بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... السادسة والتسعون
جارنا الهندي
حدثتنا جدتي في هذه الليلة عن كيد النساء، بعد ما وقع أبو البنات بمصيبة كبيرة مع زوجته أم البنات، التي أنجبت تسع بنات متتاليات، اتهمت زوجها أنه مريض وغير قادر على إنجاب البنين، ووقع شجار بينهما تدخلت جدتي لحل المشكلة، تقول جدتي عن كيد النساء: جاءت امرأة الى مجلس لتجمع التجار، الذين يأتون من كل مكان لوضع وتسويق بضائعهم وهي استراحة لهم. أشارت بيدها لأحدهم وطلب منه الحديث على انفراد قام التاجر إليها ولما قرب منها قال: خيرا إن شاء الله.
قالت: أريد خدمة والذي يخدمني سأعطيه عشرين دينار.
سألها باستغراب: ماهي نوع الخدمة؟
أجابت بحيلة ودهاء: زوجي ذهب الى الجهاد منذ عشر سنوات ولم يرجع ولم يأتي خبر عنه.
رفع التاجر يداه للسماء يدعو لها: الله يرجعه بالسلامة إن شاء الله.
قالت بذكاء وحيلة: أريد أحد أن يذهب معي للقاضي ويقول أنا زوجها ثم يطلقني، فاني أريد أن أعيش مثل النساء. وافق الرجل أن يذهب معها الى القاضي وقفوا أمامه.
قالت المرأة: يا حضرة القاضي هذا زوجي الغائب عني منذ عشر سنوات والان يريد أن يطلقني.
سأله القاضي: هل أنت زوجها؟ وتريد أن تطلقها.
أجاب الرجل: نعم.
سأل القاضي المرأة: وهل أنتِ راضية بالطلاق؟
أجابت المرأة: نعم يا حضرة القاضي.
طلب القاضي من الرجل أن يطلقها ووافق الرجل وحلف يمين الطلاق.
قالت المرأة للقاضي بدهاء ومكر: يا حضرة القاضي رجل غاب عني عشر سنوات ولم ينفق عليَّ، ولم يهتم بي اردي نفقة عشر سنوات ونفقة الطلاق.
سأل القاضي الرجل: لماذا تركتها ولم تنفق عليها؟
احتار الرجل بالرد ووقع في الفخ الذي نصبته المرأة، يحدث نفسه لقد أوقعتني بمشكلة ولا يمكنني الخروج منها، يكلم نفسه لو أنكرت لجلدوني وسجنوني، إذا قلت له كنت مشغولا ولا أستطيع الوصول إليها لن يصدق، لا حل لي غير حكم القاضي. وامري لله.
صرخ القاضي بصوت عالي: لماذا لا ترد على سؤالي أنتَ مذنب ادفع لها ألفين دينار نفقة.
ثم انصرفوا وأخذت المرأة الألفين دينار وأعطته عشرين دينار، التاجر أراد فعل يظنه خيرا، ولكنه وقع في
مشكلة لا يستطيع أن يبوح بشيء، والا السياط نزلت بظهره وسمعته بين التجار أيضا تسقط.
نعود لحكايتنا اليومية: كان يا ما كان في قديم الزمان، كان رجل يعيش مع ابنته اسمها ريم في كوخ صغير فقير، كانت الفتاة صبية جميلة مطيعة تخدم والدها وترعاه وكان جارهم الهندي صاحب دين وأخلاق. عندما حان وقت الحج قرّر الرجل أن يذهب إلى الحج، فجهّز أغراضه، وذهب إلى جاره الهندي وأخبره بعزمه، وأوصاه أن يعتني بابنته، ويرعاها خلال فترة غيابه، طمأنه الجار وقال له: تروح وترجع بالسلامة وابنتك ستكون في عيني وحمايتي حتى ترجع. سافر الرجل إلى الحج مرتاح البال.
أما ريم بعد سفر والدها كانت تعمل في البيت طول النهار، تمسح وتكنّس وتنظّف وتشطف، وتغزل الصوف وإذا احتاجت أي شيء، تذهب إلى جارها الهندي وتطلب منه ما تريد، فيلبي طلبها برحابة صدر، وكان جارهم يمرّ عليها كل يوم ليطمئن عليها، ويؤمّن لها كل حاجاتها.
في أحد الأيام مر من أمام بيت ريم عفريت أسود، فشاهد الصبية وعرف أنها وحيدة في البيت، فطمع بها وأراد أن يخطفها فعمل نفسه شحّاذاً، وطرق بابها وطلب منها بعض الطعام, فدخلت لتجلب له الطعام, فدخل وراءها وأغلق الباب وتأكد من عدم وجود أحد معها، فكشف عن نواياه وطلب منها أن ترتدي ثيابها، وتلم حوائجها لتذهب معه، فرفضت ومانعت لكنه أجبرها وهدّدها بالقتل، فكرت أن تحتال عليه، وكان على الجدار دفّ يستخدمه أبوها في الحفلات والموالد، قالت للعفريت: قبل أن أذهب معك أحب أن أرقص، وأغني للمرة الأخيرة وأودع البيت، وافق على طلبها وأعطته الدف وصار يدقّ لها وهي ترقص وتغني:
(يا جارنا الهندي، عندي وما عندي، عندي عبيد أسود، يريد يأكلني).
كان بين بيتها وبيت جارهم جدار، سمع جارهم صوت الدق والغناء من بيت جارهم، استغرب الأمر، وأنصت قليلاً وفهم معنى الغناء، أخذ سيفه وتسلّل إلى بيت جارهم، فرأى الغول يدقّ في الدف والصبية ترقص وتغني، غافل الهندي العفريت وضربه وقطع رأسه، وتدحرج على الأرض حتى خرج من البيت وذهب بعيداً. هنأ الهندي جارته على سلامتها، وأوصاها أن تكون حذرة ولا تدخل غريباً إلى البيت.
أما رأس الغول بقي يتدحرج إلى أن وصل إلى مغارة الغيلان، رأته أمه الغولة الكبيرة، غضبت وقررت أن تنتقم من قاتله، فلبست ثياب امرأة وحملت سلة من القصب فيه أساور، وعقوداً وأمشاطاً ولوازم الزينة، وصارت تدور في الشوارع، وتنادي على بضاعتها، وكأنها تبيع كل قطعة بحكاية غريبة، حتى وصلت إلى أمام بيت ريم، فنادتها لتشتري منها، فأعطتها كل ما تريد، لكنها طلبت منها أن تحكي لها حكاية غريبة مقابل القطعة، فكرت ريم وبدأت تحكي لها قصة ذهاب والدها إلى الحج ومجيء العفريت، ومحاولة خطفها حتى جاء
جارهم وقتله، وتدحرج رأسه في البرية. عرفت الغولة غريمها فتظاهرت بأن الحكاية أعجبتها، وأعطتها مزيداً من الأغراض، وسألتها عن اسمها وعن عائلتها وحياتها، فحكت لها ريم كل شيء، ثم تركتها الغولة وعادت فأخبرت أولادها.
في اليوم التالي لبست الغولة وتزيّت بزيّ عمة ريم، التي تسكن في قرية بعيدة، لم ترها منذ سنين طويلة، وجاءت باب بيت ريم وطرقت الباب، فتحت لها، وادعت أنها عمتها وسلّمت عليها بحرارة، رحبت بها ريم وفرحت بزيارتها، جلست تطمئن على أحوالها، قالت لها الغولة: ما دام أخي في الحج، ستذهبين معي وتبقين عندنا حتى يعود أخي من الحج نعود معاً، وافقت ريم وذهبت إلى جارهم الهندي وأخبرته بالأمر، ثم جمعت أغراضها وخرجت مع عمتها.
في الطريق قالت لها الغولة: سنمرّ على مغارة قريبة نرتاح فيها قليلاً ثم نتابع طريقنا وعندما وصلت باب المغارة دفعتها الغولة وأدخلتها بعنف، عرفت ريم أنها وقعت في فخ نصبته لها الغولة، وربطتها الغولة وأولادها إلى عمود وسط المغارة، وصاروا يعذبونها ويضربونها حتى أدموا جسدها، وهي تصيح وتستريح ولا أحد يسمعها أو ينجدها.
وفي الصباح ذهب الجميع ليجمعوا الحطب، ويحرقوها ويأكلوها، وبقيت الغولة الصغيرة الغبية لتحرسها، ضحكت عليها ريم وعرضت عليها أن تعطيها ملابسها الجديدة، وتأخذ هي ملابس الغولة المهترئة، فوافقت الغولة وفكتها وبدّلت الملابس معها ثم احتالت عليها وربطتها في العمود وركضت هاربة بأقصى سرعتها، وبعد مسافة طويلة شاهدت راعياً يرعى غنمه في البرية، فاستجارت به وحكت له قصتها، فكّر الراعي قليلاً ثم ألبسها فروته بالمقلوب، ووضعها بين الأغنام، وكان لديه كلب جارح وضعه في كيس وأغلقه عليه.
بعد ساعة وصلت الغولة وهي تركض لاهثة تبحث عن ريم، فسألت الراعي: إن كان رأى فتاة صفاتها كذا وكذا، وادعت أنها ابنة أختها فرّت من البيت وتريد أن تعيدها لأمها. فأجابها: نعم أتت فتاة إليَّ وقد أمسكت بها ووضعتها في الكيس، وأشار إليها إلى مكانه، فركضت الغولة مسرعة فرحة إلى الكيس وفتحته، فهجم عليها الكلب وقضم رقبتها فماتت في الحال.
شكرت ريم الراعي وعادت إلى البيت، وكان والدها قد عاد من الحج، وافتقدها وحزن عليها، ومرض من البحث عنها دون جدوى، بعد أن سمع بقصتها، فرح برؤيتها وردّت له روحه وعافيته، وجاء جارهم الهندي وسلم على الفتاة وهنأها بالسلامة، وجلس الجميع يحتفلون بنجاتها، وحكت لهم ريم قصتها مع الغولة، وعاشوا بالفرح والنعيم وطيب الله عيش السامعين.
2235 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع