مشروع إرهابي!

                                        

                       د.نوف علي المطيري

حينما أخبرتني إحدى الزميلات عن رغبتها في إدخال ابنها لإحدى المدارس الأجنبية شعرت بالقلق، فاللغة هي العمود الفقري لهوية أي أمة.

نصحتها بأن يبدأ بتعلم لغة القرآن أولا ثم يتعلم ما يشاء من لغات، فتلك المدارس الأجنبية المنتشرة في المجتمعات العربية والإسلامية تعد من التهديدات ذات التأثير السلبي على هويتنا العربية، فهي تنشئ جيلا غير مبال بلغته العربية رغم أن اللغة هي الركيزة الأساسية للحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية، فالعبث باللغة هو بداية لتفكيك الشعوب وتمزيق البلدان والحفاظ عليها والتمسك بها البداية الحقيقية لنهوضنا من السبات الذي نعيشه، ولكن حديثي لم يعجبها فأجابتني ساخرة: ما البدائل؟ هل أدخله مدارس تحفيظ القرآن ليصبح ابني مشروعا إرهابيا؟

في الحقيقة لم أشعر بالدهشة من ردة فعلها وحديثها السلبي عن مدارس تحفيظ القرآن بسبب الهجوم المستمر عليها منذ سنوات من قبل وسائل الإعلام بحجة نشر الأفكار المتطرفة بين صغار السن، والنيل من تلك المدارس وتشويه سمعتها جعلت كثيرا من العائلات ترفض تدريس أبنائها في مدارس تحفيظ القرآن وتمنعهم من الدخول في حلقات تحفيظ القرآن في المساجد خوفا من التلاعب بعقولهم وأن يتحولوا إلى أفخاخ تستخدمها جهات خارجية للقتل والتدمير. وأتذكر أن أحد الكتاب كتب في صفحته على الفيس بوك عن معاناته مع عائلته وكيف أنه تعرض لضغوط شديدة من المحيطين به حينما أراد تسجيل ابنه في مدارس تحفيظ القرآن خوفا عليه من أن يتحول في المستقبل إلى إرهابي. مما أثار دهشتي وحيرتي، فهل يوجد مسلم على وجه الأرض يساوم على أهمية تعليم القرآن للنشء وتحفيظهم كتاب الله؟! أليس هذا القرآن الذي نقرأه على أطفالنا أورادا ونحصنهم به وكنا نسعى ونحن أطفال لحفظه كاملا ومن قبلنا أجدادنا الذين كانت عائلاتهم تتفاخر بدخولهم لحلقات تحفيظ القرآن عند "المطوع" و"المطوعة" وتقام الولائم عند ختمهم كتاب الله؟!

لا أعلم كيف تحول تعليم النشء تلاوة القرآن -وهو من الخير الذي يعد أعظم القربات إلى الله- إلى خطر يهدد العالم ونشر التطرف والإرهاب وكراهية أصحاب الديانات الأخرى- كما يزعمون- ولكنني على ثقة بأن الإعلام في العالم العربي مسيس ويسير لخدمة أهداف تيارات معينة تستعين به كالعادة عندما تريد التلاعب بالرأي العام وتحريضه ضد فئات معينة أو أفكار تتعارض مع أطروحاتهم وتسخر الكتاب المأجورين لسن أقلامهم المسمومة للهجوم والنيل من معارضيهم حتى وصل الحال بهم للحديث عن خطر حلقات تحفيظ القرآن على المجتمعات وأنها أحد منابع الإرهاب وتجنيد القتلة والإرهابيين، حتى أن إحدى الكاتبات قبل سنوات طالبت وبشكل صريح بإغلاق حلقات تحفيظ القرآن في المملكة -منبع الوحي والرسالة- بحجة أنها تخرج طلابا لا يفقهون شيئا في العلوم الأخرى.

التناقضات الكبيرة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية بسبب الانتقال السريع من وإلى مجتمعات تتميز بالمحافظة أو الانفتاح الشديد على الثقافات الأخرى والمطالبة بفصل الدين عن الدولة من أهم الأسباب في ضياع الهوية التي يعاني منها كثير من شبابنا الآن وجعل بعضهم يتأرجح بين التدين الشديد والإلحاد، فعلينا قبل محاربة التعليم الديني وكيل التهم لحلقات تحفيظ القرآن والعلوم الشرعية بحجة الخوف على الشباب من الفكر المتطرف، أن نعلم أبناءنا أمور دينهم ونمدهم برصيد قيمي وديني، ونقوي لديهم الاعتزاز بهويتهم العربية والإسلامية والحرص على الحفاظ على لغتهم العربية من العبث مما قد يساعدهم على الوصول إلى الوسطية، فلا يكونوا بعد ذلك دمى تحركها تيارات الفكر المتطرف سواء أقصى اليمين أو أقصى اليسار.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع