بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الرابعة والتسعون
ست الكل
حدثتنا جدتي في هذه الليلة بعدما شربت الشاي، عن جارنا أبو البنات كيف كان معجب بزوجته قبل أن يتزوج وبعدما انجبت له بناته، قل اعجابه بجمالها وكان أحد الأسباب الشجار الذي يقع بينهم.
تقول جدتي: كنت في أحد الأيام أصلح بينهما واحدثهم عن هذه الحكاية القديمة، ربما يقتنع أبو البنات، فقد كان يرى زوجته اقل جمالا من الأخريات؟
ذهب أحدهم إلى عالم دين مشهور بالحكمة والتجربة يشتكي ويقول: حين أعجبت بزوجتي، كانت في نظري كأن الله لم يخلق مثلها في العالم. وعندما خطبتها، رأيت الكثيرات مثلها وعندما تزوجتها، رأيت الكثيرات أجمل منها فلما مضت بضعة أعوام على زواجنا، رأيت أن كلُّ النَسَاءِ أجمل مِنْ زَوجَتِي.
فقال الحكيم: أخبرُك بما هو أدهى من ذلك وأمرّ؟
قال الرجل: نعم.
فقال الحكيم: لو أنك تزوجت كل نساء العالمين، لرأيتَ الكلاب الضالة في الشوارع أجمل من كلّ نساء العالمين.
قال الرجل: لماذا تقول ذلك؟
فقال الحكيم: لأن المشكلة ليست في زوجتك المشكلة، أن الإنسان إذا أوتي قلباً طمّاعاً، وبصراً زائغاً، وخلا من الحياء من الله، فإنه لا يمكن أن يملأ عينه إلا تراب مقبرته، يا رجل! مشكلتك هي أنك لا تغضّ بصرك عما حرّم الله.
أتريد شيئاً تُعيد به امرأتَك إلى سالف عهدها أجمل نساء العالم؟
قال الرجل: نعم أريد أن أرى زوجتي أجمل النساء
قال الحكيم: اغضض بصرك، ما ليس في يديك ستراه الأجمل والأفضل مهما فعلت، وعندما تحصل عليه سيصبح عاديا في عينك فارضَ بما لديك ولا تكن أنانيا، لأنك ستبقى تلهث وراء جمال ومتاع الدنيا إلى أن تسجّى في قبرك.
هناك ما هو أجمل وأروع من كل هذا، عبادة الله والعمل الصالح، تلك لذة لا يعرفها الا من عاش لأجلها..
ولا تنسَ أن تدعوَ الله أن يجمل زوجتك دائما في عينيك.
نعود لحكايتنا اليومية: كان يا ما كان وعلى الله التكلان: امرأة عجوز عندها ثلاث بنات، الصغيرة اسمها ست الكل، قبل وفاتها وزعت ما تملك العجوز على بناتها، فأعطت الكبيرة الطاحونة، والوسطى أعطتها المعصرة، أما الصغيرة فأعطتها الموقدة. تزوجت الكبيرة وصارت تشتغل بالطاحونة هي وزوجها، وعاشوا أحسن عيشة. وتزوجت الوسطى وصارت تشتغل مع زوجها بالمعصرة، وتعصر زيتون وعاشا بأحسن حال.
بقيت الصغيرة لم يتقدم لخطبتها أحد لأنها فقيرة الحال، والموقدة القديمة لا تنفع شيئاً.
في يوم من الأيام ضاقت عليها العيشة، فقالت في نفسها: هذه الموقدة لم تنفعني وسببت لي الفقر، فهدمتها وإذ تحتها حلقة سحبتها، فإذ بها معلّقة بحجر تغطي تحتها سرداباً، رفعت الغطاء ونزلت به فرأت حديقة غناء فيها أشجار وفواكه من كل الأنواع، فصارت تأكل حتى شبعت، وبينما هي فوق إحدى الأشجار جاء فارس فنزل تحت الشجرة، وربط فرسه وخلع حذاءه وأخرج منه دودة، قرأ عليها فتحولت إلى امرأة جميلة فجلس معها، وأنزل منسفاً عليه خروفاً محشياً، فأكلا وانبسطا، ثم سقته المرأة شراباً فنام لوقته فحملت المنسف، وذهبت به إلى مغارة قريبة فيها عفريت، سلّمت عليه وجلسا فأكلا الطعام وانبسطا وناما.
اقترب موعد استيقاظ زوجها من النوم عادت إليه، فسألها ماذا حدث؟ أجابته أنه نام ونامت جنبه، ثم أعاد المرأة على شكل دودة، وضعها في الحذاء وركب فرسه وعاد إلى بلده.
رأت ست الكل من مكانها على الشجرة كل شيء، فتألمت على وضع الزوج المسكين المخدوع، في اليوم التالي وفي الموعد نفسه حضر الفارس ونزل تحت الشجرة، وأخرج الدودة من الحذاء وتحولت إلى امرأة وفعلت مثل المرّة الماضية وسألها وأجابته بذات الكلام، غضبت منها ست الكل وهي تكذب على الفارس بهذا الكلام، فأخذت ليمونة من الشجرة وضربت المرأة على رأسها فأصابت عينها، وصرخت من الألم، فصعد الفارس إلى الشجرة وأنزل ست الكل وربطها، وقرّر أن يقطع رأسها فقالت له: قبل أن تقطع رأسي اسمع مني هذه الحكاية. فقال: نعم سأسمع منك آخر حكاية في حياتك، أحكيها لكن بسرعة.
فروت له ست الكل قصتها بالكامل حتى وصولها إلى الشجرة، وما رأته من المرأة التي معه وكيف كانت تسقيه فينام، وتأخذ المنسف لعند العفريت وأنها تكذب عليه في كل مرة.
عندما سمع الفارس القصة غضب، وسحب سيفه وقطع رأس امرأته، فتدحرج على الأرض إلى أن وصل إلى مغارة العفريت، فلما رأى العفريت ما حدث لصاحبته جن جنونه، ولحق آثار الدم إلى الشجرة، فشاهد الفارس وست الكل. رشّه بكأس من الماء فحوله إلى دودة، فوضعته ست الكل في حذائها، وأخذهما العفريت إلى المغارة وصار يعذبها أشد العذاب، فقالت له ست الكل: المرأة التي كنت تعشقها ماتت وأنا صبية وأحلى منها، فما رأيك أن نتزوج؟ وأبقى أخدمك طول الحياة، فكّر العفريت قليلاً وقال في نفسه: هذا الكلام صحيح وقد ماتت صاحبتي وانتهت، وهذه أحلى منها فوافق على فكرتها وحلّ رباطها، وطلب منها أن تجهّز نفسها، فقامت وكنّست المغارة وعملت له أطيب طعام، فأكل حتى شبع وعملت له شراباً، ووضعت له منوماً فيه فشربه ونام.
قامت ست الكل لتهرب فنظرت إلى العفريت، فرأت في يده خاتماً قديماً ففركته، فظهر خادم الخاتم وهو مارد عملاق ضخم، فعرض عليها خدماته، فطلبت منه أن يحول العفريت إلى دودة، ويعيد الفارس كما كان، فرشّ على العفريت ماء وحوله إلى دودة، فوضعته في حذائها، وأعاد الفارس كما كان وطلبت من المارد أن يحملها إلى ديار أهل الفارس، وهناك أمرت العفريت أن يبني لها قصراً مثل قصر السلطان وفيه خدم وحشم دخلت عليه هي والفارس، فرأته أجمل قصور الدنيا وتزوجها الفارس، وعاشوا بثبات ونبات وخلفوا صبياناً وبناتاً.
3395 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع