بيلسان قيصر
هل هي فوضى سياسية او لعبة دبلوماسية؟
لدينا في العراق مثل يقول (واحد يرفع وواحد يكبس) في اشارة الى الأقوال المتضاربة التي تصدر من أصحاب قضية واحدة أو بيت واحد فصاعادا. تصريحات المسؤولين الايرانيين تظهر للعيان كأنها صادرة من دولة طوائف. كل مسؤول ايراني يتحدث كما يحلو له ولا يعير أي إهتمام لرأي غيره، ويجعلوا المقابل لا يفهم ما هو الموقف الصحيح للحكومة، لأنه هناك ازدواجية في المواقف، وجميع من يصرح هو مسؤول حكومي بارز او مرجع ديني كبير او قائد في الحرس الثوري الايراني.
انا برأئي المتواضع أظن ان هذه السياسة (اللعب على الحبلين) من قبل النظام الايراني هي سياسية مقصودة لأنها توفر امكانية التنصل والتهرب من المسؤولية على اعتبار ان من أطلقها لا يعبر عن رأي الحكومة، وان كان مسؤول حكومي تذرعوا بأنه لا يمثل رأي الرئيس روحاني، وام كان الرئيس روحاني نفسه قالوا انه لا يمثل رئيس البرلمان، وان كان رئيس البرلمان قالوا انه لا يمثل رأي المرشد الأعلى الخامنئي، وهذا يعني ان سماحة المرشد الأعلى الذي يحصر بيده كل قدرات ومقومات الدولة لا يختلف عن عتاة الطغاة في التأريخ، فهو دكتاتور مطلق لا يمكن لأحد ان يناقشه في مسألة ما، حتى الله تعالى تحاور وتناقش مع الملائكة عندما خلق آدم، لكن المرجع الأعلى لا يحاوره ولا يناقشه أحد فاوامرة وتوجيهاته مطلقة مصدرها الإمام الغائب. وهم يدعون (كما ذكر آية الله جنتي) أن الخامنئي يتصل بالإمام الغائب عبر الموبايل ويستمد الأوامر منه! لكن والحق يقال لم يحددوا الشبكة واية شركة للإتصالات يشترك بها الإمامين الحاضر والغائب.
المهم اعزائي القراء ان هذه التصريحات المتعارضة في إطار السياسة الدولية لا تعتبر دبلوماسية ذكية او مناورة سياسية، بل العكس فهي عبارة عن دبلوماسية التخبط والفوضى غير الخلاقة.
في الولايات المتحدة و الدول الغربية واللاتينية وهنا في البرازيل حيث أعيش حاليا، لا توجد تصريحات رسمية متعارضة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فرئيس الدولة والحكومة والوزراء كل عنده ناطق يعبر عما توجهات مرجعه السياسي الأعلى، والسياسة الخارجية موحدة ومحصورة بوزير الخارجية فقط، وليس من حق اي وزير ان يصرح بأمر يتعلق بالسياسة الدولية دون الرجوع لوزارة الخارجية، اذ يمكنه ان يفاتح وزارة الخارجية برأية في قضية ما، والوزارة تتخذ الإجراءات المناسبة بصددها.
ولو رجع المرء الى التصريحات الايرانية بعد فرض الحزمة الأخيرة من العقوبات الامريكية لوجد العجب العجاب، مسؤول يُصعد وآخر يُهدأ، واحد يرفض الحوار مع الشيطان الأكبر وآخر يريد الحوار، على أساس كلاهما شيطانيين ويسهل التفاهم بين الشياطين، مسئول يرعد ويهدد وآخر حتى يخرج الزبد من فمه، وآخر يتورد وجهه خجلا من التخوف مما لا يحمد عقباه لو حصل عدوان امريكي. هناك من يعمل تحت الطاولة وآخر يعمل فوق الطاولة وهلم جرا.
خذ عزيزي القارئ مثال حول هذه الفوضى. فقد صرج رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الايراني" يجب على ايران التفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية"، واقترح مكانين للتفاوض هما الدوحة وبغداد.
في حين ذكر وزير الخارجية الايراني جواد ظريف" من المستحيل إقامة مفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية". وهذا هو رأي سماحة المرشد الأعلى الذي رفض تسلم رسالة الرئيس ترامب خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني لطهران.
الطريف في القضية انهم نقلوا هذه الممارسات الفوضوية لرجالهم في العراق، المسؤولون لاسيما في الحشد الشعبي يصدرون تصريحات متضاربة البعض منها ضد رئيس الوزراء الذي جاء بإرادتهم وإرادة سماحة الولي الفقيه في ايران ونظيره سماحة المرجع السيستاني في النجف، فمثال على ذلك عندما صرح حيدر العبادي وهو الذي شرعن الحشد الشعبي بدمج الحشد الشعبي مع القوات المسلحة كقانون ارسله الى مجلس النواب وتم التصويت عليه بالقبول، لكن زعماء الحشد الشعبي رفضوا المبادرة على الرغم من وجودها في نصوص قانون الحشد الشعبي نفسه، وذكروا بكل وقاحة مقتدرية ان حلٌ الحشد مرتبط بموافقة الجنرال سليماني، والبعض الأقل تطرفا إدعوا ان الحل مرتبط بفتوى من سماحة المرجع علي السيستاني، علما ان سماحة المرجع السيستاني لم يصدر فتوى بتأسيس الحشد، وانما طالب العراقيين بدعم الجيش والشرطة من خلال الإنتماء لهما، وليس تشكيل هيئة مستقلة، لذا فهي ليست فتوى لتحتاج الى فتوى تلغيها، بل كانت دعوة للجهاد، وانتهى مفعول الفتوى (الاكسباير) بأنتصار قوات التحالف والجيش والشرطة الاتحادية والبيشمركة وقوات الحشد على التنظيم الارهابي المقزز ، على كل حال خضع العبادي لإرادة الحشد ولم يتمكن من حله أو دمجه. وهذا ما يحاول رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي العمل عليه في أمره الديواني الأخير، لكن كما يقوم المثل (لا تكول سمسم إذا ما تلهم). الشهر القادم ستتوضح الحقائق.
رصاصة طائشة
يدعي رئيس الوزراء العراق انه القائد العام للقوات المسلحة وان الحشد الشعبي بإمرته، وأعلن ـ بعد اثبات ان الطائرة المسيرة التي ضرت المنشئات النفطية السعودية انطلقت من البصرة ـ بأنه لا يجوز لأي قوة عراقية أو اجنبية التحرك دون علمه، لكن ابو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد رفض امره بحجة انه لا يستطع ان يكبح مشاعر اتباعه في حال استهدف الامريكان ايران. كيف يرفض قائد في الحشد تنفيذ أمر القائد العام في القوات المسلحة؟ وما هي عقوبة عدم طاعة الأوامر في القانون العسكري؟ سؤال موجه للقائد الحازم القوي الشجاع.
بيلسان قيصر
البرازيل
تموز 2019
633 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع