ندوة الاثنين في عمان 10ايلول 2012 بعنوان :
تاريخ الاحزاب السياسية ونشوئها في العراق المعاصر
المحاضر : الأستاذ الدكتور مؤيد الونداوي
المعقبون : الاستاذ الدكتور مظفر الأدهمي
والأستاذ الدكتور عبد الكريم هاني
بتاريخ الاثنين المصادف 10 أيلول 2012 القى استاذ العلاقات الدولية وتاريخ العراق السياسي المعاصر والباحث في مركز العراق للدراسات الستراتيجية الدكتور مؤيد الونداي محاضرة بعنوان "تاريخ الاحزاب السياسية في العراق المعاصر" ، في ديوان الكبيسي بعمان .
تناولت المحاضرة عرضا تاريخيا استعرض بدايات العمل الحزبي في العراق اواخر العهد العثماني والذي ارتبط بوصفه جزء من الكيانات الحزبية التي كانت قائمة في مركز الخلافة في الاستانة ولم يكن العراقيين حتى ذلك التاريخ قد تمكنوا من بناء احزاب خاصة تعبر عن مطالبهم بوصفهم جزء من دولة الخلافة. واشار المحاضر الى ان جمعية العهد السرية التي اسسها عدد من الضباط والمثقفين العرب في الاستانة كان للعراقيين منهم دورا كبيرا في تاسيسها وان تفكير الاعضاء كان وقتها يتجه نحو القضايا القومية العربية ومسالة الحرية والاستقلال.
واشار المحاضر الى ان اندلاع الحرب العالمية الاولى وقيام البريطانيين باحتلال العراق كان سببا في ان يشهد العراق بروز حركات وتجمعات واحزاب سياسية اسستها وقادتها النخب المثقفة والشخصيات الاجتماعية المعروفة وقت ذاك وكان هدف الجميع السعي من اجل انهاء الاحتلال والانتداب البريطاني واعلان الاستقلال وبناء الدولة الحديثة وقد حققت هذه الاحزاب والحركات مطالبها خلال مدة عشرة سنوات عندما وافقت بريطانيا على الدخول في مفاوضات سياسية وعسكرية انتهت بتوقيع معاهدة 1930 التي فتحت الطريق للعراق بالحصول على استقلاله ومقعده في عصبة الامم عام 1932. هنالك اسماء كثيرة منها الحزب الحر وحزب النهضة والشعب والعهد وحرس الاستقلال والاخاء وغيرها.
واكد الباحث ان العقد الاول من عمر العراق الحديث 1920-1930 شهد ضهور اكثر من حزب ولكنها كانت احزاب لا تقوم على اسس عقائدية او تنظيمية وكان المؤسسين لها قادة سياسيون هدفهم الاول استخدام احازبهم لاجل التمكن من خوض الانتخابات والفوز برئاسة الحكومة وحالما يتم الامر لهم يتم حل الحزب، كما انهم كانوا يستخدمون تلك الاحزاب وعبر خلق تحالفات مع عدد من سيوخ العشائر لاجل القيام بثورات واضطرابات محلية تسعى لاجل خلق بيئة مناسبة لاسقاط الحكومة. واضاف المحاضر ان جمعية العهد في مسيرتها هي الاخرى ولاجل تحقيق الاستقلال للعراقيين قد اضطرت الى ان تنقسم على نفسها وشكلت العهد العراقي وكان العديد من اعضائها ممن ساند فيصل بن الحسين خلال سنوات الحرب او عند توليه عرش سوريا ومن بعد عرش العراق قد عادوا الى بغداد ومن ثم كانوا في معضمهم قد تولى مناصب عليا في الدولة وقيادة العمل الحكومي.
تجربة التعددية الحزبية وحرية التعبير التي عاشها العراق على عهد الملك فيصل الاول 1921-1933 سرعان ما تراجعت بسبب وفاة الملك وعدم قدرة خلفه الملك غازي من ادارة الدولة والتعامل مع الطبقة السياسية مثلما كان والده يفعل. الزعماء السياسيون في الصف الاول استهوتهم فكرة الوصول لرئاسة الوزارة وتولي الحكم ولهذا فقد اقحموا انفسهم في صراعات من اجل تحقيق تطلعاتهم وكان الصراع قد اصبح محتدما فيما بينهم ولعل حزب الاخاء الوطني بقيادة ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونجاحهما في استلام الوزارة خير تعبير عن هذا الصراع.
ولقد اكد المحاضر ان عقد الثلاثينيات كان قد شهد بروز احزاب وتيارات سياسية ذات ايديولوجيات وتعتمد اساليب العمل التنظيمي والقيادة منها الحزب الشيوعي والشعبية التي تحولت فيما بعد الى جماعة الاهالي بقيادة كامل الجادرجي والحزب الوطني بزعامة جعفر ابو التمن وتيارات قومية عروبية. غير ان الصراع المستمر للوصول الى السلطة حالما ادى الى ان يشهد العراق سلسلة من الانقلابات العسكرية وتنامي دور السياسي للمؤسسة العسكرية. أيضا شهدت تلك الحقبة (1936-1945) تراجع في اداء الاحزاب والحرية الصحفية بسبب فرض قوانين الطواري وتحريم العمل الحزبي وقد استمر هذا الواقع الى نهاية الحرب العالمية الثانية.
واكد المحاضر ان ضرورات واحتياجات نقل البلاد من حالة الحرب الى حالة السلم طرح للنقاش في داخل البلاط واستنادا الى ما كشفته الوثائق البريطانية بروز التفكير بامكانية الاخذ بنظام الحزبين كبديل لنظام التعددية الحزبية بمعنى ان يكون هنالك حزب للحكومة واخر للمعارضة ولكن لم يتمكن الوصي على العرش الامير عبد الاله من بلورة مثل هكذا مشروع وتحقيقه وكان هو من وقف وراء تشكيل حزب الاحرار لاجل ان يكون حزب الحكومة مستقبلا. مع ذلك وفي عام 1945-1946 اجازت وزارة توفيق بك السويدي وتحديدا وزارة الداخلية والتي تولى المسؤولية عليها الوزير سعد صالح جريو الحق بتشكيل الاحزاب من جديدوقد تم اجازة خمسة احزاب هي حزب الاستقلال وكان يعبر عن البعد القومي العربي في الفكر السياسي لدى جمع من العراقيين والحزب الوطني الديمقراطي الذي اسس بوصفه الوريث الشرعي لجماعة الاهالي وكانوا وقتها خير ما يعبر عن فكرة الديمقراطية الوطنية ذات المنهج الاشتراكي المعتدل. ايضا تم تاسيس حزب الاحرار بوصفه معبرا عن الفكر اللبرالي في الاوساط الاجتماعية العراقية وحزب الشعب الذي تبنى افكارا اشتراكية ولكن المؤسسين لم يكونوا بالضرورة شيوعيين
ومثلما كان متوقعا اصلا ولاسباب عديدة منها طبيعة بنية النظام السياسي العراقي وتحالفاته السياسية مع الغرب الذي اصبح منشغلا في الحرب الباردة وايضا المخاوف من الافكار الماركسية وتطلعات الاتحاد السوفيتي الى المنطقة فقد تم حرمان الحزب الشيوعي من العمل السياسي ولم يتم منحه اجازة التاسيس. واشار المحاضر ان العملية البرلمانية في العراق غالبا ما كانت تدار من البلاط والحكومة وكان التدخل في نتائجها حاضرا دوما ولهذا لم يكن من المتوقع ان تحقق احزاب المعارضة العراقية وفي مقدمتها حزبي الاستقلال والوطني الديمقراطي وغيرها الكثير. ومع ذلك وبسبب شعور النخبة السياسية من جيل التاسيس والتي دوما شغلت وظائف عليا في الحكومة والادارة الى ان تكون لها هي الاخرى احزابها التي يمكن ان تخدم مصالحها فقد جاء تاسيس حزب الامة الاشتراكي من قبل صالح جبر وحزب الاتحاد الدستوري من قبل نوري السعيد (1949-1950).
مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولحين انهيار النظام الملكي في تموز 1958 شهدت تبلور اكثر وضوحا في شكل الاحزاب وتبنيها الايديولوجيات ولقد كان واضحا ان العمل الحزبي سرا بات يجذب ويستهوي الجيل الجديد الذي اكتشف ان النخب السياسية من جيل التاسيس او الحرس القديم غير مستعدين بعد لفسح المجال للاجيال الجديدة بتولي قيادة البلاد ولهذا تمكن كل من الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تاسس فرعه العراقي مطلع الخمسينيات في العراق من بناء مؤسستيهما الحزبية على اسس تنظيمية صارمة تعتمد على هيكلية وقيادة وجماهير واسعة استهواهم العمل السري وكان ذلك على حساب احزاب وطنية اخرى تمسكت بالعمل الحزبي العلني. في عام 1957 كان واضحا ومن خلال تشكيل الجبهة الوطنية بوجود الرغبة لاحداث تغيرات جوهرية في شكل وبنية النظام السياسي العراقي وقبل الجميع فكرة تنفيذ عمل عسكري يقوده الجيش لتحقيق هذا الهدف.
وشدد المحاضر ان النظام الجمهوري سجل هو الاخر اخفاقا واضحا عندما مبكرا لم يظهر الرغبة باطلاق الحريات العامة والتعددية الحزبية وتاسيس شكل من اشكال الديمقراطية المقبولة ونظام برلماني ولهذا سرعان ما انفض تحالف الاحزاب التي تشكلت منها الجبهة الوطنية ودخلت في صراعات حادة فيما بينها كلفت العراق الكثير بما في ذلك حرمان العراق من نظام يقوم على التعددية الحزبية الواضح والقائم على المنافسة والتبادل السلمي للسلطة. كما اشار المحاضر ان سلسلة الانقلابات والثورات في عقد الستينيات والصراع على السلطة والتصفيات المتبادلة كانت سمة واضحة بين تيارين سياسيين هما التيار القومي وتمثل بحزب البعث والحركة القومية والتيار الناصري من جهة والتيار الماركسي بقيادة الحزب الشيوعي والذي انتهى لاحقا لصالح التيار الاول الذي استفاد مبكرا من تنامي مشاعر الاستقلال والتحرر وعدم الانحياز في العالم العربي ووصول الرئيس عبد الناصر للسلطة في مصر وطبعا الحضور الدائم للمشكلة الفلسطينية وتطوراتها.
واشار الباحث ان النظم السياسية التي توالت على حكم البلاد للمدة 1958-2003 لم تنجح جميعها بتحقيق حالة من التعددية السياسية ولم تتمسك باللعبة البرلمانية مثلما لم تسمح بحق المجتمع بتشكل مؤسساته المدنية وما تحقق منها فقد كان دوما تحت هيمنة ورقابة ومسؤولية الدولة.
كما تطرقت المحاضرة الى تاريخ الحركات والاحزاب التي تشكلت في شمال العراق وايضا الى الاحزاب التي شكلتها الجماعات القومية الاخرى التي يتالف منها المجتمع العرقي. ولقد توقف المحاضر ليسلط الضوء على تاريخ الاحزاب الدينية السياسية وتحديدا الاحزاب والحركات التي وجدت لها بيئة مناسبة في اوساط شيعة وسنة العراق والتي جاء تشكيلها بوقت متاخر من بناء الدولة العراقية المعاصرة وتحديدا مع عقد الخمسينيات من القرن الماضي ومنهاحزب الاخوان المسلمين وحزب التحرير والحزب الفاطمي وحزب الدعوة.
واوضح المحاضر انه اسهم في أعداد دراسة في عام 1998عن احزاب المعارضة العراقية التي تشكلت خارج البلاد وفي منطقة شمال العراق وتمكن من احصاء 65 مسمى الكثير منها لم تكن في حقيقة الامر سوى مسميات ليس إلا ولكن كان واضحا ان هنالك احزاب قد تمكنت ولاسباب كثيرة منها تتعلق بالبعد التاريخي في تشكيلها واخرى استفادت من الدعم الخارجي لها من حكومات واجهزة مخابرات في اكثر من دولة من ان يكون حضورها الفاعل في خارطة الاحزاب العراقية سواء ايام الحصار الدولي على العراق او في التخطيط لمرحلة ما بعد الاحتلال ولقد كان واضحا في مؤتمرات المعارضة العراقية التي تم ترتيبها وقت ذاك في فينا ولندن وواشنطن ان كل من الحزبين الكرديين الحزب الوطني الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني وايضا حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية وحركة الوفاق والمؤتمر الوطني العراقي والحزب الشيوعي العراقي سيكونون في المقدمة لادارة العملية السياسية في العراق بعد احتلاله والاطاحة بنظامه السياسي.
اخيرا شدد المحاضر انه مبكرا ومنذ منتصف عقد التسعينيات كان واضحا طبيعة المدارس الفكرية التي يمكن ان تسود وينتمي لها العقل السياسي لدى العراقيين وهي البعد القومي العروبي والبعد الوطني العراقي والبعد القومي الكردي والبعد الاسلامي (متوزعا على التركيبة الدينية الطائفية للمسلمين في العراق). واشر انه كان واضحا ان اي سماح لتعددية حزبية في العراق فان الاحزاب التي ستتشكل لن تبتعد عن هكذا توزع. كما ان مثل هكذا انتساب فكري يمكن ان يتبنى افكارا تتراوح من اليمين والى اليسار افكارا ذات توجهات اشتراكية ووطنية ودينية طائفية تعتمد على اهمية دور الدولة ومسؤوليتها الاجتماعية مع اختلافات في طبيعة وشكل ادارة البناء الاقتصادي وتوزعه ما بين مسؤولية الدولة والقطاع الخاص.
تولى التعقيب عند انتهاء المحاضر كل من الدكتور الاستاذ محمد مظفر الادهمي والدكتور عبد الكريم هاني.
قدم الدكتور الأدهمي وصفا لمسارات العمل الحزبي قسمه على كل مرحلة تاريخية من مراحل تاسيس الدولة للمدة 1914-1959 مستنبطا بذلك فترات ظهور الفكر القومي المؤدلج واحزاب النخبة وتكوين الحزب الشيوعي والاحزاب اللبرالية ولم يعطي الأدهمي صورة واضحة عن وجود تيار سياسي إسلامي قبل ثورة تموز في العراق واتفق بالرأي ان الآسلامويين لم يكونوا قد شكلوا مصدر معارضة سياسية يحسب لها حساب بعد الثورة مباشرة من قبل السلطة وقد نال ما تقدم به من تعليقات استحسان وتايد وتقاطع من قبل المشاركين. في المقابل ركز الدكتور عبد الكريم هاني على ما شهده العراق من حراك حزبي في عقدي الخمسينيات والستينيات وتناول تجربة تاسيس الاتحاد الاشتراكي في منتصف الستينيات وكيف ان التيار القومي والتيار الناصري كانا وراء هذا التاسيس الذي شدد على انه لم يكن بالضرورة يحضى بتايد ومساندة الدولة له بل على العكس من ذلك داخل دهاليز السلطة كما اشار الى الدور الكبير للجامعات العراقية اساتذة وطلبة في تعزيز الفكر القومي والعروبي لدى قطاعات اجتماعية واسعة في العراق من شماله والى جنوبه ليمثل التحدي المقابل للتيارات الماركسية التي كانت هي الاخرى لها دورها ومكانتها في الساحة السياسية والفكرية في العراق ، وأشاربشكل واضح الى وجود تيار اخواني إسلامي في أربعينيات القرن الماضي في كلية الطب والكليات الأخرى مما يؤكد ان ظهور تيار اسلامي سياسي كان مبكراً في العراق . وأكد الدكتور هاني ان فترة منع تشكيل الأحزاب في العهد الملكي أثر تأثيرا سلبيا على الحياة والثقافة السياسية والحقت بالفترة التي لحقتها خلالا سلوكيا في النهج السياسي .
مع نهاية حديث المعقبين للندوة التي تولى ادارتها الدكتور خالد الشمري فتح باب الحوار للحضور وقد اتفق الجميع على ان محاضرة واحدة من هذا النوع لاتكفي لاهمية الموضوع واتساعه، كما اتفق الحضور على ضرورة مثل هكذا موضوع واهمية الخوض في تفاصيله لاجل خلق تصور اوضح لاجل تحديد مسؤولية الاحزاب والتيارات السياسية التي شهدها العراق الحديث وما مرت به البلاد من احداث ومتغيرات انتهت الى ان تتشكل اليوم مئات الاحزاب غالبيتها تسعى لاجل تحقيق مكسب واحد هو الوصول الى البرلمان ولكن لم يقم معضمها على اسس العمل الحزبي المتعارف عليها وليس لديها برامج وافكار وايديولوجيات واضحة. أول المناقشين كان الدكتور طارق العكيلي استاذ التاريخ السياسي الذي اوضح بشكل موجز تفاصيل تاسيس الحزب الفاطمي وحزب الدعوة الاسلامية وأكد مشاركة السبيتي وعارف البصري في التأسيس مع انهم ذو خلفية إخوانية وسياسية سنية . كما كان من بين المناقشين الأستاذ محمد دبدب الذي علق على تبعية الاحزاب الدينية في مرحلة تاسيسها واسنادها لإيران مما استوجب فيما بعد مرحلة الغزو ان تكون ادوات طيعة للإرادة الإيرانية حتى وإن تعارضت تلك المواقف مع المصلحة الوطنية والقطرية مما أدى الى إنسلاخها وعدم قدرتها على تكوين قاعدة فكرية لها الا من خلال الاستغلال بالتوظيف والتعيين والفساد المالي مما يؤكد عدم قدرتها للتاسيس لدولة او سلطة بناء وتنمية معاصرة وهذا يشكل صلب حقيقة الفشل الذي سيواجه هذه الاحزاب ويزيد من عزلتها ، كما أكد ان سياسة الشاه كانت تتبنى التاسيس لذراع سياسي وذراع ديني من خلال المرجعيات للهيمنة على المنطقة ، وأشار الدكتور عبد الجبار الكبيسي الى مشروع التعددية الحزبية والمشاركة في الحياة السياسية للقوى المعارضة الذي تمت دراسته من داخل قيادات البعث عام 1990 لكنه اجهض ولم يتحقق بسبب أزمة الكويت في حينها وكيف انها كانت تشكل انطلاقة تقويمية لسياسة الحزب الواحد لو تحققت لكانت النتائج مغايرة . فيما تطرق الاعلامي جاسم الشمري على ضرورة التطرق الى تقييم دور هذه الاحزاب ومسيرتها السياسية سلبا او ايجابا وخصص بالذات على مرحلة حزب البعث ومسيرته الطويلة الحافلة بالأحداث ، كما علق الاستاذ الجشعمي على ضرورة كشف عمالة الأحزاب الطائفية وتبعيتها وأنها لو لم تكن كذلك فانها لم تكن تمتلك اي قواعد تمكنها من القفز على السلطة او تشكل تهديدا لها وإن ردود فعل القوى الأمنية في تصفية هذه الاحزاب هو الذي خلق منها قوى إعلاميه بشكل لا يتناسب مع حجم قواعدها المحدودة . بعدها انصب الحديث على حقيقة ان الاحزاب الدينية السنية في العراق لم تكن حديثة التكوين بل كانت لها قواعد تنظيمية خصوصا في الثانويات والكليات منذ أواخر عقد الأربعينيات وأن تشكيلات الاحزاب السياسية الشيعية جاءت في نهاية عقد الخمسينات متأئرة بالحركات السياسية الدينية السنية كالإخوان المسلمين وحزب التحرير والحزب الاسلامي وإن نشاطات الأحزاب الدينية والطائفية في العراق كانت تتمركز بين طبقات المهندسين والاطباء والجامعيين والطلبة اكثر من طبقات المعممين والعمال والفلاحين الجماهيرية ، وجاءت هذه التعقيبات ردودا على افتراضية ما ذهب إليه المتحدث بان الأحزاب الدينية كانت ضيقة القواعد ولم تكن لها تأثيرات كبيرة تهدد السلطة الحاكمة في حينها .
عقب الدكتور عمر الكبيسي بعد ان توجه بشكر الباحثين على جهودهم ، على ضرورة ربط تشكيل أحزاب النخبة وتاريخها بأحداث تاريخية معاصرة في المنطقة العربية والإقليمية ، أهمها قضية فلسطين وإكتشاف النفط وحركة مصدق والعدوان الثلاثي على مصر وجماهيرية المرحوم عبد الناصر وتأميم قناة السويس واعتماده على الاتحاد السوفيتي في بناء الجيش والتنمية .اذ ارتبطت قضية فلسطين بتأجيج الفكر القومي الجماهيري وألهبت روح الجهاد والتطوع في صفوف الإسلاميين وجعلتهم يعلنون بشكل واضح ان الخلافة العثمانية هي امتداد للخلافة الاسلامية وان الإصطفاف ضدها كان خطئا كبيرا تسبب بضياع فلسطين وتقسيم العالم العربي الى دويلات تحت هيمنة بريطانيا وفرنسا وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين وهي ثقافة بقي الاسلامويون سنة وشيعة يجاهرون بها لغاية اليوم ، كما ساهم الاتحاد السوفيتي في تبني الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية والكردية في العراق خصوصا بعد اكتشاف منابع النفط فيه والتي أججت بشكل خطير صراع القطبين على المنطقة وأثار فيها الأطماع وما ترتب على ذلك من مشاريع ومخططات وتوجهات للهيمنة على العراق والمنطقة . من ناحية أخرى ذكرَّ الدكتور عمر الكبيسي بحقيقة ان معظم قيادات ورموز هذه الآحزاب كان من بين الذين تم تنظيمهم وتنوير اتجاههم السياسي من خلال تواجدهم في جامعات او معاهد إقليمية في لبنان ومصر و وسورية وتركيا وإيران مما يؤكد دور أحداث المنطقة و حراكها في الواقع العراقي السياسي المعاصر منذ نشوءه .
انتهت بعد ذلك هذه الندوة بشكر المتحدثين والحضور جميعا وإدارة الندوة على حسن الأداء .
904 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع