مثنى عبيدة حسين
منذ الطفولة يتعلم المرء مبادئ وأسس وهوايات تبقى تلازمه طوال عمره وكما قيل فإن التعلم في الصغر مثل النقش على الحجر لذا تجد رواسب ما مضى موجودة في حاضرنا ومستقبلنا بل وقد تحدد توجهات وأفاق رؤيتنا المستقبلية واطر عملنا الذي نسعى من خلاله إلى استثمار القابليات والمواهب التي نشئت بفعل تلك التراكمات الإنسانية الصحيحة في السعي نحو غد ٍ أفضل .
أحببتُ منذ صغري القراءة ومتابعة الأخبار السياسية والاجتماعية وغيرها وكنتُ أجمع مصروفي اليومي لكي أشتري جريدة أو مجلة وكتاب كما اذهبُ إلى سوق المتنبي لأقضي وقتاً طويلاً بين الأوراق الصفراء والبيضاء المؤطرة بالحكمة والمعرفة وهكذا كبر هذا الحب في قلبي وأسهم في صقل شخصيتي وأحدث التغيير الايجابي في ثقافتي وطريقة حياتي وكنت أتجول بين المكتبات الكبيرة وأنا أحلم أن يكون لي مكتبة صغيرة اعرضُ فيها الكتب والصحف للجيل الذي يأتي من بعدنا ولبقية الأجيال لكي نُسهم في تنمية قدرات الآخرين وتوسيع مداركهم كما أسهم المربون والمثقفون الحقيقيون في تكوين لبنة بناءنا الفكري .
في عام 1991 وبعد أن انقشعت الغيوم عن الدمار الهائل الذي أصاب العراق نتيجة الحروب عاد بي الحنين إلى حلمي الأول وهو فتح مكتبة تكون نواة لمنتدى ثقافي أو صالون أدبي يلتقي فيه المثقفون والأدباء وعشاق الكلمة والحرف.
خلال مكوثي الطويل في المستشفيات لاحظت بإن القادم من المدن والمحافظات البعيدة يحتاج إلى أدوات شخصية عديدة ( من ملابس ومستلزمات وحتى طعام وفواكه وصحف وغيرها ) لذا قلت في نفسي لماذا لا أسعى إلى فتح محل أو كشك صغير نظامي ونظيف لتوفير كل تلك الاحتياجات للكوادر الطبية والمرضى والزائرين ويكون البداية لمشروع أكبر وهكذا شرعت في عرض فكرتي إلى أخوتي وأمي الحبيبة وقلت أحتاج دعمكم لتنفيذ هذه الفكرة فقالت لي أمي أبني نحن لا نطلب منك أي مصروف أو مال فلماذا تتعب نفسك وأنت بهذه الحالة الصحية المتقلبة فقلت لها أمي يكفي ما صرفتموه علي وأنا اشعر بالخجل منكم وخصوصاً وأن عمري لأزال دون الثلاثين عاماً وأنا أريد أن أعمل وأفتح فرصة عمل لإخوتي أيضاً قالت توكل على الله
بما أن إقامتي الطويلة كانت في مستشفى أبن النفيس للقلب والأوعية الدموية فقد ذهبت إلى الإدارة وعرضت عليهم فكرتي فقالوا للأسف لقد تأخرت حيث عرضنا خلال الشهر الماضي الأمر بمناقصة وقد فاز بها شخص قريب لأحد موظفي الاستعلامات ، رجعت إلى البيت وأنا أفكر بالأمر حتى وجدت صحيفة الثورة وبينما أطالعها وقعت عيني على خبر يقول بان أمانة بغداد وافقت على توفير أكشاك لبيع الصحف للمعاقين فرحت جداً بالخبر وذهبت إلى أمانة بغداد وتقدمت إلى موظفة الاستعلامات وسألتها عن الموضوع فقالت للأسف تم غلق الموضوع بعد أن استفاد منه المتقدون أولاً وأنت جئت متأخرا ، الحقيقة تألمت كثيراً ولكن قررت أن أذهب وعلى الفور إلى جار لنا يعمل في صحيفة الثورة وبمركز مهم جداً فيها وهو صحفي واستقبلني الرجل في مقر عمله وعرضت عليه أفكاري وقلت له هل من الأفضل للدولة أن يتسول المعاق بالطرقات ويعرض أصابته أمام الجمهور لكي يكسب عطفهم ومساعدتهم ألم نضحي من أجل الوطن ؟ أليس هذا ما تكتبونه في مقالاتكم ؟ أذا لماذا تجعلونا قوة عاطلة عن العمل ؟ وهناك أمكانية لكي نعمل ونحن شباب وفي عمل يتفق مع قدراتنا الجسدية قال لي طيب أذهب إلى الصحفي المسئول عن الأخبار المحلية وتكلم معه وفعلاَ أعدت كلامي أمام هذا الصحفي رحمه الله ( حيث سمعت أنه قتل قبل سنتين ) قال لي الرجل أخ مثنى أنا لا أستطيع أن أكتب هذا الكلام هل تستطيع أن تكتبه أنت وأقوم بنشره قلت نعم وغداً ستصلك رسالتي وفعلا ً تم نشر الموضوع في صفحة القراء وبعنوان المعاقون وأكشاك الصحف بعدها بأيام تم تزويدي بكتاب من الصحيفة إلى مكتب أمين العاصمة والذي وافق على منحي كشك هنا ارتسمت معالم الفرح في روحي أخيرا سوف أحقق حلمي ولكن أين المكان الذي اخترته ليحط حلمي فوق رحابه ؟
انه مستشفى الكاظمية التعليمي والذي بدأت بمراجعته لانتقال الطبيب الخاص بحالتي الدكتور صديق الخشاب لها وقد ذهبت إليه وعرضت عليه فكرتي وقد شجعني على تحقيقها لكونها ستسهم في تحسين وضعي الصحي والنفسي وقد بارك لي كادر المستشفى هذا المسعى ووعدتهم بتوفير أفضل الخدمات لهم ومنها عمل اشتراك يومي بالصحف والمجلات العربية وغيرها من أمور ولمن يعرف مكان المستشفى فإنها تبعد عن مركز الكاظمية مسافة لا يستطيع الموظف ترك عمله والذهاب للتسوق أو الحصول على صحيفة لذا فقد قررت توفير كل ما يحتاجه المريض والموظف وعلى أعلى مستوى بالنظافة والخدمة المتميزة المغلفة بالثقافة والمعرفة .
باشرت في أستحصال الموافقات الرسمية وكان معي أخي ناصر وفي أول يوم لنا وكنا في سيارة أجرة ( تكسي ) نسيت كل أوراقي الثبوتية بالسيارة ونزلت عند مقر الأمانة بالكاظمية هناك تذكرت الأوراق فجلست على الرصيف وإذا بالسائق الشهم يعيد لي الأوراق وقال أبني أنت بعدك صغير وتنسى أذا كبرت كيف سيكون الحال فقلت له أشكرك عمي وجزاك الله خير الجزاء دخلت مباشرة حاملاً أوراقي على مهندسة من بنات الكاظمية الكريمات فقالت لي أخي أنصحك لوجه الله أذهب لأخذ موافقة المستشفى على نصب الكشك فقلت لها أختي لماذا قالت لان المستشفى تابعة إلى ديوان الرئاسة وقد تحدث مشاكل لك لذا من الأفضل أن تأخذ موافقتهم وفعلاَ ذهبت إلى أدارة المستشفى بكتاب رسمي موقع من قبل أمين العاصمة سهيل محمد صالح وفعلاً حصلت على موافقة مدير المستشفى ورجعت إلى المهندسة فقالت جيد جدا ألان عليك أن تشتري الكشك قلت ماذا أشتري الكشك ؟ أذا ما هي موافقة الأمين قالت الأمين وافق على منحك مترين أرض وليس كشك قلت عجيب ومن أين لي بالنقود لكي أشتري كشك ؟ قالت والله لا أعرف هذه الموافقة تنص على ذلك رجعت إلى أمي وأخوتي قالوا لا تهتم ولا تنزعج نحن معك وفعلاً بدأنا البحث عن كشك مناسب يليق بمكانة المستشفى وقد حصلنا عليه في منطقة الزعفرانية واشتريناه بمبلغ ليس بالقليل ولكن كيف ننقله هنا وجد أخي أحمد ناقلة عسكرية مرت بالطريق فاستوقفه وعرض عليه مبلغ من المال لنقل هذه الكشك وفعلاً تم نقله على ظهر ناقلة عسكرية وبزفة كبيرة في الطرقات البعيدة دراً للمشاكل .. ولكن يبدو أن المشاكل تنتظرنا فهي رفيقة درب العراقيين ...
نزل الكشك المعظم كما أسميه دائماً وكما أطلق عليه أصدقائي وأخوتي هذا الاسم نظراً لقصته الغريبة وما رافقها من أحداث ..
المهم نزل محفوفاً بالعناية الإلهية لكي لا يقطع أسلاك الكهرباء أو غيرها وكانت عيوني ترقبه بالدعاء والسعادة الكبيرة إلى هنا والأمور تجري بشكل طبيعي..
في اليوم التالي ذهبت مع أخي وصديقه رحمه الله إلى حيث الكشك لكي يعملوا فيه بعض التغيرات وصعدت أنا إلى الدكتور صديق الخشاب وكادره الذي شد على يدي وباركوا لي هذا الانجاز التاريخي عدت إلى حلمي الصغير فوجدت ُ أخي ساهماً واجماً قلت له ما الأمر قال جاء عنصر أمن يسال عليك ويقول مسئول الأمن بالمستشفى يريدك قلت خير أن شاء الله قال بخصوص الكشك قلت طيب دعونا نعود إلى البيت ألان نأكل الغداء ونجلب الأوراق الرسمية والموافقات والرسوم وغيرها من مستمسكات دفعنا مبالغها من حر مالنا وليس مكرمة أو منحة من احد عدت عصراً وذهبت إلى مسؤل الأمن في المستشفى وهو (ح أ) فقلت السلام عليكم أنا مثنى عبيدة حسين صاحب الكشك حضرتك طلبتني ) قال ( كيف حصلت على هذا الكشك قلت بموافقات رسمية تفضل أطلع عليها ) نظر بها ثم قال وبلهجة حازمة ولا تخلو من التهكم ( كيف حصلت على هذا المكان والذي عضو فرع بالحزب لا يستطيع الحصول عليه) طبعاً باللهجة العراقية التي تعرفونها كيف تكون من شخص متسلط قلت له وقد عرفت ماذا يريد هذا المنتفخ كرشه ( والله أنا معوق حرب وقد قدمت لوطني روحي وجسدي فهل قدم عضو الفرع بمقدار تضحياتي وهل هو محتاج إلى مترين من الأرض ليفتح كشك عليها ) هنا تطاير الشرر من عينيه وقال أسمع عليك برفع هذا الكشك فوراً قلت له خير بإذن الله وخرجت وأنا أعود إلى بيتنا وجدتُ أمي تنتظرني عند عتبة البيت وهي تدعو ووجهها أصفر فقلت لها ما بك قالت أبني أترك الموضوع وأستخلف الله أبني أخاف عليك من هؤلاء قلت لها لا تخافي غداً سوف أذهب إلى أمن الكاظمية وفعلاً دخلت إلى مركز الشرطة وقابلت ضابط برتبة نقيب وحدثته بالأمر فقال
لا عليك أذهب وأنا سوف اتصل بأمن المستشفى وأخبرهم بان يدعوك تفتح الكشك فأوراقك رسمية وأمين العاصمة عضو فرع بالحزب وأكبر مسئول بالعاصمة بهذا الخصوص.
رجعت إلى حلمي الحبيب إلى الكشك المعظم وأنا أتهيئ لشراء المستلزمات والمواد الغذائية وغيرها والصحف والكتب ، طبعاً المستشفى لكونها مرتبطة بديوان الرئاسة يتطلب الأمر أن يكون هناك شخص مسئول من الديوان ليشرف عليها وعلى كلية الطب الملحقة بها طبعاً أنا لم أراه سابقاً حتى جاءني موظف يخبرني بان الدكتور ( غ م ص ) يريدك قلت خير قال حينما تلتقي به ستعرف طبعاً عرفت بالحدس بان الموضوع يخص قضية الشرق الأوسط الكشك المعظم المنصوب على أرض دفعت ثمنها عرقاً ودماء ..
ذهبت إلى هذا الدكتور والذي جاء بشهادته من بعثة أرسلوه بها إلى جامعة السوربون على نفقة الدولة فقلت في نفسي أكيد هذا رجل متعلم ومتحضر ومثقف وسوف يتعامل مع الأمر بطريقة تختلف عن طريقة رجل الأمن السابق ذكره والذي أسقط بيديه ولم يعد له تأثير علي حسبما ظننت .
وصلت مكتب الدكتور( غ م ص ) ورأيته يغلق باب مكتبه وهو يهم بالخروج ألقيت عليه التحية وقلت دكتور أنا مثنى عبيدة حسين فالتفت نحوي قال ( ها أنت صاحب الكشك كيف تنصب الكشك هنا قلت بموافقات رسمية ) ..
هنا أعتذرُ من كل سيدة تغنى بها الشعراء والمثقفون وقالوا بها شعراً جميلاً وأطربنا المرحوم ناظم الغزالي يوم كان صوته يصدح ( له خال ٍعلى صفحات وجه كنقطة عنبر في صحن مرمر
حيث قال الدكتور( غ ) وباللهجة العراقية وبطريقة تنم عن تفكيره ومن وراءه ممن أبتلي بهم العراق ( شنو هذا الكشك مثل الشامة بوجه العروس ) يعني يعيب على العروس وجود شامة بوجهها وهذا مستوى تفكيره بدلا من أن يرى بالعروس حسنها وجمالها بهذه الشامة وفرحتها بهذا اليوم .. ضرب لي هذا المثل الغريب والذي لم أكن قد سمعت به سابقاً وكأنه يقول بان المستشفى مثل العروس ووجود الكشك سوف يؤثر على منظرها فقلت له دكتور أرجوك ألقي نظرة على الكشك ستجده أحدث ما يكون وأجمل صورة وسوف يكون وجوده لائقاً بالمستشفى قال والله ما أعرف عليك برفعه حالاً... هنا وكأن شخص ما قد ضربني على وجهي بقوة
فقلت له ماذا ؟ قال ما سمعت ارفعه أفضل لك قلت ولكن دكتور والموافقات قال ( ليست شأني ) قلت له ( د غ ) لكني أشعر بالظلم قال والله أذهب إلى من ظلمك قلت ومن يكون قال أمين العاصمة قلت ولكني حصلت على موافقة المستشفى ومديرها أيضاً قال لا يعنيني أنا غير موافق ارفعه أفضل لك قلت د أنا رجل معاق وأهلي صرف علي كل جهدهم وتعبهم وأتمنى أن أسهم في مساعدتهم قال هذا لا يعنيني طبعاً الحوار كله جرى في الممر وهو يمشي وأنا بجانبه أو خلفه بسبب عكازي وساقي التي تنزف دماً ونزفت لأجل أن يبقى هذا الدكتور وأمثاله متسلطين على رقابنا .
صعدت إلى حيث طبيبي الدكتور صديق الخشاب ومساعده الدكتور عماد أحمد جمال وهناك لم أتمالك نفسي وبكيت بكاءً مراً وأنا أتنفس بصعوبة قلت لهما أهذا الأمل الذي عملتم على زرعه في جسدي وروحي ؟ هل هذا ما عملتم من أجله وأنتم تسهمون في إنقاذ حياتي ؟ طبعاً كانوا يحاولون تهدئتي وخصوصاً أنهما ولأول مرة يشاهدان دموعي التي لم تنزل أمامهما طوال رحلة المرض القاسي والعمليات المتكررة ولكنها نزلت هنا وبغزارة تبكي الظلم والتجبر والعدوان تبكي الأمل المسروق والحلم المهدور تبكي الجراح والتضحية بالنفس من أجل وطن ٍ بكل ترابه وها هو يضنُ علينا بمترين من الأرض كنا نحلم أن نحقق حلمنا عليها بالكد والتعب والعمل وليس التسكع والتنزه على حساب الفقراء والمسحوقين من أبناء جلدتنا .
رجعت إلى البيت مهدود القوى خائر العزيمة أريد أن أنام ولكن أنى للعين أن تغمض وأنا المظلوم ورفعت يدي لله تعالى وأنا أستذكر بيت الشعر القائل:
لا تظلمن أذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم ِ
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم ِ
في هذه الإثناء ذهب أخي سعد إلى جار لنا يعمل في ديوان الرئاسة وهو أيضاً خريج السوربون ويحمل لقب دكتور في القانون الدولي وحدثه بالأمر فقال له أرسل مثنى لي وفعلاً ذهبت إليه ونطقت أسم د غ أمامه فقال انه صديقي ونحن نعمل سوية وسوف أحدثه بالموضوع وأنتم أناس وطنيون مخلصون للعراق وأخلاقكم طيبة وسمعتكم حميدة بين الناس وفعلاً تحدث الدكتور ( ح هـ ) مع د غ فكان جوابه وحسب ما نقله لنا الدكتور ح ( من الأفضل لهذا المثنى أن ينقل كشكه وإلا سوف أجلب الشفل والمعدات وأهدمه ولن يبقى له فيه أي خردة لكي يبيعها أو أسمح له بنقل الكشك إلى الجهة الأخر من الشارع المقابل للمستشفى ) هنا أسقط بيدي ولكني كنت أعاند وأكابر متسلحاً بكل ما تربيت عليه من قيم الرجولة والدفاع عن الحق والتضحية في سبيله ولكن أمي كانت تتوسل بي وتبكي كلما خرجت لأنها تقول لن يعود مثنى إلى البيت ثانية سوف يعتقله هذا الظالم ، هنا نصحني احد أصدقائي بالتقدم بالشكوى إلى ديوان الرئاسة ولكني قلت له لمن أشتكي وعلى من أشتكي وفيه الخصم والحكم أن هذا د غ لديه من الأقرباء والأصدقاء من سوف يوصل الشكوى إليه أو يقوم باللازم تجاهي وعائلتي نيابة عن أبن عمه أو خالته يا صديقي لقد أصبحنا نحن الغرباء ونحن من نأخذ أكثر مما نعطي ........
بعد رحلة من الترقب والقلق والإحباط المدمر لي وقتها والى اليوم أشعر بغصة كبيرة تجاه هذا الموضوع الذي شكل وقتها الحلم المسروق بظلم لم أحتمله ، أعود إلى الكشك حيث قام أخوتي برفعه إلى منطقتنا وتم افتتاحه بعد أن تكبدت وأهلي من الخسائر المادية ما يفوق قدراتنا وأهدرت مالاً كان من حق إخوتي الصغار وأمي الصابرة في مغامرة حسبتها حق مشروع ...
نعم بقيت بهذا الكشك المعظم بضع شهور من عام 1992 م وأنا لا أعرف ماذا أفعل به حتى جاء شخص واشتراه مني وبخسارة كبيرة ونقله إلى الحي الصناعي في البياع وقد أستخدمه لبيع الفلافل والشاي للعاملين في تصليح السيارات وهكذا أسدل الستار على مشروع ثقافي إنساني يـُنمي العقل والروح ليحل محله مشروع يبيع الفلافل في حي صناعي وللعقلاء نترك المقارنة مع كل احترامي لمن يبيع ويعمل في أي مهنة شريفة ليكسب رزقه بالحلال .
منذ ذلك اليوم ولسنين طويلة لم أستطع النظر إلى الكشك وهو يقدم الطعام وكان منظره يذكرني بالحلم المسروق والمثل الغريب والظلم العجيب الذي لم يحسب للدعاء قوته ولرب السموات سطوته ..
سوف أذهب إلى المستقبل حيث عام 2003 م في هذه السنة التقيت بالدكتور ح وقد بارك لي جهودي وسعي في خدمة المعاقين بالعراق وقد شاهدني من على شاشة التلفاز وعرف بعملي الخيري والإنساني في هذا المجال هنا قلت له أشكركم دكتور لكل مواقفكم الإنسانية تجاهي وتجاه الناس وهذا هو ما يبقى للمرء وها أنت تمشي وتتحرك بكل حرية والكل يحترمكم ويقدرك شخصيتك لأنك لم تستغل يوماً مكانتك السابقة في سبيل ترويع الآخرين أو ابتزازهم أو أخذ حقوقهم ولكني أسالك أين صاحبك د غ فقال حي يرزق فقلت له قل له ليحمد الله تعالى بان مثنى وأخوته يخافون الله تعالى وقد تركوا حسابه لله ولينظر إلى نفسه اليوم وهو مختبئ خائف بينما نحن نمشي مرفوعين الرأس وبجهودنا وتعبنا وفكرنا وإنسانيتنا قل له لماذا سار بطريق الظلم ألم يعلم بإن الله قادر وأنه يعز من يشاء ويذل من يشاء اللهم لا شماتة ولكني أتركه لضميره وحساب ربه .
نعم لن أستطيع أن أنسى ولكن يعلم الله تعالى بأني لا أحمل ضغينة عليه أو أفكر بطريقة لا تليق بأخلاقي وتربيتي ( وها أنا لا أضع أسمه الصريح حتى لا يصاب بأذى بسبب موقعه السابق ) وإنما أتسأل مع نفسي لماذ الإنسان حينما يصبح بموقع المسؤولية لا يجعلها طريق للخير والمعروف والإنسانية ؟؟ لماذا ؟ لماذا يسبب القهر والخوف للآخرين ؟ وها هو اليوم يتجرع من نفس الكأس فلماذا اختار هذا الطريق الموحش لماذا ؟
أما حلمي الصغير الكشك المعظم ربما أحققه ولو في ديار بعيدة وها أنا أسير بطريق الكتابة والمعرفة علني أصل إلى نهاية الطريق لكي أضع حلمي على قارعة السائرين من الأجيال اللاحقة علنا نُسهم في إنارة الطريق لهم....
ملاحظة :ـ
قصتي هذه ليست وحيدة ومن المؤكد هناك الكثير من العراقيين الشرفاء الذين تم سرقة أحلامهم وأعمارهم..
(كل تلك الأوراق الرسمية الخاصة بالكشك المعظم احتفظت بها وهي موجودة حتى اليوم )
وللحديث بقية أن كان بالعمر بقية بإذن الله تعالى
941 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع