بقلم الدكتور هيثم الشيباني*
عميد كلية هندسه سابق
نجم ساطع وفخر للوطن الاستاذ الدكتور أسامه نهاد رفعت
ترددت كثيرا في الكتابة عن الأستاذ الدكتور أسامه نهاد رفعت , عملاق الطب الذي شهدت له الجامعات التي تخرج منها , بداية من الكلية الطبية العراقيه , مرورا بالجامعات العالمية المرموقة العالميه , والأهم شهادة التعامل الأنساني مع المرضى الذين تعامل معهم طيلة حياته المهنيه , والتواضع الذي يقتدي برجال الله الصالحين.
فوجدت نهاية لحالة التردد بتناول كتاب سيرة الدكتور أسامه التي كتبها بنفسه, مضافا الى ذلك استحضرت الحكمة التي قالها الدكتور ابراهيم ناجي وهي:
عشت أؤمن أن المريض ليس حالة كما يقول الأطباء كثيرا وإنما هو إنسان , وان العلاج لا يكون في تذكرة الدواء , وإنما في فهم ذلك الإنسان , في مقاسمته آلامه , في الإصغاء الى متاعبه , في بذل العطف الصادق له , في منحه الحنان الذي فقده في العالم الواسع , وضاقت الدنيا به على رحبها.
وجدت أن الدكتور أسامه نهاد رفعت هو ذلك الأنسان من خلال معرفتي به أولا , ومن خلال آراء كل من عرفه وتعامل معه.
صدرت الطبعة الاولى من كتاب قصص ومواقف في الطب والحياة / سيره للاستاذ الدكتور أسامه نهاد رفعت عن المؤسسه العربيه للدراسات والنشر في بيروت.
أستهل مقالي بما كتبه العالم ( ألبرت أينشتاين ):
التعليم هو ليس تعلم الحقائق انما هو تدريب العقل على التفكير , وان التعلم المدرسي سوف يجلب لك وظيفة أما التعلم الذاتي فسيجلب لك عقلا .
يقع الكتاب في 189 صفحة كاملة , وقد حرص المؤلف على نشر ما تيسر لديه من صور تتعلق بذكريات الزمن الماضي , رغم أنه فقد الكثير من أوراقه ووثائقه الثمينه وقد تحاشى الاشارة اليها لأنه لا يحب الحزن بحكم طبيعته , وحرص على أن يوصل للقارئ كل ما يجلب السرور الى القلب, كما اعتاد أن يعامل مرضاه في أصعب حالات الوجع وشدته.
حرص المؤلف أيضا على أن تتصدر صورة جده محمد رفعت حسين هذا الكتاب , بالملابس العربيه التي تعلن عن أصوله الجميليه العراقيه العربيه . وهو مقاتل الحرب العالميه الضروس وواحد من أسراها الذين ذاقوا قسوتها بسبب صراعات الدول العظمى في ذلك الحين , ومن يدري ربما التقى مع جدي العقيد حامد خضر (المدفعي) والد أمي رحمهما الله , الذي أسر في روسيا في نفس الفتره.
تربطني مع المؤلف رابطة المريض مع طبيبه الذي لا يبخل عليه بالنصح والمتابعه , وعشق العلم والبحث والثقافة , والحنين الى بغداد وناسها وشوارعها وأزقتها وأحيائها وذكرياتها العطره التي تدمع عينيه . خالته أستاذة الأدب الانكليزي الراحلة جارتنا في شارع طه , سهيله أسعد نيازي. ثم صرنا أصدقاء وهذه من نعم الله علينا .
أكتب هذه السطور القليله عن المؤلف وأعلم أنني أخوض صراعا مع قلمي , من أجل وصف عملاق نادر أنجبه العراق في الطب وقدمه الى الانسانيه جمعاء , انه قامة شامخة أتردد كثيرا في وصفه خشية أن لا أعطيه الحق , وهو من خرج أجيالا من الطلبة وأشرف على العشرات من طلبة الدراسات العليا في الطب, وأسس مراكز التدريب الجراحي ومثل العراق في المحافل الدوليه زاهيا متألقا لا يشق له غبار.
ولا تفوتني الاشارة الى العشرات من البحوث المحكمة التي نشرها في المجلات الطبية العالمية , رافعا فيها اسم العراق عاليا ومعلنا اسمه في مقدمة عمالقة الطب.
ما ذا حصل أيها الزمن ؟ أليس الوطن في حاجة ماسة لهذه الخبرة في مثل هذه الأيام ؟ فما الذي يجري بحق السماء ؟
لا شك أن المؤلف قد ورث من جده معنى الوفاء , حيث قدم مثالا يستحق التوقف ( سواءا اتفقنا معه أم لا) . فقد طلب منه بعد العودة من الأسر في روسيا في الحرب العالمية , أن ينضم الى الجيش العراقي الجديد , الا أنه اعتذر عن قبول العرض رغم المغريات المادية في ذلك الحين. لقد اعتبر جده هذا الموقف مثالا على الوفاء الى قسمه . وهذه القيم صارت في زمننا الحالي نادرة وصارت التعددية في الولاءات سمة يومنا هذا , وصار بائع الوطن لا يستحي منها , بل يتباهى بها ويعتبرها مصدرا للثراء فيا له من ثراء بائس .
من الصفات العشائرية الجيده كانت النخوة التي هب بها أبناء عشيرة الجميلات بعد عودة جده من منفى الهند , وصار في مصر , اذ جمعت له ولآقرانه عشيرة الجميلات في مصر ما يكفي من المال ليتمكن من العودة به الى العراق.
بعد تخرج والد المؤلف من الجامعة الأمريكية في عام 1937 وتعيينه في الطبابة العسكرية , فاز بالكثير من الأحباء والأصدقاء والأمر متوقع اذ ان المجتمع العراقي , خاصة في المحافظات يحترم الموظف الحكومي بشكل عام والطبيب بشكل خاص , وقد لمس هذا في مضيف الشيخ عبد الواحد الحاج سكر ومضيف أل فرعون.
أشار المؤلف باعتزاز الى زملاء والده في الجامعة الآمريكية مثل الدكتور محمد فاضل الجمالي وزير خارجية العراق ورئيس الوزراء الأسبق والدكتور متي عقراوي اول رئيس لجامعة بغداد والأستاذ الدكتور الأسطورة عبد الجبار عبد الله تلميذ مؤسس النظرية النسبية العالم ألبرت اينشتاين .
من الشخصيات المهمة في حياة المؤلف جده والد والدته أسعد داود نيازي , اذ أن هذا الرجل استطاع أن يجمع بين متطلبات القوة والصرامة الواجبة في مدير الشرطة وهوايات جميلة مثل الرسم والنجارة والصيانة المنزليه وتربية الطيور النادرة مثل الكناري.
ولا شك أن شخصية زوج عمة أمه الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي قد أثرت على الكاتب بشكل أو آخر وربما منها نشأت ملكته الشعريه.
تطرق المؤلف الى ذكر السيده عمة أمه وزوجة الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي , وحدسي أنه يهدف الى مؤشرات أهمها , أنها سكنت في الشارع الذي سمي على أسم الشاعر وفاء له وكانت تقع في بداية الشارع شركة طباره وعبود التي تصنع سكاير ( غازي ) المعروفه وأن المعمل يقع ملاصقا لمبنى البلاط الملكي , وان موقع المعمل في هذا المكان الحساس له دلالات مهمه في مقدمتها تواضع البلاط الملكي .
لا شك أن تنقل المؤلف مع والده في مدن عديده وتلقيه دروسا متنوعة في الدين والأدب الأنكليزي وحفظ القرآن والمعلقات وسع مداركه رغم صعوبة ذلك عليه , كما وان معرفته لشخصيات بارزة كانت تعمل في العراق مثل بيت الأطرش , ومتابعة نشاطهم الاجتماعي والوظيفي طبع في ذهن الكاتب أثارا مهمة.
وان انتقال المؤلف مع والده في تلك المدن منحه فرصا كثيرة للتعرف على طيف واسع من الناس , وصار البعض منهم أساتذة في الجامعات وضباط كبار في الجيش العراقي, ولم يكن الوصول الى المدرسة والعودة منها هينا مع الظروف الجوية الصعبة شتاءا وصيفا , الا أن هذه الصعوبات تحولت الى ذكريات جميلة عندما يلتقي مع نفس الآصدقاء بعد مرور السنين.
وبارك الله بالمؤلف الذي طرز كتابه بأكثر من مكان برياحين من ورود خالته الأستاذه سهيلة أسعد نيازي ترجمة لشعرها الفلسفي , كما وأن قصة أخته الطفله أميمه التي كانت في مدرسة الارشاد الابتدائية في الأعظمية مع خطاب ( الزعيم عبد الكريم قاسم ) الذي قطع عليها برنامج الآطفال الوحيد في ذلك الوقت , عندما تبرمت وأبدت احتجاجها , قد تم تجاوزها بسهولة دون أية عواقب . ولو أن قطع برنامج ترفيهي على الأطفال وحتى الكبار ممارسة حكومية خاطئة , تمارسها دول العالم الثالث ولا يلجأ اليها العالم المتقدم الا في حالات نادرة مثل اعلان الحرب.
ومن الممتع جدا أن يستذكر المؤلف بعض المقالب والنكات التي كانت تحصل أثناء الدراسة , وتسجيله هذه القصص يضفي الى الكتاب متعة تنتزع الاعجاب , اذ كيف يتسنى لمثل هذا العالم الجليل أن يوثق أمورا تبدو صغيرة عند البعض.
لقد عمل المرحوم والده وهو الطبيب العسكري أن يثني ولده عن التسجيل على نفقة وزارة الدفاع , وكان تبريره أن العسكري وظيفته حربية في حين أن الطبيب وظيفته انقاذ الأرواح , لكن (ما شاهدته بنفسي هو أن الطبيب العسكري في الجيش له حظوة كبيرة واحترام شديد في الوحدة العسكرية بداية من أمر الوحدة الذي يحرص على أن يجلسه الى جانبه في مؤتمرات الوحده وبهو الضباط , وطالما كان أطباء الجيش يقدمون الخدمات الى المدنيين في الظروف التي مر فيها العراق واكتسبوا الشهرة والاحترام والتقدير بين الناس اضافة الى وحداتهم العسكرية.) وقد وفرت وزارة الدفاع للأطباء العسكريين بعثات للتخصص على نفقتها في كافة المجالات . لكن ربما أن والده أراد أن يبعده عن مخاطر الصراعات المسلحه اذ أن ظروف البلاد في تلك الفترة قد بدأت تؤشر نحو الاضطراب , فأراد الوالد بعواطف الأب لابنه حياة مدنية تمنحه حرية الحركة وتفتح أمامه خيارات المستقبل .
لقد وصف الكاتب حادثة الملاحقة التي حصلت له وللزملاء والزميلات في كلية الطب من قبل الشرطه والانضباط العسكري, بمناسبة يوم السباع الذي كان يؤشر ذكرى وطنيه معروفه في تأريخ الحركة الطلابيه , وكيف أن البعض منهم تعرض للأعتقال البسيط لبضعة أيام والبعض الآخر تلقى محاضرات تأديبيه ثم أطلق سراحه , وهذا الوصف يعتبر نزهة بسيطة بالنسبة للقمع والقسوة التي تعرض لها ويتعرض لها كل من مارس حق التعبير حتى يومنا الحالي.
في هذا الكتاب سلط المؤلف الأضواء على أمور ايجابيه كثيرة , وشخصيات مهمة في حياته المهنيه وأبرزهم الطبيب الانسان رجل المبادئ والشجاع في الدفاع عن الحق في أصعب الظروف الأب والراعي والمرشد عزة مصطفى . وما فات الكاتب أن يعبر بعرفان الجميل لأساتذة الطب عزيز محمود شكري ومكي الواعظ وهادي السباك وفرحان باقر.
جميل جدا أن يطرز الكاتب اسم السيده الفاضلة زوجته الطبيبة شمسه عيسى خليل في أكثر من مكان , والعرفان بفضلها وكرم ضيافة والدتها ( عمته).وما فاته وصف الذكريات المهمة في كلية الاحتياط التي يختلط فيها أبناء العراق من كل مكان ومن كل الثقافات والخلفيات , وتجربة العقاب والثواب والضبط العسكري التي يتميز بها الجيش.ولا شك أن نصيب الكاتب كونه من دورة الاحتياط 20 , وهي الدورة التي اشتهرت بكونها أكثر الدورات استدعاءا في الظروف المتأزمة حتى صار منتسبوا الدوره يعرف بعضهم البعض بالاسم ونشأت بينهم صداقات امتدت طويلا.
لقد كان التجنيد الالزامي وكلية الضباط الاحتياط والكليات العسكريه نموذجا ناجحا لانصهار شعب العراق في خليط واحد لا فرق فيه بين الألوان والأشكال والحجوم.
أسجل احترامي للملاحظة الدقيقة التي ذكرها المؤلف حول توزيع الحلوى في تشييع انسان محبوب , فقد شاهد بنفسه هذا المنظر في احدى المناسبات , خلال فترة اقامته في المسيب في عام 1968.وما فات الكاتب أن يسجل خصلة رائعة في مجتمعنا وهي دعاء المريض للطبيب وقال ان هذه غير موجودة في الغرب.
كانت متعتي خاصة عند معرفتي أن المؤلف قد تخصص في الطب , ونجح في الامتحان الذي أجراه في نفس المدينة ( دندي / بريطانيا) التي حصلت منها على شهادة الدكتوراه في االفيزياء النووية في عام 1979.
قدم المؤلف مثلين يقتدي بهما أولهما كيف أن جحا مع ولده والحمار لا يستطيعان رضا الناس جميعا , والثاني كيف أن عامل المجاري يتقاضى أجورا أكثر كثيرا من جراح المجاري البولية . وأقول من تجربتي ما يعزز هذا الكلام كيف أن شابا من الأقارب جادلني مرة عن طموحه ليكون فنانا قائلا , أستطيع بحفلة واحدة أن أجمع مالا يعادل ثمن كل بحوثك العلمية التي تنشرها الى نهاية العمر.
لقد خصص المؤلف مساحة كافية من كتابه لصديقه الوفي كاكه مسعود محمد, المفكر الذي ولد في مدينة كويسنجق وتخرج من كلية الحقوق في عام 1945 من جامعة بغداد وصار عضوا في مجلس النواب ووزيرا, الا أنه استقال من منصبه ( ترجمة لثقافة الاستقاله) استنكارا لمواقف الحكومة أنذاك تجاه الشعب الكردي.
كان واحدا من انجازات المؤلف المهمة في حقل الطب , نجاح كافة طلابه في شهادة البورد في جراحة المسالك البوليه , وكان ذلك في 11 أذار 2006 , حيث ترسل الأسئلة لتفتح في وقت واحد في أوربا وفي المراكز الأخرى ثم ترسل الأجوبة مختومة للتصليح واعطاء النتائج.
ومن المفارقات التي تلفت نظري هي الرقة المتناهية التي تتميز بها مشاعر المؤلف ,حيث بكى فرحا عندما نجح كافة طلابه في امتحان البورد العالمي , وهو يمتلك نفس صلابة الجراح الماهر الذي يخوض أصعب معارك الجراحة مع الآورام المستعصية .
كتب المؤلف في صفحته على الشبكة العالمية للأتصالات في عام 2006 , معاناة الطبيب الأستاذ المبدع الذي يحب بلده ويريد أن يبنيه بشكل صحي وسليم من خلال اختصاصه وان يخدم مرضاه من قبل دولة قوية وقادرة على التخطيط السليم والتنفيذ المحسوب. فلم يفكر في جمع الثروة الشخصية ولا المناصب العاليه مقابل مصلحة مرضاه وسلامتهم وهي رسالته, وهذه من سمات الرقي والتجرد وسمو الأخلاق.
تشير معلوماتي الى أن عيادته الخاصه في بغداد كانت تغص بالمرضى كل يوم , والدكتور أسامه لا يكل ولا يمل عن العناية بهم . كان بعض مرضاه يلحون على دفع أجور المراجعه والعلاج واجراء العمليه الجراحيه مسبقا , الا أن دكتور أسامه كان يمزح معهم قائلا ( خلي نشوفك عزيزي أولا , هل تريد أن أعطيك أنا النقود). هكذا هو يتعالى عن الربح وجمع المال .
تحدث المؤلف عن بدايات تأريخ زرع الكليه في العراق ومدينة الطب حصرا وكان ذلك في عام 1964 , وأعطى الأستاذ الدكتور يوسف النعمان والاستاذ الدكتور مؤيد مصطفى العمري والدكتور عبد المنعم سلمان ( زميلي في ثانويه الأعظميه) والاستاذ الدكتور جابر محسن والاستاذ الدكتور صلاح العسكري حقهم في هذا العمل المشرف , ولم يستأثر لنفسه هذا العمل رغم أنه هو صاحب الباع الطويل فيه.
لقد حقق المؤلف أول عملية زرع كلية في وزارة الصحة العراقيه يوم 25 آذار عام 1985.
واضافة الى أبحاثه في مجالات جراحة المسالك البوليه نشر سبعة عشر بحثا عن عمله في زرع الكلى والديلزه وهي موثقه في الفهارس العالمية باسم العراق.
جميل جدا أن يخصص المؤلف مكانا من كتابه لعمالقه الطب في العراق والعالم, مثل الأستاذ الدكنور كمال السامرائي والاستاذ الدكتور عزيز محمود شكري والاستاذ الدكنور فرحان باقر والاستاذ الدكتور هاشم مكي الها شمي الجراح المبدع ( الذي يتحدث عن بغداد حديث العاشق لمحبوبته) .
وكم كان بودي لو أن عالما جليلا مثل الكاتب أن يشمل في كتابه شيئا عن عمالقة الطبابة العسكرية , مثل راجي التكريتي العالم الموسوعي الذي يصعب علي الحديث عن عقله الكبير ومداركه الواسعه والكارزما القياديه لديه في بضعة سطور, وابراهيم طه الودود الذي يفيض وجهه رقة وفلاح داود عريم أخصائي الباطنية والقلب صديق الصبا ومثلي الأعلى في التفوق والطموح الناجح الأول دائما الزاهد من حب الدنيا الذي فارق الوطن مضطرا الا أنه ظل متعلقا به قلبا , وهو الذي تميز في حقل اختصاصه في الطب مضيفا الى ذلك كله ثقافة واسعة في التأريخ العربي والاسلامي والشعر, وسرمد الفهد أخصائي الجملة العصبيه الذي تتقدمه سمعته أينما حل وذهب , ومكي حمادي اخصائي تنظير الجهاز الهضمي الذي ترك فراغا كبيرا في هذا الاختصاص , وطالب خير الله أخصائي القلب وزرع الشبكة الذي نتباهى به في كل مكان , وعمر الكبيسي أخصائي القلب الديناميكي النشط , ونبيل المختار أخصائي الأنف والأذن والحنجره الذي يأكل حلوا ويعطي حلوا( كما وصفه الزميل فلاح عريم) ومضفر حبوش أخصائي العظام ,ومنيب الملا حويش الشهم المتعفف و أخصائي المفاصل ومظهر أمين أخصائي الحروق التي كثرت في الحروب و صديقي الراحل حقي اسماعيل حقي أخصائي علم النفس والمحلل الاستراتيجي والسياسي الفذ , اذ أن أطباء الجيش اضافة الى قدراتهم المتميزة قد امتلكوا خبرات الحروب التي خاضها العراق وأبرزها الحرب مع ايران , فما أحوج العراق الى هذه البيارق في الطب والعلم والخلق الراقي.
لقد صحح المؤلف مفهوما سائدا وهو أن الثقافة ليست في الشهاده الدراسيه, وسيرته الشخصيه ( رغم حيازته على أعلى مراتب العلم ) خير مثال على ذلك , فحدد بشكل واضح أن الثقافة هي الادراك الذي يمكن الانسان من تطوير معارفه واستغلالها, وأن هناك من لا يملك شهادات عاليه وحتى أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب الا أنه يملك ثقافة ووعي وعقل وتصرف .وضرب مثالين لأثنين من مئات بسطاء الناس الذين تعامل معهم في حياته المهنية الطويله.
ما أروع التربيه وقيم الشهامة والفروسية التي زرعها المرحوم والد المؤلف في نفسه ومنها عندما طلب التنازل عن دعوى قضائيه ضد شباب اضطروا لسرقة بعض الحاجيات من منزله الريفي المتواضع في منطقة الراشديه الذي أل اليهم ارثا , اذ أن عقوبة السرقة في ذلك الحين كانت تقضي بالاعدام فأنقذ حياتهم , كذلك وصايا والده برعاية الضباط المتقاعدين , عندما قال له أن هؤلاء فئة لا تحني الرأس وان ضاقت بها السبل ( وهذ الوصية بالغة الدقة ).
سررت بموقف المؤلف من اللجان في العمل الوظيفي , اذ أنه وجد تعريفا في مجلة ( ريدرز دايجست) أن اللجنه مجموعة من الناس لا ترغب في العمل تعين مجموعة من الناس لا تصلح للعمل لانجاز عمل لا داعي له.والدليل على صحة هذا التعريف هو ضياع الكثير من الحقائق وطمس بعضها بسبب اللجان , وفي الجيش يتردد مثال شائع هو اذا أردت أن تضيع الحقيقة فعليك بتشكيل لجنه.
ذكرتني رحلة الحج التي قام بها الكاتب في عام 2002 مع السيدة الفاضلة الحاجة زوجته بالمعاناة التي كابدناها أنا وزوجتي الحاجه وداد البياتي , في الحصول على أمنية العمر التي كتبتها عندما طلبت الاحاله على التقاعد , لكنها لم تتحقق في نهايةعام 1999. وانما وهبها الله لنا في عام 1911 وبواسطة زميل دورتي في الكلية العكريه سامي محمد صالح دون أن أتوقع , في حين تجاهل طلبي بعض أقاربي الذين كان بيدهم فعل مثل هذا الخير الكبير, وهي أولا وأخيرا دعوة من الله العلي القدير.
الى المؤلف الأستاذ الطبيب البارع الجليل والصديق , أسجل شكري وامتناني واعجابي لأنه حرك الذكريات العطرة وغاص في عالم الطب في العراق الرائع . رغم فقدانه الكثير الكثير من الورق والصور والوثائق . تحية اجلال وتقدير لنجوم الطب في العراق ورحم الله من غادر الحياة الدنيا ونسأل الله عمرا معطرا بالورود لمن عاش حتى يومنا هذا.
*دكتوراه في الفيزياء النوويه . خبير في البيئه
954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع