عوني القلمجي
وكالة عبد المهدي واخوانه لبيع وشراء الوزارات
قال السيد مقتدى الصدر يوم امس الاربعاء المصادف 21 من الشهر الحالي بان "لديه أدلة تتضمن تسجيلات صوتية ورسائل هاتفية تبادلها المتورطون مع سياسيين بخصوص بيع حقائب وزارية بينها الداخلية والدفاع والتربية" وخص في نفس التصريحات حليفه هادي العامري زعيم كتلة الفتح "بالتورط في صفقات بيع حقائب وزارية ومناصب مقابل عشرات الملايين من الدولارات"، الامر الذي اجبر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على اعلان تعهده "بالتحرك خلال ساعات إذا حصل على معلومات مؤكدة عن بيع وشراء المناصب والحقائب الوزارية". ولا اجازف اذا قلت بان كل هذه الفضائح سيجري التستر عليها وكان شيئا لم يكن. ولا يغير من هذه الحقيقة تقديم كبش فداء احتفالا ببراءة جميع المتهمين.
عملية بيع وشراء الوزراء والمقاعد البرلمانية والمناصب العليا، ليست جديدة لجهة الحكومات السابقة، لكن الفرق هذه المرة ان الشهود من اهل البيت وبطريقة علنية بالصوت والصورة. ليس هذا فحسب، وانما نسمع ونرى كل يوم، شهود اخرين ومن اهل البيت ايضا، يؤكدون على طائفية الحكومة وفساد العديد من اعضائها، الى درجة دفعت نواب عديدين خرجوا من المولد بدون حمص كما يقال، بجمع تواقيع كافية لسحب الثقة عن بعض الوزراء الحاليين، ورفض منح الثقة للوزراء الثمانية المؤجلين.
هذه الحالة المزرية التي وصلت اليها هذه الحكومة الجديدة، هي ذاتها التي مرت بها الحكومات السابقة، كونها نتيجة لنفس السبب الذي لم يتغير . والمقصود هنا الانتخابات المزورة وقانونها المعوج، الذي اشرف على تصميمه الحاكم المدني للعراق حينها بول بريمر، حيث اعتمد هذا القانون على نظام التمثيل النسبي، ونظام الدوائر على عدد المحافظات وتوزيع المناصب على اسس طائفية وعرقية، الامر الذي يؤدي حتما الى الية عمل تستند على سرقة ثروات البلاد واشاعة الفساد المالي والاداري، وارتكاب الجرائم بكل انواعها. بمعنى اخر، فانه ليس غريبا او مستغربا ان تشكل الحكومة الجديدة امتداد للحكومات السابقة، بصرف النظر عن لباس الواعظين او الشياطين الذي ترتديه كل حكومة على حدة.
هذا ليس استنتاجا او تحليلا سياسيا او رجما بالغيب، وانما يستند الى سجلات الحكومات السابقة الاسود دون استثناء. وبحسبة بسيطة، او حسبة عرب كما يقال، فقد اثبت هذه الحكومات المتعاقبة عدم جدواها، وعدم قدرتها على تحقيق اي منجز سياسي او اقتصادي او خدمي لصالح العراقيين، واثبتت ايضا بان جميع المناصب الحكومية والبرلمانية قد عادت على اصحابها بمئات الملايين من الدولارات، وبعضا منها بالمليارات. كما اثبتت كذلك بانها حكومات فاسدة ومرتشية، مثلما هو البرلمان والقضاء والهيئات العليا المستقلة. في حين اثبتت بالمقابل بانها حكومات قامت من اجل تنفيذ اوامر المحتل وتحقيق اهدافه الغادرة بتدمير العراق دولة ومجتمعا. وهذا ليس بالامر الغريب او المستغرب، اذ لم يحدث قط ان تمردت حكومة من هذا النوع على سيدها، وامتنعت عن تنفيذ امر من اوامره، خصوصا اذا كان السيد من وزن امريكا، قويا وذا جبروت، وكان اعضاء الحكومة من طينة هؤلاء الذي وصفهم بول بريمر نفسه في وصاياه العشرة الى خلفه جون نغروبونتي بالقول،" اياك ان تثق بأي من هؤلاء الذين أويناهم واطعمناهم نصفهم كذابون والنصف الاخر لصوص". هذه هي الحقيقة واي خلاف حولها يعد، اما سذاجة سياسية، او لتحقيق اهداف ذاتية او فئوية ضيقة.
وفق هذا السياق فانه ليس صعبا على الانسان العراقي البسيط التوصل الى قناعة قاطعة بكذب وزيف الوعود الذي قطعها عادل عبد المهدي على نفسه، بمحاربة الفساد وتقديم المفسدين الى المحاكم العادلة، واسترجاع الاموال المسروقة، او تغيير الواقع السيء، والقيام باجراء اصلاحات جدية في العراق. بل توصل العراقيون الى قناعة اخرى هي عدم قدرة ايا من القادمين الجدد على اجراء اي اصلاح، مهما كان متواضعا يضر بمصالح الاحزاب الطائفية الحاكمة، كونها محمية من جهة، بمليشيات مسلحة من الراس حتى اخمص القدمين، ومحمية من جهة اخرى بتعويذة الدستور التي تمنع اي تعرض لها، تحت ذريعة الحفاظ على العملية السياسية الطائفية وقطع الطريق على اسقاطها او حتى المساس بركن من اركانها، وهذا الدستور "خالد" ولا يمكن لاية جهة او كتلة مهما كانت قوية ومهابة القيام بتعديله، او تعديل اية مادة فيه، لامتلاك كل من هذه الاحزاب والكتل الطائفية حق الفيتو وفق فقرته الرابعة من المادة 142.
بالمقابل وعلى الجهة الاخرى، فمقتدى الصدر وقائمته سائرون، الذين اقامو الدنيا ولم يقعودها، ببرامج واعلانات وتصريحات نارية عن عزمهم على القضاء على الفساد ومحكامة المفسدين وتحقيق مطالب الشعب السياسية والخدمية، فانها تحطمت دفعة واحدة بتحالف الصدر بعد فوزه بالانتخابات المزورة مع هذه الحيتان ومع اشد الكتل الطائفية، التي تمثلت في كتلة الفتح التي يراسها هادي العامري، الطائفي المتميز والفاشل سياسيا واداريا حسب اعترافه في خطاب متلفز، ومع اكثر الكتل فسادا المتمثلة في كتلة عمار الحكيم، ومع عراب الاحتلال الامريكي اياد علاوي وغيرهم. كل ما فعله السيد وقوفه ضد هذا المرشح او ذاك، لسبب كيدي او شخصي، مثل فالح الفياض المرشح لوزارة الداخلية.
باختصار ما حدث ويحدث احبط امل العراقيين في الانقاذ من المصيبة التي حلت بهم جراء ايمانهم المطلق بان عادل عبد المهدي، ومهما استحضر من وسائل الخداع والتضليل، لن يزعزع ايمانهم هذا قيد شعرة، خاصة وان المواطن العراقي مهما كان بسيطا اصبح خبيرا بمعرفة هذه الزمر الحاكمة وضلوعها في ارتكاب الجرائم ودخولها في مستنقع الفساد والسرقات ونهب الممتلكات العامة والتلاعب بقوت الناس. مثلما ادرك بعدم وجود اية امكانية لانهاء هذه الحيتان او امكانية محاسبة او مساءلة احدا منهم، حتى وفق قانون "من اين لك هذا".
لقد تم ترسيخ هذه القواعد الكونكريتية المسلحة من قبل المحتل الامريكي ووصيفه الايراني، التي تقوم على السرقات المتنوعة واشاعة الفساد المالي والاداري، لانتاج مثل هذه الحكومات الفاسدة، وهيمنة الحيتان عليها. ليس هذا فحسب، وانما تعمد المحتل على السماح لهذه الحيتان بتركيز ثروة طائلة في أياديها لكي تمنحها القدرة والامكانات على اذلال الشعب وتجويعه واذلاله، وابعاده عن هويته الوطنية وتقسيمه الى قوميات واديان ومذاهب، من خلال ترويج مفردات لم نتعود على استخدامها من قبل مثل، هذا مسلم وهذا مسيحي وذاك صابئي، هذا شيعي وذاك سني والاخر اشوري او كلداني، ولم يجر ايضا في السابق تقسيم المجتمع العراقي الى مكونات، كرد وشيعة وسنة، بعد ان كان العراقي يتباهى بالانتماء للوطن وحب العراق والاخوة والعيش المشترك الخ.
العراقيين قد امتلأت قلبوهم قيحا وصدروهم غيضا من هؤلاء الحكام، وهذا سيجبر العراقيون على اللجوء الى انتزاع حقوقهم المشروعة بايديهم. وبالتالي العودة بقوة الى سلوك طريق الانتفاضات الشعبية، سواء كانت سلمية او مسلحة. وقد نجد شراراتها الاولى قد لاحت في الافق، والمتمثلة في التظاهرات والاحتجاجات الجارية اليوم في مدن العراق الجنوبية وفي مقدمتها مدينة البصرة ضد حكومة عادل عبد المهدي حتى قبل استكمال تشكيلتها.
التاريخ لم يقدم لنا مثلا عن محتل تخلى عن غنيمته طواعية وترك الشعب المحتل يقررمصيره بنفسه، الا في حالة واحدة، هي عدم قدرة المحتل على الصمود امام مقاومة فعالة او ثورة او انتفاضة، تصر على انتزاع حقوقها وحريتها، مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
عوني القلمجي
23/11/2018
2944 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع