يعقوب أفرام منصور
" في الليلةِ الظلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ "
تتعرّض أوضاع الدول الكبرى والصغرى وشعوبها، أو أنظمتها الحاكمة الزاخرة بالمساوئ والمفاسد، أو التي تسعى شعوبها إلى التخلّص من عيوبها وإخفاقاتها، أقول تتعرّض تلك الكيانات في تلك الأوضاع إلى مجابهة أحوال عصيبة وظروف شديدة الحراجة والخطورة إلى حد احتياجها إلى إنقاذ يماثل إنقاذًا من الغرق أو من حريق او ظلمة دامسة حالكة طويلة، او من السقوط في وهدة عميقة مهلِكة.
وقد يكون الإنقاذ المنشود ممكنًا خلال تفاهمات وتآلفات سليمة وإيجابية سلِسة تؤدّي إلى نجاح واقتناع الأطراف المتنازعة أو المتصارعة أو المتضاربة. أمّا في حالة رفض الطغمة الحاكمة والمتحكّمة والمُهيمِنة على إصدار القرار، والمتمسّكة بمقاعد ومراكز السلطة ـ على الرغم من قصوراتها ومساوئها الجمّة وسوء سمعتها ـ أن تتنحّى عن مواقعها في السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى حد العناد والرفض الشديد في التخلّي عن مواقعها في السلطتين، فلا يبقى آنئذٍ لدى جماهير الشعب النافر من الحكومة ومن جلّ أحزاب البرلمان المريض وتكتّلاتها، والفاقد ثقته تمامًا في صلاح بقائها قي السلطة، وترشيح أحد أفراد ممثّليها في السلطتين؛ أقول فلا يبقى آنئذٍ لدى جموع الشعب الثائر الغاضب المطالب بالحقوق المشروعة (لكن مسلوبة) إلاّ اللجوء إلى البحث والتفتيش عن شخص أو شخوص تتوفّر فيهم أو فيه المؤهّلات والقدرات التي يملكونها في مجال إمكانية تحسين الأحوال، والتمهيد في قترة أنتقالية قصيرة إستثنائية، ، لاستبدال أوضاع رديئة وأداءٍ مُزرٍ، معيب، جلب الأذى الجسيم والعميم على غالبية الشعب أعوامًا طِوالاً، وعلى ثروات الوطن، والإساءة إلى سيادة الدولة، كما ألصقت بأزلام السلطتين وصمة عار وشنار وصلت بعضًا إلى حد الخيانة العظمى والجرم الكبير، واستلاب إرادة الذات والحكم الوطني المستقِل؛ فقد أضحى الآن معلومًا لدى حتى الأميين والمراهقين مدلول المبدأ العالمي ( ألشعب مصدر السلطات) في أنظمة الحكم الدستوري البرلماني.
عراقنا الحبيب أمسى الآن ، وبعد شهرين من المظاهرات والإحتجاجات والإعتصامات في أغلب المحافظات التي قدّمت مئات الشهداء مع مئات معاقين ومختَطَفين ومطعونين ومحروقين ومقتولين غدرًا وغيلةً، ومع 20 أف جريح، يرفع كثيرون من محبّي وغيارى شعبه اليوم أنظارهم إلى عنان السماء، يبتهلون إلى الفدرة الإلاهية أن تُنعم على وطنهم الغالي ، الجريح ، المنكوب بأن تُهديهم إلى اختيار شخص منقِذ من بلاء وخيم وشرّ أليم، ولسان حالهم يقول " في الليلة الظلماء يُفتَقَدُ البدرُ". فهل من منقِذ ذي خبرة سياسية وقانونية، ويُحسن اختيار وزراء قديرين مخلصين ومستقلّين لتشكيل سلطة حاكمة لستة شهور كي تهيئ لإقامة برلمان نظيف تنبثق منه سلطة تنفيذية خالية من المثالب كي تحقق المقاصد الشعبية والوطنية ؟
أجل .. تروم جماهير الشعب مُنقِذًا قديرًا نزيهًا مستقلاً لينقذ وطنهم المبتلى طويلاً بأسوا برلمان وُجد في عمر العراق، وبأبعد أحزاب عن سمة حب الوطن المفروض، كما ابتُلِيَ بجماعات بَصَمت على ولائها للأجانب الطامعين في خيراته وثرواته منذ القِدَم في عهود سومر وأكد وبابل وآشور! أجل .. فقد أمسى العراق حاليًا في ظلمة حالكة، تنطبق عليها مقولة الشاعر ـ الشاب المستشهد في ساحة الوغى ـ أبي فراس الحمداني : ـ
سيذكرني قومي إذا جدّ جّدّهُم وفي الليلة الظلماءِ يُفتَقَدُ البدرُ ويخطئ من يستهين هذه الظُلمة الحالكة المُفزعة، بل يُذنِب من يُسهم في إطالتها وتفاقمها !
844 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع