مصطفى محمد غريب
حرب الخليج القادمة الخسارة والربح
كانت الحروب على امتداد التاريخ البشري الداء الذي لا يفتك بالبشر فحسب بل في كل ما أنتجهُ وبناه البشر من تقدم صناعي وتكنولوجي واقتصادي وثقافي واجتماعي وأخلاقي ، وعلى الرغم من اختلاف أهدافها عبر التاريخ البشري منذ العبودية والبربرية مروراً بالتشكيلات الاجتماعية، فان الحرب في زمن الرأسمالية طور جديد ورؤيا قاعدتها الاقتصادية طبقية أيضاً هي أبشع مأساة حلت لأنها حملت آليات للموت جديدة ومتطورة تختلف عما سبقتها ومن بينها أسلحة الدمار الشامل، " وهورشيما وناكازاكي والأسلحة الكيمياوية" في اليابان وغيرها دليل لا يمكن دحضه أو تنساه الإنسانية حتى يوم القيامة كما يقال!، مع العلم أن البشر هم من اخترعوها واستعملوها في عهد الراسمالية الأمريكية وبأمر من الرئيس الأمريكي الأسبق هاري تورمان، "لن نتحدث عن النتائج والمشاكل المستعصية والآثار الكارثية التي خلفتها القنبلتين فما كتب عنها وما زال أطنان من الكتب والورق والأفلام المصورة وغيرهم". واستمرت رحى الحرب بقيادة الولايات المتحدة تتنوع وتنتقل من مكان إلى آخر، وعلى ما يظهر أن الحرب الذي وعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي بالمعنى الصريح لا تختلف إلا بشكل جزئي عن الحروب السابقة، حرب الضغط والحصار الاقتصادي وصولاً للحرب العسكرية المشفرة حسب توقيتات وحسابات وزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأمريكية،
ومثلما حدث لأي حرب شنتها على الرغم من اختلاف الزمن والطريقة فان الإدارة الأمريكية يبقى لها هدف محدد واحد في كل الأحوال وهو انطلاقاً للحفاظ على المصالح الآنية التي ممكن التكتيك فيها ومصالحها الثابتة التي تعتبر خطها الأحمر لا يمكن التنازل أو المساومة حولها وتفعل المستحيل للكيل بمكيالين فتغض النظر عن القوى والحكومات السائرة في ركابها لا بل تعمل بجهدٍ لتبرير الجرائم والمواقف المضادة بما فيها خرق حقوق الإنسان والتجاوز على الحريات وإلغاء أي متنفس صغير للديمقراطية، وتقف بالضد بشكل مكشوف ضد البعض من الدول التي تتناقض سياستها مع المصالح الثابتة للولايات المتحدة الأمريكية، أذن كما معروف للجميع أن سياسة الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى الاحتكارية تجاه ضوابط السوق والمصالح المتبادلة في داخل كل دولة على حدة والمصالح العامة التي تجمع هذه الدول في دائرتها الاستغلالية لنهب وسرقة البلدان الضعيفة بجانب استغلالها شغيلة اليد والفكر داخل بلدانها ، فالاستغلال هو الاستغلال لا يمكن تبريره بشيء آخر، داخلياً من خلال إخضاع شغيلة اليد والفكر وسرقة قوة عملهم وفكرهم ثم التوجه للهيمنة على الأسواق والصراع حولها بين أقطاب الراسمالية التي لا تتوانى من إشعال حرب ضروس مع الدول الأخرى، ولنا مثال حسن في الحرب العالمية الأولى ثم الحروب التي شنتها على دول عديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ، وما زالت الذكرى طرية في حروب إسرائيل على الشعب الفلسطيني والدول العربية ( وهذا لا يعفي دور الحكام الذين هم في دائرة الإدارة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما ) كما أمامنا الاحتلال على نطاق الدول العربية والتقاسم الذي اغتنمت منه بريطانيا وفرنسا ثم ايطاليا ولحقهم في الركب الولايات المتحدة الأمريكية وحروبها الكارثية التي شنتها تحت حجج غير مقنعة حتى لحلفائها على الدول وهيمنتها على اقتصادياتها الوطنية.
من هذه الناحية كنا قد حذرنا النظام العراقي الدكتاتوري السابق من كارثة الحرب ونتائجها التي كانت تعدها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حتى ضد المجتمع الدولي، ونرى الآن نتائج احتلال العراق وتدخلات الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لكثير من دول المنطقة، ومن النتائج المأساوية ما دفعه العراق من أموال تعد بالمليارات للذين تضرروا نتيجة سياسة حكومته السابق ومازال يدفع مثلاً للكويت بسبب الحرب والاحتلال الذي تعرضت له الكويت في زمن الدكتاتوري صدام حسين، ذكرت البعض من المصادر أن لجنة الأمم المتحدة دفعت تعويضات لشركة " البترول الوطنية الكويتية مبلغاً وقدره 270 مليون دولار" وهناك حوالي ( 100 طلب تعويضات قدمتها البعض من الحكومات والمنظمات الدولية، وتؤكد المصادر" ما زال يتعين دفع حوالي 3.7 مليار دولار من مطالبتها البالغة 14.7 مليار دولار عن خسائر إنتاج النفط والمبيعات الناتجة" عن أضرار حرب الخليج واحتلال الكويت وتعتبر لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، مسؤولة عن طلبات التعويض النابعة من غزو العراق للكويت 1990 -1991 " هذا جزء يسير من نتائج البعض من الحروب، أما الحقائق والديون والتعويضات فهي اكبر وأوسع مما يتصوره المرء وكلفت العراق ومازالت تكلف الكثير والتي تدفع من خيرات وثروات الشعب الذي يعاني من الفقر وتدمير البنى التحتية والدولة ومن مخلفات النظام السابق والحالي والحروب الداخلية والخارجية السابقة وحروب التدخل والإرهاب " القاعدة وداعش "والميليشيات المسلحة الطائفية وتبعيتها الخارجية ومرتزقة الفساد الذين يعششون في أجهزة الدولة.
إن الخلافات والتهديدات التي ظلت تتراوح بين الولايات المتحدة وحكام إيران مستمرة منذ فترة وهي تتصاعد حيناً وتخف حيناً، ونعرف مدى جدية التهديدات بشن الحرب على الرغم من كل شيء وعلى الرغم من الهدوء النسبي الخاضع للحسابات عن الربح والخسارة، فشرارة الحرب أي حرب تبدأ من القدحة الصغيرة جداً لتحويلها إلى لهيب يحرق الأخضر واليابس، بخاصة نحن نتابع ما يجري في مياه مضيق هرمز والتحشيد العسكري الأمريكي والبريطاني ، وسلوك حكام طهران وكأنهم يسعون لاندلاع الحرب بينما العالم اجمع ينتظر ما ستؤول إليها الأوضاع بعد احتجاز الناقلات النفطية وأخرها " ناقلة نفط تحمل علم المملكة المتحدة!!" واشرنا والقوى الخيرة في العالم أن يترك حكام إيران النهج والسلوك العدواني خوفاً على شعوب المنطقة وفي مقدمتهم الشعب الإيراني الذي سوف يدفع الثمن باهظاً، وليأخذ من العراق وشعبه خير برهان ، وتتولى الإحداث بإعلان من الجانبين حول إسقاط طائرات مسيرة في منطقة الخليج وصرح مؤخراً الجنرال كنييث قائد القيادة الأمريكية الوسطي بأن سفينة حربية أمريكية "ربما أسقطت طائرتين إيرانيتين مسيرتين في منطقة الخليج الأسبوع الماضي" وهناك تصريحات عسكرية إيرانية حول إسقاط طائرة أمريكية مسيرة، وازدحم الخليج العربي بعشرات البارجات وحاملات الطائرات والسفن الحربية الأخرى ، إنها مظاهر الحرب التي تذكر شعوب المنطقة والعالم بالحروب التي اندلعت في الخليج منذ الحرب العراقية الإيرانية ، حكام إيران يتصورون أن الحرب نزهة أو هم يحاولون خداع الشعوب الإيرانية بأنهم " المنتصرون في الحرب " على أمريكا وحلفائها بذلك يلعبون لعبة اخطر ما فيها وقف تدفق النفط من مضيق هرمز وحاولوا التعرض لأنبوب النفط السعودي في أيار السابق، وأشارت البعض من الصحف الأمريكية بان الهجمات مصدرها العراق بينما كان الظن يتجه للحوثيين في اليمن والذين هم حلفاء إيران" وقالت "وول ستريت جورنال"، في موقعها الإلكتروني، إن مسؤولين أمريكيين (لم تسمهم) خلصوا إلى أن الهجمات بطائرات مسيرة على صناعة النفط السعودية في مايو/ أيار الماضي، كان مصدرها العراق وليس اليمن" وهو اتهام خطر لجر العراق لساحة الحرب من جديد، ثم إشعال حرب شرق أوسطية لا يمكن استبعاد إسرائيل من الخوض فيها بحجة البرنامج النووي الإيراني والادعاء بالإرهاب الفلسطيني، وحزب الله اللبناني والميليشيات الأخرى التابعة لإيران والخاضعة لأوامرها . بينما نلاحظ طريقة معالجة موضوعة التهدئة لحل الخلافات أخذت منحاً تصاعدياً في خطف ناقلات النفط للوي الأذرع وإدخال أكثر من طرف دولي في لعبة التهديد بالحرب ليس على نطاق إيران فحسب إنما على نطاق المنطقة، وحسب تهديدات إيران بقصف المنشآت والآبار النفطية ومحطات تنقية مياه البحر ومنشآت شتى بحجة ضرب المصالح الأمريكية، وهذا التهديد إن نفذ فهو يعني إدخال دول المنطقة في أتون حرب واسعة وتدخل أطراف عديدة بينما حكام طهران أو الإدارة الأمريكية بمنأى عن النتائج المأساوية وسيكون المتضرر الأساسي شعوب المنطقة بجميع فئاتهم الطبقية والمكونات القومية والدينية والعرقية، ودائماً يبحث قادة إيران على الرغم من عنجهيتهم الفارغة عن سبل للتخلص من المأزق بينما الإدارة الأمريكية وحلفائها يتبنون طرق للتهديد والحصار الاقتصادي الذي هو عقاب بربري لا إنساني ضد الشعب وليس بالضد من الحكام، وبالتالي في جانب ثاني حكام طهران يبحثون عن سبل لنجاتهم وكراسيهم، وليس اعتباطاً تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن إيران " مستعدة لتبادل الناقلات مع بريطانيا وإجراء محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامج بلاده النووي والعقوبات" ثم يعقب حسب موقعه الرسمي " لا نرید استمرار التوتر مع بعض البلدان الأوروبية".
نعتقد أن التوجه لحل المشكلة عن طريق الحوار والعودة لطاولة المفاوضات هو السبيل الأفضل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وغلق السبل أمام قيام حرب في الخليج كما هو في السابق، ويذكرنا تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة 19/ 7/ 2019 "أنا لست في عجلة، جيشنا أعيد بناؤه، وجديد، وعلى استعداد للذهاب، وهو الأفضل في العالم إلى حد بعيد" وكما أعلن انه قبل عشرة دقائق من التنفيذ أوقف قرار بضرب مواقع في إيران وعلى حد قوله أضاف: "قبل 10 دقائق من توجيه الضربة أوقفتها".
إن مجمل ما يدور من تداعيات حول العمل العسكري تؤشر على الصعوبة في الإنجاز وبدون خسائر بشرية هائلة فهو هراء!!، قد لا تحسب من قبل حكام طهران أو المغامرين منهم ولهذا نجد أن الولايات المتحدة اتبعت طريق الحصار الاقتصادي الشديد ونحن والعالم بما فيهم شعوب المنطقة لنا تجربة فريدة حول الحصار الاقتصادي وعلى علم بالوضع الاقتصادي الصعب لإيران، ولهذا ستكون الخسائر تدريجياً كارثية ولن يكون هناك طرف رابح وبخاصة الشعب الإيراني الصديق الذي يعد له جهنم وما فيها من مصائب، ما عدا القوى الاستغلالية والدول الراسمالية التي تتصارع من اجل الربح وستكون الرابح الأكبر بينما سيدفع الشعب الإيراني الثمن بدون أن يمس طرف حكامه بقيد أنملة لان مؤشرات الأموال التي جنيت وهربت إلى خارج إيران تضاهي الأموال العراقية التي هربت قبل السقوط والاحتلال ، لا بد باستخدام العقل والذهاب إلى منطق الحوار والتفاوض وإنهاء التدخل في شؤون الغير والحد من انتشار السلاح النووي وبخاصة البرنامج النووي الإيراني الذي يهدف إلى تصنيع القنبلة النووية( بينما الشعب الإيراني يموت من الفقر والإملاق !!) لغرض الاستخدام وليس المباهاة بالامتلاك.. وننتظر أي عاقل وعقل حكيم يفوت الفرصة وليس كما كان حكام النظام العراقي السابق وعلى رأسهم صدام حسين الذي دفع البلاد إلى هذا الذي نراه من مأساة شاملة.
1998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع