ألمعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان
تزلجي على الثلج في جبال الألب والحادثة الخطيرة التي سببتها للمتزلجين على المنحدر
منتجع جولدينرغريف في كيتزبوهيل في جبال الألب في النمسا رأس السنة 1989
Goldener Grief Hotel Resort , kittzbuhel , Viennese Alps
بدأت الفكرة بلقاء صاحب الفندق في دبي / دولة الأمارات العربية المتحدة , حيث كنت برفقة المغفور له معالي السيد حمد بن حمود ألبوسعيدي وزير الديوان السلطاني , وعدد من أصدقاؤه المقربين في رحلة خاصة على متن طائرة خاصة تابعة للقصر السلطاني سنة 1989, وتم أستقبالنا على أرض المطار بدون المرور على مكتب الجوازات وخاصة وأنني كنت لا أزال أحمل الجواز العراقي , ولم يتم طمغ الجواز بالدخول , وفي اليوم الثاني من وصولنا تمت دعوة معالي السيد حمد للغذاء في بيت مدير مكتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي , وكان صاحب الفندق أحد المدعوين معنا , ويبدو أن الشيخ مدير مكتب الحاكم كان أحد مرتادي الفندق في العطل الشتوية مع زوجته البريطانية , وتمت دعوتي لزيارة الفندق والأستمتاع بجمال مدينة كيتزبوهيل الساحرة في جبال الألب والواقعة بين سالسبورغ و أينسبروك , وتعتبر بدون منازع أجمل مدن في النمسا . ولكنني كنت مترددا لقبول الدعوة لخوفي من التزلج وخطورته المعروفة وخاصة للمبتدئين من كبار السن , ولكنني دعوته بالمقابل ليكون ضيفي في الفندق الصغير الذي أملكه على ساحل البحر ( فندق شاطيء القرم) , وأبدى رغبته في زيارة سلطنة عمان و خاصة أن عدد من كبار الشخصيات العمانية سبق و أن أقامت في ذلك الفندق . وبعد عدة أيام قام بلأتصال بي من فندق أنتركونتيننتال في مسقط , وخاصة وأنه كان ينوي تسويق الفندق لعدد آخر من المسؤولين .
وبعد طرح الفكرة لزوجتي الأنكليزية مارجريت رحبوا بها وخاصة بناتي الأثنتين ( شونى و صوفي و أبني الصغير أيمن ) , وهكذا أنهينا متطلبات السفر بحصولي على الفيزا و حجز في الفندق لعشرة أيام لتشمل عيد الكريسماس وعيد رأس السنة معا . وفي الموعد المحدد وصلنا الى الفندق بتاكسي من مطار فيينا , وتم الترحيب بنا من قبل المالك شخصيا , وفي اليوم الثاني نزلنا الى قاعة الأستقبال , وتفاجأت بجلوس سمو السيد فهر بن تيمور ( عم سلطان عمان ) حيث كان مع زوجته الأسكتلندية وابنته الصغرى , ولقد سبق وان صممت مقر وزارة الدفاع في منطقة بيت الفلج , وكان يشغل منصب القائم بأعمال وزارة الدفاع و الأمن , وكان يفرح بلقائاتي المتعددة معه ليتذكر أيام دراسته الثانوية في بغداد , ورحب بي ترحيبا حارا , وتكرر لقائي معه في الفندق , لأنه كان يترك التزلج لزوجته وأبنته , ويستمتع بما يوفره الفندق من الراحة والأستجمام و النوادي الصحي و التجول في المدينة الساحرة والمتلألأة في أيام أعياد الكريسماس .
بدأنا بأخذ الترتيبات للتجهيز لعملية التزلج بأيجار المستلزمات من الملابس و الزحافات و الخوذ وغيرها من أحدى المحلات المخصصة لذلك , وتم الأستعانة بمدرب للتزلج وخاصة وأننا لم يسبق لنا القيام بتلك الهواية من قبل . تعلمت البنات وهن بعمر المراهقة وأيضا أيمن بعمر 6 أعوام , بسرعة بعد عدة ساعات من التدريب , ولكن زوجتي لم يكن لها الرغبة في التزلج , لذا كان علي التعلم بسرعة لكي نبدأ أول تجربة على منحدر بسيط , ولكي نبدأ في اليوم التالي مع بقية المتزلجين في الطابور .
وكانت توجد منحدرات للمبتدئين ومتوسطي الخبرة ومنحدرات المحترفين من أعلى الجبل , وبدأت أتزلج بحذربينما البنات و الصبي ذهبوا الى منحدر متوسطي الخبرة بعد عدة أيام , ولحسن الحظ كانت حذاء الجزمة مصمم للحفاظ على سلامة عظام القدم من الألتواء وهي أضعف منطقة معرضة للكسر في حالة الوقوع , ولذا بعد عدد من التقلبات هنا وهناك , خرجت بسلامة دون أن ينكسر لي أي عظم , ربما بعض الرضوض , ولقد كانت التدريبات الأولية قد ركزت على وضع الجسم و بحيث يكون منحني و الركبتان ملتويتان حسب الصور أعلاه , لكي يصبح الوزن كله الى الأمام والمرفقين منطويتين بحوالي 90 درجة , والأهم كيفية رفش الجسم يمينا و يسارا بوضع الزحافات متوازيتين , وللتوقف أو تقليل السرعة تشكيل الزحافات كحرف (8 بالعربي) كما هو موضح بالصورة أعلاه . وكانت الصعوبة في البداية اللحاق بالرافعات الفردية بحيث يكون الفرد في وضع التزلج ولوحة الرافعة المسيرة للأمام الى أعلى المنحدر ويمسك بها وتدفعه وهو على الزحافات ويترك الطابور عند وصوله للمرحلة التي يرغب بها وتبدأ من المبدئين و الى الأعلى للمراحل الأخرى . وفي مراحل أخرى يتم أخذ المقاعد المتحركة من محطات في أعلى المرتفعات ويجب القفز
منها عند الوصول الى المرحلة المطلوبة و لايمكن الأنتظار لأن المتزلج يجب أن يبدأ عملية التزلج مباشرة عند القفز وهو متهيأ والزحافات بوضعية مناسبة لبدأ العملية وألا يتدحرج على المنحدر ويتعرض للأصابة حسب طبيعة المنحدر , لأن نوعية الثلج على المنحدر له مصاعبه , فكلما كان الثلج ناعما كلما كان الوقوع أسلم , والأخطر هو الجليد , عندما لايسقط الثلج الجديد و لتجنب المخاطر للمتزلجين يتم الأستعانة بحافلات مخصصة لصناعة الثلج وتنشره بغزارة على المنحدرات بصورة مستمرة .
وحدث أن كنت مع أبني أيمن (6 سنوات من العمر) , على الكرسي المتنقل وقررنا البقاء حتى آخر نقطة عندما يبدأ المصعد بالرجوع ولايمكن البقاء عليه للعودة سوى التزلج الى أسفل المنحدرات , وكان هذا المسار تبدأ منه أصعب سباقات التزلج السنوية من قبل المحترفين لنيل جوائز عالمية ويسمى (هاهنينكام)
Hahnenkamm , World Cup Annual Ski Race, Kitzbuhel
Hanenkamm mountain 1700m above sea level
وعند الوصول الى نقطة اللارجعة , طلبت من أيمن أن يتهيأ للقفز , فقفز وبدأ رحلة التزلج بمهارة الى الأسفل , وبالرغم من ترددي بالقفزوأنا في رعب من تلك المجازفة الخطيرة التي كان لابد لي من خوضها لأنه لايمكن حتى الوقوف ولو لثوان فيها , وبدأت أجمع قواي العقلية و البدنية وأتزلج وألا سأبقى معلقا في قمة الجبل ونهاية لاتحمد عقباها , قفزت في آخر لحظة وبدأت بتنفيذ ما تعلمته بكسر سرعة النزول في مسارات أخطبوطية يمينا و يسارا معتمدا على قوة السيقان و الأرجل للأستدارة الفورية , لأن النزول بخط مستقيم في منحدر شديد هو كالأنتحار لما يشبه الركوب في صاروخ الى الهلاك . وبدأت قواي تنهار تدريجيا لأن العملية تحتاج الى جهد وحركة مستمرة للبقاء تحت السيطرة , لأن الوقوف بتلك السرعة ستؤدي الى التدحرج والأنقلاب بمئات التقلات الى مصير مجهول وكسور خطيرة مهما كانت حالة الثلج وخاصة وأن المرتفعات تنخفض درجات الحرارة فيها ويتصلب سطح المنحدر , وبعد فترة ربما تقدر بأكثر من ساعة , لم أتمكن من تحريك أرجلي لتخفيف سرعة النزول ولمنع سقوطي من فوق الزحافات جلست القرفصاء على سطح الزحافات , في مسار مستقيم وأنا أزداد سرعة وكأنني حقا على متن صاروخ , بدون كوابح أنتظر مصيرا مجهولا ومن بعيد بدا لي فرقة معهم من عدد من الأطفال على وشك البدأ في التزلج من المرحلة الوسطى مع مدربهم , وبدأت أصرخ بأعلى صوتي لجلب أنتباههم وتفادي الأصطدام بهم , ويبدو أنهم لم يكترثوا لغرابة مشهد لم يألفوه سابقا , وأن بدأ بعضهم بالحركة بعيدا عن مساري , ولكن السرعة التي نزلت فيها لم تعطي للآخرين الفرصة للحركة , ولذا أصطدمت بهم و زحفتهم معي الى أسفل المنحدر , وأنا أنقلب كالكرة بعد أن قفزت الزحافات من رجلي , وحاولت قدر الأمكان لأخذ وضعية الجنين في الرحم , وكما يتم أبلاغ المسافرين على أخذ تلك الوضعية على طائرة آلة للسقوط , ويبدو أن عدد الضحايا كان لايقل عن 4 أو 5 , وقعوا على أماكن متباعدة ولكن ليس بالبعد الذي أنا وقعت فيه , وكنت طيلة الوقت وأنا في كامل الوعي وبعد أن شعرت بوصولي الى الوقوف التام , بدأت بلمس أرجلي للتأكد من ظهري أو رقبتي لم تنكسر , وأطمأنت على يدي و رجلي بحركة ولو بألم , وأنتظرت وصول المسعفين , وكنت أبتهل الى ربي على سلامة الآخرين نتيجة الأصطدام , وبعد فترة ليست بالقصيرة وأنا ألوح بيدي طلبا للمساعدة , وصل عدة متزلجين الى جانبي , وأخبروني بأنهم أتصلوا بلأسعاف بعد أن تأكدوا من حالتي , وأخبروني بأن عدد من الصغار لم يمسهم أي أذى عدا بعض الرضوض , وقام بقية أعضاء الفريق بالنزول أليهم , وبدأوا معا بالتزلج الى المرحلة الأخرى كما كان مخططا لها , وشعرت بأرتياح عظيم بأنني سوف لا أواجه أية عقوبات من جراء الحادثة الخطيرة , والتي كان ممكنا أن يلقى أحدهم نحبه فيها أو تعرض لكسورأو أعاقة وبالرغم من أن أجسام الصغار وعظامهم تتميز ببعض المرونة ومن حسن الحظ أن الثلج كان ناعما خفف من سرعة التدحرج والتقلات أسفل المنحدر . تم وصول المسعفين وبعد التأكد من سلامة هيكلي العظمي و رقبتي , أكدت لهم بأنني سوف أتمكن من التزلج بأمان بعد أن تم أرجاع الزحافات التي تطايرت بعيدا , وأصر أحدهم أن يرافقني في النزول للتأكد على سلامة وصولي الى المرحلة التالية و هي مرحلة المبتدأين التي كان علي البقاء في منحدراتها بدلا من المجازفة الخطيرة والحادثة التي سببتها لعدد من المتزلجين الصغار بعمر أبني أيمن . وهذه كانت نهاية تجربتي في التزلج في تلك الرحلة و خاصة وأنه لم يبقى لنا سوى بضعة أيام , والبقاء بعيدا عن تلك المنحدرات , وقضاء ما تبقى لي من الوقت لتلك السفرة في الفندق وترك التزلج لمن يجيدها كما فعلت زوجتي, وأستمرت البنات و الصبي بصقل مهاراتهم و بعد أن أخذوا الحيطة و الحذر لتجنب المجازفة قدر الأمكان .
وتوفرت في الفندق جميع وسائل الراحة و الأستجمام و النوادي الرياضية , وبدأت بالحمام المغربي / السونا بالبخار , لمعلجة ما أصاب به جسمي من الرضوض , وكانت غرف السونا سواء بالبخار أو الجافة تؤدى مباشرة الى مسبح داخلي بدرجة حرارة قريبة من التجمد ( كدرجة الحرارة في الخارج) , لذا كانت عملية القفز فيه مباشرة بعد السونا تتطلب الجرأة و العزيمة, وفي اليوم الأول لبست سروالي الداخلي , ولكن معظم الرجال والنساء كانوا عراة , ولذا في اليوم التالي , ألتحقت بالركب كعادتي , وكما يقول المثل الأنكليزي :-
If you are in Rome , you do what the Romans do !!..
وفي الأصل تم تصميم ما يسمى السونا السويدي , في أماكن خارجية في الشتاء , لكي يتمكنوا من القفز في البحيرات في درجات حرارة تقترب من التجمد كما كان الحال في الفندق .
وأيضا تميز الفندق بوجود كازينو كبير للقمار والوحيد في المدينة , وله مدخل خارجي منفصل في الطابق الأرضي , ولكن مرتادي الفندق يمكنهم من الدخول من داخل الفندق , وكان يتم أعطاء كل من يدخل من
هؤلاء النزلاء فقط قرص بعشرة دولارات أمريكية لحثهم وتشجيعهم على اللعب , ويشترط أن يكون أقل عمر للشخص 18 سنة ولكن أبنتي 17 سنة تمكنت من الدخول معي للتسلية ومشاهدة المقامرين على مختلف موائد القمار وما يسمى وان أرم بانديت , ولكننا أتجهنا الى الروليت , وخسرت أبنتي ما حصلت عليه بوضع المبلغ على اللون الأحمر , وتجنبت نفس التجربة بوضع القرص على أحدى الأرقام بدون تفكير , ومن حسن حظي ربحت مبلغ = 300 دولار , وأحتقظت بها لأنني كنت متأكدا من خسارتها لو لعبت على نفس الطاولة , وعندما أقتربت من مائدة لعبة البوكر , تم أنذاري أما اللعب أوالأبتعاد , ولقد سبق وأن كنا نلعب لعبة البوكر للتسلية مع أصدقائي العراقيين الدكاترة في مسقط في بعض الأحيان بمبالغ = 100 بيزة وأكثر زيادة = ريال عماني واحد , وقررت أن أقامر بما ربحته , واللعب للتجربة وأنا متأكد من خسارتها لأنني لم أكن أجيد تلك اللعبة وأنما لعبة الكونكان التي كنت أحبذ لعبتها مع العراقيين لأن فرص ربحي كانت أكثر , وهذا ما حدث فبعد عدة لعبات لم تتجاوز الربع ساعة فقدت المبلغ و تركت المحترفين ينعمون بها , وكل منهم تكدست أمامه الأقراص بالوانها وربما بلآلاف من الدولارات , كانت هذه أول وآخر تجربة وأختبار في المقامرة , لأنني لم أكن يوما أحبذ القمار , وأنما فقط للتسلية والضحك مع الأصدقاء . وهكذا أنتهت أيام العطلة وأحتفلنا بلأعياد و حفلة رأس السنة في المطعم الفاخر في الفندق , ورجعنا الى لندن والبنات والصبي يحملون معهم ذكريات رائعة , وأيضا فرحت في بتلك التجربة الفريدة يالنسبة لي بالرغم من كلفتها الباهضة لأن الأسعار في فترة الأعياد تكون مرتفعة حتى بطاقات السفر بالطائرة , ولم أجرأ على التزلج ألا مرة واحدة بعد عدة سنوات في النرويج ولكن في فصل الصيف , حيث كان أعلى جبل في النرويج لايزال مغطى بالثلوج , وكانت خبرتي في التزلج على الألب مفيدة لأن المتزلج يحتفظ الى حد ما تلك الخبرة , وسأكتب مقالة عن تلك السفرة في وقت لاحق وكما يقول المثل العربي :- لكل حادث حديث .
ألمعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
مسقط / سلطنة عمان
2978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع