اثر البيئة الاستراتيجية في رسم السياسات العامة الحكومية

                                                   

                        الدكتور مهند العزاوي*

اثر البيئة الاستراتيجية في رسم السياسات العامة الحكومية

يعد رسم وصياغة السياسات العامة الحكومية من العمليات الاستراتيجية والاستشرافية المعقدة ، ويستلزم تجانس فرق العمل الحكومية المكلفة وممثلي جماعات الضغط والمصالح فضلا عن ممثلي الشركات والجمهور التفاعلي ، والمتمعن في تعريف السياسة العامة, يدرك ثقل ودور السياسة العامة في كل دولة أو حكومة إزاء القضايا الهامة ، وتشكل أكبر تحدي امام الحكومة لما تفرضه البيئة السياسية والاجتماعية علي المسؤولين وصناع القرار، وتضعهم أمام مسؤوليات جسام ينبغي مواجهتها ومعالجتها ، عبر بناء سياسة عامة حكيمة عميقة وبدقة وفاعلية، ويعتمد صياغة السياسات العامة الحكومية على العناصر التالية:

‌أ. التوجهات الاستراتيجية :

هي المسالك الاستراتيجية المنبثقة من رؤية الدولة لتحقيق المسارات الاستراتيجية وفقا للمحاور المحددة في سياق صنع السياسات العامة الحكومية، وهو المرتكز الأساسي في توجيه السياسة العامة، وسيتناول الفصل الثاني التوجهات الاستراتيجية بإسهاب اكثر .

‌ب. المطالب والاحتياجات :

هي الإجراءات التي تطالب الجهات العامة أو الخاصة الحصول عليها أو إنجازها من قبل الموظفين الرسميين في الدولة بخصوص قضية أو مشكلة ما، وما يطرح على طاولة الساسة في الحكومة التي تأتي من قبل الأفراد والمواطنين بصرف النظر عن هويتهم وأجناسهم وانتمائهم، والتي تمثل الاحتياجات الاجتماعية وتفصيلاتها المتنوعة، وتختلف هذه المطالب في طبيعتها فقد تكون رغبة المواطنين أو المشرعين بأن تقوم الحكومة بعمل شيء معين .

‌ج. القــــرارات :

هي التي تتخذها الجهات الرسمية والتي تكون بمثابة توجيهات ومحتويات لإجراءات السياسة العامة أي ما يصدره المخولون قانونا ورسميا من الأوامر تعبيرا عن إرادة الحكومة المستجيبة للمطالب المقدمة, كرد فعل إيجابي أو سلبي لها، وتشمل القرارات والأطر التشريعية المتخذة صيغة القوانين, واللوائح الإدارية والقواعد التنظيمية الموجهة لأعمال الإدارة للقيام بالعمليات الإجرائية لتنفيذ السياسة العامة.

‌د. مصادر السياسة العامة ومحتوياتها :

تمثل التفسير الرسمي لمضمون السياسة العامة وبيانها، وتشمل الخطابات والإعلانات الرسمية أو التصريحات الحكومية العامة الموجهة للمجتمع والرأي العام وللمعنيين التي تعبر عن التوجهات الاستراتيجية الحكومية وما تنوي القيام به لتحقيقها، وكذا الموقف الحكومي الواضح إزاء المشاكل المطروحة، على سبيل المثال، التغير المناخي، الجريمة المنظمة والمحلية، هدر الأموال، البطالة ....الخ من الأمور التي لها علاقة بالتوجهات الاستراتيجية للحكومة .

‌ه. مخرجات السياسة ونتائجها :

هي المؤشرات الملموسة الناتجة عن السياسات العامة، والتي تمثل الأشياء المنجزة نتيجة القرارات المتخذة وفقا لتقارير الإنجاز من نقاط الارتكاز الحوكمي، وتعني ما تنجزه الحكومة مقارنة بما تنوي القيام بإنجازه مستقبلا، أي ما يمكن تحويله إلى عملية التنفيذ والتحقق منه عمليا، وكذلك تمثل مجموعة الأفعال والقرارات الملزمة التي تعبر عن ردود أفعال الحكومة المزمع تنفيذها بشكل حقيقي وظاهرة للعيان، حيث يمكن تقييمها وقياسها، لتكون بذلك السياسة العامة كما تم تنفيذها وتحقيقها بدلا من أن تكون قرارات أو بيانات متداولة بين المشرعين والمنفذين السياسيين.

البيئة الاستراتيجية لرسم السياسات العامة

تعرف البيئة بأنها مجموعة العوامل أو المتغيرات الداخلية والخارجية (سواء يمكن قياسها- أم لا) والتي تقع داخل حدود الدولة أو خارجها والمؤثرة (أو التى يحتمل أن تؤثر) على فعالية وكفاءة الأداء التنظيمي، والتي تم إدراكها بواسطة الإدارة ، أو لم يتم إدراكها على أنها تمثل فرصاً أو قيوداً ومن ابرز خصائص البيئة هي :

‌أ. البيئة التفاعلية خارج حدود الدولة وداخلها

‌ب. البيئة ذات عوامل ومتغيرات متعددة منها ما يمكن قياسه ومنها ما لا يمكن قياسه.

‌ج. البيئة بعواملها ومتغيراتها تؤثر على مدى تحقيق المؤسسات لأهدافها ومستوى أداء الأنشطة المختلفة بها وتكاليفها.

‌د. المؤسسات الحكومية والإدارات قد تدرك المتغيرات البيئية أو لا تدركها، ولذا فان مهام ودور وفعالية كل مؤسسة تختلف من مؤسسة لأخرى

‌ه. يمكن النظر للبيئة من وجهة نظر ما تمثله من قيود وما تمنحه من فرص وتسهيلات

‌و. البيئة الحيوية لا تنام فعالة على مدى الوقت اذ يتطلب متابعتها وتحليلها باستمرار

‌ز. عناصر البيئة الخارجية تختلف عن عناصر البيئة الداخلية ولكنها مرتبطة مع بعض من حيث التفاعل والاهداف والنتائج .

‌ح. البيئة الكلية مجموعة عناصر فاعلة تشكل موارد الدولة

‌ط. لا يوجد ثيبات في البيئة فأنها تخضع للمتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والديموغرافية فضلا عن التأثيرات الطارئة كالكوارث والتهديدات والحروب

البيئة الاستراتيجية المحيطة بالحكومة

‌أ. البيئة التنظيمية:

يشكل الهيكل الدستوري للحكومة وبنيتها الوزارية وشكل الحكم فدرالي او مركزي فضلا عن بنية الدولة وعلاقة المؤسسات الدستورية مع بعضها عناصر البيئة التنظيمية، وخاصة العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وفي الدول الاتحادية كدولة الامارات توزع مهام صنع السياسات وتنفيذها بين السلطات الاتحادية في العاصمة الاتحادية والسلطات الفرعية في الولايات او الأقاليم وتبرز نسبيا اللامركزية في بعض السياسات التخصيصية دون المساس بالمرتكزات والتوجهات الاستراتيجية

‌ب. البيئة الاجتماعية :

تشكل البيئة الاجتماعية عامل حيوي للحكومة في رسم السياسات نظرا لتأثيرات التركيبة السكانية المتعلقة بأعمار السكان ونشاطاتهم الاقتصادية وتوزيعهم السكاني والتجمعات البشرية بما له علاقة بالسياسات الحكومية في مجال تنمية والتعليم وادامة البنى التحتية الطرق والجسور والمواصلات والمستشفيات والمدارس واشكاليات بالتوسع العمراني .

‌ج. البيئة الاقتصادية

هناك تكامل بين البيئة الاقتصادية والاجتماعية لاسيما في مجال صنع السياسات لما لها تأثير مباشر كالمتغيرات الاقتصادية ومعدلات النمو والبطالة والتضخم ومستوى الاستيراد والتصدير والتعاقدات الاقتصادية والاتفاقيات التجارية مع دول أخرى، وكما تطرقنا ان العوامل الاقتصادية تلعب دورا مهما في عمليات السياسة العامة

‌د. البيئة الإقليمية

الإقليم السياسي الجغرافي مؤثرات على السياسة الحكومية لاسيما المتعلق بالأمن والمنافذ والاستقرار الأمني والتجاري والاقتصادي، فضلا عن الاثار الارتدادية لظواهر الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها من ظواهر الاخلال الأمني كما وتقوم الحكومات بدراسة البيئة الإقليمية من النواحي التجارية والمالية والديموغرافية بغية رسم سياسات توائم التحولات الإقليمية في الجوار السياسي

‌ه. البيئة الدولية

تعتمد الحكومات في رسم سياساتها على توافق المصالح التجارية والاقتصادية والأمنية على النسق الدولي ومخرجات التفاعلات الدولية وتأثيراتها على الى المستوى المحلي، اذ يأخذ بنظر الاعتبار صانع السياسة العوامل الخارجية وجماعات المصالح والضغوط الدولية والتحولات السياسية والاقتصادية في رسم السياسات ويجري مناقشة كل عامل على حدة والخروج بمسالك توائم التحولات والتأثيرات الدولية .

يقاس مدى التأثير من خلال صدى السياسة العامة في المجتمع، وما تحققه من عوائد سواء بالرضى والقبول ، أو بالرفض والتنديد ، وتكون مقصودة أو غير مقصودة، فلكل سياسة أثار معينة ، فإذا كانت ناجحة وإيجابية فأنها تصب في المصلحة العامة ، أما إذا أحدثت أثار ومضاعفات سلبية فلابد من صياغة سياسة أخرى لاحقة لتعود العملية من جديد الى مسارها وغاياتها الاستراتيجية ، وللبيئة المحيطة بالحكومة الأثر الفعال في تحقيق ذلك ، لاسيما المتعلق بالقيادة الإبداعية التي تدير دفة البلد وتلزم السلطة التنفيذية بالتقيد بالبرنامج الحكومي والسياسات العامة ، فضلا عن كفاءة وتجانس البيئة التنظيمية التي من الضروري ان تستشعر قبول ورضا ورفض ومعاناة البيئة الاجتماعية للسياسات العامة ، يبقى التصور والتخطيط عوامل حيوية لصياغة السياسات العامة الحكومية ، ولكن لابد ان يقرن بالتنفيذ والتواجد الميداني والمتابعة والتقييم وبيان دقة الأولويات ومدى التنافسية بينهما .

*خبير استراتيجي ممارس في تدريب السياسات العامة الحكومية

‏الإثنين‏، 10‏ حزيران‏، 2019

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

944 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع