الدكتور عبدالقادر محمد
تمهيد
استبشر الناس بصيص أمل الحرية والتي طال أمد تجسيدها كما يراد، إلا إنها اصطدمت بعقبة تناغمها مع الحقيقة المرجوة وذلك عن طريق إيجاد ما يسمى بالمخبر السري، لذا يجب عدم فسح المجال للمخبرين للاتفاق مع بعضهم او مع قسم من عناصر الاجهزة الامنية لتضليل المحقق واخذ إفادته بتروي وتدوينها حرفيا ومطالبته بتقديم جميع المعلومات والمستندات التي بحوزته والتي تثبت ادعاؤه .
لا يخفى على القارئ إن الحقوق والحريات قد كفلها الدستور العراقي. ولئن حق العقاب على الطالح ، فان الحرية أحق بالصالح ، وليس من المعقول أن نخرق ذلك عن طريق المخبر السري القديم الجديد الذي اطر المعلومات على الكذب والتأويل والافتراء في أغلب الإفادات، وكذلك شراء الكيد من أفواه الآخرين بدوافع شخصية وأحقاد فردية رخيصة أو ولاءات حزبية أو طائفية أفرزتها المرحلة ما بعد الاحتلال والجدير بالإشارة إن وجود (المخبر السري) في تطويق ورصد الجريمة وملاحقة مسببيها وإنقاذ الأبرياء قبل وقوع الشر تعد خدمة جليلة طالما أنجزت في هذا الإطار إذ عليه أن يقف على مسافة البعد الإنساني والأخلاقي التي يفرضها الضمير الحي للحيلولة دون الانزلاق في مهاوي الكيد الظالم ، ويكون المخبر قد اشغل الكثير من رجال الآمن والقضاء وآخرين وهم يخوضون في قضايا لا أساس لها من الصدق، وفي ذلك مضيعة للوقت والجهد وتقصير على حساب قضايا ملحة، ناهيك عن تعدد الإضرار المعنوية والمادية التي تلحق بالمتهم وذويه من خلال توكيل محامين وأشباه المحامين وآخرين من سماسرة الشدائد كما يسمون وما أكثرهم اليوم ومن ثم رفع اللافتة المعروفة على واجهة بيت المتهم البريء مكتوب عليها ( الدار للبيع ) بعد نفاذ مقتنيات العمر كلها( بجرة قلم لمخبر سري) ولكي نجعل من الحرية مثالاً حياً في المجتمع تلك التي طال انتظارها وحتى لا يطلق على العراق ( بلد المخبرين) فيكفي سكوتاً وصمتاً ولينال هذا المخبر البغيض من العقاب قضائياً على أفعاله كونه ممكن أن يحول أنسانا شريفاً مبدعاً إلى إرهابي بأخبار كيدي ومنهم من قادته إلى وشاية المخبر السري إلى الموت ومنهم من امتد اثر التهلكة الكيدية إلى عائلته أو أصدقائه، ولو كانت في العراق مراكز متخصصة للأبحاث والدراسات النفسية لأمكن معرفة تأثيرات المخبر السري على جيلين أو أكثر من العراقيين الذين باتوا لا يثقون بأقرب المقربين لهم وهو ما نلمسه بشكل واضح من العلاقات السياسية والاجتماعية، ودولة القانون يبنيها رجال القضاء والقانون بتحقيق العدل النزيه الطيب الرحيم الكريم الشهم الشجاع الأمين الوطني ولا يبنيها المخبر السري الكذاب المفتري الجاسوس، الذي أصبح بفضل ازدياد نشاطه ودعمه ازدياد عدد الموقوفين والمحتجزين العراقيين وأصبح بطل هذا الظاهرة وصانعها والكائن المكلف بإملاء السجون والمعتقلات هو المخبر السري، وما تناقلته وكالات الإنباء وأجهزة الإعلام وما أظهرته وقائع دعاوى عديدة منظورة من القضاء العراقي، بان الضجر الذي يصيب جار يمكن أن يدفعه المخبر أو المصدر للأخبار عن جاره بأنه إرهابي آو التلميذ الذي كره معلمه ان يبعث برسالة إلى الجهات الأمنية لاعتقال معلمه واتهامه بالإرهاب ومشاجرة بين صديقين كانت سبباً لاتهام الأخر بالمتاجرة بالسلاح ومخبر أدلى بإفادته واتهم شخصا بأنه( قناص بغداد) في حين ثبت إن هذا الشخص هو ضرير، وغيرها كثير مما يؤكد استشراء ظاهرة (المخبر السري وإخباره الكاذب) والوشاية الكيدية، ومن ابسط متطلبات العدالة محاسبة ومعاقبة كل من زج ببريء في السجن، فمن حق البريء مقاضاة من ظلمه ومن الحق والعدل حماية المجتمع من كائن افتقد الضمير .
والمخبر كانت بضاعته رائجة بين قوات الاحتلال وبين الأحزاب الطائفية وتنظيم القاعدة وتارة يكون(المخبر السري أو المصدر) يعمل مع الجميع دفعة واحدة فكانت النتيجة هو العنف الطائفي وقتل الأبرياء واعتقالهم وتهجير الكوادر وبعد استلام الحكومة الانتقالية وبعدها المنتخبة امتازت هذه المرحلة بعودة العمل(بوكيل الأمن) وبحلة جديدة وغطاء قانوني تحت عنوان(المخبر السري أو المصدر) باستصحاب الحالة السابقة مع تغير طفيف وكان شعار المخبر السري أو المصدر( لعيون العراق فتح عيونك) وفعلاً تم فتح كافة السجون والمعتقلات لعين العراق وأصبح قول( المخبر السري) أو المصدر وفعله وتقريره حجة على الجميع وحتى على القضاء وللأسف لو تحرينا قوانين الدول المتحضرة وغيرها لم نجد مثل هذه الظاهرة ولا يوجد مجتمع إسلامي أو غير إسلامي يأخذ بالقول من دون دليل وحجة قاطعة والقاعدة الفقهية تنص(ادرؤوا الحدود بالشبهات)
ويحدونا الأمل في حكومتنا القديرة أن لا تجعل من الحرية مجرد شعارات وتعتمد عنوان الغاية تبرر الوسيلة كما كنا وعلى القضاء العراقي أن لا يجعل الحبل على الغارب إلى من هب ودب في دائرته المقدسة قدسية
القرآن الذي بين يديه واليمين الذي قطعه على نفسه عند تبوء إحقاق الحق إلا بعد التحري الشديد عن صحة ومصداقية وأمانة وموثوقية شرفه وتمحيص ما يجعله من الخبر اليقين وبعدها يلزم المخبر أو المصدر السري بالتعهد الخطي وانه سيواجه العقوبة الصارمة وفق القانون أن تبين كذبه وتأويله، وسنقوم في دراستنا هذا التطرق الى كل ما يتعلق بالمخبر والمصدر السري بطريقة قانونية وقد قسمنا دراستنا هذه (وهي بالأصل كتاب تم طبعه، سنة 2010) إلى مقدمة وبقية التفاصيل على شكل نقاط وفق الآتي :
أولا / المخبر و المصدر عون للمحقق
يعتبر المخبر السري الوساطة التقليدية لبعض الجرائم والدلالة على فاعليها ألا أن هناك عدداً لا بأس به من الجرائم الغامضة التي كشفت خيوطها، واستخدام المخبر السري من الجنسين شائعة في كافة دوائر الأبحاث الجنائية في العالم فهو أذ واسطة من الوسائط التي يلجأ أليها رجال الأمن بجمع المعلومات عن الإرهابيين والقتلة واللصوص والهروب من الهاربين والمشبوهين وغيرهم ويختلف رجال القانون وبعض ألمعنيين بعلم الشرطة والأمن حول مشروعية استخدام المخبرين فبعضهم يعارض بصورة شديدة بينما لا يعارض البعض ألأخر أستخدمه عند الضرورة ويطلق عليه في (مصر) المرشد، ويعتبر المخبر اقصر طريق تقليدي لإماطة اللثام عن غوامض الجريمة وخفاياها أو التوصل إلى مخبأ متهم مطلوب القبض عليه، ولقد كان للمخبرين في السنوات الأخيرة دورهم في عدد من القضايا المستعصية وتعتمد الأجهزة الأمنية على خدمات المخبرين إذا قد يكون لمخبر واحد او مصدر في منطقة ما الفضل في الكشف وإلقاء القبض علي عشرات الأشخاص المجرمين وأصبح استخدام المخبر السري من الأجهزة الأمنية شائعا تماماً، وفي الغرب يعتمد على المخبرين في قضايا الضرائب والمخدرات كثيراً لكن النسب المئوية في العراق أكدت إن الاعتماد على المخبر السري والمصدر أصبح يشكل خطراً كبيراً على الحريات الفردية وأصبح وسيلة انتقامية أغراضها سياسية طائفية شخصية وبالتالي يؤثر في تحقيق العدالة التي هي المطلب الأهم، والمخبر في كثير من أعماله يجب أن يكون عون للمحقق وتدفعه الحمية الوطنية لصالح المواطن وان يكون عمله متسقاً مع آداب المهنة وأصولها.
ثانيا / تقسيم المخبرين آو المصادر :
لا يخرج المخبرون والمصادر السريون عن الفئات الآتية:
1-أشخاص لهم احتكاك بالمجرمين بحكم عملهم مثل أصحاب الحانات والخدم والباعة المتجولين
2- ذو النشاط الإجرامي الذين توقف نشاطهم الإجرامي غير أنهم ما زالوا يحتفظون بصلاتهم القديمة بزملائهم من ذوي النشاط الإجرامي المماثل والذين ما زالوا يزاولون نفس النشاط 0
3- مواطن صالح شاهد آو سمع معلومات تفيد في الوصول إلى الجاني لحادث وقع ولدافعه الوطني وحبه للصالح العام يقوم بالأخبار عما لديه من معلومات 0
4- ذوي النشاط الإجرامي ممن يستمرون في مزاولة نشاطهم الإجرامي 0
5- شخص تغريه المكافأة المعروضة على من يتقدم بمعلومات في موضوع معين فيتقدم للإدلاء بما لديه من معلومات في هذا الموضوع للحصول على المكافأة 0
6- شخص توجد بينه وبين الجاني خلافات وخصومات فتدفعه الرغبة في الانتقام والحقد إلى الوشاية بالجاني0
ويمكن تقسيم المخبرين أو المصادر عموما إلى :
1- المخبر الدائمي (المحترف) :
وهو ما يسمى بمصدر المعلومات وهو مستمر بالعمل مع الأجهزة الأمنية ويتم اختيارهم من المواطنين ويطلب منهم تتبع أخبار الإرهابيين والمجرمين وجرائمهم وذلك لقاء رواتب شهرية تدفع لهم من خزينة الدولة ومهمتهم جمع المعلومات وتقديم الخدمات التي تساعد على اكتشاف الجريمة وتقديم تقارير دورية وغالباً ما يكون من أعضاء المنظمات ألإجرامية أو المشاركين المقربين للمجرمين المعروفين ولهذا النوع من المخبرين دوافع متنوعة فمنها:-
أ- الحصول على مخصصات مالية ثابتة من الأجهزة ألامنية0
ب- الحصول على فوائد عينية أو تسهيلات رسمية (حصل منهم سكن في بيوت المهجرين)0
ت- استغلال علاقاته الحميمة برجال الأمن في ممارساته الخاصة 0
2- المخبر الوقتي:
ينتهي عمله كمخبر بانتهاء القضية والوصول إلى الجاني آو ضبط الجريمة وهي على وشك الوقوع، ويكون عادة من العاملين في الفنادق آو دور السينما آو الملاهي والحانات آو من سواق السيارات وبائعي الصحف والبوابين والنقالين وبائعي الخمور والحلاقين والخياطين وغيرهم، ويكلفه المحقق بمراقبة المشتبه به وتقديم المعلومات التي يتوصل إليها للمحقق للكشف عن الجريمة ، وذلك لقاء مكافئة تتناسب مع ما يقدم من معلومات، وعلى المحقق أن يكون يقظا من تقارير المخبرين الدائمين والوقتيين فقد يلفقون بعض الأمور آو يضيفون على ما يحصلون عليه من معلومات بسيطة أمورا لكي يظهروا بأنهم مجدون فيما كلفوا به0
3- المخبر الذي تم القبض عليه :
وهو شخص يتم ضبطه في جريمة أثناء آو قبل آو بعد ارتكابه جريمة معينة بالاشتراك مع آخرين وقد يكون هذا النوع من المجرمين شخصاً اعتاد ارتكاب جريمة معينة مكنته من التعرف على آخرين يمارسون نشاطاً إرهابيا أو إجراميا مماثلاً0
4- المخبر المعتاد:
شخص يدلي بمعلومات لديه على فترات متقطعة في سبيل مصلحته أو منفعته الشخصية او تكون دوافعه طائفية او مذهبية0
5- المخبر مجهول :
وهو شخص غير معروف يقدم معلومات جنائية قيمة عن طريق الهاتف أو الخطابات غير الممهورة وغالباً ما يستغل هذا المخبر المجهول إخباره للإيقاع بالأبرياء أو الانتقام منهم بإلصاق التهم الكاذبة ولكن هناك عدد لا يستهان به من المواطنين لهم الرغبة في التعاون مع الأجهزة الأمنية ومن الممكن حصر المخبرين السريين المجهولين وتحديدهم وفق أرقام سرية تمكن من اختيار مصداقيتهم
6-المخبر بالصدفة :
وهو شخص يتحصل على معلومات عن طريق الصدفة آو بحكم عمله آو لظروف جعلته يصل إلى تلك المعلومات ويقوم هذا النوع من المخبرين بالإدلاء بالمعلومات في سبيل الحصول على مكافأة مالية آو بوازع من ضميره دون انتظار أي اجر
7- المخبر المستتر :
وهو من الإفراد النظامين في الأجهزة الأمنية يتم تكليفهم بمهام محدودة تحت ستار العمل في مهن أخرى تمكنهم من جمع المعلومات الجنائية لفترات زمنية محددة آو لكشف غموض جرائم محدودة، ويعتبر المخبر أو المصدر في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب من أهم واخطر طرق التحري وجمع المعلومات ويستهدف عمل المخبر تحقيق احد الأهداف التالية :
1- جمع المعلومات الدقيقة عن هوية الأشخاص المشتركين في علميات إرهابية آو إجرامية
2- متابعة التحضيرات والخطط التفصيلية التي يتم بها تنفيذ الجريمة 0
3- كشف أماكن إخفاء الأسلحة والمتفجرات والعبوات الناسفة والمواد ذات الصلة بالجريمة ونوع تلك المواد وحجمها 0
4- تحديد الوقت المناسب لتنفيذ الجريمة 0
5- تزويد الأجهزة الأمنية بسير العمل الإرهابي أو الإجرامي0
6- توفير أدلة صالحة لإدانة المتهمين أمام المحاكم الجنائية 0
7- حماية الأرواح والممتلكات عند الضرورة 0
ثالثا: ((المصدر ))
يكون لدى الأجهزة الأمنية الفعالة في القضايا الجنائية العاملة ضمن منطقة معينة عادة عدد من مصادر المعلومات يتم اختيارهم من مختلف الطبقات والمهن والمشارب يقومون بمراقبة المظنون، والمرمى الأول للمحققين في الأجهزة الأمنية هو الحصول على المعلومات الفردية ومضاهاة الحقائق التي يكشف عنها المصدر من خلال أجراء عملية تقويم وتدقيق هذه المعلومات واختبار مراميها، وتعتبر مهمة المحقق مضجرة ومملة وأساسية في ملاحظة الفاعل الأصلي في ادعاءات المصدر مما يتطلب القيام بمراقبة ثابتة على مكان المظنون وبموجب إجراءات أصولية قيمة , وموضوعية؛ باستخدام منهج لتحوطات معينة من الحيطة والحذر وأسلوب مراقبة خاص يعتمد على إجراء تحري على الأمكنة والأشخاص ووسائط النقل
لغرض الحصول على معلومات ذات نتيجة بأنشطة المظنون (الهدف) والجرائم الإرهابية ( تصنيع عبوات ،أوكار مخابئ أسلحة ) تستدعي القيام بمراقبة الأمكنة للكشف عن أدلة تتلخص بشكل عام بما يلي :
1) التحري عن الأنشطة الإجرامية والإرهابية وكشفها والحصول على المعلومات
2) التحري عن هوية الأشخاص الذين يترددون على ذلك المكان آو الوقوف على علاقتهم به
3) الوقوف على عادات الأشخاص الذين يترددون أو يعيشون في ذلك المكان
4) الحصول على دليل يؤيد ادعاءات المصدر وان إفادته لم تكن متحاملة أو مظللة أو غير دقيقة وبهذا يمكن تبديد واستبعاد غشاوة الانطباعات المزيفة أو الكاذبة
5) توفير أسس أو أسانيد للحصول على أمر بأجراء التفتيش أو القبض والتحري
وعلى المحقق في الأجهزة الأمنية أن يعرف أوصاف المظنون وصفاته وعاداته وحياته الاجتماعية وأماكن نشاطه ومسالك المظنون المتوقعة، والملاحظ من المتابعة الميدانية لأكثر الدعاوى الواردة من الأجهزة الأمنية إن المصادر هم المفرزة القابضة على المتهم نفسها وهناك مجموعة من المصادر تكون من أولويات واجبها تدوين إفاداتها كمصادر عن كل عملية مداهمة وأصبحوا ماركة مسجلة( معروفين) لكل المعتقلين وهذا ما يؤسف عليه لان هذا النشاط له أغراض غير مشروعة، وهذه المصادر تنتشر في مقرات الألوية والفرق العسكرية وعند طلب القاضي تدوين إفادتهم أمامه لا يحضرون وتبدأ عملية التسويف والمماطلة من القائمين بالتحقيق بعدم إحضارهم ولفترات تطول لأشهر والمعتقل قابع في محل توقيفه بعيدا عن عائلته وكونه ضحية هذه المصادر التي لا تحمل أي شعور وطني أو أخلاقي
الصفات الواجب توفرها في المخبر أو المصدر :
أن حسن اختيار المخبر أو المصدر السري يؤدي إلى تسهيل مهمة رجل الأمن في البحث والتحري وصفوة القول ان المخبر والمصدر يجب أن يتحلى بالخصال التالية :
1- أن يكون قوي الملاحظة وقوي الذاكرة.
2- يجب أن يكون المخبر صادقاً في معلوماته ويحمل الحمية الوطنية0
3- الاستقامة والنزاهة وعدم التأثر بالمحسوبيات0
4- الشجاعة ونكران الذات، وأن يكون على صلة كبيرة بالجمهور 0
رابعا / دوافع المخبر والمصدر:
هناك عدة أسباب تدفع المخبر أو المصدر السري في إفادته وهي تكاد تكون أما لأسباب شخصية أو أسباب موضوعية تتعلق بموضوع الجريمة وحوادثها وعلاقة المخبر أو المصدر بها ،وأخلاق المخبر أو المصدر وسلوكه وتربيته وثقافته ومركزه الاجتماعي مهمة ،فقد يكون عديم الذمة والمروءة ويبيع شهادته بالثمن الذي يقدمه له احد أطراف الدعوى سواء كان من جانب المتهم أو المشتكي أو بعض أفراد الأجهزة الأمنية، بالنظر لكثرة أنواع الدوافع التي تدفع المخبرين إلى كشف النقاب عن القضايا والإدلاء بمثل هذه المعلومات وهنا يصبح المحقق والقاضي هو المسئول عن تقدير أهمية المخبر وقيمة المعلومات التي يقدمها له في سبيل توصله إلى حقيقة الواقع ويمكن تعداد أكثر الدوافع شيوعاً بالاتي:
1- الانتقام:
ويتأتى هذا من شخص يرغب أن يكيل الصاع صاعين لأولئك الذين سبق وان أدلوا بمعلومات ضده أو حرموه من فائدة أو أصابوه بسوء، فيقوم بالوشاية بهم بناءاً على هذه الخلافات آو خلافات بين عائلاتهم 0
2- دوافع سياسية:
وتكون وراءها جهات آو أحزاب متنفذة في السلطة تقوم بعملية زج أشخاص إلى الأجهزة التحقيقية كمخبرين سريين لأغراض وأهداف سياسية،او حزبية او فئوية
3- المنافسة :
ويتمثل بشخص (يكتسب معيشته بوسائل مشبوهة) ممن يرغب الإيقاع بمنافسيه في صنف عمله فيكشف عن آمرهم ليخلوه الجو وهي دائماً تقع في وقتنا الحاضر لأغراض ذات دوافع طائفية أو سياسية وهناك بعض المجرمين يحاولون التخلص من مجرم آخر حتى يفسح المجال أمامه.
4- دوافع طائفية:
لخلق أجواء الخوف والفزع لإفراغ منطقة ما او دائرة من طائفة معينة كما حدث في عدة دوائر باستخدام المخبر السري لإصدار أوامر قبض تجعل الأهالي يهجرون مساكنهم، والموظفين يتركون دوائرهم0
5- القرابة أو الصداقة والصحبة والكره والبغضاء:
فقد تدفع القرابة أو الصداقة بالمخبر أو المصدر إلى قول الكذب لمصلحة قريبه او صديقه مدفوعا بعوامل لا يستطيع اغلب الناس التغلب عليها إلا من كان على درجة من الخلق الكريم وقد يكون المخبر آو المصدر السري حاقدا على المتهم فينسب لهم أفعالا لم يرتكبها0
6- الغيرة والحسد:
حيث يغار الشخص من الآخرين لما وصلوا إليه من مستوى أو حصلوا عليه من أمور معنوية او مادية فيرغب في الإيقاع بهم وإفقادهم امتيازاتهم ومواقعهم الاجتماعية والمادية 0
7- الحصول على مكافأة:
هناك كثير من الأشخاص الذين يخبرون السلطة التنفيذية بمعلومات بدافع الحصول على المكافأة أو الفائدة المادية التي يتسلمها المخبر لقاء ما قدمه من معلومات
8- الخوف:
ويتمثل ذلك بالشخص الواقع تحت وطأة الخوف من أعدائه أو خطر الوقوع في مشكلة من مصدر آخر
9- حب الظهور والتفاخر:
هناك اشخاص تتركز في انفسهم هذه الرغبة فيسعده إن يقدم معلومات للاجهزة الامنية للحصول على حظوة أو اهتمام خاص، وقد يخلق المخبر أو المصدر من خياله أمورا لا وجود لها ليجعل من نفسه بطلا ولو كان ذلك زورا حبا بالتفاخر ولا يهمه بعد ذلك أذا أدى إلى الحكم آو السجن على بريء
10- الندامة وصحوة الضمير:
ويتمثل ذلك بشخص مشترك في جريمة يصحو ضميره وتستقيم رغباته مما يدفعه إلى الإدلاء بالمعلومات إراحة لضميره وسلوك سبيل العيش الشريف والوقوف في صف القانون
11- اجتناب العقوبة:
ويحدث هذا بالنسبة لمن القي القبض عليه لارتكابه جريمة جنائية فسعياِ منه للخلاص من عقوبتها يميط اللثام عن جريمته، ويدلي بما لديه من معلومات بشأنها وللحصول على المساعدة الجنائية او لكي يستفيد من الظروف المخففة آو الحصول على العفو القضائي
12- مقابلة الفضل بمثله:
ويتمثل ذلك بشخص راغب بالتعاون لتقديم المعلومات ليكسب تقدير الأجهزة الأمنية أو يحصل على اعتبار أو حماية أو مساعدة، ويرغب بالحصول على حرية لقاء تقديمه معلومات قد تكون صحيحة أو كيدية
13- حمية المواطنة الصالحة:
وتتمثل بالشخص الذي يشعر بواجبه وبمكانته الاجتماعية وبارتياحه عن رؤيته إقامة حدود العدالة
14- الإكراه والوعيد والخوف من سوء الظن:
وهذا دافع يدفع المخبر السري للكذب في شهادته خوفا من تهديد ذوي المتهم نفسه لا سيما إذا كانوا ذوو سطوة ونفوذ كما حدث في إحدى الدعاوى حيث تبين إن إفادة المصدر كانت لأغراض الاستحواذ على أراضي زراعية لاستلام المشيخة 0
خامسا / واجبات القاضي والمحقق حيال الأخبار
على القاضي والمحقق أن يتفحص الإخبار جيدا فربما كان مبالغا فيه أو مقدما بقصد الكيد والنكاية والحق الضرر بالغير، مصداقا لقول الحق جل شأنه :
((يأيها الذين امنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ))
مع الانتباه جيدا إلى الصلة التي تربط المخبر السري بالمخبر عنه أو الحادثة، وهذا يجب أن لا يمنعه من ان يستمر الإخبار إلى ابعد الحدود بالسرعة المناسبة.
سادسا / الإخبار عن الجرائم
من أهم عوامل حماية المجتمع من الجريمة وعمليات التجسس ضد الدولة باستخدام الوسائل الوقائية لمنع وقوعها وتأكيد قيم العمل الصحيح والشريف وحل المشاكل القائمة من خلال الحوار والتراضي والتنبيه على مخاطر الجريمة ويعتبر الإخبار عن الجريمة من الوسائل الأساسية التي تمنع وقوعها وبذلك يكون العلاج في هذه الحالة وقائياً وبعد وقوعها فأن الإخبار عنها يحقق هدف الكشف عن الجاني وتقديمه للعدالة، فالإخبار السريع الدقيق الغزير المعلومات يقود إلى سرعة تحرك الجهات التحقيقية المختصة للوصول إلى الهدف
المنشود وقد ضمنت المادة ( 47) الإخبار كواجب قانوني وأخلاقي واجتماعي ووطني لان الإنسان لا يستقيم ولا يمكن أن تكون سريرته نقية صافية إذا غض الطرف عن جريمة وقعت وسكت عن الأخبار عنها بسبب عدم المبالاة آو الخوف أو الخشبة من التهديدات وان سكوته وعزوفه عن الإخبار لابد أن يؤدي إلى ضياع حق من الحقوق الاجتماعية وربما يؤدي الى جرائم أخرى وعليه فأن الإخبار يقطع الطريق على الجاني في استثمار الجهل بجريمته، حيث اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل القرار المرقم 773 في 19/9/1988 القانون المرقم 119 لسنة 1988 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3222في 3/10/1988 المعدل للمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وهو يقضي بجعل المادة 47 بفقرتين وكما يلي :
1- لمن وقعت عليه الجريمة ولكل من علم بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى أو علم بوقوع موت مشتبه به أن يخبر قاضي التحقيق آو المحقق آو الادعاء العام آو احد مراكز الشرطة
2- للمخبرين في الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي وجرائم التخريب الاقتصادي والجرائم الأخرى المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت أن يطلب عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً وللقاضي أن يثبت ذلك مع خلاصة الإخبار في سجل خاص يعد لهذا لغرض ويقوم بأجراء التحقيق وفق الأصول مستفيداً من المعلومات التي تضمنها الأخبار دون بيان هوية المخبر في الأوراق التحقيقية)
سابعا / أنواع الإخبار:
الإخبار حق مقرر لكل إنسان سواء كان مجنيا عليه أم لا، ذا مصلحة فيه أم لا، وتكون الاخبارات رسمية وعادية، وهناك تقسيم أيضا للإخبار وعلى النحو التالي :
الإخبار الاختياري:
لمن وقعت عليه الجريمة ومن علم بوقوع الجريمة حيث تحرك الدعوى بلا شكوى وهؤلاء غير ملزمين بإبلاغ الجهة المختصة بوقوع الجريمة ولا تترتب عليهم أي مسؤولية قانونية في حالة إحجامهم عن الإخبار.
الأخبار الوجوبي :
جعل المشرع الأخبار إلزاميا بموجب م 48 الأصولية بالنسبة لأشخاص معينين وهم :
1- كل مكلف بخدمة عامة إذا علم في إثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة
2- كل من قدم مساعدة بحكم مهنته الطبية0
3- من كان حاضراً وقت ارتكاب جناية 0
ثامنا / الشكوى والأخبار عن الحوادث بين الادعاء والحقائق:
من المعروف انه يصعب على المخبر السري الاسترسال في الكذب طويلا دون ان يقع في تناقضات بأقواله، ولذا كان من الضروري عند استجواب احد المخبرين السريين الكذوبين ،السماح له بالاسترسال بالكلام بحرية، وخلال ذلك يسجل المحقق نواحي التناقض، ليواجه بها المخبر السري فيما بعد ولابد عند استجواب المخبر أو المصدر السري من التأني في سماع أقواله وليس من السهل استخلاص المعلومات من المخبرين والمصادر السريين الكذابين إلا بالتمسك بالصبر والسماح لهم بحرية الكلام لأنهم ميالين بطبيعتهم إلى المبالغة وسرد معلومات غير واقعية، وهو أمر يتطلب من المحقق والقاضي توجيه الأسئلة إليه بحذر تام لكي يحول بينه وبين الخروج عن الموضوع ويستحسن في كل الأحوال التحفظ والتمسك بشي من الشك عند سؤال المخبر السري حتى ولو أن مظهره الخارجي يوحي بالثقة والاطمئنان 0
تتولى السلطات التحقيقية الابتدائية المباشرة بجملة من الإجراءات اللازمة من ساعة تسجيل الإخبار أو الشكوى عن وقوع حادث او فعل مخالف للقانون، وتتوقف مدى أهمية ونوعية الإجراءات على أهمية وطبيعة موضوع الشكاوى أو الأخبار عن الحوادث ومضمون الحقائق الموضوعية الوارد فيها، كما تتوقف عليها سرعة ألمباشرة في تنفيذها ولكي يأخذ القانون دوره الطبيعي حتى حسم الشكاوى والقضايا المختلفة طبقاً لأحكام القانون ومبادئ العدالة وبذلك يتضح لدينا مدى أهمية تلك المرحلة في مسار التحقيق وضرورة التمكن من ضبط الأدلة المادية والمعنوية والتأكد من صحة وحقيقة الوقائع المادية والملموسة والمرئية المتعلقة ونوع الحوادث والأفعال الواقعة ومدى جسامتها وحقيقة الإضرار الحاصلة من جراء تلك الأفعال المدعى بها ومعرفة مدى صحة الشكوك المنسوبة إلى بعض الأشخاص ومدى علاقتهم بها بغية وصول القائم بالتحقيق إلى قناعات أكيدة وتصورات شاملة تمكنه التحقيق بها ووضع الخطوط والمسارات للعمل
التحقيقي المزمع المباشرة به للوصول إلى حقيقة وقوع الأفعال الجرمية المدعى بها ومدى مطابقتها لمضمون الادعاءات الوردة بالشكاوى والأخبار ويثار تسأل :
وأهم ما يلزم التحقيق ذلك الحرص الدقيق على سلامة الإجراءات التحقيقية التي يقتضي أن يكتنفها ويحفها الإخلاص والكفاءة والقدرة العلمية والمهارة الشخصية المبدعة لتمكنهم من فرز ألأمور والمعلومات والوقائع من تلك المضللة والملفقة
تاسعا/ (التأثيرات ألأمنية والاجتماعية للأخبار الكاذب)
فإذا كان العدل يقضي بوجوب معاقبة المجرم دائما وابدأ، فان العدل يقضي أيضا بان يتمتع الشخص المخبر عنه بجميع إمكانات الدفاع عن نفسه أذا ما أتخذ التحقيق منحى أخر يخالف أحكام وأصول القانون في الإجراءات التحقيقية الأصولية نحو تحقيق غايات ومصالح خاصة على حساب الآخرين دون وجه حق كما يفعل (المخبر السري) في غالبية الدعاوى وهذا يساعد على إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والطمأنينة لدى المواطنين, ومن أجل هذا الطموح ألأمني والقانوني السليم يقتضي من القائمين بالتحقيق بصورة عامة الاهتمام بتحقيق التوازن الدقيق المستمر طيلة مراحل التحقيق وبين ضرورة الاهتمام بالأخبار أو الشكوى وما ورد فيها من معلومات وادعاءات وضرورة الاهتمام بحماية حقوق الآخرين من الظلم والتعدي مما يقتضي أتخاذ الإجراءات التحقيقية والأصولية على أسس وثوابت موضوعية وواقعية وإنسانية وأصولية .
إن الإخبار الكاذب هو تضليل للعدالة والحقيقة ويؤدي إلى زج الجهات الأمنية والتحقيقية والقضائية في متاهات ومتاعب خطرة لا حصر لها، منها على سبيل المثال:
1- إشغال الجهات الأمنية بمعلومات كاذبة ،بعيدا عن اداء واجباتها الصحيحة
2- الإخبار الكاذب ينتج عنه خلل اجتماعي ويتراجع الصدق وتنتشر الفوضى والمشاكل
3- الأخبار الكاذب يدفع الجهات الأمنية والقضاء إلى بناء قناعاتهم على معلومات غير صحيحة وبالتالي تؤدي إلى ردود فعل ومشاكل كبيرة خاصة في حالة علم المتضررين من الأخبار فأنها ستخلق جرائم أخرى ضد المخبر إذا ساورهم الغضب بعيداً عن المنطق والعقل وذلك ثارا لما أصابهم
4- قد يؤدي الإخبار الكاذب إلى قيام الشخص المتضرر إلى تحريكك الشكوى ضد المخبر الكاذب (دعوى كيدية) حسب المادة (248) عقوبات وعقوبتها كبيرة
وقد نصت م 248 عقوبات على حقين في العقوبة (حق عام وحق خاص)
حق عام / إشغال الجهات الأمنية والتحقيقية والقضائية عن واجباتها التي ينبغي أن تنصرف إليها لتحقق العدالة في المجتمع
حق خاص / للمتضرر طلب التعويض عما إصابة من أضرار مادية ومعنوية
عاشر / ملامح الأخبار أو المخبر الكاذب
يلجأ بعض الأشخاص ذوو النفوس الضعيفة المريضة والضمائر الميتة إلى تسجيل اخبارات كيدية وشكوى كاذبة ومضللة لحقائق ألأمور الواقعة لدى السلطات التحقيقية المختصة ومنها الأجهزة ألأمنية والشرطة بالذات المرهونة بادعاءات مزعومة عن حوادث وأفعال وقعت بحقهم أو بحق المواطنين الآخرين أو ضد مؤسسات الدولة على وجه التحديد أو التلميح بالدلالة اليهم تبعا لمضمون الادعاء المزعوم في أقوالهم مستندين إلى أدلة مفبركة ومصطنعة وملفقة لا أساس لها من الصحة وهي في حقيقة الواقع بقصد تحقيق غايات خاصة مما توهم المتلقي والمستمع لها للوهلة ألأول على أن في ظاهرها وملامحها ألأولية مكفولة بحق أساسي لكل مواطن في اللجوء للسلطات المختصة ألأمنية والقضائية عند الضرورة فيكون المحقق المختص في تلك اللحظة وخاصة أذا ما حصل لديه بعض الشكوك في أمر تلك الادعاءات والأقوال الواردة في حالة المسئولية الصعبة الحرجة تختبر بها الكفاءة والقدرة الشخصية للمحقق وأهم من ذلك مدى حرصه وأيمانه وإمكانيته في تطبيق الإجراءات ألأصولية ألعادلة والمنصفة بين أطراف الشكوى مهما كانت مكانة المدعي ومنسوبيتهم ومحسوبيتهم، ولكن أخذت السلطة القضائية بالفترة الاخيرة؛ تنتبه لتلك الممارسات ولظاهرة المخبر والمصدر السري وبدأت بالتصدي لها، أن تلك الحالات السابقة يجب أن تكون اليوم درسا بليغا وعبرة يجب الأتعاض بها بكل حذر واهتمام من قبل جميع المختصين لتحقيق اهداف مهمة، منها :
1- تغيير الصورة السيئة لدى المواطنين عن الأجهزة الأمنية والتحقيقية وإظهار وجهها الحقيقي كما هو معروف وعلامتها المميزة (أن الشرطة في خدمة الشعب)
2- ارجاع الثقة بالقضاء العراقي الذي اصبح ضمن دائرة الاتهام خاصة القسم الجزائي منه، وفقا للتقارير الدولية وتصريحات قيادات حكومية وبرلمانية وسياسيين.
3- وضع الحل الرادع لكل من تسول له نفسه الإساءة إلى الآخرين وحماية المواطنين من كل أذى أو ضرر أو ظلم من خلال اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم
أحدى عشر / صور من ادعاءات المخبر و المصدر السري أو الإخبار الكاذب)
معظم الإفادات المدونة من المخبر السري أو المصدر أو ألأخبارات الكاذبة أو الشكاوى الملفقة نكاد نجزم ان الادعاءات المزعومة الواردة فيها تتجسد بالقيام بأفعال وممارسات ينطبق عليها قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2005 وأدناه بعض من صورها:
1- أدعاء المخبر أو المصدر أو الأخبار الكاذب بوقوع عملية إرهابية مسلحة ضد الجيش أو الحرس أو الشرطة وزرع العبوات الناسفة وأن المخبر أو المصدر يزعم أنه يشتبه بالشخص المدعو( ) وهو المقصود بهذه الإفادة الكيدية المزعومة وهي عارية عن الصحة في معظمها ولا تستند إلى أدالة مادية ملموسة حقيقية وإنما على أدلة مصطنعة ولا نعتقد تنطلي على المحقق الكفء المخلص في عمله
2- أدعاء المصدر او المخبر السري أنه شاهد الشيخ المدعو( ) يقوم بالسطو المسلح ومعه جماعة مسلحة تصل إلى أكثر من عشرة أشخاص وتصل أحيانا (50) وبأسمائهم الثلاثية وأنهم يقومون بالهجوم على المناطق ويمارسون عمليات التهجير أو القتل ويقومون بسرقة البيوت وحرقها وتزعم المصادر والمخبرين السريين أنهم تمكنوا من تشخيص احد المتهمين وهو المقصود في الأخبار الكاذب الذي يخلوا من أي دليل حقيقي وملموس أو حتى معنوي وللإخبار غاية غير مشروعة وعلى المحقق الكفء كشفها
3- في الإخبار الكاذب الذي يدلي به المخبر أو المخبر السري يدعي بادعاءات مضللة لحقيقة ألحادث ويخفي كثيراً من جوانبه وتفاصيله الواقعية ويبالغ في تفاصيل المعلومات المقدمة منه مثل حادثة خطف عادية تنقلب إلى حادثة خطف بدوافع إرهابية قامت بذلك وان (فلان) شارك معهم آو تضخيم حجم الإصابات والإضرار الواقعة بصورة مخالفة للحقائق الموضوعية بغية إلحاق أفدح الخسائر بحق المشكو منه دون وجه مشروع كما حدث في (أبو غريب) حيث تكون المصادر جاهزة لكل حملة اعتقالات وتكون عملية لصق التهم حول تفجير مدارس ونصب عبوات جاهزة للذين تم اعتقالهم آو كحالة ادعاء المخبر أو المصدر بأخباره عن وقوع حادث بصورة معكوسة عن كيفية وقوعه وعن الأشخاص الفاعلين كما حدث في الحادثة المعروفة (جسر ألائمة) ونسبها إلى أشخاص مجرمين وليسوا إرهابيين تم اعتقالهم قبل حادثة جسر الأئمة بأكثر من (20)يوما وهذه الحالة وغيرها من اخطر الاتهامات الباطلة إلى تكلف ضحيتها أضرارا بالغة
4- ادعاء المخبر أو المصدر بأن هناك مجموعة مسلحة قامت بالخطف والتهجير وتفجير البيوت وان الدار الفلانية الموجودة في المنطقة الفلانية هي مكان إيواء هذه العصابة الإرهابية ويزودون الأجهزة الأمنية باسم صاحب الدار وهو المقصود ويطلبون باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة
5- الاخبارات الكاذبة بأن الدار الفلانية هي مخبأ لأسلحة ممنوعة وتحتوي على مجموعة من المسلحين يقومون بزرع العبوات الناسفة وتصنيعها، وفي حادثة وقعت حول أخبار عن دار هي مكان لإيواء مسلحين عرب يستخدمون مياه معدنية تحتوي على مواد كيماوية وبعد قضاء المتهمين فترة طويلة بالتوقيف وفحص كافة عبوات المياه تبين إنها مياه معدنية وان الأشخاص الستة ومعهم صاحب المعمل أبرياء ويعملون في معمل لتعبئة المياه المعدنية ، لذا فأن الأدلة الواردة ضد المتهم (أن كانت هناك أدلة) وهي معظمها قرائن بسيطة وإمارات مبنية على الاستنتاج المجرد الذي لا يكفي وحده لتكون بينة وكثير من مثل هذه الحالات وغيرها تحصل بصورة شكاوى كيدية وإخباريات كاذبة مضللة عن حقيقة وقوعها وفاعليها وإضرارها والسؤال الذي يرد:
هل يمكن الاعتقاد آو التصور بأن مثل هذه الأمور تمر بسهولة من بين يدي المحقق الكفء والقاضي المتمرس ؟
لا نعتقد ذلك مطلقاً ولكن وللأسف هناك حالات عديدة من تلك الادعاءات الملفقة والكيدية والتي راح ضحيتها المئات وانطوت على أضرار بالغة على مجتمع بأكمله، ومن اجل وضع الحد لمثل هذه الإعمال والممارسات اللاإنسانية وغير المشروعة ينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة ومن اجل ذلك نرى ضرورة :
1- رفع مستوى الفهم والوعي المعرفي والإنساني والمبدئي لجميع القائمين بالتحقيق في الأجهزة الأمنية والشرطة لتحسين وتطوير إمكانياتهم من كيفية التعامل والتصرف في مثل هذه القضايا التحقيقية الحساسة والمعقدة ، فيجب على المحققين بعد تدوين إفادات المخبرين أو المصادر أن لا يتملكه
شعور بالرضا والقناعة وإنما عليهم أن يقوم بمراجعة دقيقة في كل ما له علاقة بالتهمة ولهذا ينبغي مراعاة النقاط الآتية بهذا الصدد :
أ- تدقيق المعلومات التي أدلى بها المخبر أو المصدر أن كانت أركان الإثبات متوفرة فيها
ب- ما هو الدليل المهم الذي تقوم الحاجة إليه لتعزيز الادعاءات التي تضمنتها إفادة المخبر آو المصدر او ممكن الكشف عنه من خلال التحقيق
ت- هل هناك دليل كاف يعزز هذه الإفادة ويمكن تقديمه إلى القاضي المختص
2- تحسين وتنمية قدراتهم الفنية والصحية نظرياً وعملياً لتمكنهم من أداء الواجبات المنوطة بهم في مثل هذه القضايا على أحسن وجه طبقا للقانون ومبدأ العدالة المنشودة
3- تهيئة الأجواء والمتطلبات المناسبة مادياً ومعنوياً للمحققين المختصين لكي يكونوا على أتم الاستعداد للقيام بالإجراءات وحمايتهم من كل عوامل التأثير الخارجية الضاغطة عليهم ولكي يكونوا اشد شكيمة وصلابة أمام المغريات المادية والنزعات الطائفية والتأثيرات الدينية والحزبية
4- ضرورة الاهتمام بتوعية المواطنين بالآثار الضارة من جراء هذه الاخبارات الكيدية والملفقة وعلى مستوى عموم المجتمع حيث تؤدي إلى إشاعة القلق والاضطراب وتفتيت أواصر العلاقات الاجتماعية بين المواطنين.
ثاني عشر / ضوابط معاملة المخبر و المصدر السري
على المحقق أن يبذل العناية الفائقة في مسألة معاملة المخبر ضمن علاقته به وتستند على الجوانب الشخصية والمستوى الثقافي والمهني للمخبر، ولهذا لابد من ملاحظة النقاط التالية:
1- يجب عدم السماح للمخبر بالتدخل بالتحقيق
2- عدم السماح للمخبر أو المصدر بمتابعة الدعوى وكأنه مشتكي أو مدعي بالحق الشخصي مما يجعل أخباره كان لأغراض شخصية
3- عدم استخدام أي مخبر آو مصدر إلا بعد معرفة هويته وماضيه ومحل سكنه ومقدار الثقة به، وأجراء تحقيق سري عن أخلاقه والتأكد من المعلومات التي أعطاها عن نفسه وفتح أضبارة خاصة لكل مخبر تحتوي على كافة المعلومات عنه وصورته وعلى التقارير التي يقدمها ورأي المحقق
4- على عناصر الأجهزة ألأمنية ان تكون علاقاتهم بالمخبر أو المصدر على أساس العمل فقط وليس على أساس شخصي وعليه لا يظهر اهتمامه بالمعلومات المقدمة للمخبر للحيلولة دون اعتقاده بأن الفضل في نجاح الأجهزة ألأمنية يعود أليه بالذات
5- عدم اتخاذ المصدر آو المخبر من اتصاله برجل الأمن سبيلاً إلى العبث بالأمن أو تحقيق مكاسب غير مشروعة والعكس صحيح
6- لا يجوز لرجل الأمن أن يرسم خطة على أساس المعلومات التي يحصل عليها من المخبر او المصدر بل عليه أن يضع المعلومات هذه بعين التحفظ والحذر والدراسة الدقيقة قبل اتخاذ أي عمل
7- لا يجوز إخفاء جريمة ارتكبها المخبر أو المصدر
8- يجب العمل على التقليل من التعامل مع المخبرين المحترفين ورفض أي اقتراح يفرضه المخبر ويشتبه في انه يتضمن امرأ مخالفاً للقانون
ثالث عشر / تقو يم خدمات المخبرين والمصادر
هناك معايير عدة يجب على المحقق والقاضي المختص ملاحظتها عند تدوين إفادات المخبرين أو المصادر حتى يكون مقتنعة بصحتها ومطابقتها للحقيقة وهي كثيرة ومتعددة ومختلف باختلاف ظروف القضية وحالة المصدر ومضمون إفادته وهي كما يلي :
1- تحكيم العقل والعرف ومتابعة الشكل العام للشخص الماثل أمام المحقق
2- فحص سلامة حواس المخبر أو المصدر في أدراك الحقائق والمعلومات التي ضمنها أمامه بأفادته
3- التأكد من حالة المخبر الثقافية والعلمية والأدبية ومركزه الاجتماعي اذ قد ترد في إفادة المخبر عبارات لا تتفق مع مكانته الاجتماعية آو العلمية آو الأدبية وقد لا يسمح مركزه الاجتماعي بالاطلاع عليها
4- ملاحظة التناقص الذي قد يحصل في إفادة المخبر ومواجهته مع المخبرين الآخرين فالمواجهة، من الوسائل التي تساعد المحقق على إظهار المتناقضات والتأكد من صحتها ومطابقتها للواقع، وتعريف المخبر بواجبه الديني والقانوني والأخلاقي بجانبه العقاب الذي ينتظره أذا ظلل القضاء.
5- ملاحظة التطابق المتفق عليه في الإفادات مثل حالة تكرار خطأ مادي في لفظ أو عبارة معينة خلال أكثر من إفادة واحدة مما يؤكد اتفاق المخبرين أو المصادر فيما بينهم على الإفادة بشهادة متماثلة أو تلقينهم من جبهة واحدة على أداء إفادة معينة
6- الاستفسار من المخبر أو المصدر عن التفاصيل للوقائع التي وردت في إفادته وملاحظة التردد أو العجز أو التلكىء في الإجابة
7- السؤال على الجزئيات والتفاصيل والاستفادة من لغة الجسد وجميع أعضاء جسم الشخص الذي يدلي بإفادته، بأن يذكر تفاصيل عن عمليات فنية في تصنيع العبوات الناسفة لا تتفق وظاهر ثقافته ومعلوماته على الإحاطة بها والمحقق أو القاضي يستطيع أن يجعل المخبر يتوقف عن سرد الوقائع وتركه لفترة وإعادة سؤاله عن الوقائع فإذا كانت الإفادة ملقنة حفظا لا يمكنه إعادة المواصلة كالسابق.
8- استعمال الحيل المشروعة كأن يقوم المحقق بعرض صورة المتهم المخبر عنه ويسأل المخبر إن كان هو المتهم الذي رآه ومعه عدة صور لمتهمين أو تكليف المخبر السري أن يدل على المخبر عنه بين أشخاص لا وجود للمتهم بينهم، والغاية من ذلك التأكد من صحة معلوماته وإخباره.
9- تكرار شهادة المخبر آو المصدر ومحاولة التمييز بين الحركات الطبيعية الدائمة لجسم المخبر وتلك التي تأتي طبيعيا كرد فعل أو قول
10- التركيز الشديد على الحركات المفيدة ورصدها دون أن يشعر بها المخبر أو المصدر ويمكن الاستعانة بمحقق أخر، والانتباه للانفعالات النفسية التي قد تنعكس في تصرفات المخبر السري، وحركاته وتعابيره وعلى وجهه
11- ترتيب الأسئلة الموجهة للمصدر أو المخبر ترتيباً يقود إلى نتائج منسجمة مع مراعاة أن تكون الأسئلة منتجة ومترابطة ومفهومة للمخبر أو المصدر
12- السيطرة الكاملة على المعلومات الجنائية المتعلقة حول الجريمة أو المخبر والاستفادة منها في تكملة صفحات التحقيق ألأخرى
13- تكليف مخبرين آو مصادر أخرى بالحصول على معلومات في موضوع واحد
14- إلقاء أسئلة عادية ثم مفاجئة المخبر السري بأسئلة غير متوقعة
15- توجيه النصح أثناء الاستجواب، وتذكير المخبر السري بلزوم إتباع الصدق والأمانة في إعطاء المعلومات، ولفت نظره إلى عواقب الكذب والخداع
16- التأكد من هوية المخبر السري، فربما كان ينتحل صفة ما فيغير تبعا لذلك اسمه ومهنته وبلدته ، لذلك كان على المحقق أن يفحص أوراقه ليتثبت من انطباقها على بعضها كبطاقته الشخصية أو إجازة سلاحه أو هويته النقابية أو المدرسية 000الخ ثم يسأله أسئلة دقيقة عن مهنته وبلدته وموقعها وأحيائها وأسماء أماكنها المشهورة ، وأسماء الوجوه والنخب فيها
17- عدم ترغيب المخبر السري في الكذب، مع إغداق الوعود بالمساعدة
18- ضبط أقوال المخبر السري إذا كانت تمت لأحد الأطراف بصلة القربى ، أو الصداقة أو العداوة ، بحذر وتمحيصها والتأكد منها
19- فحص الصلة بين المخبر أو المصدر والشخص الذي أدلى عنه بالمعلومات لاحتمال وجود خلافات آو خصومات سابقة بينهما
20- مراقبة المخبر آو المصدر ومعرفة من يتصلون به من ذوي النشاط الإجرامي ومعرفة من يمد المخبر أو المصدر بمعلومات عنهم آو يتستر عليهم
21- إيهام المخبر الكاذب بان من سبقه من المخبرين السريين قد ذكروا الحقيقة وعليه هو الأخر ذكرها دون أن يلجا إلى أساليب الكذب
رابع عشر / المخبر او المصدر السري لا يعد شاهداً
لا يوجد نص تشريعي يوجب على الفرد أن يكون شاهداً وهذا لا يتناقض مع ما ورد في المادتين ( 47 / 48) من أصول المحاكمات الجزائية بضرورة الأخبار عن الجرائم لكل من علم بوقوعها بالإضافة إن المادة (47) تلقي على عاتق الأفراد واجب الأخبار لا واجب الشهادة فقد يكون الشخص مخبراً عن الجريمة دون أن يكون بالضرورة شاهد عليها، ويترتب على ذلك جملة أمور قانونية شكلية وموضوعية تنصرف على الشهادة وأسلوب الاستماع إليها ولا تنصرف على إفادة المخبر لأنه لا يعد شاهدا، وستذكر بعض الأمور القانونية التي اوجب القانون مراعاتها في أسلوب سماع شهادة الشهود وهي :
1- تسمع شهادة كل شاهد على انفراد وتجوز مواجهة الشهود بعضهم ببعض وبالمتهم
2- تدون أقوال الشاهد في محضر التحقيق دون شطب في الكتابة أو تعديل أو إضافة ويوقع الشاهد عليها بعد الانتهاء منها وللمتهم وباقي الخصوم إبداء ملاحظاتهم على الشهادة
3- لا يجوز منع الشاهد من أدائه الشهادة التي يرغب بها كما لا يجوز مقاطعته أثناء أدائها إلا أذا استرسل في ذكر وقائع غير متعلقة بالدعوى أو وقائع فيها مساس بالغير
4- يجوز أن يكون المتهم شاهداً على متهم آخر ويجب تفريق دعوى لكل منهما ويوجه اليمين له
5- يجوز صرف له مبالغ تترتب على حضوره وإدلائه الشهادة بموجب المادة (66) من قانون أصول المحاكمات الجزائية
ومن الفوائد التي تترتب على مناقشة الشهود هي:
أ – معاونة الشاهد على استرجاع ما في ذاكرته ومراقبته في ذلك
ب- تمكين الشاهد من التعبير بالإشارة والقول وسرد ما أدركه من الواقعة الجنائية بكل تفاصيلها للتأكد من أهم الحقائق المتصلة بعناصر الجريمة وأركانها
ج- فحص الحواس التي أستخدمها الشاهد في إدراك الحقائق والمعلومة التي ضمنها شهادته
د- استخدام الأدلة المادية المتوفرة في إثبات علاقة الشاهد بالجريمة أو علمه ببعض إطرافها
هـ- التأكد من صدق الشاهد بوضعه في المكان الذي شهد منه الحادث الجنائي
و- إجراء مواجهة بين الشهود والتأكد من سلامة مواقعهم في مسرح الجريمة
إن هذه الفوائد تنتج أثارها أذا كان المخبر شاهداً لكنه وفق (م 47/2) الأصولية لا يعد المخبر شاهداً لذا سوف تكون هذه المناقشة المهمة الجوهرية في أثبات أركان الجريمة معدومة بالنسبة للخصوم وهذا يجرنا إلى عدم اعتبار إفادة المخبر كدليل حجته قوية وإنما على سبيل الاستدلال آو قرينة قابلة لإثبات العكس
خمسة عشر / الطبيعة القانونية للمخبر والإخبار
لقد اختلفت التشريعات في الطبيعة القانونية للإخبار وفيما إذا كان حقاً للمواطن أم واجباً مفروضاً عليه ، فذهب بعضها إلى عده واجباً أي انه ملزم قانونياً بأخبار الجهة المختصة عن الجريمة المرتكبة، بينما ذهب البعض الآخر إلى عده جوازياً للمواطن فله الحرية المطلقة في استعمال حقه هذا في حين ذهبت تشريعات أخرى إلى عده حقاً وواجباَ في الوقت نفسه كما في قانون أصول المحاكمات الجزائية في م 47 فقد جعل الأخبار حقاً وواجباً في أن واحد فهو في الأصل حق للمواطن إلا انه لا يصبح واجباً قانونياً في حالات معينة
إن الإثبات الجزائي يعرف بأنه إقامة الدليل على وقوع الجريمة أو عدم حصولها وعلى إسنادها إلى المتهم أو براءته منه والمشرع العراقي ذهب في المادة (163) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ إلى هذا المعنى في الإثبات بوصفه كشف الحقيقة هو غاية الإثبات ونتيجته .
والإثبات الجزائي من حيث الأدلة ينصب على وقائع مادية وليس تصرفات قانونية كما في الإثبات المدني،
ان المشرع العراقي بين قيمة الدليل وبين الجهة التي تقوم بإجراءاته برغم أن الدليل تبرز قيمته بقدر ما يحمل من حقيقة فقد يكون الدليل في مرحلة الاستدلال يحمل من حقيقة أكثر وضوحا مما يحمله الدليل في مرحلة التحقيق القضائي وتبقى للدلائل قيمة قانونية اضعف من الدليل .
إن الأدلة الجزائية هي وسيلة المحقق في إثبات إدانة المتهم أو براءته من التهمة وتعد إفادات أكثر المخبرين السريين ومصادر المعلومات وحسب الواقع الميداني أدلة معنوية غير مباشرة وأحيانا ترد كأدلة معنوية مباشرة والدليل المعنوي المباشر هو الذي ينقل إلى المحقق على لسان الغير كشهادات الشهود واعترافات المتهمين والأدلة المعنوية غير المباشرة اقل قوة من الأدلة المعنوية المباشرة في الإثبات مثل شهادات الشهود المنقولة عن شهادة شاهد مباشر أو الشهادات التي تتضمن سماع المتهم يهدد العوائل بالتهجير قبل وقوع التهجير ببضعة أيام
إن القواعد العامة التي اقرها الدستور في (م 19) وكذلك قانون أصول المحاكمات الجزائية توجب العلنية في كافة الإجراءات القانونية والقضائية باعتبارها ضمانة من ضمانات التقاضي وحق الدفاع عن النفس وأجاز استثناءا في (م47) الأصولية للمخبر في الجرائم الماسة بأمن الدولة والتخريب الاقتصادي والجنايات أن يطلب المخبر من القاضي عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً مقابل إخباره وللقاضي حصراً ووفق قناعته وسلطته التقديرية أن يقبل الإخبار السري واستثناءاً من القواعد العامة لغرض الاستفادة من معلومات المخبر السري أو يرفضه، بناءاً على ذلك يقوم بأجراء التحقيق ضد المخبر عنه ويجمع الأدلة مستفيداً من المعلومات التي قدمها المخبر السري بعد أن يدون أقواله في سجل سري أمام قاضي التحقيق يسمى(سجل المخبرين) ولكن الذي يحصل في السنوات الأخيرة (2005-2012) إن قاضي التحقيق وأمام ما يدليه المخبر السري من إفادات في جنايات خطرة يصدر أمرا بالقبض على المتهم للتثبت من تلك التهمة التي أشار إليها المخبر السري في شهادته وبعد تنفيذ أمر إلقاء القبض على المتهم فأن قاضي التحقيق يقوم بجمع الأدلة الأخرى وأمام المعوقات في الإجراءات التحقيقية تمتد مدة التوقيف زمنا طويلا يكون فيه المتهم موقوفاً على ذمة القضية التحقيقية ولا يكون أمام قاضي التحقيق سوى تمديد توقيف المتهم انتظاراً لاستكمال القضية التحقيقية والتي غالباً ما تكون ملفقة وفيها من المصالح الشخصية ما يخفى .
وإفادة المخبر آو المصدر تبقى لها قيمة استدلالية لأنه لا يناقش كالشاهد ولا يحلف اليمين فتكون أقواله على سبيل الاستدلال فهي ليست دليلا من الأدلة وإنما يستدل بها في الحصول على الدليل ومحكمة التمييز وصفت هذه الإفادات بأنها ليست بشهادات وإنما يسوغ عدها إفادات اعتيادية ( قرار محكمة التمييز المرقم 317 / ج / 1961)وعلى القاضي والمحقق البحث في الأدلة التي يطرحها المخبر وفحصها قبل الأخذ بها والقاضي الجزائي حالبا، يلاقي صعوبة الإثبات الجزائي من جهة والتخطيط المسبق من قبل المخبر السري واحتياطاًته في إثبات الوقائع المنسوبة للشخص المقصود بالأخبار مما يتطلب إطلاق حرية القاضي في الإثبات، لذا ينبغي عد إفادة المخبر أو المصدر المدونة ابتدائيا وبدون أداء اليمين أمام القاضي إفادة اعتيادية وللقاضي له أن يطرح منها ما لا يطمئن إليه ويأخذ بالذي يرجحه، ولا يجوز إصدار أمر قبض بناء على قرائن آو افتراضات طرحها المخبر والمصدر لا ترقى إلى المستوى الذي يجيز التوقيف
وبحدود ما سبق وصفه في هذه النقطة :
إن مسألة تدقيق وتمحيص أقوال المخبر السري عملية معقدة ودقيقة وتحتاج لنباهة وقابلية قاضي التحقيق والمحكمة المختصة وفقاً لما يتمتع به القاضي من خبره وحنكة وتجربة قضائية لمعرفة مدى صدق المخبر السري وجدية شهادته والقضاء هو الفيصل في تقدير جدية تلك الشهادة للمخبرين السريين باعتبار إن القضاء مستقل بموجب الفصل بين السلطات الذي اعتمده الدستور العراقي وهناك أوامر قبض تصدر بناءاً على إفادة المخبر السري أمام الأجهزة الأمنية ويعد ذلك فوضى قانونية تنطوي على الإضرار بالمتهم وذويه وانتهاك للدستور وإزاء تلك المعوقات اصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق أعماما بالعدد 849/ مكتب/2007 في25/10/2007 ومؤكداً بالأعمام المرقم 62 / مكتب/2008 في 14/1/2008 الذي يؤكد فيه في حالة عدم حضور المخبر السري عند التبليغ ولأكثر من مرة من دون عذر مشروع إمكانية اعتبار الأمر قرينة للوصول إلى الحقيقية وكذلك التعميم الصادر من رئاسة هيئة الأشراف القضائي بتاريخ 30/10/2007 وما نصه ( 0000ان مجلس القضاء الأعلى يطمح أن تكون الإجراءات التحقيقية بعيدة عن كل المؤثرات من حيث سلامتها وحياديتها وموضوعيتها لتحقيق العدالة التي نسعى جميعا جاهدين لتحقيقها في عراقنا العزيز اما بالنسبة ما يتعلق بالمخبرين حيث يقتضي الآمر وجوب التثبت من سلامة شهاداتهم فان مسالة ( المخبر) أصبحت من الأمور التي يقتضي الوقوف عندها والتثبت من مصداقية المعلومات التي يدلي بها 0000سيما في الهيئات التحقيقية لغرض الوقوف على الدوافع الحقيقية للمخبر او الشاهد واتخاذ ظاهرة عدم حضوره عند التبليغ لأكثر من مرة دون عذر مشروع قرينة للوصول الى الحقيقة وعدم السماح لآية جهة بالتدخل في الشؤون القضائية تماشيا مع مبدأ فصل السلطات 000) وكذلك هناك تعميم صدر من رئاسة استئناف النجف الاتحادية بالعدد ت/4/39 في 51/1/2008 وهو يصب في نفس الاتجاه
ونناشد القضاء العراقي الرصين أن يقوم بمراجعة الملفات التحقيقية بجهد مضاعف وتدقيق الأدلة وانجاز القضايا التي تضم الأدلة التي توفرت وتكفي للإحالة لإحالتها بأسرع وقت ممكن إلى محكمة الموضوع والإفراج عمن لا تتوفر الأدلة ضده أو أن الأدلة التي توافرت لا تكفي للإحالة ومن بين أهم الدلائل شهادة المخبر السري الذي يستوجب الأمر أن يتيقن القضاء العراقي من صحة تلك الشهادة ومعرفة من أدلى بها
وتحلفيه اليمين التي يستوجبها القانون وإخضاعه إلى جهاز كشف الكذب وإخفاء هويته في سجل المخبرين حتى يمكن الاطمئنان لتلك الشهادة لتكون سبباً من أسباب الحكم العادل
ستة عشر / الاستغناء عن المصدر آو المخبر السري واحالته الى القضاء :
ويعني الاستغناء عن المصدر او المخبر كشفه وإنهاء عمله ويكون ذلك للأسباب الآتية :
1- إدلائه بمعلومات الغرض منها الحصول على مبالغ مالية فقط
2- استغلاله تعاونه مع رجل الأمن أو المحقق ويبدأ في مزاولة نشاطه الإجرامي اعتقادا منه إن رجل الأمن أو المحقق سيتغاضى عن ضبطه
3- انتهازه فرص اطمئنان المحقق أو رجل الأمن إلى ما يدليه من معلومات ويحاول الإضرار بإفراد أبرياء بإدلائه بمعلومات غير صحيحة عنهم أو تلفيق التهم اليهم
4- إشاعته بالمنطقة انه يعمل مع الأمن ويقوم بمساومة ذوي النشاط الإجرامي بدفع مبالغ نقدية مقابل عدم إبلاغه عنهم
5- تستره على بعض الخارجين عن القانون أو مرتكبي الحوادث في سبيل تحقيقه مصلحة شخصية
6- تحوله إلى مخبر أو مصدر ذو وجهين بان يقوم بتقديم معلومات عن ذوي النشاط الإجرامي لرجل الأمن ويقوم بذات الوقت بنقل أسرار عمله مع رجل الأمن إلى ذوي النشاط الإجرامي
7- محاولة فرض سيطرته على المحيطين به مستندا بان رجل الأمن سيكون في جانيه مهما حدث
سبعة عشر (( مقترحات وتوصيات لتصويب عمل المخبر آو المصدر السري ))
إن أكثر الاعتقالات، كانت بناءاً على تهم متنوعة حسب البيانات الحكومية وكما يلي:
أ- وجود معلومات استخبارتية بأن المعتقلين لهم صلات بالجماعات المسلحة ( تعتمد بدورها على تقارير مصادر المخبرين السريين )
ب- المعتقلين مطلوبون إلى السلطات الحكومية بحسب نوع الوشاية
ت- المعتقلون متهمون بقضايا إرهابية وجنائية وبحسب تعبير بيانات الحكومة
ومن ملاحظة أعداد المعتقلين وكيفية اعتقالهم نجد أن أكثرهم كانت استناداً إلى تقارير تشوبها الأخطاء وعدم الدقة والكيدية ومن ملاحظة الدعاوى المحالة إلى محاكم الجنايات والمحالة الى محكمة التمييز وملاحظة إعداد المفرج عنهم وفق هذه التهم التي أحيلت نتيجة تقارير المخبرين والمصادر السريين او معلومات استخبارية، نجد إن السلطة التنفيذية لم تجر حتى الآن مراجعة تقويمية لظاهرة المخبر السري ومصداقيته ولم تشدد في فرض معايير رصينة يتم الاحتكام إليها في اختيار المخبر آو المصدر السري وكذلك الأجهزة الأمنية لم تتبع أيضا السبل الكفيلة في التحري عن حقيقة المعلومات الواردة لها مكتفية بتنفيذ أمر القبض الصادر من القضاء العراقي وبدون تدقيق أو تمحيص لدقة المعلومات، ولآجل تنظيم عملية المخبر السري آو المصدر ولأهمية الدور الذي يقوم به وتأثيره سلبا آو إيجابا في الأفراد والمجتمع وانعكاسه على أداء الأجهزة الأمنية ومسارات تحقيق العدالة، نقترح الآتي :
1- نؤكد على إلغاء الفقرة (ب) من المادة (47) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي عدلت بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 778 لعام 1988 وكان الهدف من هذا التعديل التصدي للأحزاب المعارضة أيام الحرب العراقية الإيرانية أي أن النص قد صدر في ظروف استثنائية وبغية المحافظة على الأمن الداخلي أيام الحرب وان الحكمة من تشريع النص خلق مجتمع بوليسي لخدمة أهداف النظام السابق وديمومة السلطة القابعة على الحكم وتكريسها بزرع مفاهيم التجسس والخوف بين أفراد المجتمع ومع زوال الغاية التي اوجد النص من اجلها فان حرية المجتمع الشخصية والمحافظة على حقوقه الأساسية المنصوص عليها في الدستور توجب إلغاء هذا النص لتعارضه مع أحكام الدستور ولان النص يتعارض مع قيم المجتمعات الحرة إضافة إلى إن المصدر والمخبر السري يعد من اختصاص الأجهزة الأمنية والاستخبارية حصرا
2- تسجيل وربط كافة المستمسكات الرسمية للمخبرين أو المصادر في سجل المخبرين خصوصا عناوينهم، ليتسنى للمتهم عند صدور قرار البراءة إقامة الشكوى علي المخبر أو المصدر وفق القانون وحتى لا يصبح المخبر أو المصدر شخصا وهميا مجهول محل الإقامة ويتعذر إحضاره بينما يدفع المتهم الثمن في بقاءه بالتوقيف .
3- وضع معايير رصينة في اختيار المصدر أو المخبر السري مثل السمعة الحسنة والسجل الجنائي النظيف والصدق والأمانة والالتزام الديني والاجتماعي الولاء الوطني غير المشوب بشبهة التحزب والطائفية والفئوية وبعده عن أي انخراط في إملاءات ترمي إلى تكريس الاحتقان الطائفي والعرقي .
4- الالتزام الفعلي في استخدام إجراءات مدروسة وصحيحة تكفل سلطة القانون واحترام حقوق الإنسان من خلال مناقشة المخبر والمصدر من قبل القاضي مناقشة عميقة وعدم السير وفق إرادة ضابط التحقيق وعرض المخبر أو المصدر على جهاز كشف الكذب أو جهاز تقويم التوتر النفسي لأهميتها في كشف ادعاءات المخبرين والمصادر، وإنشاء مركزين امنيين ارتباطها بوزارة الداخلية واحدة بالرصافة والأخرى بالكرخ يكون من واجباتها الأولية التأكد من إفادة المخبر أو المصدر من خلال أجهزة فنية حديثة جدا وتزويد الجهة التحقيقية بالتقرير الكامل عن إفادة المخبر آو المصدر ولا تعتد بأي إفادة إلا من خلال هذه الدائرة وبعدها يعرض على قاضي التحقيق ومما يجعل أداء الأجهزة الأمنية ضامنا لترصين الامن والعدالة وليس سبيلاً إلى مظالم اجتماعية تفقد المواطن ثقته بالحكومة ومؤسساتها الأمنية والقضائية
5- توجيه مجلس القضاء ألأعلى للوزارات ألأمنية بالتأكد والتريث وعدم الانصياع وراء معلومات غير دقيقة والأصل تجنب القبض على المواطنين دون أمر قضائي والاستثناء القبض بدون ذلك وفي حالة هناك جريمة ستحدث على أن يتم التحقق من مصداقية هذه الإجراءات وعرض المتهم أمام القاضي المختص وخلال فترة لا تتجاوز (48)ساعة على أن يحضر المصدر أو المخبر أمام القاضي لتدوبن أفادته حفاظا على الحقوق الفردية للمواطن المكفولة دستورياً
6- إن إفادة المصدر أو المخبر السري هي إفادة اعتيادية لها مرتبة القرينة وليست دليل وبالتالي يتم فيها تحريك الشكوى لكن بدون اتخاذ الإجراءات قانونية بحق المخبر عنه ومن واجب المحكمة عدم الأخذ بهذه الأقوال بصفة مطلقة واعتبارها كدليل إلا إذا كانت لديها شاهدة عيانيه، والتأكيد على القائم بالتحقيق عدم تدوين إفادة مبهمة غير واضحة ( جرائم وهمية) وعلى القاضي إجراء عملية أولية للمعلومات الواردة فيها بعد إتمام الشكلية المطلوبة عند تدوين الإفادة وأن يتخذ قراره ويطلب من القائم بالتحقيق وضع المخبر عنه تحت المراقبة لحين التأكد من الادعاءات الواردة في إفادة المخبر أو المصدر السري
7- على المحكمة أن لا تقوم بإصدار أمر القبض بحق المخبر عنهم إلا بعد تدوين أقوال المخبر من قبل المحقق وقاضي التحقيق وتفحص المعلومات وتمحيصها للوقوف على درجة صدقها ولا بد أن تأخذ دوافع المخبر ورغباته عند تقويم المعلومات فعلى القاضي استقاء جميع المعلومات ذات العلاقة من جعبة كل مخبر ومدى مشروعيتها ودقتها ،لان بعض المخبرين والمصادر تذكر أسماء رباعية لمتهمين يصل عددهم أحيانا إلى أكثر من (50) وهذا معناه إن التلقين من القائم بالتحقيق واضح، وبعد التأكد من الاخبارات من خلال جلب أصلها والتحري من وقوع هذه الجرائم ومن ثم إصدار القرار المناسب
8- التأكيد على ضباط التحقيق بالإسراع بتزويد المحكمة بأصول الأخبار للجرائم المدعى بها من الم المخبر وخلال فترة محدودة وعكس ذلك تحرك شكوى على الضباط وفق القانون
9- رفض قاضي التحقيق تدوين إفادة المصادر أو المخبرين في حالة إلقاء القبض على المتهم من الأجهزة الأمنية بدون قرار قضائي وإطلاق سراحه فورا أو تحريك الشكوى بحق القائم بالتحقيق الذي ألقى القبض على المتهم أو تسبب بحجزه
10- منع المخبرين والمصادر من متابعة الدعوى حيث تبين إن كثير منهم يقوم بمتابعة الدعوى مع القائم بالتحقيق وهذا لا يجوز قانونا كونه مخبر وهذا الحق مكفول للمشتكي أو المدعيين بالحق الشخصي حصرا
11- التأكيد على جهاز الادعاء العام بممارسة دوره باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخبر الكاذب وضرورة الالتزام بمحاسبة كل من يقدم معلومات إلى الأجهزة الأمنية والقضائية يثبت إنها كيدية وذلك بتحريك الشكوى عليه وفق243من قانون العقوبات العراقي ,وتعديلاتها
الدكتور عبدالقادر محمد
الگاردينيا: شكرا للأستاذ الدكتور/ عبدالقادر محمد على هذه الدراسة القيمة ...ياريت لو تبعث لنا بصورتكم(إن أمكن) لنشرها مع المواد القادمة..
761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع