بسام شكري
رجل يعمل بمهنة حاسد
كان هناك رجلا قد عاش في سبعينات القرن العشرين في جنوب العراق يعمل بمهنة حاسد وقد كان مشهورا في قريته والقرى المجاورة واعماله وانجازاته مشهودة وضحاياه بالمئات سواء كانوا من البشر او الحيوانات او الممتلكات والمنازل كان يمارس مهنته بنجاح ولقاء مبلغ معين يحدده هو حسب الجهد المبذول والمسافة التي يقطعها للوصول الى الهدف و قد يحصل على مكافئة بعد عمله تحدد حسب حجم الضرر الذي يسببه , وبقدرة من الله في اخر ايام عمره فقد السيطرة على نفسه وكانت تلك السنة اخر عهده بالمهنة عندما كان في طريقه الى حسد مزرعة رجل في قرية مجاورة لقاء خمسة دنانير وكان مبلغ الخمسة دنانير في ذلك الوقت مبلغا كبيرا وقد كان ذلك في فصل الصيف فتعب خلال الطريق التي تعّود على قطع مثلها مشيا على الاقدام وجلس عدة مرات ليستريح ونتيجة للتعب اخذ يلح على ابنه الذي كان برفقته ويسأله عن المكان المقصود وكم بقي لهم من المسافة ليصلوا اليه ولماذا اصبح الطريق طويلا هكذا, وفي اخر مرحلة من الطريق قال له ابنه اننا سنصل بعد قليل والمزرعة المطلوبة بعد ذلك النخيل البعيد الذي يظهر منه اعلاه وسأله هل تراه يا ابي ؟ ان المزرعة المطلوبة بجواره فأجابه والده اني ادقق النظر فيه فلا اراه فاين هو وبعد تاكيدات كثيرة قال له: اي قوة تملك في عينك يا بني وترى كل تلك المسافة البعيدة عنا وما ان اكمل جملته حتى اصاب ابنه بالعمى فبدلا من الدنانير الخمسة التي كان سيتقاضاها فقد حسد ابنه ودفع الكثير للأطباء وبقي ابنه اعمى في الوقت الذي اكد الاطباء استحالة شفائه لاصابة العين بشلل تام نتيجة لصدمة شديدة اصابت مراكز البصر في الدماغ وكانت تلك الحادثة اخر عهده بالمهنة.
نظام الحسد يعتمد على موجات كهرومغناطيسية يرسلها الحاسد من دماغه بواسطة العين او بدون استعمال العين أي بمجرد التفكير والحسد هو أحد اساليب حروب الروح ولا يعبر اسلوبا من اساليب حروب العقل وذلك لان الحاسد قد يقوم بفعل الحسد بمعزل عن العقل وبشكل لا ارادي في بعض الاحيان أوخارج عن سيطرة العقل الواعي.
وقد قامت مراكز الأبحاث النفسية بعدة دراسات وتجارب وابحاث ولفهم الية عمل نظام الحسد وكيفية التنوع في مجالات استعماله من اجل تطويره وقد نجحت بعض الدول واستخدمته كأداة واسلوب من اساليب القتل عن بُعد خلال الحرب الباردة.
ونظام الحسد يعتمد على طرفين الحاسد والمحسود وهي حرب بين طاقتين تمتلكان قدرا غير متساوي من قوة الهجوم والدفاع الذاتية واقصد بالطاقتين هنا بين الطاقة الكهرومغناطيسية المحيطة بجسم الانسان فاذا ما تساوت القوتين للشخصين فليس هناك من حسد اما اذا لم تتساويان ففعل الحسد يكون خلال اقل من لحظة واحدة , هذا بين الناس العاديين اما اذا كان الحسد بين انسان وبين حيوان او نبات فان نسبة المقاومة تكون قليلة جدا لان الطرف الأول فيها انسان يملك الطاقة السلبية ويتمكن من ارسالها في حيث الطرف الثاني غير عاقل ولا يتلك القدرة والتحكم بطاقته الروحية للدفاع فان فعل الحسد يكون سريعا ومباشرا وكثيرا من الناس يفضلون اهون الشرين ومن هنا جاءت المقولة الشعبية ( بالمال ولا بالعيال ) وهذا ما نلاحظه عندما يزورنا حاسد وفجأة تنكسر زجاجة او قدح او تسقط لوحة من على الحائط بدون ان يقوم أي شخص بالاقتراب منها ونقول" راح الشر".
ان الشعور النفسي للإنسان الحاسد فهو (ان يستكثر الشيء لمالكه او قد يتمناه لنفسه بدلا من مالكه الحقيقي) والحسد يشمل جميع الاجسام والاشياء والاشكال وهي موجة كهرومغناطيسية واحدة غير قابلة للتكرار الا بعد مرور دورة يوم كامل اي اربعة وعشرين ساعة وذلك لأسباب غذائية وروحية وحياتية لا مجال لذكرها الان.
ونظام الحسد وكما أسلفنا فهو نظام روحي لذلك فليس من الضروري ان يرى الحاسد الشيء حتى يحسده فقد يسمع به او يشم رائحته او يفكر فيه لذلك فان الحسد قد يصيب اشخاص بعيدين الاف الكيلومترات عنّا ولكن ليس بنفس التأثير في جميع الحالات وذلك لعدة اسباب اهمها عدم اكتمال الصورة لدى الحاسد (والصورة هنا تشمل الموضوع بشكل عام من شكله ولونه ورائحته ومدى الأثر النفسي الذي حدث في نفسية الحاسد حتى يقوم برد فعله عليه وتوجيه موجدة الحسد).
ويمثل الحسد اكبر جوانب نشاطات الروح السلبية وصاحب القدرة على الحسد بشكل عام يمتلك نظاما متكاملا من السلبية في حياته فهو لا يشعر بالامان طوال حياته وتراه لا عن الدنيا وعن أي شيء يمتلكه والحاسد ليس له شكل او عمر معين وقد تداول الناس مقولة خاطئة وهي ان صاحب الاسنان المتفرقة والعيون الزرقاء له قدرة على الحسد فالشكل لا علاقة له بالموضوع ومصدر تلك الطاقة كما اسلفنا الروح وليس شكل او عمر الانسان , وكما ان هناك اشخاص مباركون ترتاح لهم من اول لقاء معهم و بغض النظر عن مستوى جمالهم او اشكالهم او الوانهم او لغاتهم فان هناك اشخاص عندما تراهم لاول مرة لا ترتاح لهم وكانهم يضعون ايديهم في جيوبك لسرقتك او في صدرك لانتزاع قلبك من مكانه.
كيف نتقي الحسد
لقد جاء في الحديث النبوي الشريف) اياكم والحسد فان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (ومن ذلك الحديث فان رسول الله (ص) يحذر الحاسد من عواقب عمله وأن عمله السيء سيأكل حسناته فمن هنا فقد عالج السبب وحذر الاداة " الشخص الحاسد “.
واتقاء من شر الحسد علينا الاقتداء بالسنة النبوية وهي قراءة المعوذتان عند شعورنا باي موجه حسد ونحن نرى في مجتمعاتنا العربية ان أكثر المنازل تضع صورة المعوذتان على جدار صالة الاستقبال، وقراءة المعوذتان يجب ان تكون بعمق وفهم لما نقرأ حتى تفعل الاية القرانية فعلها بسرعة وهو رد الحسد.
وكما اثبتت الدراسات والابحاث فان لبعض الاشخاص تركيبة معينة في الدماغ تولد شعورا لا اراديا بالخوف من الكلاب مثلا ونلاحظ الكلاب مثلا تختارهم وتهامجهم على الرغم من وجودهم بين عشرات الاشخاص المحيطين بهم والسبب ان دماغ الشخص الخائف من الكلب يصدر موجات الخوف التي يلتقطها دماغ الكلب فيقوم بمهاجمته فان الشخص المحسود بما يمتلكه من ضعف وعدم ثقة بالنفس تجعله هزيلا امام الاخرين كما ان هشاشة الشخصية وعدم التوازن وضعف الايمان بالله له تاثير كبير على قوة الشخصية ومدى تماسكها امام موجات الحسد. وفي مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية على وجه الخصوص فان اغلب الناس تقول ما شاء الله عندما ترى شيئا جميلا او مثيرا للاهتمام وذلك حتى لا يحصل الحسد اللاإرادي.
ومن الادوات المهمة في مواجهة الحسد هو الثقة العالية بالنفس وكذلك عدم التخوف من الاخرين ومواجهة نظرات كل الاشخاص الذين ينظرون الينا بنظرة واثقة وذلك لان العين هي احدى ادوات نقل موجات الحسد وسلاح النظر هو السلاح المضاد كذلك قد يسال سائل كيف يحصل الحسد من زائر دخل بيتي؟ ان الحسد يحصل في الثواني الأولى التي يدخل فيها ذلك الزائر البيت ويبدأ الصراع بين الحاسد والمحسود ويستعمل في هذا الصراع قوة التركيز للطرفين وقوة الطاقة الكهرومغناطيسية وقوة الصوت وسرعة الحركة فكيف يتمكن الشخص العادي من استعمال تلك الأسلحة لمواجهة الحاسد؟ يجب المبادرة بالترحيب بصوت اعلى من صوت الزائر والشد على يديه واخذ زمام المبادرة بالتحية والسؤال عن الأحوال والكلام وفتح موضوع للحديث وكل ذلك سوف يفقد الزائر مبادرة اللحظة الأولى فتخف حدته وينشغل عن الحسد وعن المنزل وصاحب المنزل وبذلك تنتهي اول مواجهة بين الطرفين والخطوة التالية في حسد الزائر هي الاستماع الى احوالك واخبارك وقد جاء في الحديث النبوي الشريف (عليكم بقضاء حوائجكم بالكتمان) يمكننا ان نتبع سلوك الكتمان في امورنا وان نعطي الاخرين المعلومات والاخبار التي تهمهم فقط ونبتعد قدر الامكان عن الثرثرة وذلك لان هؤلاء الاشخاص غير محتاجين ان يسمعوا اخبارنا وقد يقومون بتوجيه الحسد الينا اراديا ولااراديا.
وفي الثقافات الشعبية العربية نرى ان اغلب الدور تستعمل ادوات مادية لاتقاء شر الحسد ومن هذه الادوات حدوة الحصان المتجهة فتحتها الاعلى والتي توضع دائما عند ابواب ومداخل البيوت فأن هذه الحدوة بشكلها المتجه الى الاعلى تجمع الطاقة السلبية التي تدخل الى البيت وتشتتها الى الاعلى وقد تستعمل بالاتجاه المعاكس أي فتحة الحدوة للأسفل وستكون تلك الحالة هي جمع الطاقة الكونية الإيجابية وارسالها الى باب البيت وليس وظيفتها اتقاء شر الحسد وكذلك يستعمل قرون الغزال الذي يعمل بنفس الالية في تجميع الطاقة السلبية من الداخلين للبيت وتشتيتها الى الأعلى وهناك أسلوب بابلي قديم لاتقاء الحسد وهو قطعة من الطين يتم إدخالها الى الفرن وتحويلها الى سيراميك توضع على الابواب ومداخل البيوت وتكون على شكل سبعة دوائر تكون ستة في محيط الدائرة والدائرة السابعة في الوسط ولون هذه القطعة هو اللون الأزرق و تسمى سبع عيون والية عمل هذه القطعة هو تشتيت الطاقة السلبية الداخلة للبيت بفعل الشكل الهندسي واللون الازرق القوي الذي يأخذ اغلب الدور في ذلك وكذلك يستعمل الكف المقلوبة والكف المفتوحة وعين الحسود والتي تصنع ايظا من مادة السيراميك الازرق المشوي , وفي المجتمعات الفلاحية نشاهد انواع من الخرز الزرقاء والقلائد الزرقاء والمصنوعة من الاحجار بشكل عام على ملابس ورقبة الاطفال حديثي الولادة , ومن الحيوانات الاكثر تعرضا للحسد في المجتمعات الفلاحية هو الابقار وخصوصا الابقار التي تدر الحليب وذلك لحجم الابقار وشكلها المغري للحاسد اضافة الى ان هذه الحيوانات لا حول لها ولا قوة للدفاع عن نفسها او حتى توجيه نظرة دفاع واحدة , ويقوم الفلاحين بتعليق التمائم والخرز الزرقاء في رقاب الابقار لتوقي الحسد في نفس الوقت يقوم الفلاحين في جبال الالب بتعليق جرس في رقبة كل بقرة لتشتي الانتباه عليها وفي نفس الوقت للوصول الى مكانها فيما لو تاهت بين الجبال , اما في الصحراء فان المهر اكثر الحيوانات تعرضا لموجات الحسد وذلك لعفويته وجماله وشبابه في حين ان الحصان هو الاقل بين الحيوانات تعرضا للحسد وذلك لامتلاكه ايجابية عالية تمكنه من الدفاع الروحي عن نفسه في الوقت الذي تكون الفرس والحامل منها على وجه الخصوص ضعيفة مثل البقرة الحامل.
وفي بعض المجتمع الاسيوية نشاهد الى يومنا الحالي عند افتتاح اي مبنى جديد يتم وضع تل من ملح الطعام على شكل هرم عند مدخل البناية من الخارج لتوقي الحسد ويعمل تل الملح على تشتيت الطاقات السلبية حيث يعمل بفضل شكله الهرمي وطبيعة طاقة الملح التي تشتت الطاقة السلبية.
أن كل واحد منا يملك طاقة الحسد وإذا حاول استعمالها في لن تخيب معه لكنه سيصبح مكروها ومنبوذا من الاخرين الذين لا يقولون له بالسنتهم بل سيردون عليه بارواحهم وبما ان الحسد هو نشاط روحي وليس نشاطا عقليا فان الروح هي التي سترد على الروح واي ضرر سيحدث نتيجة لذلك الله وحده هو العالم، وبما ان لكل فعل رد فعل يساويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه فان اي حسد او كره سيؤدي الى رد سريع لا نتوقعه وبدلا من ان نعيش في دوامة حسد الاخرين على ما يملكون ونعرض انفسنا للرد بالمثل علينا ان نتعامل بالمحبة مع الاخرين وننشر الرحمة .
والحسد غير محدود الزمن وبعض منه لا يبطله تقادم الزمن عليه ويصبح كاللعنة تطارد الاخرين وتبقى الروح متعلقة بالشيء تطارده وتحسده على اي عمل وذلك ما دام الانسان حيا. او ان تنسى الروح الموضوع لاي سبب كالبعد المكاني او البعد الزماني عن الموضوع المحسود او تغيير وجهة نظر الشخص الحاسد بالمحسود لاي سبب كان كالمصالحة والرضا وغيرها.
ومن العادات العربية في افريقيا لاتقاء شر الحسد بشكل فوري وعند مغادرة زائر للبيت يعتقد بانه حاسد يقوم اصحاب البيت بقطع ورقة على شكل انسان وغرز ابرة في جسمه لإبعاد طاقة الحسد او بإشعال البخور في البيت لطرد طاقة الحسد وفي افريقيا الوسطى تقوم بعض القبائل بتكسير عظام لحيوانات معينة (ميتة سابقا) حال مغادرة الضيف الحاسد الذي يعتقدون بان له روحا شريرة.
ومهما تكن من اجراءا فان كل الثقافات تحاول وبطرق مختلفة لاتقاء شر الحسد بكلمات وتعاويد وصلوات وادعية واشياء مختلفة ويبقى أفضل وأسرع اسلوب لاتقاء الحسد هو الثقة بالنفس والايمان بالله ومواجهة نظرات الاخرين بنفس النظرة وبأسلوب المبادرة من اللحظة الأولى التي شرحت آليتها في المقال.
كفانا الله واياكم من الحسد والحساد والحاسدين.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1642 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع