عوني القلمجي
ضجة مفتعلة حول تشكيل قوة جوية "للحشد الشعبي"
لا تعنيني كثيرا تلك الضجة المفتعلة من قبل وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية وخاصة العراقية، حول نية الحشد الشعبي بتشكيل قوة جوية تابعه له. فهذا الحشد او المليشيات المسلحة ليست بحاجة لمثل هذه القوة المستقلة، فهي قد انهت مهمتها في التحكم بما يسمى بالدولة العراقية وجميع مؤسساتها الكبيرة منها والصغيرة، ومن ضمنها مؤسسة الجيش العراقي بكل صنوفه بما فيها القوة الجوية. وقد تجسدت هذه الحقيقة بشكل جلي وواضح في تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، حيث نالت هذه المليشيات غالبية المقاعد الوزارية، اما القلة الباقية من الوزرات، فقد تم اسنادها الى اعضاء مستقلين تم ترشيحهم من قبل متزعمي هذه المليشيات.، وبالتالي ضربت عرض الحائط جميع اكاذيب ووعود عبد المهدي وفي مقدمتها"تشكيل حكومة وطنية مستقلة وعابرة للطائفية وبعيدة عن المليشيات المسلحة".
لكن الذي يعنيني هنا ان الاعلان عن هذا الامر من قبل المليشيات قد اكد من جهة، على ان قرار الحكومة بدمج جميع المليشيات المسلحة بالجيش العراقي وموافقة قادتها على هذا القرار، ليس سوى وسيلة مضلله لامتصاص نقمة الناس جراء الافعال المشينة والجرائم الشنيعة التي ارتكبتها هذه المليشيات بحقهم، ومن جهة اخرى، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، فانه يعد بمثابة التمهيد لاعلان الاسم الجديد للحشد او للمليشيات، وهو "الحرس الثوري العراقي"، الذي سهرت ايران وملاليها على بنائه منذ سنين عديدة، على غرار الحرس الثوري الايراني. بل ان هذا الحرس العراقي المرتقب سيفوق نظيره في طهران كونه يسيطر سيطرة كاملة على ما يسمى بالدولة العراقية، على عكس الحرس الثوري الايراني الذي يتقاسم السلطة مع الحكومة، بل ويخضع لها عند الضرورة.
هذا الجهد الايراني الحثيث لبناء حرس ثوري عراقي لم يات من فراغ، وانما يستند الى نظرية اسس لها اية الله الخميني قبل استلامه السلطة، فهو قد امن بان الاعتماد على المليشيات المسلحة ضد تهديدات محلية او خارجية، هو اكثر ضمانا من الاعتماد على الجيوش النظامية لوحدها، وان حماية مشروع الجمهورية الاسلامية العالمية المبتكر من قبله والذي يشمل العراق قبل غيره من الدول الاسلامية، لا يمكن تحقيقه والحفاظ عليه من قبل جيش نظامي ينتمي الى جيوش دول العالم الثالث، لان مثل هذا الجيش مهما كان متطورا لا يمكنه مقارعة جيوش الدولة العظمى، مثل جيش الولايات المتحدة الامريكية، ليس فقط في العدة والعتاد، وانما للفرق الهائل في التطور العلمي والتكنولوجي وانواع الطائرات والقنابل ذات الدمار الشامل. فليس صدفة اذن اعتماد ملالي طهران على الحرس الثوري الايراني اكثر من اعتمادهم على الجيش النظامي الايراني، كما انه ليس صدفة الاهتمام بتقوية مليشياتها المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان على حساب الجيوش في هذه البلدان، بل ان ملالي طهران قد سعوا فعلا الى اضعاف هذه الجيوش لصالح المليشيات المسلحة. وقد نجد نموذجها الصارخ في العراق، حيث تسعى من خلال عملائها في السلطة الى اضعاف الجيش العراقي
اذا حدث ذلك، فان هذا الحرس الجديد سيخضع لاوامر الولي الفقيه علي خامنئي، تماما كما يخضع الحرس الثوري الايراني وحزب الله في لبنان لان قادة الحرس المرتقب دون استثناء يؤمنون بولاية الفقيه واطاعة اوامره دون نقاش كون هذا الولي هو نائب الامام المهدي المنتظر المعصوم من الخطا، الامر الذي سيؤدي بالضرورة الى تعبيد الطريق امام الولي الفقيه الايراني لان يكون الحاكم الفعلي في العراق بشكل علني وواضح.
قد يعتقد البعض باستحالة حدوث ذلك في ظل قوة امريكا وجبروتها في العراق، اذ من غير المعقول السماح لايران بسرقة العراق منها وهي التي قدمت خسائر بشرية ومادية هائلة من اجل الاحتفاظ به، لكن هذا البعض لم يدرك بالقدر الكافي بان حدوث ذلك يمثل بالنسبة لامريكا "عز الطلب" ، كما يقول العراقيون، كونه ينسجم مع نظرية الفوضى الخلاقة التي تصب في خدمة مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. ولا يغير من هذه الحقيقة وجود خلافات بين البلدين، فهذه لا وجود لها داخل العراق، بمعنى اخر، فاذا اختلفت امريكا وايران على كل شيء في العالم، فانهما يتفقان بالكامل على تدمير العراق، فتحقيق هذا الهدف الغادر ضد العراق وشعبه هو مطلب ايراني امريكي صهيوني . وبالتالي فان ايران مهما بلغ نفوذها في العراق من قوة لن تمس او تفكر في الاضرار، لا من بعيد ولا من قريب بالمصالح الامريكية، سواء في العراق او عموم المنطقة العربية، بل على العكس من ذلك، فامريكا تعتبر ايران القوية عامل مساعد لضمان هذه المصالح كونها تشكل البعبع الذي تخشاه دول المنطقة التي لاتجد طريقا امامها سوى طلب الحماية الامريكية مقابل تقديم كل ما لديها من امكانات مالية وثروات نفطية وارض لقيام قواعد عسكرية الخ. هذه هي الحقيقة واي تصور اخر حول قرار الرئيس الامريكي بشن حرب ضد ايران او اجبارها من خلال الحصار على انهاء نفوذها في العراق وحل المليشيات المسلحة ومن ضمنها الحشد الشعبي واجبار ملالي طهران على الانكفاء داخل حدودها، ليس سوى ضرب من الخيال، كون ذلك يتعاكس كليا مع مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا والذي لم يكتمل فصوله لحد الان.
ولكن هذا ليس كل شيء. فتسليم الحكم في العراق بيد المليشيات المسلحة، او الحرس الثوري هو الضمانة الاكيدة بالنسبة للمحتل الامريكي ضد اي انتفاضة او ثورة شعبية تطيح به وبعملائه واتباعه. لان حدوث ثورة كهذه هي وحدها التي لا تستطيع مواجهتها اكبر قوة عسكرية نظامية في العالم، وقد اثبتت المليشيات مثل هذه القدرة في مناسبات عديدة، كان اخرها قمع الانتفاضة العملاقة التي قامت في مدينة البصرة وامتدت نيرانها الى المدن الاخرى، من خلال احتلال هذه المدينة الباسلة، وخطف قادتها وتصفيتهم واعتقال الالوف من ابنائها، في حين عجزت حكومة حيدر العبادي عن اداء هذه المهمة المخزية. خاصة وان المحتل الامريكي على وجه الخصوص قد ادرك حجم الاستياء الشعبي ضد الحكومة وانه بلغ اشده واصبح من الصعب خنوع العراقيين لهذا الظلم والقمع وانعدام الخدمات بما فيها الضرورية مثل الماء والكهرباء والدواء. ناهيك عن القناعة التي تولدت لدى عموم العراقيين باستحالة اجراء اية اصلاحات من قبل هذه الحكومة او توفير ابسط الخدمات، وقد نجد نموذجا لهذا الاستياء الشديد في العزوف عن المشاركة في الانتخابات الاخيرة وعدم الاكتراث بنتائجها او الاهتمام بالكتلة الاكبر او اسم رئيس الحكومة او غيره، اما الاوصاف المزيفة التي تطلق على الحكومة الفائزة من قبيل حكومة وطنية مستقلة، لا امريكية ولا ايرانية، او حكومة عابره للطائفية، فهذه اصبحت موضع تندر وسخرية جراء الاصرار على توزيع المناصب على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية حيث رئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني ، ورئيس الجمهورية كردي.
لقد اثبتت هذه التوجهات الخطيرة، بما لا يدع مجال للشك، بان العملية السياسية كذبة كبرى، فهي قائمة على المحاصصةالطائفية والمليشيات المسلحة، وليس كما يسمونها شراكة وطنية، وان الانتخابات ليست سوى عملية تزوير ومدخل للفاسدين، وليست طريقا لبناء نظام ديمقراطي في العراق، وان البرلمان وسيلة لشرعنة الفساد والفاسدين، وليس برلمانا لتشريع القوانين التي تخدم البلاد والعباد، وان القضاء اداة لمنح البراءة للقتلة والمجرمين، وليس لمحاسبتهم وانزال العقوبة بحقهم، وان الدستور وضع من اجل حماية السلطات الحاكمة، وليس من اجل تنظيم عمل الدولة ومؤسساتها بما يخدم مصلحة العراق وشعبه، وان المرجعيات الدينية اداة لمباركة كل هذا الخراب والتدمير، وليست اداة لاصلاح المجتمع وتشجيعه على التمسك بالقيم والاخلاق ونبذ الرذيلة، بالمقابل، فان المعارضة داخل البرلمان، سواء كانت ممثلة بمقتدى الصدر وتياره، او تحالف سائرون او غيرهم من القادمين الجدد، خديعة وضيعة ونصب واحتيال. فقد اثبتت الوقائع بان مقتدى الصدر وسائرون واتباعهم هم لا يقلون حرصا من غيرهم على حماية العملية السياسية من السقوط بسبب ما جنوه من شهرة وسلطة ومال، وهذا يعني في نهاية المطاف ان صفحات مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا لم تطو بعد، وبالتالي لا طريق للخلاص من المحنة، قبل الخلاص من هذه العملية السياسية، ولا طريق لتحقيق ذلك سوى طريق الانتفاضات الشعبية واستخدام الامكانات المتاحة كافة، بما فيها حق الدفاع عن النفس بالوسائل المسلحة، واية مراهنة اخرى لتحقيق ذلك الهدف المشروع مراهنة فاشلة قطعا.
عوني القلمجي
8/9/2019
3058 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع