قصة قصيرة - القناص - (الجزء الاول)

                                                      

                             بقلم أحمد فخري

     قصة قصيرة - القناص - (الجزء الاول)

استيقظ ديفد على صوت المنبه بالقرب من سريره فقفز على عجل بخلاف باقي الايام إذ عادةً ما يتطلب الامر اكثر من نصف ساعة حتى يتمكن من تمالك زمام اموره بشكل اعتيادي. استيقظ وهو بغاية الاندفاع والاهتمام والحماس كي يذهب الى مكتب التجنيد في مدينة دنفر عاصمة ولاية كولورادو.

  

ما ان تناول قهوته وودع والديه حتى صار في شاحنته الصغيرة من نوع دوج قاصداً وسط المدينة إذ تبعد دنفر عن مزرعتهم الكائنة بـ (لتنتن) مسافة ساعتان فقط وهذا يعتبر وقتاً قصيراً على هذه الولاية المتناهية الاطراف.

وصل الى دنفر وصار يبحث عن المكتب بالشارع الرئيسي لكنه لم يتمكن من العثورعليه. توقف قليلاً وقرر ان يسأل بعض المارة علهم يرشدوه اليها فالوقت يمر بسرعة.

بقي يبحث كثيراً حتى لمح سيدة عجوز تسير بمفردها على الناصية فسألها من شباك شاحنته عن المكان فاشارت اليه بيدها كي يواصل السير الى الامام لمدة ربع ساعة ثم يوقف السيارة بمُحاذاة مركز الشرطة لان مكتب التجنيد ملتصقاً به تماماً. اتبع ديفد ارشاداتها فوصل الى ضالته لكنه تفاجأ بوجود يافطة كتب عليها (مغلق لغرض تناول وجبة الغداء، ارجع بعد ساعة). لذا قرر ان يتناول وجبته هو كذلك بدلاً من ان يضيع الوقت بالانتظار خارج المكتب. دخل احد المطاعم القريبة وطلب من النادلة اكلة محار جبال الروكي وهي اكلته المفضلة. بقي جالساً في مكانه بعد تناول الوجبة وصار يدخن لفافة في انتظار ان يحين الوقت فيرجع الى مكتب التجنيد. وعندما قربت الساعة من الانتهاء، دفع فاتورة الطعام وعاد الى المكتب فوجد الباب مفتوحاً هذه المرة. دخل هناك وقدم التحية للرجل الذي كان يرتدي زياً عسكرياً وقال له،
- سيدي جئت اليوم كي اتطوع بالجيش الامريكي.
فسأله السرجنت بولاك،
- ولماذا تريد التطوع؟
- لاني سمعت بخطاب للرئيس بوش الابن يقول ان صدام حسين يرغب في تدمير بلدنا من خلال ارسال الارهابيين اليه. وهذا ما سبب مأساة 9/11. اريد ان اكون جزئ من ذلك الجيش الاسطوري الجبار الذي يحطم الارهاب ويجعل بلدنا آمناً محباً للسلام والحرية والديمقراطية.
- هذا شعور نبيل يا... ما اسمك؟
- اسمي ديفد اوبنهايمر.
- اين تسكن يا ديفد؟
- لتنتن، والدي لديه مزرعة هناك واعيش انا معه ومع والدتي.
- وما هو تحصيلك العلمي؟
- انا خريج، تخرجت من المدرسة الثانوية قبل 5 سنوات. لكني لم التحق بالجامعة لاني لست ذكياً.
- ولماذا تعتقد انك ستكون مناسباً للخدمة بالجيش الامريكي؟
- اولاً وقبل كل شيء، انا مواطن صالح واحب امريكا. ثانياً انا هداف جيد فانا اصطاد جميع الارانب التي تعبث بمحاصيلنا الزراعية.
- لكن البشر يختلفون عن الارانب، اليس كذلك؟
- ليس عندما يكونوا امام فوهة بندقيتي سيدي فسيصبحون جميعهم ارانب، اعدك بذلك.
ضحك السرجنت بولاك وقال،
- اجلس يا ديفد واملأ هذه القسائم.
اخذ ديفد القسائم من ضابط التجنيد وصار يكتب كل التفاصيل التي طلبت منه وكانت كثيرة جداً، لكنه استمر حتى النهاية واكملها جميعاً. وعندما فرغ من الكتابة اعطاها للرجل وقال،
- ماذا تعتقد سيدي؟
- انا لا استطيع تقييم بياناتك الآن ولكن، كن مطمئناً لان ادارة التجنيد سينظرون بها وسيتصلون بك قريباً بعد الاطلاع عليها.
- هل تأذن لي بان اسألك سؤال مهم يا سيدي؟
- تفضل.
- هل تعتقد انهم سيوافقون على قبولي كقناص في قوات المارينز؟
ضحك العريف بصوت عال وقال،
- ان الانضمام الى فريق القناصة بالمرينز هو امر صعب جداً. وعليك اجتياز الكثير من الاختبارات. فانت مثلاً عليك ان تكون سباحاً ماهراً وان تجتاز كل الاختبارات الجسدية ويجب ان يكون نظرك 20/20 وإذا اجتزت ذلك كله فان الجيش سيقوم بتدريبك بشكل مكثف ومضني. وبعد كل هذه الدورات فإن اقل من الثلث فقط ممن يدخلون الى هذا الصنف ينالون لقب قناص.
- ارجو ان اكون منهم، شكراً لك سيدي.
وقف ديفد وادى التحية العسكرية ثم خرج.
رجع ديفد الى مدينته لتنتن ووقف امام بيت صديقته فلستي. اطلق زمارة سيارته الدوج فخرجت مسرعة وركبت معه بشاحنته وقالت،
- هاتفتك بالدار لكن والدتك اخبرتني بانك ذهبت الى دنفر كي تتطوع بالجيش. هل هذا صحيح؟
- اجل صحيح. هل لديك اعتراض؟
- طبعاً لدي اعتراض، انت اخبرتني انك تحبني وقد اتفقنا على الزواج. وانت تعرف انني حامل. فكيف تذهب وتعمل عملتك هذه؟
- انت تتكلمين وكأنني اقترفت جريمة يا فلس. انا عملت ما يجب ان يعمله اي مواطن صالح. انا ادافع عن بلدي وبالتالي فانا ادافع عنك وعن ابننا الذي في بطنك.
- لكني اخاف عليك يا حبيبي ولا ارديك ان تموت هناك.
- اسمعي مني يا فلس، انا لن اموت هناك اطمئني ساعود اليك مرفوع الرأس وسنتزوج وسيتربى ابننا او ابنتنا بين احضاننا سوف ترين.
- اريدك ان تعلم اني احبك واني سانتظرك مدى الحياة لو اضطررت الى ذلك.
- وانا احبك يا فلس.
- والآن اذهب الى بيتك لأن علي ان استيقظ مبكرة غداً صباحاً كي اذهب لفحص الطفل الذي ببطني.
- حسناً حبيبتي، احبك كثيراً.
- وانا احبك اكثر.
رجع ديفد الى المزرعة وهو مرتاح البال بعد ان قابل حبيبته فلستي وكذلك هو في غاية السعادة بما دار بمكتب التجنيد. وعندما وصل هناك اخبر والديه بذلك لكنهما لم يكونا سعداء بما فعل لانه ابنهما الوحيد وهما يخافان عليه من ان يقتل او يصاب او يقع في الاسر، لكنه اكد لهما انه سيحافظ على نفسه وانه سيعود لهما بخير بعد ان يقتل جميع العراقيين الارهابيين وعلى رأسهم الارهابي الاكبر صدام حسين. بعد العشاء استأذن من والديه وخرج بشاحنته الدوج قاصداً البار الوحيد الذي بالمدينة (گليز). وعندما دخل البار وجد صاحبه المقرب جوشوا فناداه وجلس بجانبه، سأله صاحبه،
- جئت الى بيتك هذا الصباح لكن والدتك قالت بانك ذهبت الى دنفر. اصحيح ما سمعت؟
- اجل، لقد تطوعت في الجيش. وما الغرابة في ذلك؟
- هل جننت يا رجل؟ كل يوم نسمع ان واحداً من سكان مدينتنا يرجع بكيس الموتى. وانت تريد ان تموت يا غبي؟
- انا ساصبح قناصاً بالمارينز وسيكون لي مرتب كبير.
- لقد سمعت ان مرتب المرينز لا يتعدى 49 الف دولار بالعام فقط. وهذا ليس مرتباً كبيراً.
- انا لا اتطوع من اجل المال فحسب. انا اريد ان اخدم بلدي واخلّصَها من الارهابيين. انسيت اني هدّاف ماهر وانهم سيتلاقفونني كي اصبح قناصاً لديهم؟
- ولماذا لا تعمل معي يا صاحبي. فانا اجني الكثير من المال بعملي وهو عمل سهل جداً ولا يعرضني للمخاطر.
- انت تتاجر بالممنوعات يا جوش وانا لا اود ان اتورط معك بذلك، انا اريد عملاً شريفاً. ولا اريد ان اقضي بقية عمري بالسجون.
- وهل العمل الشريف يعني انك تذهب الى بلد يبعد عنك عشرات الآلاف من الاميال وتقتل فيه الرجال والنساء والاطفال؟
- اسمع يا جوش، انا اتخذت قراري وسوف لن اتراجع عنه مهما حصل. افهمت؟
- فهمت يا ديفد، فهمتك جيداً تذكر فقط انني سافتقدك لو مت هناك في بلاد البربريين المتخلفين.
- دعنا نشرب نخب سلامتك الآن يا جوش.
- بصحتك.

                       بعد مرور ثلاث اعوام

رجع ديفد الى ارض الوطن وركب حافلة كبيرة تقله من العاصمة دنفر الى مدينته لتنتن وهو يحمل حقيبته الخاكي على ظهره ويغني اغنيته المفضلة (اربطي شريطاً اصفر على شجرة البلوط اذا كنت ما زلتِ تحبينني). وفي الحافلة التقى برجل مسن جلس على الكرسي الذي الى جانبه فسأله،
- هل انت عائد من القتال في العراق يا ولدي؟
- اجل سيدي.
- هل كنت بالقوة الجوية؟
- كلا، انا اخدم بقوات المرينز. انا كنت قناصاً من الصنف الاول.
- وهل قتلت الكثير من المقاتلين الاعداء.
- نعم، لقد حققت ارقاماً قياسية في عدد القتلى وقاموا بتقليدي اوسمة كثيرة على مهاراتي.
- هل سبق لك وان قتلت بالخطأ لبعض الاشخاص الابرياء؟
سكت ديفد ولم يجبه، سرح في ذاكرته العقيمة وكيف قام بقتل اشخاص بشكل عشوائي كي يستطيع ان يزيد من رصيده في عدد المقتولين. وكانت تلك اسوأ الذكريات المؤلمة لديه لكنه كان ينفذها دون تفكير. فقد مر زمن طويل على آلآم الضمير التي كانت تراوده في الوهلة الاولى لكن سرعان ما تجاوزها وصارت اموراً عادية لا يفكر بها كما لو كان يتناول فنجان قهوته في الصباح الباكر. علم ان الرجل المسن ينتظر منه جواباً فادار رأسه بعيداً عنه نحو الشباك وقال،
- اريد ان انام الآن. انا متعب جداً.
- انا اعرف ذلك النوع من التعب يا ولدي، فقد انتابني نفس الشعور عندما عدت من فيتنام وكنت قد قتلت الكثير من الفيتناميين الابرياء بالقرى الفقيرة. والآن انا لست فخوراً بما فعلت، فكوابيسهم لا زالت تطاردني وتقلق نومي حتى يومنا هذا. نم يا ولدي فالنوم افضل لمثل هذه الحالات.
بقيت اشباح الموتى الابرياء تطارد ديفد طالما كان جالساًعلى كرسيه واشكال الاطفال العراقيين الابرياء تحوم حول رأسه تماماً مثل هذا المقاتل العجوز الذي بجانبه. لكنه كان مصراً على ان لا يدخل بحالة PTSD لان عزيمته قوية وسوف لن يترك للامراض النفسية ان تنال منه.
وقفت الحافلة امام البار (گليز)، وهو البار الذي كان دائماً يرتاده مع صديقه جوشوا والذي يكبت الآن في السجن منذ اكثر من سنتين. نزل ديفد من الحافلة ونظر لبرهة على ذلك البار وتلك الايام الخوالي التي كان يقضي بها ايامه الجميلة عندما كانت افكاره نقية ولا يحمل احقاداً وغلاً ويفكر فقط بخدمة الوطن. والآن وبعد ما شاهد من اهوال خلال السنين الثلاثة السابقة، رجع كانسان مختلف تماماً. ضائع ولا يعرف اين سار به الماضي واين سيأخذه المستقبل. دخل البار كي يتناول بيرة مثلجة تطفئ عطشه وتزيل عنه عناء الطريق الطويل الذي مشاه كي يصل الى الديار.
حالما دخل البار، استقبله صاحب البار بوب قائلاً،
- انظروا ما جائت به القطة!
- اسعدت صباحاً سيد بوب. اراك لا تزال تتذكرني!
- وهل يُنسى الناس الذين مثلك يا ديفد؟ بالمناسبة فانا جداً آسف على وفاة والديك. انهما لم يستحقا تلك الميتة.
- هذه هي الدنيا يا بوب. لقد رجعت قبل سنة لمدة يومين فقط كي احضر مراسيم دفنهما ثم عدت ادراجي الى العراق.
- وكيف كانت الامور هناك؟ هل قتلت الكثير من الارهابيين؟
- ارجوك اغلق الموضوع. فانا لا اريد التحدث عنهم.
- كما تشاء يا ولدي. حسابك مدفوع عندي.
- شكراً لك يا بوب.
خرج ديفد من البار بعد ان تناول البيرة الباردة ورأسه يعج بالافكار المتضاربة، لكنه كان يريد العودة الى داره التي ورثها عن ابويه كي يقوم بتعميرها ثم يبيعها وينتقل الى ولاية فلوريدا حيث سيبدأ حياته من جديد مع حبيبته فلس. لكنه عندما وصل الى البيت لاحظ ان هناك اطفال يلعبون بحديقة الدار فسألهم،
- ماذا تعملون هنا؟
- نحن نلعب ببيتنا سيدي. من انت؟
- انا صاحب هذا الدار ومن انتم؟
- نحن نسكن بهذا الدار.
ركض احد الاطفال الى الداخل واستدعى امه، فخرجت امرأة ثلاثينية حاملة طفلاً رضيعاً وقالت له،
- تفضل سيدي، من انت؟ وماذا تريد من اطفالي؟
- لا اريد منهم شيئاً. لكنكم في بيتي، متى احتليتموه يا سيدتي؟
- نحن لم نحتل اي بيت. هذا بيتنا نحن، قمنا بشراءه منذ 11 شهراً. إذ وجدنا اعلاناً لاحدى شركات العقار وهي تعلن عن بيعه فحصلنا على رهن عقاري بعد ذلك واليوم نحن نسكن به انا وزوجي واطفالي الاربعة.
- وأي شركة عقارات هذه يا سيدتي؟
- انها شركة فيديرال هوم بدنفر.
- حسناً، انا آسف على الازعاج، وداعاً.
- تمهل يا سيد...
- ديفد، اسمي ديفد اوبنهايمر.
- لقد سمعت بهذا الاسم سابقاً، لحظة من فضلك. انت كنت صاحب هذا البيت اليس كذلك؟
- اجل.
- انا جداً آسفة على ما حصل، ولكن ليس باليد حيلة.
- لا عليكِ سيدتي. ساتدبر امري، وداعاً.
تركهم ديفد وهو بغاية الحزن لانه شعر انه اصبح بدون مأوى وبدون عائلة وليس له اي انسان يحبه ويهتم به، وهو لا يعلم ما حل بصديقته فلستي وولده او ابنته المرتقبة. لذا قرر ان يذهب الى مكتب شركة فيديرال هوم كي يتحقق من الامر ثم يذهب الى بيت فلستي بعد ذلك كي يقابلها ويطلبها للزواج مباشرة. ركب حافلة نقلته الى وسط مدينة دنفر فنزل منها امام مكتب التجنيد الذي دخله قبل ثلاث سنوات عندما كان مليئاً بالحماس كي يصبح جندياً بهذا الجيش الاسطوري. الجيش الذي اتضح انه اداة بيد ساسة ومرابين وقتلة ومجرمين. يوجهونه كالكلاب المسعورة كي ينهش بدماء الابرياء حول العالم.
وجد ديفد يافطة كتب عليها شركة فيديرال هوم فدخل المكتب وتحدث مع موظفة الاستعلامات طالباً منها مقابلة مدير الشركة فاتصلت بالهاتف الداخلي ثم طلبت منه ان يتبعها. دخل ديفد مكتب مدير الشركة فاستقبله واشار اليه بالجلوس بينما كان يكمل حديثه على الهاتف.
- انا اسمي السيد رايدر مدير شركة فيديرال هوم. كيف استطيع خدمتك؟
- انا اسمي ديفد اوبنهايمر، واريد التحدث معك عن بيتي.
- اوبنهايمر، اوبنهايمر، لحظة واحدة لو سمحت، الست المالك الاسبق للبيت الذي بمنطقة اوك وودز بلتنتن؟
- اجل انا هو. لقد عدت للتو من الخارج بعد ان اديت الخدمة العسكرية. لكني وجدت بيتي قد سكنه الاغراب واني اصبحت فجأة مشرداً وبلا مأوى. اخبروني انكم انتم من قمتم ببيع البيت. فهل هذا صحيح؟
فتح المدير بعض الملفات وتفحصها ثم رفع رأسه ونظر الى ديفد قائلاً،
- اجل هذا صحيح. التقرير هنا يقول ان والدتك كانت مريضة بالسرطان، لذلك قام والدك برهن البيت كي يتمكن من علاجها وعندما توفت لحق بها وتوفى بعد ثلاثة اسابيع دون ان يرد الرهن العقاري مما جعل البيت تابعاً لشركة الرهن. لذلك قامت شركتنا ببيعه كي تسترد اموالها.
- لكن هذا البيت تابع لي انا ايضاً وقد ذهبت الى الخارج كي اقاتل من اجل الوطن. اقاتل كي احمي بلدنا من الارهابيين والاشرار. اهذا هو مصيري؟ اهكذا تكافئني امريكا؟ اهكذا تكافئني شركتكم؟
- اسمع مني يا سيد ديفد، الامر ليس شخصياً ابداً. المسألة مسألة مال، وليس هناك خلطة سحرية كي نجعل المال ينبع من بين الصخور. لذلك عليك ان تتقبل الواقع وان تترك الامور على حالها فليس لديك الكثير من الخيارات.
- انا اشكرك يا سيد رايدر، انا خسرت بيتي، وداعاً.
- تمهل يا ديفد. إذا كنت تريد عملاً، فنحن نبحث عن حارس ليلي للشركة.
- كلا، شكراً. انا لن انزلق الى مثل هذا المستوى الضحل.
ضحك المدير على رد ديفد باستهزاء وقال،
- واي مستوى تريد يا سيد ديفد؟ مدير الشركة مثلاً؟ ربما تريد وظيفتي؟
انتفض ديفد واقفاً ولكم المدير لكمة قوية اسقطته ارضاً ثم التقطه ثانية وصار يكيل له الضربات. دخلت السكرتيرة فوجدت ديفد ممسكاً برقبة المدير فصرخت وهربت الى مكتبها واتصلت بالشرطة. وصلت الشرطة بعد دقائق معدودة والقوا القبض على ديفد. وُضِعَ ديفد في سيارة شرطة ونقل الى المركز حيث شاهد الشريف مكنزي جالساً وراء مكتبه فقال له،
- اهلاً ديفد، لم يمضي على وصولك للديار سوى بضع ساعات حتى جاءوا بك مكبل اليدين الى هنا. ما الامر يا ولدي؟
- يا شريف، لقد قام هذا الوغد باهانتي. انا رجعت الى الديار فوجدت ان حياتي كلها قد انهارت بعد ان ذهبت لكي اقاتل من اجل الوطن.
- انا اعرف والدك كوهين اوبنهايمر، وقد كان انساناً صالحاً، كذلك كانت والدتك طيبة، رحمهما الله. الآن انت رجعت من الخارج ويجب عليك ان تبدأ بداية طيبة، لا ان تسبب المشاكل هنا وهناك. حاول ان تستعيد زمام امورك وان تجد عملاً تسترزق منه.
- انا لا املك مكاناً اسكن فيه، فاين تريدني ان انام؟
- اسكن بالفندق اليوم يا اخي. ساقوم باطلاق سراحك على مسؤوليتي بالرغم مما فعلت لاني اعرف ابويك جيداً. لكنك يجب ان تعدني بان تُحَسّنَ من افعالك، فانا سوف لن اتوانى في رميك بالسجن اذا جئتني مرة اخرى بمثل هذه التصرفات. افهمت؟
لم يجب ديفد على كلام الشريف. بل حمل حقيبته وخرج. وبينما هو سائر في المدينة شاهد المطعم الذي دخله قبل ثلاث سنوات عندما جاء للتطوع بالجيش فقرر ان يدخل هناك. جلس على احدى الطاولات وطلب من النادل وجبته المفضلة وهي اكلة محار جبال الروكي. راح النادل كي يحضر الوجبة فشاهد ديفد وجهاً مألوفاً لديه. انه صديقه المقرب جوشوا. فابتسم له ووقف جوشوا ودنى منه قائلاً،
- ديفد، لقد عدت الى الديار؟ لا اصدق ذلك، يا الهي كم انا سعيد برجوعك.
- ظننت انك في السجن يا جوش، او على الاقل هذا ما اخبروني به.
- لقد خرجت قبل بضعة ايام يا ديفد. وانت؟ ماذا تعمل؟ ومتى عدت؟
صار ديفد يخبر صاحبه على خسارة بيته ومدير شركة فيديرال هوم ومشكلته مع الشريف وبالآخر قال،
- وانا الآن مشرد. لا املك مكاناً اسكن به وقد قررت ان اسكن بالفندق.
- هراء. انت لن تسكن باي فندق. بيتي مفتوح لك يا ديفد في لتنتن وسوف يكون (مي كاسا سو كاسا) اي بيتي هو بيتك كما يقول المكسيكيون.
- احقاً ما تقول يا جوش؟ انا اشكرك الشكر الجزيل. اعدك باني لن اطيل البقاء عندك فساغادر بيتك حالما اجد عملاً مناسباً.
- عمل؟ من طلب منك ان تعمل؟ انت صديقي وستبقى عندي طالما انت مرتاح وترغب الاستمتاع باوقاتك. فانا لدي جميع سبل المتعة والراحة. بيتي سيعجبك يا ديفد، هذا وعد مني. دعنا نذهب الآن.
- انتظر قليلاً. انا جائع واريد ان اكمل طعامي هنا.
- حسناً ساقابلك في البار فيما بعد.
- اي بار هذا؟
- بار (گليز) طبعاً في لتنتن وهل هناك بار غيره؟
- حسناً اراك لاحقاً يا صديقي.
رجع ديفد من دنفر وذهب الى البار حيث التقى بصاحبه جوشوا. وحالما التقيا وقف وقال،
- دعنا نذهب الى بيتي مباشرة كي تتخلص من هذه الحقيبة اللعينة التي تحملها معك اينما ذهبت.
خرج الاثنان خارج البار فلاحظ ديفد ان صاحبه يملك سيارة فاخرة من نوع كاديلاك. لكنه لم يلمح بشيء عسى ان لا تفهم تلميحاته بالشكل الخطأ، خصوصاً وانه في حاجة لصاحبه الآن اكثر من اي وقت مضى.
- بماذا تفكر يا ديفد؟
- افكر باني حقاً محظوظ لاني التقيتك اليوم، لولا ذلك لكنت الآن واقفاً بطابور جيش الخلاص.
- اخبرني يا ديفد، الم يعطوك مرتب جيد في المارينز؟ ماذا فعلت بنقودك؟ الم تقم بالادخار قليلاً؟
- كلا، لقد اعجبت بالقمار، فكنت كلما يدخل مرتبي ارميه على طاولة القمار مع زملائي بالجيش وابقى استلف طوال الشهر.
- على العموم هذا امر يخصك يا ديفد، كل ما اريده هو ان اريحك وان امنحك اوقاتاً سعيدة في بيتي المتواضع.
وصلت السيارة الى منطقة معزولة من المدينة وشاهد ديفد بيت صاحبه الذي يوحي بانه منزل اغنياء. دخل المنزل وقال جوشوا،
- ادخل يا ديفد، سادلك الى غرفتك الخاصة.
- لكني استطيع ان انام بغرفة الصالون على الارض اذا لزم الامر. فانا تعودت على النوم على الارض عندما كنا نقاتل بالفلوجة.
- ولماذا تفعل ذلك؟ البيت فيه 4 غرف نوم وبامكانك اختيار اي واحدة منها، ما عدى غرفتي طبعاً.
- طبعاً.
صعد الصديقان الى الطابق العلوي وسارا بممر طويل تطل عليه ستة ابواب. اربعة منها غرف نوم وحمامان اثنان.
- انت تعيش بعز وبحبوحة يا جوش، هذا شيء مفرح.
- اسمع مني يا ديفد، لا تتردد بان تطلب مني اي شيء. وهذه بعض النقود اريدك ان تضعها بجيبك كمصروف.
- هذا كثير انه الف دولار يا رجل. ليس لدي الكثير من المتطلبات يا جوش.
- لا عليك. فقط اخبرني إن احتجت الى المزيد. افهمت؟
- اجل فهمت. شكراً.
- والآن ساتركك ترتاح بالغرفة التي اخترتها لنفسك وساخرج لان لدي امور يجب ان اكملها ثم اعود متأخراً بالليل.
خرج جوشوا من الدار وصعد ديفد الى الطابق العلوي وصار يفرغ ملابسه بدولاب احدى الغرف الشاغرة ثم دخل واخذ حماماً سريعاً ثم عاد فدخل السرير ولم يشعر الا وهو يغوص بنوم عميق وكانه لم ينم منذ قرن من الزمان.
باليوم التالي استيقظ على اصوات الطيور وهي تغرد بحديقة المنزل. نزل الى الطابق السفلي فوجد صاحبه جوشوا جالساً فحياه وقال،
- صباح الخير جوش.
- صباح الخير ديفد، كيف اصبحت اليوم؟
- انا بخير شكراً. ما هي مخططاتك لهذا اليوم يا جوش؟
- سيأتي احد الاصدقاء الى بيتي بعد قليل. انه ليس صديق بالمعنى المتعارف عليه. بامكانك القول انه زميل عمل.
- هل تريدني ان اخرج كي اترك لكما الخصوصية؟
- كلا، كلا، بالتأكيد لا. اريد ان اعرفك عليه فهو انسان لطيف جداً وطيب. بالاضافة الى ذلك هو آتي لكي يجلب لي بعض النقود.
وما ان اكمل تلك الجملة حتى سمعا صوت جرس الباب. دخل شابٌ بالاربعين من عمره يرتدي بدلة سوداء ثمينة ويحمل معه حقيبة دبلماسية صغيرة. قال جوشوا،
- يا ديفد اعرفك بـالكس، يا الكس اعرفك بديفد.
الكس: انا سعيد بلقائك، لقد حدثني جوش عنك الكثير وكنت اتوق لرؤيتك.
ديفد: حقاً، وماذا قال لك عني؟
الكس: قال انك انسان مهذب وانك صديقه منذ امد بعيد وانك رجعت للتو من العراق بعد ان قمت بالقضاء على الارهابيين العراقيين.
- هذا صحيح، وانا اقيم عند جوشوا بشكل مؤقت حتى اجد عملاً مناسباً.
التفت الكس الى جوشوا واعطاه ظرفاً وقال،
الكس: هذه حصتك من الصفقة التي قمت بتسليمها، انها 45 الف دولار.
جوشوا: لكنك قلت انها ستكون 40 الف فقط.
الكس: المعلم قال انك تستحق اكثر من ذلك. لذا فقد قرر ان يبعث لك مبلغاً اضافياً لانك تستضيف صاحبك وقد تكون لديك مصاريف اخرى.
جوشوا: ارجو ان تشكر المعلم عني وتخبره باني جداً ممتن لكرمه. اني مستعد لاي مهمة جديدة بامكانه ان يطلبها مني.
نظر الكس الى ديفد وقال،
- وهل تريد ان تعمل معنا يا ديفد؟
- بالواقع سيزيدني شرفاً ان اعمل معكم. ولكن، هل استطيع ان اعرف نوع العمل الذي تعملونه؟
الكس: كل اعمالنا مقاولات. ولا نكلف احد بمهمة ليس له القدرة على تنفيذها. فانت مثلاً، تدربت على القنص. لذا فاننا سنقوم باعطائك مقاولات كي تقنص بعض الاشخاص الغير مرغوب بهم. هم جميعاً اشرار ونحن لا نطلب منك ان تقتل شخصاً صالحاً ابداً.
ديفد : دعني افكر بالموضوع. فانا لم اقم بمثل هذا العمل من قبل.
الكس: لكنك قلت انك كنت تقتل الارهابيين بالعراق. وهؤلاء الذين هنا اسوأ بكثير من الارهابيين هناك. كلهم اشرار ويستحقون الموت مرات عديدة.
ديفد: كما قلت لك ساخبرك برأيي فيما بعد.
الكس: حسناً ولكن لا تدعنا ننتظر كثيراً فالسوق مليء بالقناصة العائدون من العراق وافغانستان. وبامكاننا ان نتعاقد مع غيرك بكل سهولة.
ديفد: وكم تبلغ اجرة العملية الواحدة؟
الكس: تعتمد على الهدف. فهناك اهداف صعبة لذا فانها ثمينة ويبلغ سعرها 50 وبعض منها ليس مهم جداً يبلغ سعرها 20 .
ديفد: 50 و 20 دولار؟
الكس: 50 و 20 الف دولار طبعاً. احياناً نطلب منك التخلص من اكثر من هدف واحد باليوم الواحد فقد يصل دخلك الى 200 الف دولار.
جوشوا: هذا يعني انك ستصبح مليونيراً يا صديقي بوقت قصير.
ديفد: حسناً اخبر المعلم اني موافق واريد ان اقابله.
الكس: المعلم لا يقابل احداً ابداً. اذا رضيت ان تعمل معنا فان المعلم سيرسل لك ملف فيه تفاصيل هدفك. ثم سيقوم بتسليمك اجورك بصورة غير مباشرة من قبل احد اعوانه كأن اكون انا او جوشوا او شخص آخر في المنظمة.
ديفد: اخبر المعلم اني اصبحت رجل من رجاله الآن. وانا في انتظار اول مهمة.
الكس: ساخبره بذلك. كن على استعداد كامل. لكني اريد ان احذرك من شيء مهم جداً. عندما تستلم تفاصيل الهدف، وقتها لا تستطيع رفض المهمة او مناقشة ما اذا كان الهدف يستحق الموت او لا يستحق الموت. عليك التنفيذ فقط مفهوم؟
ديفد: مفهوم يا الكس.
خرج الكس وهو في غاية السعادة وانطلق الى قاعة رياضة بوسط المدينة حيث التقى باحد الرجال هناك ممن كانوا يتمرنون على رفع الحديد وقال له،
- لقد تم توظيف ديفد سيدي، بامكانك ان تعتبره الآن كواحد من رجالنا.
- عمل رائع يا الكس. دعنا نعطيه مهمة بسيطة ونجربه (الشريف) دعنا نرى اذا كان سينفذها ام لا. ابعث له العقد غداً واخبره انه امر مستعجل. واعطه (الونچستر) الموجودة في خزانة سيارتي ومعها صندوق من العتاد وقل له انها هدية من عندي.

   

الكس: كما تشاء سيدي. ولكن...
- ولكن ماذا؟
- الشريف هو صديق والده وهو يعتبره كما لو كان ابنه.
- وهذا هو احسن اختبار للطاعة. فلو طاعنا بالشريف فانه سيطيعنا باي شخص نشير اليه بسبابتنا.
- وهو كذلك.
باليوم التالي احضر جوشوا رسائل البريد من الخارج ونادى على صاحبه قائلاً،
- يا ديفد الافطار جاهز.
نزل ديفد وسلم على صديقه وجلس على طاولة الطعام،
- لقد وصلتك رسالة يا ديفد.
- رسالة لي؟ مِن مَن؟ لا احد يعرفني هنا!
- افتحها وانظر ما بداخلها. فقد تكون مهمة!
فتح ديفد الرسالة فوجد بها صورة للشريف فقط.

           

- ما هذا يا جوش؟ انها صورة الشريف مكنزي.
- هذا يعني ان مهمتك القادمة ستكون اغتيال الشريف. اين الغرابة في ذلك؟
- لكنه كان صديق والدي المقرب وقد ساعدني بالامس فكيف تريدني ان اغتاله؟
- هذا مجرد عمل وليس به خلط للامور الشخصية. يجب عليك اغتياله والا فانك في خطر كبير.
- اتقصد انني لو رفضت التنفيذ فانهم سيقتلونني؟
- اجل بدون اي تردد. والآن خذ هذه البندقية التي احضرها لك الكس صباح هذا اليوم وقال انها ملك لك من الآن فصاعداً.
- حسناً سانفذ المهمة.
- لدي سؤال مهم اريد ان اسألك يا ديفد؟ هل تستطيع سرقة سيارة؟
- ولماذا تريدني ان اسرق سيارة. اهذه من متطلبات القتل ايضاً؟
- انا متأكد انك لا ترغب الذهاب الى مسرح العملية بسيارة مسجلة باسمك او باسم احد من معارفك، اليس كذلك؟
- لديك الحق. اجل استطيع سرقة اي سيارة اريدها ما عدى السيارات الاوروبية.
- إذاً اسرق سيارة امريكية ودعنا ننتهي من هذه المسرحية الهزلية. خذ معك هذا القضيب، انه يدعى سلم جم وهو يساعدك على فتح ابواب السيارات.

                                              

خرج ديفد وهو في قمة الغضب، لا يعرف ماذا يعمل. هل يذهب الى الشرطة ويخبرهم بكل شيء كي يلقوا القبض على هذه العصابة؟ هل سيستطيع ان يخبرهم عن اسم المعلم؟ هل ان اسم الكس هو اسمه الحقيقي ام اسم مستعار؟ ربما ستشك به الشرطة المحلية وتحوله الى الاف بي آي ثم يتورط بمصيبة اكبر مما هو عليها. ربما قتل الامريكان سيكون بنفس سهولة العراقيين. يجب ان يجرب.
الى اللقاء بالجزء الثاني والاخير من (القناص).

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

867 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع