د.نسرين مراد
ما يجري في فلسطين، عملية قل نظيرها عبر التاريخ البشري الإنساني. الشعب الفلسطيني يواجه خطر الاقتلاع من الجغرافيا والتاريخ والأديان والحضارة الإنسانية. يجري ذلك على قدم وساق في السر والعلن، أمام سمع وبصر المجتمع البشري، القريب والبعيد من المكان.
حوّلت السياسات الدولية المجتمع والشعب الفلسطينيين إلى مجموعة من الحملان، بعد وعود كثيرة كبيرة بنيل السلام العادل، ما أمكن ذلك. في المقابل، تُرك المكان والزمان والشعب يلاقي مصيره الأسود، أمام ذئاب الاستيطان المدججة بالسلاح وأيديولوجية إبادة الخصم، بناء على الاختلاف العرقي والديني والحضاري.
كل شبر في أرض فلسطين، المكونة من جزأيها المحتليْن عامي 1948 و1967، مهدد بالمصادرة والاستيطان وطرد أهله منه، بشتى صنوف الطرد والاقتلاع. تتعدد صنوف الاقتلاع ما بين تسهيل الرحيل والترغيب والإغراء، والتخويف والترهيب، وإطالة الحصار، ومنع العودة، إلى التهديد بالسلاح والشروع في القتل.
كل بيت فلسطيني يخشى أهله على أنفسهم الطرد من بيوتهم، في أية لحظة وظرف مناسبين. لا توجد حماية قانونية أو سياسية أو ميدانية محلية، للطرف الفلسطيني الذي أُجبر على رفع راية حملان السلام.
المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية، على رأس أولويات أهداف ذئاب الاستيطان والاحتلال. ذلك لما تحمله من أهمية في تثبيت الوجود العربي، دينياً وعرقياً وحضارياً.
تُعتبر أرض فلسطين من أكثر البلدان عبر العالم والتاريخ غنىً بالعلامات والمواقع الدينية والأثرية والحضارية. كلها الآن تقع فريسةً سهلةً بين أنياب ذئاب الاستيطان، بحجج تلمودية ما أنزل الله بها من سلطان، لا حضارياً ولا دينياً ولا عصرياً. فقط يتم اغتنام فرصة إضعاف الفلسطينيين والعرب، وتحويلهم إلى مجموعات بشرية باحثة عن عون غذائي ومادي وتعليمي وثقافي.
الجغرافيا الفلسطينية هي الضحية والهدف النهائي. لا تشعر إسرائيل بالأمن والأمان، قبل السيطرة المطلقة على الأرض والأجواء القريبة والمحيطة. ورغم ضمان ذلك الهدف بسلاح بري وبحري وجوي ضارب مسيطر معربِد، إلا أن الطموحات تظل تسابق الخيال في أذهان ذئاب الاستيطان.
تحتل فلسطين موقعاً جغرافياً فريداً من نوعه، وتضمن إسرائيل بتفوقها العسكري سيطرةً غير مسبوقة أو مرادفة، على أجزاء واسعة من آسيا وإفريقيا، وبالذات منطقة الشرق الأوسط. لا يقلق القادة الإسرائيليون السياسيون والعسكريون، بعد تزويدهم بآخر ما تتوصل إليه الصناعات العسكرية الغربية من سلاح وعتاد، شديديْ الفتك.
السلام الذي وُعد به الفلسطينيون والعرب قبل أكثر من عقدين من السنين، لم يتحقق منه ما يبلل الأيدي أو الوجوه. سلام تحول فيه العرب إلى حملان سلام بين عشية وضحاها. هذا في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تعزيز تفوقها العسكري المطلق الدائم.
من أجل ذلك قدّم العرب التنازلات بلا هوادة، منها ما تم فعلاً، خاصةً على الساحة الفلسطينية، ومنها ما قُطع على شكل وعود أكيدة، بمجرد ما يجنح الطرف الإسرائيلي للسلام. على العكس من ذلك، كلما زادت التنازلات كمّاً ونوعاً، زادت قوة نهم الإسرائيليين في طلب المزيد، والتصلب والتشدد في المواقف.
تتحمل الدول الكبرى القسط الأكبر من مسؤولية ما آلت وسوف تؤول إليه الأمور، في عملية سلام صُممت خصيصاً لتجري بين حملان للسلام وذئاب للاستيطان. الطرف الإسرائيلي لا يمكن أن يقوم بخطوة ولو صغيرة، لولا الدعم السياسي والعسكري والمادي المقدم بسخاء لا نظير له لدى الجنس البشري. لا بل كيف لا تقوم ذئاب الاستيطان بما هو أكثر وقاحةً وقبحاً وجرماً، والدعم الخارجي لا يتوقف ولو هنيهة، ولا يتم حتى التهديد به؟!
أمام هكذا مواقف وأحوال بائسة، لم يبق للعرب من أوراق يمسكون بها، سوى الركون إلى التاريخ والزمن والقدرات الغيبية، التي لا ترحم المتخاذلين.
764 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع