ضرغام الدباغ
هل تسقط التظاهرات الحكومات والأنظمة
خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة، سمعنا وقرأنا الكثير ممن أدلى بدلوه عن موضوعة تاريخية مهمة وهي : هل تسقط التظاهرات الحكومة أو النظام السياسي ...؟
وليس مصادفة أن ممن أدلوا بالتصريحات ليسوا بمؤرخين، وبالتالي ليسوا مؤهلين للإجابة على هذا التساؤل المهم، أو أنهم ممن يرغبون ويودون عاطفياً أن تكون الإجابة، هي النفي .. أي أن لا قدرة للتظاهرات على إسقاط النظام السياسي.
يؤسفنا أن نعارض هذه التصورات ونقول ابتداء ... " أن الثورة هي ببساطة شديدة تناقض بلغ حده الأقصى، الذي لا يحتمله نظام علاقات " وهذه قاعدة علمية قانونية.
التظاهرة هي شكل من أشكال إبداء السخط، وفي الأنظمة غير الديمقراطية، التظاهرات تخرج عفوية / عشوائية، تتبلور فيما بعد إلى حركة منظمة، ولما لا تلقى الصدى، تتكرر التظاهرات مرات عديدة، حتى تغدو جزء من الحياة السياسية، ومع تكرار تجاهل الإرادة الشعبية، لأن الحياة السياسية بذاتها مزيفة، وتعبر عن إرادة وتصور الحاكمين للعمل السياسي، تكتسب التظاهرات طابعاً حدياً، وتغدو وسيلة / أمل الجماهير في تحقيق مطالبها السياسية، ومع تواصل التجاهل والذي هو باللغة العلمية تواصل تعميق هوة التناقض، تتطور التظاهرات المطلبية (Postatul ) إلى انتفاضات سلمية، ولما يتواصل تجاهل هذه المظاهر والظواهر، تلجأ السلطات إلى استخدام القوة في حل الإشكالية السياسية / الاجتماعية، وتحتمل الجماهير هذا التطور الذي يحمل في طياته أن يبلغ عمود التراكم إلى حده الأقصى، فتشب عمليات دفاع الجماهير عن نفسها حيال هجوم السلطات المتفوقة تسليحاً، ومع أولى الاشتباكات، تبدأ الانتفاضة في التحول إلى انتفاضة مسلحة.
الحكومات تعتقد أنها تتفوق على الانتفاضة بالقدرات التسليحية، وهذا صحيح تماًماً، وقد تتفوق في البداية أيضاً تنظيماً بوصفها تمتلك قوى أمن تملك القدرة التنظيمية وقد تدربت على قمع المتظاهرين، وهذا في البداية فقط، ولكن عندما تعجز قوى الأمن (وغالباً قدراتها محدودة) تلجأ الدولة لاستخدام القوات المسلحة. وهذه التطورات توسع من نطاق المواجهات، وتمنحها أبعاد جديدة، وموظفي الدولة لا يدركون أبعادها الاجتماعية / السياسية. وهنا من الممكن جداً بحسب العمق الأيدلوجي والسياسي، أن تتحول الانتفاضة إلى ثورة.
الآن لم يعد مهماً بالدرجة الأولى مصير الثورة، الأهمية رقم (1) هي أن الدولة تواجه ثورة ....والثورة ألغت شرعيتها أيها كان مصدرها، عندما تلجأ الدولة باستخدام قوى الأمن والقوات المسلحة، تتعرض شرعيتها إلى خلل خطير. واحتمال التغير قد يبدو حلاً مرجحاً.
ومع أحداث ترافق الثورات، هي انسحاب شخصيات من المسؤوليين السياسيين، ورفض أفراد من القوات المسلحة ضرب الشعب، تبدأ الصورة باكتساب ملامح جديدة. وهي عدم صلاحية الدولة وفقدانها القدرة على حل التناقضات الداخلية، وتسيير الأمور، وتفقد أهليتها، وتصبح غير قادرة على مواصلة الحكم، وهنا تطرح بدائل كثيرة على بساط البحث، والإشكالية قد تحولت إلى حكم غير قابل للاستمرار، ويصبح رحيلها هو الحل الأول.
هناك حوادث تاريخية كثيرة أسقطت فيها انتفاضات النظام السياسي، ومثال ذلك الثورة الفرنسية، وثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وسقوط نظام الرئيس مرسي في مصر، وقبله نظام حسني مبارك، والنظام التونسي، ونظام علي عبدالله صالح في اليمن، وسقوط نظام الأقلية العنصرية في جنوب أفريقيا، وسقوط النظام الملكي الإيراني الفهلوي، هذا عدا عن كثير من الحكومات التي أسقطتها التظاهرات ومنها ما حصل فعلاً في العراق أبان الحكم الملكي.
ورب قائل التظاهرات والانتفاضة والثورة المسلحة لم تسقط النظام (س)، ومن الواضح هنا أن أوضاعاً كهذه تفتح الباب والشباك، أمام التدخلات الأجنبية، بتدخلات سياسي، أو سياسية / عسكرية، لدول أجنبية أو عدة دول، فعندما تنتهك سيادة الدولة، لا يعود الحديث عن سيادة ممكنا، فتمنح أطرافاً دولية لنفسها حق التدخل بدواع عديدة، وهذا سيناريو آخر لانهيار الدولة، فالدولة (س) بلغ عدد القوات المسلحة الموجودة على أراضيها نحو عشر دول، فعن أي سيادة الحديث بعدها ..
1280 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع