د.صلاح الصالحي
نماذج من رسم الخرائط في بلاد الرافدين
خريطة 1: مدينة نيبور وما يحيط بها
مدينة نيبور (Nippur) بالسومرية نيبرو(Nibru) (dEN.LĺL.KI GU.DU8. A.KI)، مسجلة في كثير من الأحيان باسم ( EN.LÍLKI) بمعنى (مدينة انليل)، وبالأكدية نيبر (Nibbur)، كانت من بين أقدم المدن السومرية، ولها قدسية دينية لأنها مركز عبادة الإله السومري إنليل (Enlil) إله الريح، وحاكم الكون، والأوحد، ابن الإله آنو إله السماء، تقع مدينة نيبور في (نفر الحديثة) في قضاء عفك (عفج) محافظة القادسية في العراق، لقد اهتم ملوك فجر السلالات بإنشاء المعابد للآلهة ومنها معبد الإله (انليل) لذلك اعتبرت عاصمة سومر الدينية، واصبح على ملوك سومر تقديم الهدايا للمعبد في (نيبور) للحصول على شرعية الحكم، وحسب الروايات البابلية المتأخرة فأن سرجون الأكدي (2371-2316) ق.م أسر الملك لوكال زاكيزي ثم دمر أسوار اوروك، وقاد الأسير من رقبته إلى معبد انليل في نيبور، هذا العمل ولد عداء سومري ضد الملك الأكدي وحفيده نرام-سين ذلك العداء الذي تزعمه كهنة نيبور وبالتحديد كهنة معبد انليل ومواقفهم السلبية اتجاه نرام-سين وما اقترفه من معصية ورفضة الطوالع التي حذرته من إهانة الإلهة انليل وسرقة (ايكور) (EKUR) معبد الإله، اما في العصر الكاشي فقد شهدت مدينة نيبور نمو كبير تحت حكم كودور-إنليل (1254-1246) ق.م، فقد توسعت المدينة، وتم تجديد معبد انليل بالآجر المفخور وتدعيم الجدران الخارجية الشمالية الشرقية من المعبد وحمل الآجر الختم الملكي، وعثر على آجر تحمل اثنا عشرا سطرا بالسومرية فقد عثر عليها داخل هيكل الجدار الذي استعمل فيه القار كمادة لاصقة بين الآجر المفخور، وكان الملك الكاشي كثيرا ما يزور نيبور وخاصة في بداية العام للمشاركة في احتفالات عيد اكيتو.
هذه (الخريطة 1) تعود إلى حوالي (1400) ق.م نقشت على لوح طيني تظهر الأنهار والقنوات، وموقع القرى بالقرب من مدينة، ويلاحظ في الخريطة كثرة المجاري المائية وذلك من اجل توفير الحماية من الغزو الخارجي، فمثلا موقع القصر تحيط به قناة مائية عل شكل حرف (U) وفي شماله مستنقع جعل موقع القصر وكانه قلعة محاطة بالمياه من كل جانب، كذلك توفر القنوات حاجة السكان للشرب، والنظافة، وحتى تصريف المياه الثقيلة، كما تستخدم القنوات المائية للنقل بواسطة القوارب، وفي الخريطة يظهر معبد مردوخ عند حافة الخريطة في الأعلى، ومعبد انليل بين القناة المستقيمة والقناة المائية التي هي بشكل حرف (U)، وقريبا منه معبد انانا (سيدة السماء)، وفي اقصى يمين الخريطة المعبد الشمالي، بقيت نيبور المدينة السومرية العظيمة محافظة على مركزها الديني لآلاف السنين.
خريطة منطقة الفرات في العصر الاشوري الوسيط
خريطة2: منطقة الفرات من العهد الاشوري الوسيط
عثر في مكتبة توكلتي ننورتا الاول (توكلتي-ابل-ايشرا) (1115-1077) ق.م في مدينة آشور على لوح طيني نقش عليه خريطة صغيرة لمنطقة الفرات تمثل تعرجا للنهر الذي وضح بكتابة اسمه بالصيغة السومرية (IDUD. KIB. NUNKI) الذي يقابله في اللغة الأكدية بُراتُ (= Puratu) نهر الفرات، كما جاءت إشارة إلى وجود معسكر للجيش يحيط به والذي وضح هو الاخر بكتابة بالصيغة السومرية (KI. KAL. BAD) الذي يقابله بالأكدية كَراشُ (=karāšu) بمعنى معسكر، كما يوجد في وسط الخريطة عبارة: (اللوح أو الرقيم السادس) مما يعني ان هناك ما لا يقل عن خمسة رقم أخرى لخرائط لم يعثر عليها لحد الان، ويبدو ان هناك مجموعة من الخرائط أو كسر لخرائط خاصة لهذه المنطقة، يمكن القول بان هذه الخريطة عسكرية لمنطقة الفرات، فقد عرف عن توكلتي-ننورتا الأول حملاته العسكرية التي طالت مناطق شمال آشور ضمن الأراضي التي يدعي الحثيين بانها تابعة لهم، وأخرى في الغرات الأعلى ضمن مناطق كانت تابعة لمملكة ميتاني (خانيكالبات)، وتخدم هذه الخريطة في تحديد المعسكرات الاشورية ومناطق انتشارها.
خريطة العالم عند البابليين
عثر على لوح طيني بابلي تعرض إلى الكسر والتلف في أواخر القرن التاسع عشر في مدينة سـﭙار، ويعتبر اللوح أقدم خريطة في العالم، تم اكتشافها على ضفاف نهر الفرات، وقد نشرت عام (1899)، وحاليا محفوظة في المتحف البريطاني، ويعود تاريخ اللوح إلى عام (2700) سنة، وتصور نظرة البابليين للعالم من حولهم، قياس اللوح (122 × 82) ملم، يظهر في اللوح الطيني خريطة لعالم بلاد ما بين النهرين كتب أسم مدينة بابل في مركز العالم، وتحتوي على صور محفورة بعناية مع كتابة مسمارية، كما هو واضح فأن بابل محاط بدائرتين متحدتين تمثلان المحيط يُطلق عليه اسم (البحر المالح) بمعنى (المحيط الذي يحيط بالعالم)، وذكرت اسماء مدن بابل، وآشور، وسوسة (عاصمة مملكة عيلام)، ونجد ثمانية مثلثات هي مناطق مثلثية تسمى (مناطق) أو (جزر) تحيط بالبحر المالح، وتم تصنيفها بمسافات وأوصاف لتلك لمناطق مع أوصاف الأبطال العظماء، والوحوش الأسطورية التي تعيش في كل منطقة، كما يشار إلى الأهوار في جنوب بلاد الرافدين في أسفل الخريطة بخطين متوازيين، ويظهر خط منحني بالقرب من الجزء العلوي وهي المرتفعات الاناضولية، كما يظهر نهر الفرات وهو يمتد من تلك الجبال أعلاه عبر بابل باتجاه الأهوار في الأسفل، وفي وسط الخريطة نرى سبعة مناطق دائرية يبدو أنها تمثل المدن، وبسبب التلف في اللوح فهناك ثلاث جزر مفقودة تحيط بالبحر المالح في أسفل الخريطة.
3307 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع