عوني القلمجي
المشهد الاخير من سقوط الطغمة الفاسدة في العراق
لم يترك عادل عبد المهدي وحكومته امام الشعب العراقي سوى مواصلة الثورة الشعبية حتى تحقيق اهدافها كاملة غير منقوصة، وفي مقدمتها اسقاط النظام ومحاكمة الفاسدين والمجرمين. فبدلا من الاستجابة لاي مطلب متواضع من مطالب الثوار وجه، كما فعل اسلافه، خطابات مهينة وتهما باطلة لينتهي الى استخدام القوة العسكرية وقتل مئات الثوار وجرح اكثر من عشرة الاف. اما المراهنة على المرجعيات الدينية لاجبار الحكومة على الرحيل وتلبية مطالب الثوار، فقد منحت هذه المرجعية بركاتها للحكومة، واعتبرتها الجهة الشرعية التي ينبغي على الثوار انتظار ما تجود به من مكارم. وهذا يتعاكس تماما مع مطلبهم الرئيسي باسقاط هذه الحكومة وتقديم اعضائها للمحاكم المختصة.
هذا الاستهتار بالناس من قبل هذه الطغمة الفاسدة وبهذه الاساليب الفجة والعنجهية وقتل الناس دون رحمة، ولد قناعة راسخة لدى العراقيين بان تحقيق الاصلاحات لا يتحقق عبر هذه الحكومة الفاسدة وبرلمانها المزور، ولا عبر دستورها الملغوم او قضائها المرتشي والمسيس، ولا عبر المرجعيات الدينية المتسترة على الفساد والفاسدين، الامر الذي منح الثورة مشروعيتها، ودفع كل فئات الشعب للاشتراك فيها والانضواء تحت لوائها، ووسع من حجم الدعم والاسناد لها، والالتفاف حول اهدافها التي تلبي طموحات العراقيينكافة، بكل اديانه ومذاهبه وقومياته وفئاته السياسية والاجتماعية بل ان الثوار رفضوا جميع المقولات البائسة التي روج لها اتباع الحكومة لتشجيع الثوار على القبول بانصاف الحلول من قبيل السياسة فن الممكن، او التصرف بالعقل وليس العواطف، او عدم تجاهل القوة الضاربة للمحتل وللحكومة، وصولا الى القول بان الاصرار على اسقاط الحكومة سيؤدي الى مزيد من سفك الدماء.
امام هذا الاصرار لدى ابناء الثورة وبسبب النضوج السياسي لقيادتها واستعداد الثوار لتقديم مزيد من التضحيات، لجات حكومة عبد المهدي الى البحث عن وسائل اخرى، لانقاذها من السقوط، فوجدت ضالتها في اشاعة حالة من الخوف والفزع في صفوف الثوار ظنا منها بانها ستكون كافية لاحباط عزيمتم وكسر ارادتهم ومن ثم تخليهم عن الثورة. من هذه الوسائل ان الحكومة العراقية لن تتنازل عن السلطة حتى لو اضطرت الى اغراق العراق ببحر من الدم، وان ملالي طهران سيقاتلون الثورة بشراسة من اجل الاحتفاظ بالعراق الذي يشكل بالنسبة لهم الحلم التاريخي الذي عجز الاسلاف عن تحقيقه، وان المليشيات المسلحة ستقاتل ايضا للدفاع عن مكتسباتها. ولم تنس الحكومة في تذكير الناس بامريكا التي ستقف ضد هذه الثورة او على الاقل حماية الحكومة، كونها الوحيدة التي تحمي وجودها في العراق وتحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية ناهيك عن خشيتها من امتداد لهيب الثورة الى الدول المجاورة التي تربتط معها بعلاقات وطيدة وفي مقدمتها دول الخليج العربي.
اطرق هذا الباب في هذا الوقت بالذات، بسبب ترديد هذه المقولات من قبل انصاف السياسيين والمثقفين والمحللين وغيرهم، لتنتقل عدواها الى بعض من الناس، الامر الذي سيجعل من فرحة الانتصار كابوسا مفزعا. خاصة وان كل ذلك يترافق الان مع علامات تنبئ بقيام قوات الحكومة العسكرية ومليشياتها المسلحة بمجزرة ضد ساحات التحرير في مدن العراق. لكن عادل عبد المهدي نسي، ونسي معه هؤلاء، بان كل هذه التهديدات والتلويح بالمخاطر، على الرغم من فاعليتها كونها تدخل في باب الحرب النفسية ذات التاثير الفعال، فانها لا تعد قدرا حتميا ينبغي الاستسلام له. فلقد تعرضت الكثير من الثورات في العديد من البلدان لمثل هذه المخاطر وتمكنت من مواجهتها والتغلب عليها، وتحقيق انتصارها النهائي. والعراقيون من بين هذه الشعوب التي تصدت للمحتل البريطاني الدولة الاعظم حينها وقامت بالعديد من الثورات ضدها، وفي مقدمتها ثورة العشرين، لينتهي هذا الشعب الصغير الى طردها نهائيا في ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958. مثلما تصدت مدينة الفلوجة الصغيرة للقوات الامريكية المحتلة وهزمتها باعتراف العدو قبل الصديق.
واجه الثوارعلى ارض الواقع، قوة الحكومة العسكرية بصدور عارية واحدثت خللا في توازنها، وافقدتها قواها العقلية الى درجة لم يعد فيها مسؤول قادرا على صياغة جملة مفيدة. في حين وجهت الجماهير الثائرة ضربات قاضية لايران وملاليها، وهدموا ما بنته في ستة عشر عاما، من ركائز سياسية واقتصادية ومليشيات مسلحة ومنابر حسينية وقنوات فضائية ومرجعيات دينية، هدمته في ستة ايام، ليس باستخدام الاسلحة المتوسطة او الثقيلة، وانما بشعارات مدوية احدها يقول ايران بره بره وبغداد تبقى حرة، والاخر الذي انطلق من مدينة كربلاء بعد حرق قنصليتها هناك ورفع العلم العراقي عليها يقول "هذا وعد هذا عهد ايران ما تحكم بعد". يضاف الى ذلك ما قام به اهالي النجف والناصرية والعمارة، حيث مزقوا صور مرشد ايران الروحي علي خامنئي وداسوا عليها وحرقوا بعضا منها لينتهوا الى مسح اسم الخميني من شوارع كربلاء والنجف وتسميتها باسماء تخص الثورة العراقية، ومنها اسم شارع ثورة تشرين. اما تهديد الملالي باستخدام القوة وارسال جنرالهم الى العراق قاسم سليماني، فقد قوبل بالاستهزاز والاستخاف به وبقواته. اما اهالي جنوب العراق التي توهم ملالي طهران بانهم اصبحوا فرسا فقد اثبتوا لهم بانهم عرب اقحاح وعراقيون يعتزون بعروبة العراق وتاريخه وحضارته ولن يسمحوا لمحتل او غاز مهما كان جنسيته او عقيدته من احتلال بلدهم كما فعلوا مع الاحتلال البريطاني للعراق في عام 1917 وفضلوا حكم الاتراك السنة على حكم البريطانيين، لتتوج تلك المشاركة في ثورة العشرين المجيدة. ولا يغير من هذه الحقيقة ارتباط حفنة من الطائفين الشيعة بايران، مثلما ارتبط حفنة من الطائفيين السنة بتركيا وبدول خليجية وفي المقدمة منها السعودية. وليس في هذا ما يعيب العراقيين، فالخيانة والولاء للاجنبي من قبل البعض ظاهرة تشترك فيها كل شعوب شعوب العالم.
بالمقابل فان الادعاء حول قتال المليشيات المسلحة بشراسة لانقاذ عبد المهدي وحكومته والحفاظ على مصالحها، فهؤلاء تناسوا حقيقة هذه المصالح كونها ببساطة شديدة جدا مصالح اساسها السرقة والنهب وتجميع المال والثروة. وهذه ليست من مقومات القتال والصمود، وانما هي مقومات الانهيار والسقوط، في حين ان مصالح الشعوب مشروعة قوامها، تحرير البلد واستعادة استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية واعادة بنائه واقامته على اسس الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون. ترى هل هناك عراقي واحد مخلص لوطنه يرفض القتال والتضحية من اجل هذه المبادئ النبيلة؟ الم تشكل هذه المبادئ العمود الفقري لمقاومة المحتلين وتحقيق النصر في كل بلدان العالم؟
اما امريكا التي يخشى قوتها كل من على وجه الارض، فهي لم تعد قادرة على اخراج عبد المهدي من ورطته، واصبحت في موقف حرج جدا. فلا هي قادرة على التدخل المباشر لحماية الحكومة ضد تظاهرة سلمية لم تتجاوز حقها في الدستور الذي كتبه سفيرها في العراق بول بريمر فتفتضح كذبة الديمقراطية التي بررت بها احتلال العراق، ولا هي قادرة على السكوت حيث نجاح الثورة وتشكيل حكومة وطنية مستقلة ستنهي وجودها في العراق وتوجه ضربة موجعه لكل مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وستظل هذه الدولة العظمى في حيرة من امرها حتى انتصار الثورة، لتكتفي بتحصين دول الخليج العربي ضد وصول نيران الثورة الى عروش امرائها
لهؤلاء وغيرهم من معشر المحتلين نقول ، ان الثورة العراقية العملاقة واعية تماما لطبيعة الصراع وتتبع مجراه الرئيسي المؤدي الى طرد ايران وكل محتل اجنبي من العراق وتطهير ارضه من رجسها ، وان العراقيين سيحكمون عراقهم وليس الاجنبي ومرتزقته من عراقيي الجنسية زورا وبهتانا. وهذا يعني ان ايران ستخرج من العراق بسواد الوجه. واذا كان الخميني قد تجرع السم بعد هزيمته في العراق بعد حرب طويلة دامت ثمان سنوات، فان علي خامنئي سيتجرع السم الزعاف وسينتهي الى الابد مشروع ايران القومي الفارسي الذي يستهدف الامة العربية عموما والعراق على وجه الخصوص. خاصة وان الثورة العراقية قد استوفت مستلزمات وشروط الانتصار النهائي وشروطه، وفرضت وتفرض وجودها في جميع الساحات العامة وفي مقدمتها ساحة التحرير في بغداد، ومرورا بتعاظم الحشود الشعبية مع مرور الايام، وانتهاء بانضمام جميع النقابات المهنية من محامين ومهندسين واطباء وعمال وغيرهم الى الثورة العملاقة، ناهيك عن انضمام نساء العراق وطالبات المدارس اللواتي ابلين بلاء حسنا في الدفاع عن الثورة، وعن ابنائها الابطال.
ان المرحلة الراهنة التي تمر بها الثورة العراقية العملاقة، تمثل المشهد الاخير من سقوط حكومة عادل عبد المهدي ومجلسه النيابي ومليشياته المسلحة وكل اتباع الحكومة ومرتزقتها واقلامها الماجورة.
عوني القلمجي
7/11/2019
1220 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع