أ . د صلاح رشيد الصالحي
الرجل النوبي في المنحوتات العاجية من نمرود
شكل 1: تمثال من العاج لرجل نوبي يحمل جزية، حجم التمثال (13.5 x 7.6) سم
عثر على مجموعة من التماثيل العاجية في موقع نمرود، يضمنها هذه المنحوتة المجسمة التي تمثل رجل نوبي (Nubian) (محتمل من أصل كوشي) (تقع المملكة الكوشية وعاصمتها نباتا في شمال السودان، وحكم ملوكها مصر (الأسرة الخامسة والعشرين)، وتاريخ هذه الأسرة اغلبه صراع عسكري مع الدولة الاشورية) على العموم الرجل النوبي يحمل الجزية، وتعود هذه المنحوتة إلى العصر الآشوري الحديث (800-700) ق.م، كما عثر على خمسة تماثيل أخرى مشابه لها، وقد وجدت هذه التماثيل الستة أسفل فتحتين (بالبغدادية رازونة) بنيت في جدار غرفة في قصر شلمانصر الثالث (824–859) ق.م وهو مبنى ملكي في نمرود (Nimrud) (العاصمة كالح أو كالخو) من المحتمل استخدمت الفتحات لتخزين الغنائم والجزيات التي جمعها الملوك الآشوريون أثناء حملاتهم العسكرية، وقد عثر على هذه المنحوتات اسفل فتحات الجدار ربما سقطت عندما تم تدمير القصور الاشورية أثناء الهزيمة النهائية للدولة الآشورية في نهاية القرن السابع ق.م، وفي الأصل، كانت هذه الأشياء تعلق على رفوف عاجية طويلة داخل الفتحات المقوسة، وربما رتبت حسب مواكب الأجانب الذين جلبوا معهم حيوانات مختلفة، وجلود حيوانية كهدية للملك الآشوري، ونرى في (الشكل 1) تمثال رجل نحت بالمواجه، يمشي باتجاه اليمين، يمسك بقرون حيوان المها الذي يقف وراءه (المها نوع من الظباء تعيش في الصحراء)، أما فتحات عيون الرجل، والقلادة، وسوار اعلى الذراع، فقد وضع فيهم الزجاج الملون أو الأحجار شبه الكريمة، ويرتدي النوبي تنورة (نقبة) قصيرة مربوطة بحزام طويل، مزينة بزخارف على شكل خطوط متعرجة، ونقوش على شكل مربعات صغيرة، وورد ودوائر، بينما جلس القرد على كتفه الايسر ماسكا شعر الرجل القصير والمجعد، أما ذراعه الأيمن فغير موجود، ربما كانت تمسك جلد الفهد المنقوش والملفوف فوق كتفه الأيمن.
شكل 2: الشكل الأول: لوحة عاجية تصور أسد يلتهم رجل نوبي، يرتدي سروال قصير، والشفاه غليظة، والشعر قصير ومجعد، وهو في حالة استسلام كامل لعظة الأسد، اما الزخرفة الخلفية اللوحة فهي زهور اللوتس المنتشرة على طول نهر النيل، طعمت اللوحة بالذهب واللازورد، والعقيق، عثر عليها في نمرود وتعود إلى (800-700) ق.م (اليمين)، الشكل الثاني: نحت عاجي مجسم يصور رجل نوبي يحمل ظبي على الكتيفين، ويقود عجل، ويرتدي تنورة قصيرة (نقبة)، والشعر قصير ومجعد، والشفاه غليظة، ارتفاع التمثال (7.5) سم، عثر على المنحوتة في نمرود، يؤرخ إلى (800) ق.م (اليسار)
شيد الملك الآشوري آشورناصربال الثاني (883–859) ق.م مدينة نمرود، التي تضم قصور ومخازن احتوت على آلاف القطع العاجية المنحوتة، ومعظم العاجيات كانت بمثابة تطعيم للأثاث أو أشياء ثمينة صغيرة مثل الصناديق الخشبية، في حين بعض المنحوتات الآشورية الكبيرة كانت تعلق على جدران القصر الشمالي الغربي في نمرود، واغلب العاجيات تعرض صور وأساليب المتعلقة بفنون شمال سوريا والمدن الفينيقية، وتتميز النقوش العاجية الفينيقية بموضوعات متأثرة بالفن المصري وأسلوبه، بسبب العلاقات الوثيقة التقليدية بين الثقافتين، وتوضح بعض العاجيات الفينيقية موضوعات مصرية بحتة، لكن الكثير منها يستخدم أشكالاً مصرية في تراكيب أصلية بالكامل، ولهذا استخدم العاج ذو الطراز الفينيقي في المقام الأول كديكور للأثاث، كما أن بعض العاجيات الفينيقية تحمل أشكال مصرية مثل أبو الهول، والأشكال التي ترتدي تيجان فرعونية، وقد استخدمت تقنيات في النحت رائعة مثل الزخارف المخرمة، والزجاج الملون، وتميل عاجيات شمال سوريا إلى تصوير شخصيات التماثيل وكأنها في حالة حركة حيث نرى تقدم القدم اليسرى تليها القدم اليمنى (شكل 1 وشكل 2 اليسار)، ومن المحتمل تم جمع معظم الاشكال العاجية من قبل الملوك الآشوريين إما هدايا أو جزية من الدول التابعة، أو كغنيمة من أعداء تم غزوهم، في حين أن البعض من المنحوتات تم تصنيعها في ورش العمل في نمرود، ومن شبه المؤكد أن الأنياب العاجية التي وفرت المواد الخام لهذه المنحوتات كانت من الأفيال الأفريقية التي تم استيرادها من الأراضي الواقعة جنوب مصر، على الرغم من أن الأفيال كانت تعيش في العديد من أودية الأنهار التي تصب في الفرات في سوريا ، ولكن اصطيادها بكثرة أدى إلى انقراضها بحلول نهاية القرن الثامن ق.م.
2186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع