الوقائع العراقية.. نظرة صحفية على الجريدة الرسمية

                                          


                         مليح صالح شكر

  

الوقائع العراقية.. نظرة صحفية على الجريدة الرسمية

تمهيد:

هذا البحث مستقطع من دراسة مستفيضة لي عن التشريعات الصحفية العراقية تنتظر دورها في المطبعة ، وأنشره مستقلاً عن الكتاب لاهميته التاريخية ، وأرجو ان لا يلتقط بعض الكتبة معلوماتي الحصرية ، وينسبونها لأنفسهم )!

في بحث في صفحات تاريخ الصحافة العراقية، وفي صفحات سلسلة مجموعة القوانين العراقية ، لفت إنتباهي أن الجهة التي نشرت هذه القوانين بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003 قد رمزت لبعض القوانين بجملة ( نشر في الوقائع العراقية ، الجزء أ) .

وفي بحث لاحق ، ومضن جداً، إتضح أن الدولة العراقية بدأت حوالي منتصف سنة 1970 في أفضل التقديرات، بإصدار طبعتين للجريدة الرسمية، الوقائع العراقية ، واحدة عامة وعلنية، والثانية خاصة وسرية، بل ومحدودة التداول ، وللغرابة ، في حالات كثيرة بنسختين فقط، تحتفظ رئاسة الجمهورية بنسخة، وتودع الثانية لدى وزارة العدل ، مكتب الوزير حصراً.

وفي تعقبي لهذه الحالة في تاريخ الوقائع العراقية ، لم يتسن لي بعد ، الحصول على نسخة منها، مع أن ذلك ليس مستحيلاً ، وقد وعدني عدد من رجال لهم معرفة واسعة بتاريخ العراق ، وقوانينه ، وإطلاع على خفايا كواليسه ، وبعض الأصدقاء بالبحث، وتزويدي بما يمكن العثور عليه بهذا الصدد.

لكن الدلائل كثيرة وثابتة على ان العراق أعتمد فعلاً إصدار طبعتين للوقائع العراقية( علنية وسرية ) ولم يكن متاحاً أمامي نسخة (Hard Copy) كما يقال باللغة الانكليزية في اقناء نسخة من وثيقة أصلية، أو كتاب . ويتذكر عدد من الاخوة من الزملاء الصحفيين أن ذلك كان سراً معروفاً بيننا نحن الصحفيين ! لكننا إفتقرنا لدليل مادي لدعم تلك الآراء .

وقد ازداد اهتمامي بملاحظة (الجزء أ ) كما ذكرت آنفاً، بعد إعادتي قراءة مذكرات الدكتور فخري قدوري وزير الاقتصاد، ومحافظ البنك المركزي ، ورئيس مكتب الشؤون الاقتصادية بمجلس قيادة الثورة ، والأمين العام لمجلس الوحدة الأقتصادية العربية ، على التوالي في مطلع سنوات السبعينيات من القرن العشرين.

يقول الدكتور فخري قدوري في هامش الصفحة 73 من مذكراته :

(في الوقائع العراقية بتاريخ 1-12-1973أربعة عشر قراراً ومرسوماً موقعاً من قبله (يقصد الرئيس أحمد حسن البكر) ، وما يبعث على التساؤل كون قرارات مجلس قيادة الثورة المنشورة تحمل تسلسل الارقام من 974الى 984، إلا أن القرار رقم 975 والقرار رقم 979، اللذين يقعان ضمن التسلسل لا وجود لهما ما يطرح التساؤلات حول طبيعتهما وعدم نشر نصوصهما).

وهذا وزير في الحكومة ، وأحياناً له مكتب داخل مبنى المجلس الوطني قرب مكاتب اكثر مسؤول نفوذاً، ونراه يتساءل عن مصير قرارين على الأقل ، لم يعثر لهما على أثر في الجريدة الرسمية للدولة العراقية (الوقائع العراقية).

وقد لاحظت أن الأسباب الموجبة لقانون النشر في الجريدة الرسمية ، رقم 78 لسنة 1977 تضمنت جملة واضحة وصريحة حول (تنظيم نشر التشريعات السرية في أعداد خاصة)، أي أن الدولة أنذاك كانت فعلاً تصدر أعداداً خاصة للوقائع العراقية.

وما يلي نص هذه الأسباب الموجبة كما نشرت في ذلك القانون ، في الوقائع العراقية ، العدد رقم 2594 بتاريخ 20- 6- 1977:

(إن تسيير علم الجمهور بالقواعد القانونية المنظمة للمجتمع، شرط من شروط قيام الدولة العصرية الديمقراطية، ولهذا فقد اقتضت أحكام الدستور المؤقت بنشر القوانين في (الجريدة الرسمية) واعتبار تاريخ النشر بدءا للعمل بكيانها، إلا إذا نص على خلاف ذلك،

وقد اضطلعت (الوقائع العراقية) منذ صدورها في أوائل العشرينات حتى اليوم، لهذا الدور الهام، بحيث أصبحت مرجعا موحدا لكل راغب في الاطلاع على ما يشاء من قوانين وأنظمة وتعليمات وقرارات وبيانات تصدرها أجهزة الدولة المختلفة، التي زال اتساعها، وتعدده أوجه نشاطها، لذا بات من الضروري وضع معايير موضوعية تنظم النشر في ” الوقائع العراقية ” وتحدد ما ينشر فيها، وتنهي حالات عدم انتظام نشر بعض النصوص الهامة (كالمعاهدات ولاتفاقيات الدولية المصادق عليها بقانون) وتنظيم نشر (التشريعات السرية) بإعداد خاصة.

حيث إن قانون نــــــشر القــــــــــوانــــــين رقـــــــم /59 لسنة 1926 الذي مضى على تشريعه نصف قرن، لم يعد يتماشى والتحولات الحاصلة بعد ثورة (17 – 30) تموز، ولا مع واقع طموحات المرحلة ومتطلبات الإعلام القانوني، فقد لزم تشريع قانون جديد ينظم إصدار ” الوقائع العراقية ” على أسس عصرية، ويضفي عليها صراحة صفة (الجريدة الرسمية للجمهورية العراقية).

ولكل ما تقدم، شرع هذا القانون) .

وقد أكد المعنيون والمهتمون الذين طلبت مشورتهم بأن الوقائع العراقية كانت فعلاً تصدر ( أعداداً محدودة التداول) ، وأن نســـــــــخها كانت تحفظ في أرشيف القصر الجمهوري ، ووزارة العدل حــــــــصراً.

وحاولت تتبع هذه ( الأعداد الخاصة للجريدة الرسمية) دون أن أحصل على نسخة منها، وسأحصل حتماً ، لكنها حقيقة لا غبار عليها، ومعروفة على نطاق واسع في احاديث الصحفيين. تحدثت يوم الخميس 15 آب 2019 هاتفياً بإسهاب مع السيد سجاد الغازي ، وبعدها عدة مرات ، وهو في بغداد، ولديه اطلاع واسع ، وغزير بالمعلومات بشأن هذه المسألة، وفي كل المسائل الأخرى ذات الصلة بصحافة العراق وقوانينها ، فأكد أنها فعلاً كانت عادة معمول بها لنشر بعض التشريعات والاحكام التي لم يكن نظام الحكم راغباً بترويجها كثيراً ، موضحاً لي أن (العدد الخاص ) كان يصدر بنسختين فقط !

ويؤكد الصحفي العراقي النقابي الكبير عراقياً وعربياً ، أن القصر الجمهوري كان يكلف المستشار القانوني أو رئيس الدائرة القانونية في القصر الجمهوري بالذهاب أسبوعياً الى المطبعة التي تطبع هذه الاعداد الخاصة، ومراجعة نصوصها قبل الطبع، وتصحيحها، كما هو الحال مع ( المصحح) في الصحف اليومية، ويأخذ ( النسختين ) منها معه لأرشيف رئاسة الجمهورية بعد أن تطبع بحضوره.

وكان آخر من تولى الإشراف على الطبعة السرية للوقائع العراقية وحتى غزو العراق واحتلاله عام 2003 ? هو شخصية قانونية ، الدكتور رشدي خالد التكريتي الذي كان قبل انتدابه للعمل مستشاراً في رئاسة الجمهورية ، مديراً للمعهد القضائي ، ورئيساً لمركز البحوث القانونية ، ولم يتسن بعد التعرف على من سبقه في منصبه برئاسة الجمهورية.

وانتقل رشدي خالد ، وهو بغدادي النشأة بالرغم من أصول عائلته ، بعد الاحتلال للعمل في دولة قطر حتى بلغ السن القانونية ، وانتقل بعد ذلك للإقامة في تركيا.

ولأ يدري أحد مصير أرشيف القصر الجمهوري بعد غزو العراق وإحتلاله في نيسان عام 2003 وقد ضاعت أو نهبت تلك الاعداد الخاصة للوقائع العراقية، مع ما نهبته قوات الاحتلال وأذنابه من الوثائق العراقية ، التي نقلتها بالطائرات الهليكوبتر الكبيرة الى مطار بغداد ، ولتــــــــــحملها طائرات عسكرية الى الولايات المتحدة .

أما النسخ التي كانت تحفظ في أرشيف وزارة العدل ، فلم يكن مصيرها أفضل من مصير النسخ التي كانت في أرشيف رئاسة الجمهورية، فقد تـــــــــــعرض مبنى وزارة العدل في الصالحية ببغداد، للعبث بعد قليل من أحتلال العراق عام 2003 ثم في عام 2013 لأنفجار هائل أحرق الأخـــــــــــضر والـــــــــيابس ، ولم تنجو مكاتبها ووثائقها ومحـــــــــتوياتها من الحريق!

ومن الواضح جدا، إن جريدة الوقائع العراقية بدأت بعد قليل من توقيع إتفاق 11 آذار 1970 مع الاكراد، في إصدار جزئين، احدهما علني يتضمن قضايا أدارية عادية وبيانات وزراء فنيين مثل العدل والمالية والشؤون الاجتماعية والكمارك، وغيرها، بينما خصص الجزء الثاني السري، للتغييرات الوزارية والمراسيم الهامة في حركة قيادة الدولة ، وغير ذلك من قــــــرارات ، والتي سميت (التشريعات الخاصة).

ولذلك فأنني أميل إلى فرضية أن الوقائع العراقية قد بدأت مبكراً في سنوات حكم ما بعد 17 تموز عام 1968 الصدور بطبعتين (عامة وخاصة) ، وإن هذا الإجراء قد أُستخدم بعد عدة شهور من توقيع إتفاق 11 آذار عام 1970 بين الحكومة العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الملا مصطفى البارزاني .

لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الدولة وقادتها لم يكونوا يرغبون باطلاع الاكراد على بعض التشريعات! لأن أؤلئك القادة لم يكونوا يرغبون أصلاً بإطلاع الرأي العام على تلك (التشريعات السرية).

وفي مرحلة حملة تقصي حقيقة هذه (الوقائع السرية) إن جاز التعبير، فاجأني أحد المختصين بالقانون تأكيداته بصحة الرأي بأنها فعلاً كان تطبع (نسختين)، وروى لي حادثة حضرها بنفسه للتعامل الرسمي مع الوقائع السرية . وأعتذر لأنني قد تعهدت له بعدم نشر أسمه أو أسم الجهة الحكومية التي كان حاضراً فيها خلال هذه الحادثة.

وباختصار ان النص المنشور في الوقائع العراقية، الجريدة الرسمية للدولة، هو النص الوحيد الذي يعول عليه قانونياً ، وتلك التشريعات السرية تلزم أن تأخذ شكلها القانوني ، لذلك تصدر بعدد ، وتاريخ ثابت في الوقائع العراقية .

ولكن الجهاز الحكومي الذي أكتنفه ستار من السرية والكتمان ، كان أضعف من نص ( كتاب رسمي ) يصل لإحدى دوائره من رئاسة الجمهورية.

فعلى سبيل المثال ، حينما دخل الأخوة برزان وسبعاوي ووطبان ، وغيرهم من أفراد العائلة ، خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، الكلية ، للدراسة الجامعية ، أُثير موضوع أنهم لم يستكملوا الدراسة الإعدادية ، بل أن بعضهم لم يتجاوز حتى مرحلة الدراسة المتوسطة !

وقيل في حينها ان (قراراً خاصاً وسرياً) صدر بإعفاءهم من شهادة البكلوريا كشرط للقبول في الكلية !

ولم يجد المعنيون بالتنفيذ ، هذا القرار في الوقائع العراقية العادية ، وهذا يثبت بما لا يقبل الشك وجود العدد السري الخاص للوقائع العراقية.

وتعذر على هذا الباحث أيضاً التعرف على صاحب فكرة هذا الاجراء في تغيير طبيعة جريدة الوقائع العراقية العلنية التي دأبت عليها منذ اصدارها عام 1921 فبينما يميل السيد صلاح عمر العلي الى أنه ربما ( أقتراح جهة أمنية) ، ولكن السيد العلي أصبح خارج العمل الحكومي في تموز 1970 وتشير الدلائل الى أن الطبعتين للوقائع العراقية كانت قد بدأت بعد مغادرته بقليل .

وقد تعذر علي ، مثلا، أن أجد تعين وأعفاء السيد العلي من منـــــــــصبه وزيراً للإعلام ومن مناصبه الاخرى في الوقائـــــــــع العراقية الـــــــــعادية ، ولا تعين وزراء آخرين وإعـــــــفائهم ، مع أن الصحف اليومية نشرت تلك التعديلات الوزارية في حينه.

ولما كان العمل قد بدأ مبكراً بصيغة الطبعتين للوقائع العراقية، فمن المستبعد أن تكون مديرية الأمن العامة هي من أوصى بالطبعتين، ولا جهاز المخابرات الذي لم يكن قد أنشئ بعد.

وليس مستبعداَ أن يكون المسؤول عن العمل بالطبعتين، وفي ضوء التطورات التي جرت على نظام حكم السابع عشر من تموز عام1968 وما بعده، وحتى السنـــــــــوات الأخيرة قبل الأحتلال العسكري الأمريكي عام 2003 هو الشخـــــــــصية المتنفذة منذ السنوات الأولى ، صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة،

ووفقاً لأحد الكوادر العراقية في الاعلام العراقي آنذاك، فإن السيد هادي العلوي كان مسؤولاً عن إصدار الوقائع العراقية حينما كان موظفاً بوزارة الاعلام ، قبل ان تنتقل مسؤولية إصدار الوقائع العراقية الى وزارة العدل .

ولكن كما يبدو من تحليل هذه الآراء أن المستشار القانــــــــــوني في رئاسة الجمهورية كان هو الجهة التي تشرف على تدقيـــــــــق التشريعات في الطبعة الخاصة وتطبع بحــــــــــضوره ، وربما كان هادي العلوي معـــنياً بالطبعة العادية العلنية للوقـــــــــائع العراقية فقط .

ومن الحالات الغريبة في القوانين العراقية عموماً وما تعرضت له من إلغاء أو تعديلات عديدة ، هي أن قانون الجريدة الرسمية لم يتعرض في تاريخه الطويل منذ عام 1926 وحتى عام 2007.

للإلغاء ولا للتعديل ، سوى مرتين ، طيلة 51 عاماً في العهدين الملكي والجمهوري، و20 عاماً أخرى قبل الاحتلال الامريكي وبعده.

وهكذا كان قانون عام 1977 هو ثاني قانون تاريخياً يتعلق بالجريدة الرسمية بعد القانون الاول عام 1926.

كما لم يتعرض قانون 1977 لأي تعديل حتى عام 2007 اَي بعد اربع سنوات من احتلال العراق حيث أضيفت اللغة الكردية الى اللغة العربية التي تصدر بها الجريدة الرسمية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك