بسام شكري
هل تتعظ الطبقة الدينية في العراق من تجربة الثورة الفرنسية
التشابه الكبير في الوضع السائد في العراق اليوم وبين الأوضاع التي كانت سائدة في فترة الثورة الفرنسية هو الذي دعاني الى كتابة هذا المقال عسى ولعل ان تستفاد منه الطبقة الدينية في العراق، ان من أسباب الثورة الفرنسية هو تسلط الكنيسة وتدخلها في حياة الناس ومحاربتها للعلوم التجريبية وربطها بالشعوذة حيث تم اعدام عشرات العلماء واتهامهم بالسحر والهرطقة ودعم الكنيسة للنظام الاقطاعي الذي كان يمتص دماء الفلاحين والأسباب الاجتماعية للثورة هي دعم الكنيسة لطبقة النبلاء فقط وتجاهل الطبقة الوسطى وطبقة الفلاحين والفقراء والأسباب الاقتصادية هي الازمة المالية التي نتجت عن سياسة الكنيسة في امتلاك اكثر من نصف العقارات والأراضي في فرنسا وتسبب ذلك في تصاعد الازمة المالية في عهد الملكين لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر ثم حدوث ازمة اقتصادية خانقة سنة 1788 بسبب سوء المحاصيل الزراعية وسبب اخر هو ضعف شخصية الملك لويس الرابع في مقابل قوة وذكاء زوجته النمساوية الملكة ماري انواني التي كانت تدعوه الرجل المسكين, والسبب المباشر الذي اشعل الشرارة الاولي وفجر الثورة هو المواسم الزراعية الرديئة التي اثرت على الإنتاج الزراعي فانتشرت المجاعة وتحول عدد من السكان الى البوادي للعمل كقطاع طرق والازمة الزراعية قد اثرت على باقي القطاعات مثل الصناعة والتجارة وارتفعت الضرائب على الطبقتين الوسطى والفقيرة وزادت البطالة بشكل مخيف حيث قارب عدد العاطلين عن العمل نصف عدد السكان .
ماهي نتائج الثورة الفرنسية على الكنيسة
ان ضحايا الثورة الفرنسية البشرية تقريبا 117 الف قتيل من الأطفال والنساء والعجزة والرجال وحسب دراسات المؤرخين خلال السنوات الأخيرة ومقارناتهم بما كتب عن تأريخ تلك الفترة فان العدد الحقيقي يفوق هذا العدد بكثير وكانت تباد مدن بكاملها حيث اختصارا للوقت واقتصادا بالعتاد كانت المدن المعارضة للثورة تضرب بالمدفعية وكان بعض رؤساء الثورة يتفنن في قتل الناس فكان يملئ القوارب بالنساء والأطفال والعجزة ويقوم بإغراق تلك القوارب في الانهاء , اما ما حصل للكنيسة فكانت مجموعة احداث هزت العالم ومازالت اصدائها لغاية اليوم فقد منع الثوار أي صلاة في الكنائس وتوقفت النواقيس لسنوات عديدة في فرنسا ثم اصدر الثوار قانون الحماية المدنية لأفراد الكنيسة فحصل انشقاق في الكنيسة الى قسمين الأول مع البابا والثاني مع القانون وقد تم قتل كل من وقف ضد القانون ثم تم قتل معظم القسم الثاني من الكنيسة المؤيد للقانون وتم الاستيلاء على كل المعادن الثمينة والمجوهرات التي تمتلكها الكنيسة ثم صدر قانون بمصادرة كافة العقارات والأراضي التي تملكها الكنيسة وبذلك انتهى وجود الكنيسة على الأراضي الفرنسية ثم تحول الثوار الى النبلاء والاقطاعيين الذي كانوا يحيكون المؤامرات على الثوار فتم الاستيلاء على بعض أراضيهم وتم القاء القبض على الكثير منهم وكانت للإشاعات الدور الكبير في تصعيد الفوضى فمثلا احدى الاشاعات ان النبلاء في سجن الباستيل يحيكون مؤامرة ضد الثورة فتم الهجوم على السجن ليلا وقتل الاف من السجناء العاديين والنبلاء والاقطاعيين, والملكية لم تسلم من بطش الثوار فقد نهبت ثروات الملوك وتمت مصادرة املاكهم وحتى قبور الملوك فقد تم نبش المقبرة الملكية وسرقة المقابر وقام الثوار بدفن عظام الملوك في قبر جماعي واحد وعندما عاد النظام الملكي لفرنسا بعد تلك الفترة لاحقا قام بعمل قبر كبير سمي غرفة عظام الملوك وضع فيها تلك العظام وأعاد الاعتبار لها , اليوم يجد القارئ على ان صفحات الكتب والانترنيت الكثير من الفظائع التي حصلت خلال فترة الثورة الفرنسية لكني هنا اختصرتها لأنني استعملها كمثال للتشابه مع الوضع العراقي الحالي.
الطبقة الدينية وليست الطبقة السياسية
بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 تم الغاء الدولة العراقية التي تأسست سنة 1921 وتأسست دولة جديدة فيها برلمان أعضائه من أحزاب دينية كانت خارج العراق او كانت تعمل بالخفاء قبل تلك الفترة والدولة الجديدة قد تأسست على أسس طائفية حيث تم فصل الديانات عن بعضها وفصل الدين الواحد لعدة طوائف وقامت كل مجموعة دينية بإنشاء محاكمها الشرعية وإصدار قوانينها الدينية فيما بخص الحياة الاجتماعية للناس ورفعت يد الدولة عن أي مرفق ديني وعن كافة نشاطات الترميم والصيانة والمساهمة في تدريب وتأهيل رجال الدين وتنظيم او الاشراف على الطقوس الدينية في المقابل قام كل دين ومذهب بتلك النشاطات والاستقلال بالموارد المالية واصبح للعراق وقف شيعي مع وقف سني وخلال فترة الحرب الاهلية وبإيعاز من المرجعية الدينية في النجف تمت تم الاستيلاء على الكثير من مساجد تعود للوقف السني وتحوليها للوقف الشيعي وفي نفس الوقت قامت المرجعة بالإيعاز الى اغتصاب مئات من قطع الأراضي وانشاء حسينيات ومساجد ومرافق دينية عليها وبذلك أصبحت دور العبادة تقام على أراضي مسروقة ولم يكلف الوقف الشيعي نفسه شيئا في تثبيت مالك تلك الأراضي في سجلاته وانما تم تسجيل تلك الأراضي تحت تسمية أراضي مشاعة او أراضي تعود ملكيتها للشخص الذي قام بالبناء عليها , هكذا اصبح الشكل العام للدولة لكن الموضوع قد امتد ابعد من ذلك فالأحزاب الدينية قامت بتشكيل ميليشيات عسكرية وأحزاب المنطقة الخضراء قامت وفي كل نشاطاتها اليومية والانتخابية باتباع الشكل الديني والشعارات الدينية وكانت تتنافس في اظهار ولائها للدين والمرجعية من اجل الحصول على المزيد من دعم المرجعية خلال وبعد الانتخابات التي تم تزويرها بطرق مختلفة واخذ الدين الحيز الأكبر حيث تم اجبار مؤسسات الدولة والجيش والقوى الأمنية على المشاركة في المناسبات الدينية والآنك من ذلك تم تعيين رجال دين في وحدات الجيش والقوات الأمنية واصبح من المألوف ان ترى صورة في الصحف المحلية رجل دين يتراس اجتماعا امنيا او اجتماعا لقادة الوحدات العسكرية وفي السفارات العراقية قام السفراء بنفس اسلوب التملق السائد في داخل العراق حيث تقوم غالبية السفارات بالنشاطات الدينية والمناسبات اصبح مشهدا مألوفا في كل وفد رسمي عراقي يزور أي دولة خارجية رجل دين معمم مع الوفد ومن ناحية القوانين فقد تم اصدار قوانين تحدد أيام كثيرة من أيام السنة مناسبات دينية تعطل فيها دوائر الدولة والمدارس والجامعات حتى اصبح عدد أيام العطل الرسمية مع أيام العطلة الأسبوعية اكثر من عدد أيام الدوام الرسمي في العراق وهذا لم يحصل في أي دولة على وجه الكرة الارضية وبهذا اصبح الشكل العام لنظام الحكم هو النظام الديني وهنا وفي ضوء كل ما قامت به الأحزاب الدينية في العراق من تغييرات لا يمكننا اطلاق مصطلح الطبقة السياسية عليها والاصح هو ان نطلق مصطلح الطبقة الدينية ويتبين لنا انه ليس هناك طبقة سياسية في العراق الان .
الطبقة الدينية العراقية وما هو المتوقع من ردود أفعال الثوار
المرجعية الدينية في النجف الاشرف ومنذ اليوم الأول كانت صاحبة القرار الأول في نظام الحكم الجديد فقد أصدرت معظم القرارات التي تحدد حياة الناس وابتداء من فتوى بتحريم قتال المحتل الأمريكي الى العطل الرسمية الى الأعياد الدينية والوطنية الى فتاوى وجوب المشاركة في الانتخابات الى فتاوى دعم حزب ديني معين الى اوامر بتعيين رؤساء الوزارات واوامر بحل حكومات والطلب من رؤساء وزارات تقديم استقالاتهم كما حدث مع الحكومة الاخيرة هنا يتبين ان المرجعية الدينية في النجف قد تدخلت في حياة الناس بشكل أعطاها قوة الدولة والمرجعية السنية لم تكن افضل من المرجعية الشيعية فقد تاجرت بدماء رعاياها وفرطت بممتلكاتهم مقابل رشاوى معينة وشاركت في كافة الحكومات وأثبتت احزابها انهم لا يقلون فسادا عن الأحزاب الشيعية الامر الذي جعل نشر فلسفة الالحاد بين معظم الشباب المسلمين بكافة مذاهبهم والذي مازال مؤمن بالدين فانه فقد ثقته كليا برجال الدين.
الطبقة الدينية ومستوى الثراء الذي وصلت اليه
وفق ما تقدم لا يمكننا ان نفصل الأحزاب الدينية الحاكمة عن المرجعيات الشيعية والسنة فالجميع يحكم بالمشاركة لا بل المرجعيات الدينية تتحمل الوزر الأكبر لان الأحزاب من استظل بظلها واتبع فتاواها وتم اجبار الناس بقوة المرجعيات الدينية على المشاركة في الانتخابات وإيجاد البرلمان الفاسد الذي خرجت منه كل الحكومات الفاسدة.
حسب الإحصاءات الرسمية فان عدد زوار العتبات المقدسة في العراق سنويا يتجاوز 17 مليون شخص وهذا الرقم المخيف فعليا هو أكبر من عدد حجاج بيت الله الحرام وكل مواسم العمرة، فموسم الحج في أفضل سنواته لم يتجاوز 3 ملايين حاج وشهريا وفي نفس الوقت لا يدخل المملكة العربية السعودية أكثر من ربع مليون معتمر شهريا، ان المردود المادي لعدد 17 مليون زائر يمكن ان يكون بمثابة ميزانية للعراق فاين تذهب تلك الأموال؟ هذا ما عدا ما يضعه زوار العتبات المقدسة من مبالغ نقدية بمختلف العملات تقدر بالمليارات في الاضرحة والمزارات وهذا معروف لدى كافة العراقيين ولو افترضنا ان نصف الزائرين هم من الأجانب فاين تذهب العملات الصعبة التي يحملونها معهم ويضعونها في الاضرحة او يدفعونها كمصاريف إقامة ومعيشة خلال فترة زياراتهم؟
هذا ما يخص الطبقة الدينية - الدينية في العراق اما الطبقة الدينية السياسية المتمثلة بالأحزاب الدينية فان مواردها لا يمكن حصره فجماعة الحكيم مثلا تأخذ حصة من البترول يعادل ما يأخذه إقليم كردستان وهناك حزب ديني اخر يأخذ موارد مطار النجف وحزب اخر يسيطر على ميناء ام قصر ويأخذ موارده وكل المنافذ الحدودية تسيطر عليها ميليشيات الأحزاب الدينية وتأخذ مواردها مباشرة وتحرم ميزانية الدولة منها وكل عقارات الدولة تمت السيطرة عليها وبيعها او الحصول على مبالغ تأجيرها وكل الطرق التي تربط المحافظات داخل العراق تسيطر عليها ميليشيات مسلحة ولا تسمح بمرور أي شاحنة الا بعد اخذ مبلغ معين مما يجعل السلع ترتفع أسعارها بسبب ذلك مما يؤثر على المواطن البسيط. الفساد استمر بكل مفاصل الدول فألاف العقود الكاذبة تم توقيعها على الورق وعدم تنفيذها وخسرت البنية التحتية الكثير لعدم صيانتها وفقد العراق أكثر من ستة وعشرين نهر ومصب مائي قامت تركيا وإيران بقطعها عن العراق.
من خلال ما تقدم فان الظروف والأسباب التي أدت الى الثورة الفرنسية هي نفسها التي أدت الى ثورة الشباب في العراق مع فارق ثلاث قرون بينهما ولكن الكفة الان سوف ترجح لصالح الثوار وليس لصالح الطبقة الدينية التي تحكم العراق فالتطور التكنولوجي وتطور أجهزة الاتصالات في العالم يوفر اسرع وادق المعلومات للثوار والفضائيات الكثيرة وضيوفها من الطبقة الدينية – السياسية الذين يقومون بفضح بعضهم البعض من سرقات وفساد قد وفرت معلومات دقيقة للثوار والأنظمة والقوانين الدولية ستعطي للثوار الحق في استرجاع كل المال التي تم سرقته لكن الطبقة الدينية الحاكمة في العراق بفرعيها المرجعيات والأحزاب لم تقرأ تاريخ الثورة الفرنسية والذي سيجعل الثوار اكثر عنفا هو تشبث تلك الطبقة في السلطة غايتها سرقة اخر برميل بترول من العراق وعدم اكتفائها بما سرقت سيزيد من ردود أفعال الشعب العراقي .
المرجعية الدينية في النجف الاشرف والتي تتحمل كامل المسؤولية القانونية فيمن حكم العراق من كافة الأحزاب الدينية الشيعية والسنية وغيرها وكل تصرفات تلك الأحزاب وسرقة ثروات العراق والتفريط بموارده ومياهه واراضيه لأنها من افتى بكل ما حصل واما المرجعيات السنة المشاركة بالحكم فأنها تتحمل ضعف ما ستتحمله مرجعية النجف الاشرف لأنها قامت بدور الخداع لاتباعها وسرقة ثرواتهم ومشاركة مرجعية النجف الاشرف في جميع الجرائم المرتكبة والتواطؤ وعلى رئس تلك المرجعيات الاخوان المسلمين متمثلين بالحزب الإسلامي.
في النهاية انصح الطبقة الدينية بقراءة أسباب ونتائج الثورة الفرنسية واستغلال أقرب فرصة لرفع يدها عن حكم العراق والعودة الى الدول التي جاءت منها فقد تغير العالم وأصبحت المعلومات تلف الكرة الأرضية خلال اقل من جزء من الثانية وبضاعة الكذب والدجل واستغلال مشاعر الناس الدينية قد انتهى زمنها وأتمنى ان لا تصل الأمور لدرجة الإبادة الكاملة للطبقة الدينية كما حصل مع الكنيسة في فرنسا خلال الثورة الفرنسية.
الباحث بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع