الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طـبـيـب أطـفـال – الموصل
النظريات العلمية حول أسباب الشيخوخة وكيفية الوقاية من الشيخوخة المبكرة
لو دققنا في مراحل حياة الإنسان يتضح لنا أن مرحلة الرشد ومرحلة كبر السن ( الشيخوخة ) تمثل ثلاثة أرباع عمر الفرد . ونجد أن فترة الطفولة والمراهقة القصيرة نالت اهتماماً خاصاً ودرست دراسة دقيقة من قبل المربين والأطباء منذ وقت مبكر ، بينما لم تحظ مرحلة كبر السن ( الشيخوخة ) بنصيب وافر من الاهتمام أو بما تستحقه من عناية في المجالات التربوية والطبية حتى عهد قريب .
إلاّ أنه في السنوات الأخيرة وبعد حدوث التقدم الهائل في عالم الطب ، زاد الاهتمام بكبار السن ، وكثرت الدراسات حول مشاكل الشيخوخة وما يتعلق بالصحة الجسمية والعقلية في مرحلة النضج وتقدم السن .
وتتويجاً لتلك الدراسات جاء اهتمام منظمة الصحة العالمية بالمسنين بتخصيص عام 1999 عاماً دولياً للمسنين يقول الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لشرق المتوسط ، منظمة الصحة العالمية :
(( اختيار صحة المسنين موضوعاً ليوم الصحة العالمي ، وتخصيص عام دولي لهؤلاء المواطنين الأجّلاء مبادرتان طيبتان علينا أن نغتنمهما ونحسن الاستفادة منهما لتصحيح الخلل في النظرة السائدة حول المسنين وصحتهم ودورهم في المجتمع )) .ثم يقول :
(( فليس صحيحاً أن اعتلال الصحة لازمة أساسية من لوازم التقدم في السن ، بل أن أكثر المسنين يتمتعون عادة بصحة جيدة . وهم يقدمون الكثير لعائلاتهم ومجتمعهم ، وإن كان دورهم نادراً ما يؤخذ بعين الاعتبار في حساب الإسهامات والموارد في المجتمع )) . ويضيف :
(( نحن إذن في حاجة إلى مراجعة شاملة للمفاهيم السائدة عن المسنين وصحتهم ودورهم في الأسرة والمجتمع . والمأمول من هذه المراجعة أن تفلح في تبديد الأوهام العالقة في الأذهان عن المسنين ، وأن تضع إطاراً وقواعد تمكن المجتمع من الاستفادة من المسنين على الوجه الأكمل ، وتمكن المسنين من التمتع بحياة منتجة معطاءة ، تشعرهم بأهميتهم ومكانتهم في المجتمع )) .
لعل أكبر أمنية للإنسان منذ نشأته ، وأجمل ما تتوق نفسه إلى تحقيقه ، الاهتداء إلى وسيلة لإطالة العمر ، ولما كانت مرحلة الشيخوخة نهاية مراحل تطور الإنسان على هذه الأرض ، فإن كل فرد يريد أن يحسن ختامه وأن تحلو أواخر أيامه وأن يصل إلى مرحلة الشيخوخة وهو مطمئن البال وقد حقق رسالته في الحياة على أكمل وجه .
ولابد من التنويه إلى أنه ليست غايتنا هنا ، أن نزيد حياتنا سنين ، بل أن نزيد سنيننا حياة . وذلك بالعيش حياتاً مملوءة بالصحة والقوة والنشاط وفي حالة نفسية مريحة وحتى
(( لا يحس المسن منا بين الخمسين والسبعين أنه قد شاخ وهرم وصار عقيماً زائداً على الدنيا بل على العكس يشعر أنه قد نضج وأينع وأنه في هذا الإيناع جدير بأن يستمتع بالحياة وينشط بجني ثمرات السنين الماضية ، في رقيه الشخصي والروحي ورقي المجتمع )) .
وبعد هذه المقدمة سيكون تناولنا للموضوع من خلال الفقرات التالية :
أولاَ : النظريات العلمية حول أسباب الشيخوخة
قبل الدخول في تفاصيل الموضوع لابد من تعريف علمي لما نحن بصدده
الهرم ( Aging ) : يعني التلف المستمر للتراكيب الجسمية ووظائفها في الكائن الحي الناضج بمرور الزمن .
الشيخوخة ( Old Age or Senility ) : هي حالة التعوق الجسمي التي يصل إليها الفرد نتيجة العيش .
وهناك نظريات عديدة غير ثابتة تحاول تفسير أسباب الهرم والشيخوخة ندرجها فيما يلي :
أولاً – نظرية نـمـط العـيـش :(( الإنسان يولد مزوداً بمقدار من الحيوية الكامنة إن شاء أنفقه على عجل ، فيقضي نحبه دون أن يبلغ مرحلة طويلة من العمر ، لأنه كان يهرع في
الحياة ، ويتبع أساليب خاطئة في معيشته ، ويأبى إلاّ أن يستمتع بكل شيء يصادفه أو يسمع عنه بدون حكمة وبدون رويّة . وهذا المقدار نفسه من الحيوية الكامنة كان يكفي لحياة طويلة الأمد ، إذا هو سار في الحياة بخطى متزنة وأخذ الأشياء بهدوء والتزم في معيشته القواعد والعادات الصحية وأسباب المحافظة على الجسم وحيويته )) .
نوجز فيما يلي الأسباب المعيشية التي تعجل بالشيخوخة :
1 - القلق والتردد وترك القضايا والمشاكل من غير حل أو اتباع أنصاف الحلول .
2 - العمل المرهق المستمر والجشع والطموح غير السليم في توفير مطالب الحياة ومحاولة إحراز المجد والنجاح في أقصر وقت . الأمر الذي قد يعرض صاحبه لصدمات شديدة من خيبة الأمل والتعب الفكري إضافة للتعب العضوي والجسمي الذي يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة .
3 - البطالة وإضاعة الفرص في الحياة وتبديد القوى والطاقات والعيش حياتاً غير منتجة ومن دون تحقيق للذات أو أداء رسالة سامية ، كل ذلك عامل أساسي في تعرض الفرد للكثير من المتاعب المالية والاجتماعية والنفسية التي تؤدي إلى شعور مثل هؤلاء بالخوف من الشيخوخة التي سرعان ما يقعون فيها قبل الأوان .
4 - قلة الغذاء أو سوء الغذاء وافتقاره للعناصر الأساسية فيؤدي إلى إصابة الفرد بفقر الدم ونخر العظام وأمراض أخرى ، كما وأن تناول الطعام والشراب المضر وما هو محرم ومكروه كلحم الخنزير والخمرة والتدخين كلها يمكن أن تؤدي إلى أمراض تكون سبباً في تعجيل الشيخوخة .
5 - إهمال الرياضة وعدم اتباع سنن الفطرة والإفراط الجنسي المشروع وغير المشروع ( الزنا وأنواع الشذوذ الجنسي ) ، والسهر المتواصل .
6 - إهمال قانون الأسباب بعدم التداوي أو المعالجة عند غير أولي الخبرة والعلم ، عدم الالتزام بإرشادات الطبيب خاصة في حالة الإصابة ببعض الأمراض التي تستوجب حمية معينة مثل ضغط الدم والسكر …. الخ .
7 - إهمال صحة الطفل وعدم إتباع توصيات الأطباء في الوقاية والعلاج مما يجعل من هذا الطفل شاباً مريضاً وكهلاً ضعيفاً وشيخاً قبل غيره .
ثانيـاً – نظرية رماد الأتون Clinker Theory :ونتيجة للعيش ، بموجب هذه النظرية ، تتجمع في الخلايا فضلات سامة تقلل تدريجياً من قابلية الخلية للقيام بوظائفها ، وهكذا تهرم كلما ازدادت هذه الفضلات . إن ما يدعم هذه النظرية وجود كميات كبيرة من المواد الصبغية في خلايا الناس المعمرين ، وعلى الأخص في الخلايا غير المنقسمة كالعضلات والأعصاب . هذا بعكس الخلايا التي لها قابلية على الانقسام والموجودة في الكبد فإنها تحتوي على كميات قليلة جداً من هذه الصبغات . فالخلايا التي تستمر بالانقسام تعمر أطول من التي تتوقف عن الانقسام لا نعرف بالضبط الطبيعة الكيميائية لهذه الصبغات . ولكن هناك من الدلائل بأنها بقايا تراكيب خلوية مهدمة .
ثـالثـاً – نظرية الكولاجين Collagen : تحاول هذه النظرية أن تفسر ما جاءت به نظرية رماد الأتون . لماذا لا تستطيع الخلايا أن تتخلص من المواد المضرة المتجمعة فيها ؟
إن مادة الكولاجين هي من المواد البروتينية الرئيسة التي يتألف منها الجسم الحي . فهي موجودة كأغلفة في المادة البينية خارج معظم الخلايا . فالكولاجين الحديث التكوين يكون مرناً وسهل الذوبان ، ولكن بمرور الزمن ترتبط سلاسل البوليبيبتايد ( Polypeptides ) مع بعضها ونتيجة لذلك تقل مرونة وقابلية ذوبان مادة الكولاجين ، وعندئذ تصبح الأنسجة بدورها أقل مرونة ، ولا تسمح للمواد بالدخول أو الخروج بسهولة إلى الأوعية الشعرية الدموية وإلى الخلايا . تبطئ قلة النفاذية هذه من عمل الآليات التنظيمية في الجسم وتستمر هذه الحالة مع التقدم في العمر .
رابعـاً – نظريـة المناعـة : يقول المدافعون عن هذه النظرية أن الغدة الثيموسية
(أو الزعترية أو التوتة Thymus Gland ) الواقعة أسفل العنق هي المسؤولة عن هرم جسم الإنسان . تكون هذه الغدة كبيرة عند الأطفال وتضمحل تدريجياً أثناء النمو وتختفي في أواخر متوسط العمر . تقوم هذه الغدة بإفراز هورمون الثايموسين ( Thymosine ) الذي يعمل على تحويل خلايا غير ناضجة معينة في الجسم إلى خلايا مناعية وهي خلايا لمفية من نوع ( T- Lymphocytes ) ( T ) تقوم هذه الخلايا المناعية بقتل الجراثيم المرضية والخبيثة وكل ما فيه من أنسجة غريبة .
خامساً – نظرية هورمون الموت Death Hormone Theory :دلت التجارب أن الغدة النخامية ( Pituitary Gland ) وهي غدة هورمونية واقعة في قاعدة الدماغ ، تقوم في دور البلوغ بإفراز هورمون الموت ( Death Hormone ) حيث تعيق عمل هورمون الدرقين أو الثايروكسين ( Thyroxin ) الذي تفرزه الغدة الدرقية . تتم الإعاقة عن طريق تأثير هورمون الموت الذي يعارض استلام أغشية الخلايا لهورمون الثايروكسين . يسيطر هرمون الثايروكسين على الفعاليات الأيضية في الجسم ، وهذا ما يدعو بعض البايولوجيين إلى الاعتقاد بعلاقته بسرعة الهرم .
سادسـاً – نظرية الطفرات في الخلايا الجسمية : يعتقد بعض البايولوجيين أن هرم الجسم الحي ينتج نتيجة تغيرات قاسية في البيئة ، على الأخص تأثيرات الأشعة الكونية والأشعة السينية على جينات الخلايا الجسدية ، تهتم معظم الدراسات في علم الوراثة بإحداث هذه الأشعة للطفرات والتغيرات في المادة النووية للخلايا التناسلية . ولكن من المتوقع أن تحدث هذه الأشعة الطفرات في المواد النووية للخلايا الجسدية أيضاً ، وتنتج عنها بروتينات وأنزيمات شاذة أو معابة ، تعمل بالطبع على تقليل كفاءة هذه الخلايا ـ وتسبب موتها .
من المعلوم من تجارب أجريت على الحيوانات بعد تعريضها للإشعاع أن الإشعاع قد قلل من عمر كثير منها وظهرت عليها الخلايا التي لها القابلية على الانقسام السريع كنخاع العظم
والكبد ، ولكن مقابل ذلك تستطيع هذه الخلايا أن تعوض عن الأنسجة المعطوبة أو التالفة بأخرى جديدة بواسطة الانقسام ، بينما لا يمكن حصول التعويض في أعضاء أخرى كالعضلات والدماغ
سابعاً – نظرية السيطرة الجينية على الهـرم : هناك من البايولوجيين من يعتقد بأن الهرم يخضع لسيطرة داخلية من قبل الجينات مهما كانت العوامل الخارجية جيدة ومناسبة ، وتتوقف سرعة الهرم على طبيعة الجينات .
ثامـنـاً – نظرية إصلاح الأخطاء الجينية ( أو نظرية بيرنيت ) : لقد تقدم بهذه النظرية السير ماكفارلين بيرنيت ( Sir Macfarlane BURNET ) المختص في علم المناعة وفي الأحياء المجهرية ، والحائز على جائزة نوبل .
يحاول بيرنيت الجمع بين المعلومات المتوفرة عن الهرم في نظرية متماسكة ومنسجمة . يقول في نظريته أن الساعة التي تسير عملية الهرم مرتبطة بسرعة عملية إصلاح الأخطاء التي تحصل في جزيئة الحامض النووي ( دي إن أي ) ( D N A ) الوراثية . هناك عوامل تسبب الطفرات في الخلايا ، كالإشعاع مثلاً ، وتوجد أنزيمات كأنزيمات الدنا بوليميريز DNA Polymerases تعمل على إصلاح الجزء المعطوب من جزيئة الدي إن أي فأن لم يتم الإصلاح تحصل الطفرة .وبموجب هذه النظرية فإن الطفرات التي تحصل في الخلايا الجسدية هي التي تسبب الهرم .
تـاسعاً – نظرية التيلوميرات Telomeres Theory : عند نهاية القرن العشرين تم اكتشاف قطع طرفية في نهايتي الكرموسومات وسميت تيلوميرات Ihemoglobine أو القطع النهائية . لقد وجد أن هذه القطع تتآكل وتقصر كلما تقدمت الخلية في العمر ، وتقل قابليتها على الانقسام . كما وتم اكتشاف أنزيم ( التيلوميريز Thlomerase ) وكذلك عزل مورثة ( الجين ) في بعض الأحياء ، وهو المسؤول عن إنتاج الأنزيم . يمنع هذا الأنزيم تقصر التيلوميرات ، وبالتالي استمرار الخلايا في الانقسام . إن البحوث في مجالات البايولوجي الجزيئي مشجعة لاكتشاف أسباب توقف الخلايا عن الانقسام وهرمها وكذلك انفلاتها عن الخط السوي للانقسام لتصبح سرطانية وخبيثة .
إن جميع هذه النظريات ثمينة لأنها تزودنا بمعلومات وحقائق وآراء جديدة مدعمة بالتجارب عن الهرم . فالنظريات الكثيرة هي طبيعية لكل مشكلة علمية في بداية الطريق لحلها . ستتبلور هذه الأفكار والآراء في المستقبل القريب ، ما حصل للنظريات الثابتة في المجالات الأخرى ، لتصل إلى نظرية مستقرة تضع التفاسير المقبولة المستندة إلى التجربة والبحث العلمي ، إذ لازلنا في بداية الطريق الذي سيؤدي إلى الهدف طالما كان هناك توجه نحوه . ولابد أن يكون لكل نتيجة مسبباتها ، وتكتشف بفضل الجهود المبذولة للتفتيش عنها .
ثانياَ : وسائل الوقاية مـن الشيخـوخـة المـبـكـرة
يؤكد العلماء والأطباء على أن الوسيلة في اتقاء الشيخوخة المبكرة تتضمن تهيئة الظروف والأسباب التي تحافظ على خلايا الجسم في حالة صحية سليمة ، وإبعاد كل ما يضرها ويضعف من نشاطها أو يؤثر في وظائفها وبديهي أن نبدأ بذلك في مستهل حياة الفرد ، فوقاية الطفل من بعض الأمراض عن طريق اللقاحات مثلاً تبعده عن المرض وعن عاهة مستديمة قد تسببها هذه الأمراض ، واهتمام الشاب بتنظيم وقته في عمله والاتزان بطعامه وشرابه ونومه ورياضته ، وجميع حاجاته الوظيفية ، والأخذ بمتع الحياة بالطريق المشروع والسلوك السليم والمساهمة في نشاطات المجتمع ، كل ذلك تولد لديه الحيوية الدائمة ويستمر لديه دبيب الحياة بطريقة طبيعية منتظمة حتى مراحل متقدمة في السن .
وأهم الأمور التي تقي من الشيخوخة المبكرة نذكرها فيما يلي بشيء من التفصيل :
أولاً – النظافة والاعتناء بالهنـدام : من بديهيات الطب الوقائي بالنسبة للصغار وكبار السن تجنب القذارة والحرص على النظافة ، حيث يوصي مسؤولوا الصحة الوقائية في منظمة الصحة العالمية بغسل اليدين عدة مرات في اليوم ، والعناية بنظافة الجسم بشكل دائم .
وقد جاءت هذه الوصايا في التعاليم الإسلامية قبل 14 قرناً من الزمان حيث فرض الوضوء على المسلم خمس مرات قبل كل صلاة وأن تغسل الأيدي والأرجل في الوضوء ويستنشق الماء في الأنف وينثر وأن يتمضمض وتكرار ذلك ثلاث مرات في كل وضوء أفضل طريق لحفظ صحة الصغار والشيوخ على السواء .
كما وأن في اتباع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في استعمال السواك وتقليم الأظافر وإزالة شعر العانة والإبط والعناية بالشعر والاغتسال مرة على الأقل في الأسبوع وعدم حبس البول والغائط وقاية للجميع وخاصة للشيوخ من الكثير من الأمراض ووسائل مفيدة للعيش براحة تامة وشيخوخة سعيدة .
ومن الأمور المهمة بالنسبة للشيخ الاعتناء بنظافة ملابسه وأناقتها وملائمتها للجسم والاحتفاظ بخصائصه السابقة في هندامه وزيه ، من دون تكلف .
ثانياً – الــــغـــــــذاء : مما لاشك فيه بأن الغذاء الجيد الحاوي على جميع العناصر الأساسية في مختلف مراحل حياة الإنسان يحافظ على أنسجة الجسم من الانحطاط ويضفي على الشخص الكثير من الحيوية والنشاط حتى في سن الشيخوخة . وعلى العكس فإن النقص في أي عنصر أو نوع من الغذاء يمكن أن يؤثر على صحة الإنسان ويعجل بالشيخوخة .
وغذاء الشيخ له خصوصيته عن غيره فحاجته للزلاليات قليلة لأن عمليات البناء في جسمه تكاد تكون متوقفة لذا عليه التقليل من اللحوم . ومن أجل التعويض عن نقص الكلس الذي يصيب عظامه عليه أن يديم تناول الحليب أو اللبن يومياً ، ويمكنه تناول بيضة واحدة بين يوم وآخر . أما الدهنيات والحلويات والمعجنات والسكريات فتقليلها قدر المستطاع أمر محتم بالنسبة للشيخ . وعليه الإكثار من الخضراوات والفواكه الحاوية على السليلوز ليحفظ نفسه من الإمساك .
ولا بأس من شرب الشاي بشكل معتدل وتناول فنجان أو فنجانين من القهوة في اليوم .
وأهم ما يحذر منه الشيخ هو اجتناب الخمر والتدخين ففيهما أذى شديداً على الإنسان سواء كان شيخاً أو شاباً ، وأذاهما على الشيخ أكثر وأعم .
ثـالثـاً – الــريـــاضــة : من الثابت طبياً أن الجسم الذي يمارس الرياضة يحتفظ بمرونته وشبابه وحركاته حتى نهاية العمر ، وأن المسن الذي لم يمارس الرياضة في شبابه يمكنه أن يتدارك ما فاته بممارسة بعض الأعمال كالاشتغال يومياً في الحديقة ، أو المشي يومياً قرابة الساعة ولكن من دون أن يحس باضطراب في التنفس أو بممارسة بعض أنواع الرياضة المقوية للعضلات كالتمارين السويدية أو غيرها ، على أن يقوم بذلك يومياً وبشكل مستمر .
أما بالنسبة للنساء فإن كن يشتغلن في المنزل ، فليس ثمة ضرورة ملحة لشيء من التمرينات ، حيث أن أعمال التنظيف والغسل والطهي وترتيب أثاث المنزل كواجب يومي تستلزم كثيراً من الحركة مما يغني عن التمرينات .
واستعمال الحمامات الباردة والحارة نوع من الرياضة الضرورية للجميع ووسيلة من وسائل الاحتفاظ بصحة الجلد وديمومة منظر الشباب . وإكمالاً للفائدة يجب أن يعقب الحمام الساخن الذي يحدث خمولاً وارتخاء ، أن يعقبه دوش ماء بارد أو فاتر الذي ينبه الأعصاب ويقوي نشاط الدورة الدموية ، وليس هناك ضرورة لاستعمال الصابون يومياَ عند الاستحمام ، بل يكفي استعماله مرتين في الأسبوع .
رابعـاً – الــراحـة والنـوم : إن الإنسان المتحضر أصبح اليوم لا يعرف شيئاً اسمه الراحة والاسترخاء لأن طموحه الشديد يدفعه إلى الانهماك في أعمال مضنية تضعف جسمه وتجعله معرضاً للأسقام وتصيب أعصابه بالإعياء والتوتر وتعجل بالشيخوخة . لذا لابد لمن يروم الابتعاد عن ذلك والمحافظة على طاقة جسمه العقلية والجسمانية أن يتمتع بفترات راحة تتناوب مع ساعات العمل ، كما وأن الإجازة السنوية ضرورية لكل من يعمل طيلة أيام السنة .
والنوم الهادئ المريح أمر في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان كبيراً وصغيراً لكي تستعيد أجهزة الجسم حيويتها وطاقتها .وقد أثبتت الدراسات الحديثة على أن نوم القيلولة
( بمقدار عشرين دقيقة على الأقل ) يزيد من قابلية الفرد الإنتاجية وتزده راحة جسمية وفكرية .
وبالنسبة لنوم الشيخ (( فيجب أن يكون في مكان متجدد الهواء وبغير تعرض للتيار وبغير أن تكون الحجرة شديدة الحرارة في الصيف أو شديدة البرودة في الشتاء .ومن الطبيعي أن قضاء وقت طيب مع الآخرين طوال النهار وخلو البال من الهموم والمشغوليات والأحزان والمخاوف خير ضامن للشيخ بالتمتع بالنوم الهادئ . وإذا ما أصيب الشيخ بالأرق فيجب
أن يسترخي …. وليعلم أن الاسترخاء الطيب خير من النوم المضطرب )) .
خامساً – العـمـل المـنـاسـب : ومن الوسائل التي تقي من الشيخوخة المبكرة ضرورة إيجاد فرص عمل مفيدة تجعل الفرد منتجاً ومندمجاً في المجتمع ويزرع فيه الشعور باحترام الذات على اعتبار أن العمل الذي يختاره الفرد عمل محترم ومتفق مع قدراته وميوله . وبذلك تفيض روحه بمشاعر اللذة والراحة . وعلى العكس فإن الفرد الذي يعيش عالة من دون عمل يشعر بالتفكك وعدم الشعور بالرضا واحترام الذات مما يعجل في شيخوخته .
ولا يفوتنا أن نذكر بأنه من الأجدر بكل صاحب عمل التدرج في إحالته على التقاعد ، وذلك لأن التفرغ التدريجي طوال حياة الفرد العملية يساعده في تكوين ميول طويلة المدى واهتمامات كثيرة خارج دائرة العمل الرسمي ، وبالتالي فإن تلك الاهتمامات الشخصية والمناشط الحرة تساعده على التكيف في سن التقاعد . أما الأشخاص الذين كانوا يمارسون وظائف روتينية فإن الإحالة على التقاعد عندما تحدث لهم فجأة لا يستطيعون الإعداد اللازم لها ولا يملكون الوقت والمال اللازم لاستمرارهم بالنشاط فتبطئ حركتهم ، ويتثاقلون في مشيتهم وتنحني أظهرهم ويبيتون شيوخاً قبل سن الشيخوخة .
لذلك من الأفضل بكل موظف أقيل من عمله عند الستين أن يسعى للحصول على عمل مفيد حسب ما يرغب لكي يحس أنه ما زال عنصراً فاعلاً ومفيداً في المجتمع ، وبذلك يشعر بالسعادة والتفاؤل ، ويقظة النفس وتوقد الذهن وكذلك يحافظ على حيوية الجسم وديمومة نشاطه .
سادساً – التهيؤ النفسي والذهني : (( أما التهيؤ النفسي ، فيجب أن نبدأه منذ الأربعين أو الخمسين إذا لم نكن قد بدأناه قبل ذلك بعشرين سنة . وذلك باهتمامات مختلفة . اجتماعية ، وفنية وذهنية واقتصادية )) .
وذلك لأن صحة النفس التي تؤدي إلى شيخوخة هنيئة نشيطة تقتضي إما تعلق الفرد بمثل عليا يسعى لتحقيقها أو هواية منتجة أو عمل ارتقائي في غايته يشعره بكرامته وفائدته للمجتمع ويبعث فيه روح التفاؤل والاستبشار ويجعله يعيش في شباب دائم .
وأما التهيؤ الذهني ، فيكون بالمشاركة في الحركة الذهنية ويتحقق ذلك بالاستمرار على قراءة الجريدة والمجلة وما يجد من كتب ، وبمتابعة البرامج الثقافية والفكرية والعلمية والإخبارية في المذياع والتلفزيون ، وذلك لأن هذه الأمور تحول دون النسيان الذي يصيب كبار السن وتبقي الذاكرة حية والتفكير مثمراً فيمارس عمله بيقظة ونشاط ويستمتع بجميع ميزات الشباب حتى لو بلغ التسعين أو أكثر .
سابعاً – زيــارة الطـبـيـب : (( من المؤسف أن المتبع حالياً بالنسبة للشيوخ هو إهمال الوقاية الصحية والانتظار حتى وقوع البلاء والرزوح تحت وطأة المرض ، ثم اللجوء عندئذ إلى الطب طلباً للنجدة والخلاص من ذلك الكابوس الذي يخضعهم لسلطانه . ولعل الغالبية العظمى من الناس لا يتبرمون إلاّ من تلك الأمراض التي يحسون بالألم نتيجة الإصابة بها أو التي تفقدهم النشاط أو التي تصيبهم بالعجز عن ممارسة العمل . أما الأمراض التي تنخر في قوامهم الصحي باستخباء أو بهدوء رويداً رويداً أو التي لا تحدث لهم ألماً أو التي لا يبدو لها أعراض ظاهرية صريحة فإنهم يغمضون أعينهم عنها ولا يعتبرونها أمراضاً )) .
إن زيارة الطبيب في الصحة ، أي قبل ظهور علامات مرضية فيها فوائد جمة ، وذلك لأن لبعض الأمراض نذر قد لا يحسها الإنسان في بدايتها ولكن الفحوصات المختبرية تكتشفها . وعندما يكتشف المرض يستطيع المصاب أن يكيف معيشته قبل أن يتفاقم المرض ويؤدي إلى مضاعفات تعجل بانهيار الجسم وأعراض الشيخوخة .
كما وأن التزام تخطيط مدروس يتضمن القواعد الصحية والأصول الصحيحة في طريقة المعيشة والعادات التي يمارسها الشخص من العوامل المهمة في تأخير حدوث الشيخوخة.
---------------------
1- نشرة الشيخوخة تبديد الخرافات : منظمة الصحة العالمية – المكتب الإقليمي لشرق المتوسط 1999، رسالة المدير الإقليمي .
2- موسى ، سلامة : حياتنا بعد الخمسين – سلسلة اقرأ العدد 372 ، دار المعارف بمصر ، 1973 ، ص 8 .
3- عبد السلام ، حسن : نحن المعمرون – سلسة اقرأ العدد 110 ، الطبعة الثانية ، ص 17 .
4- للمزيد من التفصيل يراجع - بنـي ، الدكتور منير : مقال بايولوجية هرم الإنسان والأحياء ، مجلة علوم العدد 109 ، أيار – حزيران 2000 ، حيث أوجزنا هذه الفقرة وحتى الفقرة التاسعة عنه .
5- للمزيد من التفصيل : يراجع كتابنا الطب الوقائي النبوي - نشر دار بسام ، الموصل 1988 .
6- أسعد ، يوسف ميخائيل : رعاية الشيخوخة - نشر مكتبة غريب ، القاهرة ، 1977 ، ص 218 .
7- موسى ، سلامة : حياتنا بعد الخمسين – مصدر سابق ، ص 14 .
8- أسعد ، يوسف ميخائيل : رعاية الشيخوخة – ( مصدر سابق ) ، ص 204 .
717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع