مسلة بيل-حران- بيل - اوصر الآشوري

                                                 

                      د.صلاح رشيد الصالحي

مسلة بيل-حران-بيل-اوصر الآشوري عمل بمنصب (nâgir êkalli)

                      

     شكل مسلة بيل-حران-بيل-اوصر في حالة صلاة أمام رموز الآلهة

كان الباحث الأب (Vincent Scheil) (1858-1940) قد درس علم المصريات والاشوريات في كلية الدراسات العليا في باريس، وشارك في التنقيبات الاثرية في طيبة (الأقصر) بمصر، كما كان عضو في التنقيبات الاثرية بالقرب من بغداد للمتحف الامبراطوري العثماني، وكلف بصياغة كتاب حول الاثار الآشورية، والكلدية، والمصرية في متحف اسطنبول، وألف كتاب بعنوان (une saiaon de fouilles a Sippar) وقدم فيه وصف لرحلته إلى الموصل (1894) ومشاهدته المسلة الرخامية لـ(بيل-حران-بيل-اوصر) (Bêl-Harran-bêl-uşur) فقد ذكر في صفحة (15) في كتابه ما يلي: (رحلت من آلتون كوبري إلى أربيل، ولم اكن سعيدا بسبب مشاق الطريق، ولكن بعد اجتياز نهر الزاب الكبير أخبرني قائد العبارة النهرية أنه شاهد في الموصل تمثال امرأة تعود لعصور قديمة وعليها نقش طويل، عندها كان عبوري الزاب الكبير فيه فرحة ورغبة في الوصول إلى الموصل، فانطلقت القافلة بأسرع ما يمكن من أربيل إلى برطلة (Bartelli.)، وبعدها أخذنا طريق (Ghazir)، وبعد أن أخذنا استراحة لمدة ساعة في (Terdjellah) هناك أشار لي اثنان من تجار الموصل بوجود شظايا ثيران مجنحة ولكنها كانت بحالة سيئة وعليها نقوش بارزة اكتشفت خلال موسم الحصاد، وهذه الثيران تشبه إلى حد ما الثيران المعروفة في موقع خورسباد (دور شروكين) عاصمة سرجون الثاني الذي نقب فيها الفرنسي بوتا (Botta) (1843)، وبعدها وصلنا الموصل في الساعة الثامنة صباحا، وسبق لي زيارة الموصل قبل ثلاثة عشر عاما، والتقيت بأخي الأب سيبلاست (Séblast) الذي كان يقدم خدمات كثيرة للآشوريين، وفي نفس يوم وصولي، ذهبنا لزيارة (عزيز باشا) الحاكم العثماني للموصل، الذي شملنا برحمته وطيبته، وهناك شاهدنا المسلة الرخامية لـ(بيل-حران-بيل-اوصر) وكان يعتقد انها تعود لخادمة تعمل لدى تجلاتبليزر الثاني الملك الاشوري، أو للملكة سمو-رامات (المعروفة باسم سميراميس عند الكتاب الاغريق) وهي (زوجة شمشي-ادد الخامس (823-811) ق.م) لأن الشكل كان بدون لحية وذو شعر طويل، وقد نقلت المسلة فيما بعد إلى إسطنبول حيث وصلت هناك بسلام، وخلال وجودي بالموصل جاء الأهالي واخبروني بانهم عثروا في منطقة زنجرلي (Chinchi) بالقرب من خرسباد (Khorsabad) على كتلة رخامية رائعة عليها نقش، فذهبنا إلى هناك في منتصف شهر تموز، ولكن لسوء الحظ نقلت بالقارب إلى إسطنبول).
حمل صاحب المسلة الرخامية اسم (بيل-حران-بيل-اوصر) وهو أسم بابلي، فاسم بيل يعطي معنى (السيد) وهذه التسمية هي وصف للإله مردوخ، وعند قلب اسم بيل إلى الإله بعل بقلب حرف (ي) إلى (ع) يعطي معنى (السيد) أيضا، وكذلك من بيل إلى الإله هبل بقلب حرف (ب) إلى حرف (هـ) فالمعنى نفسه (السيد)، والمعروف عن اللغة السامية بانها كثيرا ما يتم قلب الحروف لدى الشعوب في المنطقة الناطقين بها، ولكن أسم بيل يقصد به أحد الصفات التي تطلق على الإله مردوخ كبير آلهة بابل، فيصبح الشطر الأول من الاسم بيل-حران (مردوخ إله حران) علما ان إله مدينة حران هو سين (إله القمر)، اما الشطر الثاني من الاسم بيل-اوصر فهو (يحميني الإله مردوخ)، نستنتج من هذا:
1-ان أصل بيل-حران-بيل-اوصر بابلي، عاش في آشور، واكتسب الثقافة الاشورية، وتدرج في المناصب الحكومية، مثل بيل-ابني (Bēl-ibni) (703-700) ق.م ملك بابل، كان أحد نبلاء بابل، وتعلم في البلاط الاشوري، واستنادا إلى قول الملك سنحاريب الاشوري (705-681) ق.م) فأن بيل-ابني (نشأ مثل جرو في قصري).
2-قد يكون آشوريا يعتنق عبادة مردوخ، ويحب الثقافة البابلية، ونحن نعرف وجود حزب موالي لبابل في البلاط الاشوري، وكان يشكل جبهة معارضة أمام الحزب الاشوري المتصلب الذي يعتنق عبادة الإله آشور دون غيره من الآلهة، وقد وصل الأمر إلى زواج ملوك آشور بسيدات بابليات رغبة منهم بتوحيد المنطقتين الشمالية (آشور) والجنوبية (بابل)، وتقليل حدة الصراع داخل القصر الملكي.
على أية حال شغل بيل-حران-بيل-اوصر منصب مسؤول رفيع المستوى في القصر الملكي الاشوري ربما (حاجب الملك) بمعنى (الشخص الذي يحمل ويقرأ الرسائل والإشعارات المهمة للملك، وحتى تبليغ المراسيم الجديدة أو استقبال الشخصيات المتنفذة لمقابلة الملك الاشوري)، ومحتمل أحتل منصب (nâgir êkalli) المسؤول العالي في القصر، عموما كان شخصية متنفذة فقد أطلق اسمه على سنة (741) ق.م أو ما يعرف (ليمو) (سابقا يعطى لكل سنة اسم شخصية سواء كان من النبلاء أو قادة الجيش...الخ)، وقد شغل منصبه في عهد الملكين الآشوريين شلمانصر الرابع (782-773) ق.م، وتجلاتبليزر الثالث (744-727) ق.م، كما عين حاكم مدينة كوزانا (حران) وتقع في الفرات الاعلى، كما شيد مدينة جديدة أطلق عليها (دور بيل-حران-بيل-أوصر) وكلمة دور(Dūr) تعني (الحصن)، كما بنى معبد كبير إلى الغرب من نينوى، وفي لوحة عليها نقش مسماري اكتشفت شمال الحضر ظهر اسمه قبل اسم الملك! مما يدل على أن قوته في المنطقة كانت أكبر من سلطة الملك، على العموم المسلة أعلاه اكتشفت في تل عبدة (Tel Abda) بالموصل، ويلاحظ فيها وقوف (بيل-حران-بيل-أوصر) بشعره الطويل الذي ينزل على كتفه وهو بدون لحية (لذا اعتقد في البداية كما ذكرت انها امرأة وليست رجل، ربما هو خصي ملكي، فمن وجهة نظر الباحث (Watanabe) بان شا-ريش ša rēši)) (بمعنى الخصي) يتم تصويرهم بدون لحى وبأجسام ممتلئة)، على العموم يرتدي ملابس آشورية طويلة تصل إلى قدميه الحافيتين، وهو يصلي أمام رموز الآلهة وهم: قرص الشمس المجنحة ترمز للإله آشور إله الدولة الاشورية، ويليه رمز الهلال وهو الإله سين (إله القمر)، أما النجمة ذات ثمانية شعائيات فهي ترمز الإلهة عشتار، باقي الرموز توضع في المعابد عند اجراء الطقوس الدينية، وتضم المسلة نص مسماري طويل ذكر فيه اسمه، وأشاد بعمله، ومناصبه، وعبادته، وحبه للآلهة العظام، وتفانيه في خدمة ملوك آشور، ولم ينسى في الأخير ذكر اللعنات على من يحرف أو يكسر أو يزيل مسلته، هذه التحفة الاثرية لم تنفع لعنات صاحبها فقد نقلت من مكانها وهي الان من مقتنيات متحف إسطنبول الأثري.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

897 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع