د.محمود الحاج قاسم
رأي حول الطب النبوي
جاء في تعليق للدكتور بشار نديم الباججي على مقال الدكتور نبيل نجيب (( الدم الفاسد من يدلني عليه )) المنشور قبل أيام في الفيسبوك ما يلي : ( كم قلنا أنه لا يوجد شيء إسمه الطب النبوي أو طب إلاهي ، هي تجارب بشرية لا أكثر ولا أقل ، ولا أدري لم يضيفون هذا الطابع المقدس على هذا النوع من الطب الذي لم أجد أحداً إستفاد منه . ؟ )
ومع أنني لست المقصود في السؤال ، إلا أنه بما أنني كنت قد تناولت موضوع الطب الوقائي النبوي في كتاب بعنوان (( الطب الوقائي النبوي )) دار النفائس – بيروت 2001 ، وكذلك في مقالات نشرت في مجلات مختلفة ، أرجو أن يسمح لي الدكتور بشار بالإجابة على تساؤلاته حول الموضوع فأقول :
لقد اهتم الإسلام بالطب بنوعيه العلاجي والوقائي :
الطــب العلاجـي : الذي رسم له بعض الحدود والمعالم ولكنه ترك الجزء الأكبر للإنسان حاثاً إياه على البحث وعدم اليأس مهما كان المرض عضالاً ، فكثيراً ما كان يسأل ( صلى الله عليه وسلم ) هل في الطب خير يا رسول الله ، فيقول : (( نعم أنزل الداء الذي أنزل الدواء )) ويروى عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أيضاً قوله (( تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء الاّ وضع له دواء ، غير الهرم وفي لفظ السأم يعني الموت )) رواه أحمد .
ولما كان الطب العلاجي معرضاً دائماً وأبداً للتغير والتطور باكتشاف أجهزة علمية حديثة تساعد في التشخيص أو بالتوصل إلى أدوية وعلاجات جديدة ، لذا كان من المنطق بالنسبة للشريعة الإسلامية عدم تقييد أتباعها بأسلوب ثابت أو علاجات معينة يلتزمون بها في عصورهم المختلفة والاكتفاء بتنظيم الطب العلاجي وتحريره من القيود التي كانت تعوق عمله .
لذلك نجد بأنه لم تأت في القرآن الكريم أية نصيحة بتناول علاج معين لأي مرض معروف لأنه ليس كتاب طب أو صيدلة . ومعجزة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لم تكن في إحياء الموتى أو شفاء المرضى وإنما كانت معجزته هي معجزة تشريعية بقت وسوف تبقى خالدة إلى يوم القيامة وتأكيداً لهذا المبدأ لم يكن ( صلى الله عليه وسلم ) يداوي نفسه إذا مرض بل كان يستدعي الأطباء لعلاجه وفي ذلك تقول السيدة عائشة ( رض ) (( إن رسول الله كان يسقم لله آخر عمره فكانت تفد أطباء العرب والعجم فتنعت له الأنعات وكنت أعالجه بها )) رواه عروة .
وعلى الرغم من ذلك فقد وصف ( ص ) بعض الأدوية مثل العسل وغيره والبحث في ذلك ليس موضوع بحثنا هنا .
الطــب الــوقــائــي : إن التعريف العلمي للطب الوقائي المتفق عليه من قبل الهيئات الصحية عالمياً ، أنه هو علم المحافظة على الفرد والمجتمع لوقاية الإنسان من الأمراض السارية والوافدة ومنع انتشار العدوى إذا وقعت …. ومحاولة إطالة عمر الإنسان ( بقدر الله ) بتحسين ظروفه المعاشية والمحافظة عليه من الحوادث وإبعاده عن أسباب التوتر النفسي والعصبي .
هذه الأمور جميعاً والتي يسعى الطب اليوم جاهداً إليها وتجند دول العالم والمنظمات الصحية
و جموع الأطباء والمؤسسات الصحية لتحصين الأفراد ضد الأمراض واتخاذ التدابير لوقاية بني البشر من شرورها ، هذا النوع من الطب نجد الإسلام وقبل أربعة عشر قرناً قد أعطاه مكاناً متميزاً ووضع له دستوراً كاملاً لأن الطب الوقائي حقائق ثابتة وقواعد عامة تصلح لكل زمان ومكان ولكونه يتناول صحة المجتمع والجماهير العريضة فهو يدخل في رسالته باعتبار أن صحة الأديان من صحة الأبدان . لذلك كله نجد هذا النوع من الطب قد شمل حيزاً واسعاً في الطب النبوي .
وقد استعرضنا آراء الفقهاء ومواقفهم المتباينة حول الطب النبوي في كتابنا الطب الوقائي النبوي، إلا أن ذكرها هنا يطول لذا أكتفي هنا بذكر خلاصة لبعض الثوابت التي ينشرح لها الصدر ويطمئن لها الفؤاد وهذه هي :
1. (( الأصل في أقوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته أنها حجة شرعية على عباد الله ، إذا ثبت بطريق صحيح . وهذا واضح كل الوضوح فيما كان من ذلك مبيناً لأمور الدين كالإيمان بالله تعالى والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر ، وكالأحاديث المبينة لأحكام الله تعالى من الحلال والحرام والفرائض وأنواع العبادات والمعاملات وغيرها من أمور الشريعة )) .
2. ما كان من الأحاديث الواردة في حكم أصل العمل بالطب ومعرفة المرض والمريض والمعالجات وتناول الأدوية هي شرع وحجة يجب اعتقادها واتباعها .
وكذلك أن إرشاداته صلى الله عليه وسلم ، وتوجيهاته في ممارسة الأعمال الحياتية ، كتجنب البول وقضاء الحاجة في المياه وتحت الشجر ، واستعمال السواك والتداوي بالعسل والزيت … الخ ، فهو شرع يؤخذ كما يؤخذ غيره من الشرع والعبادات .
3. (( إذا نص القرآن على أمر دنيوي فهو حق لا مرية فيه ، لأنه من الله تعالى الذي لا يخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض .فإذا كان الحديث النبوي في الشؤون الدنيوية استجابة لإرشادات القرآن التي تتعلق بذلك الأمر ، فيكون الفعل بياناً أو امتثالاً للقرآن ويحمل على الشرعي )) (( وشبيه بذلك ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه فعله عن وحي من الله تعالى وأنبه إلى أمر آخر وهو أنه إذا تردد الفعل بين أن يكون دنيوياً أو دينياً حمل على الديني ، لأنه الأكثر من أفعاله صلى الله عليه وسلم والله أعلم )) .
4. لم يُبعث صلى الله عليه وسلم طبيباً يداوي أسقام الأبدان . فإن هذه الوظيفة قد أوكلها الله إلى خلق ينظرون في قوانين الكون وسنن الله في الصحة والمرض . والرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه بشراً كأذكى وأنبه ما يكون إنسان على وجه البسيطة قد باشر العلاج وأشار بصفته هذه – أعني البشرية لا الرسالة – أشار ببعض الأدوية حسب المستوى العرفي الذي كانت عليه الإنسانية في ذلك العصر . ولم يبعث صلى الله عليه وسلم ليحجر على العقل ويعطيه الحلول الجاهزة وذلك لأن الله تعالى استخلف الإنسان في الكون وأعانه على تحمل المهمة بأمرين الوحي والعقل .الوحي فيما لا يستطيع أن يصل إليه بذاته والعقل وآلاته فيما يمكن أن يصل إليه بذلك . ولذلك يكون طلب الكشف عن قوانين الحياة والكون من الوحي هو كالاعتماد على الفعل وحده في التشريع أو إدراك المغيبات . كلاهما منهج معكوس لا يولد حقائق ثابتة يطمأن إليها .
5. (( إن معظم ما جاء في الطب النبوي إنما هو من باب حفظ الصحة والطب الوقائي ، وليس غريباً أن يكون الأمر كذلك لأن التخطيط الصحي والتوعية الصحية إنما هما من مهام الدولة ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول مؤسس لدولة إسلامية على أساس من شرع الله الحكيم . ومن أجل ذلك كانت التعاليم والمناهج الصحية في الإسلام كثيرة )) .
((وبسبب المهمة الحكومية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومهمته التبيانية للقرآن الكريم جاءت التعاليم الصحية في هدي الرسول العظيم كثيرة تفوق كثيراً ما ورد في الطب العلاجي ، وتشكل مع بعض الآيات القرآنية القسم الأعظم من الطب النبوي )) .
(( إن العلوم التي تمد فن الصحة والطب الوقائي وترقيها كباقي العلوم الطبية ليست من اختصاصات الديانات السماوية ولا من اختصاص رسل الله عليهم الصلاة والسلام ، ولذا لم يعلل الإسلام تعاليمه ذات الفوائد الصحية بتعاليل ترتكز على علوم دنيوية وإنما ربطها بعباداته وتعاليم دينه على أنها من شعب الإيمان تدفع المؤمن الملتزم إلى التمسك بها )) .
6. لقد هيأ الإسلام أتباعه فكرياً للإقبال على تعلم العلوم النافعة والاستفادة أيضاً مما يجد من الوسائل في الطب الوقائي وجعل أخذها مستحباً أو مفروضاً بحسب ما يتوقع من فوائد التمسك به ، وبحسب ما يتوقع من مضار حين تركه . فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى كثير من الأصول التي تبنى عليها صحة الأبدان والنفوس ، وترك بعد ذلك للأطباء وللتجربة الإنسانية والفكر الإنساني حرية الحركة والعمل داخل ذلك الإطار الواسع للوصول إلى الكثير مما أرشد إليه وأشار .
أكتفي بهذا القدر ولمن يود التفصيل مراجعة كتابنا الطب الوقائي النبوي والله أعلم .
المصادر:
- الأشقر ، الدكتور محمد سليمان : مدى الاحتجاج بالأحاديث النبوية في الشؤون الطبية والعلاجية – أبحاث المؤتمر الرابع للطب الإسلامي – الكويت 1986 ص 108 .
- المصدر نفسه ص 115 .
- السلامي ، محمد المختار : الطب النبوي – أبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي – الكويت 1986 ، ص 94 – 95 .
- النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث – الشركة المتحدة للتوزيع – الطبعة الأولى ج 1 ص 149 .
- المصدر نفسه ص 152 .
703 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع