بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الخامسة والتسعون
(حكايات موصلية) جنجل ورباب
حدثتنا جدتي: ان أبو البنات جارنا رجل كبير بالعمر، ويسمع كلام زوجته ودائما يقع في مصائب، في هذا اليوم ارسلته إلى سوق الخضار لشراء السلق، لكنه عاد واشترى سبانخ، وهكذا يوميا تشتعل بينهم المناقشات، وأخيرا يدخل غرفته ويغلق الباب، ويدخل تحت اللحاف ويبقى ساعات مستلقي إلى أن يجوع، ينهض لتناول الطعام.
في هذه الليلة حكت لنا جدتي حكاية تنطبق على جارنا، تقول الحكاية: كان ما كان في قديم الزمان رجل عجوز وزوجها العجوز الشائب يعيشان أطراف الغابة في كوخ من القصب، وعندهما جاموسة تنام معهما يحلبونها ويبيعان حليبها ويعيشان على ما يحصلان عليه من حليب الجاموسة.
في أحد الايام جاءهم ليلا أبو خميس (الاسد) زئيرا بصوت عالي، وخض القصب قائلا (اين العجوز والشائب اعطوني الجاموسة اريد اكلها؟)، جاوبته الجاموسة (ابتعد يا ابو خميس أنا ذيلي سوط وقروني تنطحك) خاف أبو خميس وعاد إلى الغابة.
أما العجوز الخرفة قالت للشائب: هذا السبع يوميا يجيء يريد يأكل الجاموسة، بيعها ونخلص من شرها، أخذ الشائب الجاموسة من الصباح الباكر وباعها، في منتصف الليل جاءهم السبع أبو خميس وزئيرا بصوت عالي، وخض القصب بقوة قائلا (أكسر القصب على رأسكم اعطوني الجاموسة)، لكن لم يرد عليه أحد، زئيرا مرة ثانية، لم يرد عليه أحد. هجم على القصب وبدأ يكسره، والأسد كان همه اكل العجوز والشائب لان لا يوجد جاموسة.
خرجا من الشباك الخلفي ودخلا التنور وسدو فتحته بغطاء والشائب يسمع كلام زوجته العجوز.
بدأ أبو خميس يبحث عنهما اقترب من التنور والعجوز ترجف من الخوف، وأخرجت ريحا مع صوت طار غطاء التنور
عثر الاسد عليهما واخرجهما من التنور وتعشى بهما وهذه عاقبة الذي يسمع كلام زوجته.
نعود لحكايتنا اليومية: كان وما كان على الله التكلان، كل من عليه ذنب يقول التوبة وأستغفر الله. كان يوجد غزالة عندها ولدان الأول اسمه جنجل والثاني اسمه رباب، وكانت تخاف عليهما من جارتها الدامية (السعلاة، غول) حتى لا تأكلهما. وفي يوم من الأيام أحسّت الدامية بوجودهما، وعرفت أن الغزالة تتركهما كل يوم في البيت وتذهب ترعى في البرية، لتجلب لهما الحليب بضروعها والحشيش تحمله بقرونها، عندما ترجع إلى البيت عند الغروب تقف عند الباب وتدعو ولداها.. جنجل ورباب .. جنجل ورباب .. (أفتحوا لأمكما الباب، بضروعي حليب وبقروني حشيش). فيفرحا عند سماع ذلك لعودة أمهما، ويسرعان نحو الباب ليفتحاه، وهكذا الحال كل يوم.
وكانت الدامية تسمع وتراقب ما يجري، وفي يوم من الأيام انتظرت الغزالة تذهب إلى البرية، وأتت إلى بيتها وقلّدت صوتها وصاحت كالغزالة جنجل ورباب.. جنجل ورباب .. أفتحوا لأمكم الباب بضروعي حليب وبقروني حشيش. فتسارعا إليها ظناً منهما بقدوم أمهما لكي تطعمهما الحشيش وترضعهما الحليب، ففتحا الباب وخالطهما الندم والفزع عندما يَرَيَان الدامية بشكلها المخيف أمامهما، وبدأ يبكيان ويرجفان فصرخت بهما الدامية ها.. ها .. (للتخويف والوعيد) سأكلكما لأني أنتظر هذا اليوم منذ زمن بعيد. فقاما يتوسلان بها ويطلبان منها عدم إيذائهما فلم ينفع معها ذلك، فقالت أخيراً بعد طول التوسل. ولكن سأمنحكما الاختيار هل تريدان أن آكلكما بلعاً أم مضغاً؟ وكانا نابهين مع شدة خوفهما وفزعهما فقالا لها ابلعينا بلع لا تمضغين (لأن المضغ سنموت سحقا بأضراسكِ القوية والحادة، أما البلع فننزل إلى جوفك سالمين)، ثم قامت ببلعهما الواحد تلو الآخر وصارا بجوفها. وعند المغيب جاءت الغزالة إلى البيت ونادت عليهما كالعادة فلم يرد عليها أحد، وكررت النداء مرتين وثلاث مرات فلم تلق جواباً. وبدأت بطرق الباب مراراً وتحاكي نفسها ربما كانا نائمين أو يلعبان ولم يرد أحد عليَّ، شعرت الغزالة أن الدار ساكنة بدون ضجيج، فقررت عمل شيء لاستبيان الأمر، فتراجعت إلى الخلف وركضت مسرعة نحو الباب، ونطحته بقرونها وكسرته، ودخلت البيت متلهفة وجلة، نظرت يمين ويسار، بحثت عنهما في كل زوايا المنزل، ونادت عليهما فلم تلق جواباً، صعدت إلى السطح فلم تجد أحداً منهما أيضاً، فقالت في نفسها لم يأكل ولدي إلاّ الدامية فعبرت من سطح دارها إلى سطح دار الدامية، وقامت تقفز عليه وتضرب سطح الدار بقدميها بعنف لغرض التحدي، وتسب وتشتم الدامية، وكانت الدامية آنذاك متمددة مسترخية على ظهرها من الشبع، لأنها بلعت جنجل ورباب فصاحت على الغزالة ما هذا القفز فوق سطح داري بقدميك ؟ لقد هدمت داري الله يهدم دارك.
أجابتها الغزالة لقد أضعت وفقدت ولدي، وهما الان في بطنك جنجل ورباب.
أجابتها الدامية بتكبر وغطرسة لا تقصّري أبداً فأنا لا أنكر ذلك وولديكِ في بطني، وإذا أردت شيئاً فدعينا غداً ننزل إلى الميدان للعراك والقتال، لكي يبان الشجاع من الجبان.
ذهبت الدامية وصنعت لها قرون من حديد. وذهبت الغزالة إلى الحداد وقصّت عليه قصتها وهول مصيبتها وفجيعتها بفقدان ولديها، وكيف تعدّت عليها الدامية، فتأثر عليها الحداد لدى سماعه أقوالها تأثراً كبيراً، وصنع لها قرون من سكاكين حادة وقاطعة.
وفي صباح اليوم التالي وقفت الدامية في جانب من الميدان، ووقفت الغزالة مقابلها، فقالت الدامية للغزالة من الذي ينطح الآخر أولاً؟ أجابتها الغزالة أنت، فجاءت الدامية تركض صوب الغزالة لتنطحها، وعند اقترابها منها قفزت الغزالة إلى الجانب متجنبة نطح الدامية لها ولم تصب بأذى.
وجاء دور الغزالة فأتت تجري مسرعة وبحرقة قلبها، ثم وجهت قرونها ذات السكاكين القوية نحو بدن الدامية وأحكمت نطحها ببطنها وشقّتها لها، فسقطت الدامية صريعة مضرجة بدمائها وماتت، وبعد برهة من الوقت خرج من بطن الدامية جنجل ورباب وهما حيّان إلاّ أنهما ينازعان وفي الرمق الأخير، فرحت الغزالة بنجاتهما وأدخلتهما الحمام للاستحمام. وبعدها استراحا واستعادا وعيهما أوصتهما قائلة هذه المرة سأعمل لكما باب له فتحة، لكي تنظرا منها إذا طرق الباب أي طارق، فإذا جئت أنا افتحا لي الباب بعد النظر والتأكد من ذلك، وإذا جاء غيري لا تفتحوا الباب أبداً. قالا لها نعم يا أمي سوف لن نفتح الباب لغيرك. وعاشوا جميعاً بعد ذلك بسعادة واطمئنان .
3001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع