقدرات البلد السياسية والعسكرية والاقتصادية، وانما هو اكثر اخلاصا لايران من نوري المالكي وابو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي. وهذا ما يفسر غضبه الشديد من شعار الثوار "ايران بره بره وبغداد تبقى حرة، بل لطم السيد الخدود وشق الجيوب حزنا على حرق القنصلية الايرانية في كربلاء. اما الذين ينكرون هذه الحقيقة، فهؤلاء اما جهلة او "لحم اكتافهم من خير السيد". او من عبدة الاصنام والناعقين في كل واد.
اطرق هذا الباب من جديد لثلاثة اسباب، الاول عسكري والثاني سياسي والاخير له علاقة بشيطنة الثورة. وكل هذه الاسباب تهدف الى استكمال مهمة انهاء الثورة العراقية المباركة، التي ما زالت صامده بوجه قبعاته الزرقاء. فعلى الصعيد الاول نقض السيد قراره بحل ميليشيات القبعات الزرقاء، بعد ان فاحت رائحة جرائمها في قتل الثوار في مدينة النجف وكربلاء، والطلب منها الانسحاب من ساحة التحرير، وتسليم المطعم التركي المسمى بجبل احد الى الثوار. حيث قال بالحرف الواحد "حسبما وصلني من الثقات أن الثورة بدأت تدريجياً بالعودة إلى مسارها الأول، ومعه فإني أعلن حل القبعات الزرقاء، ولا أرضى بوجود التيار بعنوانه في التظاهرات، إلا إذا اندمج وصار منهم وبهم من دون التصريح بانتمائهم". حيث عادت هذه المليشيات بشكل اقوى من السابق ومارست هواياتها قتل الثوار في ساحة التحرير والوثبة والخلاني، اضافة الى تمسكهم بالمطعم التركي واستخدامه كمنصة لاطلاق النار ضد الثوار. وما لازالت ميليشيات الصدر تمارس القتل والاختطاف في جميع الساحات حتى يومنا هذا. والانكى من ذلك فان اتباع مقتدى الصدر لم يكتفو بقتل الثوار بالرصاص الحي، وانما اتبعوا طرقا رذيلة بوضع السموم والحشيشة داخل وجبات الطعام البسيطة.
اما السياسي فقد نقض عهده ايضا برفضه اي مرشح لرئاسة الحكومة لا يحظى بقبول ساحة التحرير، كونها، كما وصفها، بالكتلة الاكبر. حيث اصدر نصائحه بمنع الثوار من التدخل في هذا الامر او في تعيين الوزراء. ثم ذهب الى تشكيل حلف مع المليشيات الوقحة وفرض مرشحها محمد توفيق علاوي، الذي شغل مناصب وزارية، ودورتين في البرلمان، اضافة الى تلقيه عقوبة بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة السرقة والفساد، ليكون من حيث الشكل مستقلا ومن حيث الجوهر اداة بيده. بالضبط كما فعل بتولية عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة المستقيلة. حيث قدم الاول من لندن والاخر من لبنان. ترى هل نحتاج الى ادلة وقرائن لاثبات ان حكومة علاوي المرتقبة سيكون اساسها المحاصصة الطائفية والعرقية واجندتها مواصلة تنفيذ مخطط انهاء الثورة العراقية؟
اما ادعاء الاصلاح، فهو كذبة باتت معروفة واسطوانة مشروخة. فالاصلاح ايها السيد لا يتحقق في ظل الفساد المستشري والدمار والخراب، ولا في زج البلاد في حروب طائفية واهلية، وخندقة المجتمع في هويات فرعية، وتكريس سلطة اختطاف العراق وفق معادلة كرد وسنة وشيعة، لتصفيره دولة وسيادة. ولا في ظل الفقر والجوع والمرض الذي يعاني منه العراقيون، ولا في ظل انعدام الخدمات كافة، بما فيها الضرورية لحياة الناس كالماء والكهرباء والصحة، ولا في ظل هيمنة المليشيات المسلحة الموالية لايران. واخيرا وليس اخرا، هل هناك حزب او وزارة او مديرية عامة غير فاسدة؟، وهل هناك هيئة او محكمة او مفوضية او لجنة غير مرتشية؟ ثم اليس انت يا مقتدى وحلفك من المليشيات المسلحة التي تتحكم في البلاد والعباد من كبار الفاسدين؟
اما تبرير السيد بان الحكومة المرتقبة ستلتزم بالدستور فهذه ام الاكاذيب. فعن اي دستور تتحدث يا مقتدى. الم يعلن جميعكم على الملأ بان الدستور العراقي كتب على عجل وجرى التوقيع عليه تحت ضغط الامريكان، وانه يحتوي على الغام عديدة ، وان اكثر الغامه خطورة، هو الاخذ بنظام المحاصصة الطائفية والعرقية في بناء الدولة العراقية؟ ، الم يتوسع اصحابكم في البرلمان في شرح كيف ان هذه المحاصصة عطلت عمل الحكومة والبرلمان في المجالات كافة ؟، ويضربون مثلا عن تقييد رئيس الوزراء ومنعه من محاسبة وزرائه، الذين ينتمون الى الاحزاب الاخرى حتى اذا نهب او سرق او قصر هذا الوزير او ذاك؟
يبقى السبب الاخير هو شيطنة الثورة، فاذا كانت الحكومة واجهزتها واقلامها الماجورة قد الصقت تهما بالثوار من قبيل مندسين ومخربين واصحاب اجندات اجنبية، فان تيارك ايها السيد قد اضاف اليها تهم تطعن بشرف العراقيات الثائرة والتي تنطوي على كم هائل من الكلمات السوقية التي لا يجرؤ على النطق بها حتى سفلة القوم. ولم ينس السيد الحديث عن التمويل الذي ياتي بحاويات من الدولارات ومن دول مختلفة. اما الحديث عن تدمير البلاد ومؤسسات الدولة عبر حرق الاطارات وقطع الطرق والجسور وغلق المدارس ، فقد نسي السيد ان جميع التظاهرات والانتفاضات والثورات الشعبية السلمية في انحاء العالم كافة، وعبر كل العصور المختلفة تدافع عن نفسها، برمي الحجارة وبالعصي واللافتات وإطلاق الهتافات الغاضبة وشتم رموز النظام وحماته، ناهيك عن القيام باضرابات طلابية وتعطيل الدوام الرسمي وحركة المرور وقطع الطرقات والجسور. ومع ذلك اذا كنتم حريصين على الدولة ومؤسساتها وتمشية اعمالها، لماذا تماطلون اذن في تحقيق مطالب الثوار المشروعة؟
ايها السيد وحلفك غير المقدس من المليشيات الوقحة، نقول لكم جميعا بان جرائمكم هذه لن تجديكم نفعا، بل كلما ازداد عدد الشهداء والجرحى والمخطوفين ازداد الالتفاف حول الثورة، وكلما حرقتم خيمة بنى الثوار غيرها، فالثورة نجحت في هذا الامتحان العسير، وستنتصر عليكم وعلى نظامكم بابنائها البررة وستقدم القتلة الى المحاكم، وستسقط حكم المحاصصة الطائفية وأحزابها ومليشياتها، وسوف تعيد للعراق استقلاله وسيادته، وتطرد القوات الأجنبية وتنهي الهيمنة والنفوذ الخارجي.
انها الثورة يا مقتدى وان شعب عظيم مثل شعب العراق يتولى قيادتاتها، وسياتي اليوم وهو قريب، الذي تبيض فيه وجوه وتسود فيها وجوهكم. وان غدا لناظره قريب.
عوني القلمجي
16/2/0/2020
2826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع