بقلم المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
العراق دولة المنظمة العلنية /الجزء السابع
والآن حان وقت الحساب والعقاب
فيا ترى من هو المسؤول عن ما حل بالعراق من دمار وخراب وتخلف طال الأحياء والجماد, ولكي نستطيع القيام بهذه المهمة بسهولة لا بد أن نسمع أو نقرأ حديث الرئيس العراقي (صدام حسين) إلى أعضاء القيادة بهذا الصدد وندونه حرفياً:-
((آني من اليؤمنون أن الرب في الآخرة يحاسب الناس على أساس وعيهم, افهم هيجي جوهر المسألة وأفهم اللي وعيه ومسؤوليته أكبر يحاسبه أكثر من اللي وعيه أبسط ومسؤوليته أقل. التصرف الخاطئ من قبلي... الله لا يرحمكم كلكم إذا ما تحاسبوني عليه أشد مما تحاسبون على تصرف مماثل يرتكبه الرفيق (عزت الدوري) نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أو (طه ياسين رمضان) نائب رئيس الوزراء))
الرئيس العراقي صدام حسين في أحد إجتماعاته مع القيادة العراقية
وهنا نستطيع أن نقول لـ (صدام حسين) من فمك ندينك باعتبارك المسؤول الأول ووعيك أكثر من وعي الآخرين في القيادة كما تعتقد ونحملك ضياع العراق.
لم أكن أعلم بأن الرئيس العراقي (صدام حسين) يجيد التنظير الديني وحالة البشر يوم القيامة وعلى أي أساس يتم محاسبتهم فحسب ما يؤمن به تكون محاسبة المتعلم والمثقف والذكي أشد من محاسبة غير المتعلم وغير المثقف والغبي, واترك مناقشة ذلك للقراء الأعزاء ومما لا شك فيه فإن تصنيفه لكل من (عزت الدوري) و (طه ياسين رمضان) في كونهما أقل وعياً منه سيفرحهما حيث سيؤدي ذلك إلى أن يكون حسابهما أقل منه.
(صدام حسين) يتحدث عن حساب الرب للبشر في الآخرة, ولكنه يؤمن بنفس التصور للحساب عندما تفرضه السلطة لذلك فهو يطلب من أعضاء القيادة المجتمع معهم أن يحاسبوه عن خطئه بشكل أشد وفي حالة عدم قيامهما بذلك فهو يدعو عليهم بحرمانهم من رحمة الله ... بطبيعة الحال هذا الكلام للدعاية والاستهلاك المحلي لعدم وجود من لديه الشجاعة والجرأة لمحاسبته اللهم إلا نائبه (طه محي الدين معروف).
القصاص الدنيوي فرض عليه صبيحة يوم العيد والذي أثار السخط والاستهجان لدى الكثيرين في داخل العراق وخارجه في أسلوب تنفيذ حكم الإعدام فيه وتوقيته وأما قصاص الرب فقد تأجل إلى يوم يبعثون ((وإني من اليؤمنون بأن فرض القصاص عليه يستغرق فترة أطول بسبب حجم الشكاوى ضده))
القوات الأمريكية تنزل تمثال صدام في بغداد 2003
بسم الله الرحمن الرحيم ((إنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)) صدق الله العظيم (الآية32 سورة المائدة).
1- آلاف الشهداء والمفقودين في حروبه الثلاثة.
2- آلاف الجرحى والمعاقين في حروبه الثلاثة.
3- آلاف الأسرى في حروبه الثلاثة.
4- آلاف الأباء والأمهات المفجوعين بأبنائهم في الحروب الثلاثة.
5- آلاف الزوجات المفجوعات بأزواجهن في الحروب الثلاثة.
6- آلاف الأخوات والأخوة المحرومين من أخوانهم.
7- آلاف آلاف الأولاد الذين حرموا من عطف آبائهم.
8- آلاف المعدومين والمغيبين والمسجونين بدون وجه حق.
أنواع من التمور العراقية
9- الآلاف من أشجار النخيل وأشجار الحمضيات والأنواع الأخرى إذا كانت تقبل شكواها لقد اشتهرت البصرة بنخيلها وتمورها (البرحي, الحلاوي, الساير, الخضراوي, التحسيني, الأمجدي, البريم, الخلاص). الحرب العراقية الإيرانية والتي استغرقت ثماني سنوات وحربي الخليج الثانية والثالثة أدت إلى القضاء على مئات الألوف من هذه الأشجار وتحولت أراضيها إلى جرداء خالية من الخضرة, وأصبحنا من أول دولة مصدرة للتمور في العالم إلى دولة مستوردة للتمور, هناك اعتقاد سائد في المجتمع الكردي بأنه لإبادة الأشجار وقطعها حوبة وانتقام والله أعلم.
مفاضلة بين أنظمة الحكم منذ تشكيل الدولة العراقية
هناك قول مأثور للملك (فيصل الأول) قالها قبل مائة عام يصف فيها الشعب العراقي: ((أقول وقلبي ملآن أسى... إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد... بل تكتلات بشرية خالية من أي فكرة وطنية... متمسكون بتقاليد وأباطيل دينية... لا تجمع بينهم جامعة... سماعون للسوء... ميالون للفوضى... مستعدون دائماً للانقضاض على أي حكومة كانت... ومع هذه الحالة... فإننا نريد أن نشكل شعباً ونهذبه... وندربه... ونعلمه... ولكم أن تتخيلوا صعوبة هذا العمل وعظمة الجهود التي يجب أن تصرف لإتمام هذه القضية))
إن هذا التكوين غير المتجانس لهذا الشعب ومع بدايات تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 والوصف الدقيق الذي ذكره الملك فيصل الأول للمكون الذي نتج من دمج الولايات العثمانية الثلاث (الموصل, بغداد, البصرة) , ومن الجدير بالذكر من أن العراق تشكل في أول الأمر من ولايتي بغداد والبصرة وفي عام 1926 أضيف إليه ولاية الموصل بعد إجراء الاستفتاء فيه واختيار شعب الولاية الانضمام للعراق بشروط.
جميع أنظمة الحكم التي مرت تباعاً ولا زالت لم تكن وفق طموح المواطن العراقي وخلال ما يقارب المائة عام لم يأت حاكم كان للعراقيين يد في اختياره بشكل واقعي وصريح, مع وجود اختلاف بين نظام وآخر من حيث تقبله ونسبة هذا التقبل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هذا التنوع في مكونات الشعب العراقي (إرضاء الناس جميعا غاية لا تدرك).
منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 شهدت الأنظمة التالية:-
أولا: النظام الملكي من عام 1921 ولغاية 14 تموز 1958
حيث تم تنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على العراق وكان قبل ذلك قد نصب ملكاً على سوريا إلا أن ذلك جوبه برفض السوريين لكونه لم يكن سورياً وإنما من الحجاز وفي العراق أيضاً جرت محاولات منع تنصيبه إلا انها بائت بالفشل بتأثير سيطرة بريطانيا على مقاليد الأمور, ثلاث ملوك من الأسرة الهاشمية حكموا العراق:
1- فيصل الأول 1921 - 1933
2- غازي الأول 1933- 1939
3- فيصل الثاني 1953- 1958
الملك فيصل الأول الملك غازي الأول الملك فيصل الثاني
عند بداية تشكيل الدولة العراقية لم يكن العراقيون شعباً واحداً أو جماعة سياسية واحدة بل تميز بوجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية كالأكراد والتركمان والأشوريين والأرمن والكلدان واليهود واليزيديين والصابئة وأخرين.
كما أن العرب أنفسهم والذين يشكلون غالبية سكان العراق كانوا منقسمين إلى شيعة وسنة بالإضافة إلى انقسام المجتمع العراقي بشكل عام إلى مدني وعشائري في ذلك الزمان, لقد كانت سياسة الحكومة الملكية ومحاولتها العاجلة لإقامة روابط ثابتة من المشاعر والأهداف المشتركة بين هذه العناصر وتغذية حب الوطن في نفوسهم وقد نجحت الحكومة في مسعاها هذا والذي كان بإشراف مباشر من قبل الملك (فيصل الأول) وكان مستوعباً لشكل التشكيل غير المتجانس للشعب العراقي الجديد التكوين إلا أن نجاحه هذا كان نجاحاً نسبياً, أهم حدث شهده العراق في فترة حكم الملك المذكور هو دخول العراق إلى عصبة الأمم في عام 1932 وقبوله بشروطها.
سيارة الملك غازي التي وقع الحادث بها
اتسمت فترة حكم الملك غازي (1933-1939) بعدم الاستقرار لكثرة حوادث العصيان العشائرية والانقلابات العسكرية, لقد اتصفت شخصية المذكور بنقص الخبرة في إدارة أمور البلاد واعتماده على المقربين منه وانشغاله في اللهو وطيش الشباب حيث وافاه الأجل بتاريخ 4 نيسان 1939 عند عودته للقصر الملكي ليلاً واصطدام سيارته والتي كان يقودها بنفسه بأحد أعمدة الكهرباء القريبة من القصر وإصابته في رأسه إصابة قاتلة وقد خرجت الجماهير في العاصمة بغداد في مظاهرات استنكار متهمين الحكومة البريطانية بتدبير هذا الحادث كذلك شملت المظاهرات الكثير من مدن العراق الأخرى وكان أشدها في الموصل حيث خرج الأهالي في مسيرة ضخمة باتجاه القنصلية البريطانية وقاموا باقتحام القنصلية وقتل القنصل, اتهمت الحكومة البريطانية السفارة الألمانية في بغداد من خلال موظفيها وبعض المتعاطفين معها من العراقيين ببث الدعايات وتحريض المواطنين ضدها وإنني شخصياً استبعد كون الحادث كان مدبرا واعزيه إلى قيام الملك غازي بقيادته لسيارته عندما كان ثملاً وبسرعة في ساعة متأخرة من الليل.
جنازة الملك غازي 1939
نفس الشكوك كانت قد أثيرت عند وفاة الملك فيصل الأول في سويسرا في 8 أيلول 1933 إثر أزمة قلبية وكانت الحكومة البريطانية هي المتهمة بتدبير وفاته, وبالنظر لعدم بلوغ الملك فيصل الثاني السن القانونية للحكم فقد أصبح ملكاً تحت وصاية خاله الأمير عبد الإله حيث توج في عام 1953 واستمر في الحكم حتى مقتله في 14 تموز 1958 في قصر الرحاب في العاصمة بغداد مع عدد من أفراد أسرته وبوفاته انتهت سبعة وثلاثون عاماً من الحكم الملكي الهاشمي بالعراق.
قصر الرحاب قبل تدميره مواطنون يشاهدون احراق قصر الرحاب
الانتقادات التي وجهت للنظام الملكي
1- الملوك الثلاثة (فيصل الأول, غازي الأول, فيصل الثاني) الذين حكموا العراق لم يكونوا من أصول عراقية.
2- النظام الملكي كان تحت سيطرة الحكومة البريطانية
3- تفشي المحسوبية والمنسوبية.
4- اعتماد النظام الملكي في فرض سيطرتها على ولاء الاقطاعيين والأغوات والشيوخ المحتكرين لجوانب مهمة من مفاصل الاقتصاد وخاصة في الزراعة بالإضافة إلى الوظائف المهمة في الدولة.
5- تشكيل أحزاب سياسية كارتونية مصطنعة
6- انتخابات برلمانية صورية
7- تركيز السلطة بيد المكون السني وتهميش المكونات الأخرى وإخضاعها بقوة السلاح كما حصل مع المكون الشيعي في جنوب العراق والمكون الكردي في شمال العراق في ثورتي الشيخ محمود والبارزانيين وفي محافظة دهوك كما حصل مع الأشوريين.
الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق 1939 -1953
بالرغم من وجود الانتقادات الكثيرة الموجهة للنظام الملكي في العراق إلا أن هذا لا يعني عدم وجود جوانب إيجابية ومشرقة فيه جعلت الكثيرين من أبناء الشعب العراقي يعتبرونه من أفضل الأنظمة التي شهدها العراق لاسيما وأن الأنظمة التي جاءت بعده عن طريق الانقلابات لم تحقق للشعب العراقي سوى الخراب والدمار والفقر والبؤس والوعود الكاذبة التي اطلقتها في الحقوق الدستورية والانتخابات الحرة والانتعاش الاقتصادي والشعارات القومية والوطنية الرنانة وفي حقيقتها لم تكن سوى أنظمة تتصف بالصراعات بين رجالها للاستئثار بالسلطة بكافة السبل والوسائل, ولم تختلف عن النظام الملكي إذا كان سيئاً سوى بالاسم (ملكي, جمهوري) وبهذه المناسبة أود الإشارة إلى ما أثاره الفنان العراقي (قاسم الملاك) في لقاء تلفزيوني حيث سئل عن القرار الذي سيتخذه في حال تكليفه بمعالجة الوضع السيء في العراق واختيار نظام سياسي يتوافق مع طموحات الشعب العراقي, لقد أجاب وبكل ثقة ((سوف اعيد النظام الملكي... لأنه رغم السلبيات التي كانت فيه فقد كان أكثر عدالة واستقراراً))
ختم الفنان العراقي كلامه بالقول: ((كافي عاد لقد جربنا الجمهوريات وهذا هو حالنا)).
الفنان العراقي قاسم الملاك
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/maqalat/41901-2019-10-19-06-38-05.html
1122 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع