قاسم محمد داود
الأحزاب السياسية العراقية في العهد الملكي
"حزب الاحرار"
نشأ حزب الاحرار بعد تكتل مجموعة من النواب ورجال السياسة القدماء وبعض العناصر المعتدلة وكانت تسير مع خطة الحكم الملكي آنذاك وضمن الاطار الدستوري لتلك الفترة. وكان قرار المجموعة ان يكون نوري السعيد (ولد في بغداد سنة 1888م وقتل فيها سنة 1958) رئيساً للحزب فضلاً عن بعض العناصر الجديدة التي كان يراد لها ان تتهيأ لتولي الحكم بعدئذ. وعند تأليف وزارة توفيق السويدي الثانية في 30 نيسان 1946 تقدمت جماعات عديدة بطلب تأسيس أحزاب سياسية ولما كان نوري السعيد في تركيا يتفاوض من اجل عقد المعاهدة العراقية – التركية، وقع طلب التأسيس كامل الخضيري (بغداد 1893 – 1964) ونوري الاورفلي وعبد العزيز السنوي ومحمد فخري جميل ومحمد جواد الخطيب وشخصيات سياسية أخرى. أجيز الحزب في 2 نيسان 1946، وعندما اجتمعت الهيئة المؤسسة انتخب كامل الخضيري رئيساً للحزب وداخل الشعلان معتمداً عاماً ومحمد فخري جميل سكرتيراً عاماً للحزب. انصرف نوري السعيد عن فكرة الحزب بعد عودته الى العراق وتغير الظروف فيه حيث صارت السلطة تخشى وجود الأحزاب السياسية كما انه بدأ بمعارضة وزارة توفيق السويدي (1968-1892) واسقاطها، اما السويدي فقد انظم ومعظم أعضاء وزارته المستقيلة الى حزب الاحرار، واصبح السويدي رئيساً للحزب، وسعد صالح جريو(1949-1894) نائباً للرئيس وقد اضفى وجوده مع بعض نواب المعارضة، على الحزب نوعاً من المعارضة للسلطة القائمة وعزز مكانته السياسية لما للسويدي من سمعة وطنية واهتمامات شعبية إلا ان ذلك لم يستمر طويلاً خاصة بعد ان خرج السويدي من الحزب ومرض نائبه سعد صالح. اصدر الحزب في 26 نيسان من نفس العام جريدة (صوت الاحرار) لتكون لسان حاله وكان مديرها المسؤول محمد فخري جميل. يعتبر حزب الاحرار من الأحزاب الإصلاحية. معظم اعضاءهُ من الملاكين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، ومعهم عدد غير قليل من رؤساء العشائر والاقطاعيين وعدد من ذوي الثقافات العالية. وكان قادة الحزب البارزين يريدون التعاون مع بريطانيا وإقامة علاقات متينة معها، ويؤيدون العائلة المالكة الهاشمية.
كانت غاية الحزب كما اوضحها في منهاجهِ " النهوض بالشعب العراقي على اختلاف طبقاته والعمل على توحيد صفوف أبنائه في سبيل التعاون على تنظيم المملكة بالأساليب والطرق العصرية وتقدمها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ". في السياسة الداخلية كان الحزب يدعو الى اصلاح الإدارة العامة للبلاد بحيث تستهدف " خدمة الشعب وتوزيع العدل " وتحيق إرادة الشعب في منهاج الحكومة ومراقبته
لعملها، كما دعا الى قيام المشاريع الانشائية والعمرانية والصناعية وتحديث أساليب الزراعة وتشجيع تأسيس الشركات الاهلية والمختلطة. وفي مجال السياسة الخارجية دعا الحزب الى التعاون مع الحكومات العربية لتحقيق اهداف الجامعة العربية ومساعدة الأقطار العربية غير المستقلة لنيل استقلالها وفي ومقدمتها فلسطين، وكان يطالب بتعديل المعاهدة العراقية – البريطانية بالشكل الذي يضمن مصالح العراق وامنه واستقلاله. بالرغم من قلة عدد أعضاء الحزب إلا انه كان يتمتع بنفوذ في الأوساط البرلمانية وفي الريف. ومن مواقف الحزب السياسية، امتناعه عن المشاركة في انتخابات 1946 نتيجة تدخل الحكومة واصدر بياناً وضح فيه ممارسات الحكومة لفوز من تريدهم، وان النواب يتم تعينهم لا انتخابهم. اما موقفه من معاهد التحالف والاخوة بين العراق والمملكة الأردنية الهاشمية التي تم التوقيع عليها في 14 نيسان 1947 فقد كان مؤيداً لها ووصفها بأنها" اتحاداً بين الأقطار العربية وتقويتها ". ومن الأمور التي اولاها حزب الاحرار اهتمامه الطلبة وحقوقهم اذ أشار في منهاجه الى ضرورة تنظيم مناهج التدريس على أساس " ان يفهم الطالب حقوقه وواجباته العامة " وأشار الى ضرورة نشر الثقافة وجعل التعليم الزامياً. واكد على تشجيع الطلبة على التعليم العالي والتعليم المهني. اما موقف الحزب من الأحزاب الأخرى، فقد حدث تقارب بينه وبين الحزب الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه كامل الجادرجي (1968-1897) في المواقف ولاسيما الحملات المزدوجة التي شُنت ضد معاهدة ( بورت سموث ) مما دفع الحكومة بالقيام بحملة واسعة ضد الحزبين. شارك حزب الاحرار في حكومة نوري السعيد الرابعة عام 1946 ممثلاً بأحد أعضائه، علي ممتاز الدفتري (1990-1901) حيث شغل منصب وزير الاشغال والمواصلات الا انه استقال منها احتجاجاً على تدخل الحكومة في الانتخابات النيابية.
في عام 1948 أعلنت الاحكام العرفية وقامت الحكومة بحملة واسعة للتضيق على الحركات والأحزاب السياسية، واصبح الانتساب لها مغامرة لا يستطيع الاقدام عليها كل فرد لذلك خول مؤتمر الحزب اللجنة العليا صلاحية المؤتمر العام في تقرير مصير الحزب فأصدرت اللجنة بياناً مسهباً أعلنت فيه تجميد نشاط الحزب السياسي.
كان بيان الحزب الذي أصدره بمناسبة تجميده وثيقة سياسية كشفت الجوانب السلبية في الحياة السياسية آنذاك ومما جاء في البيان : (ان الفئة الحاكمة في العراق تنظر الى الأحزاب القائمة نظرة عداء منذ تأسيسها، ولقد استخدمت مختلف الوسائل للقضاء عليها فمن وعد ووعيد وإرهاب وتضييق، ومن اغراء للمنتسبين حيث تنعم عليهم بالوظائف والنيابات وإنجاز المصالح وابلاغهم الاماني اذا ما تركوا احزابهم...) وأوضح البيان ان اللجنة العليا على قناعة تامة بأن الحكومة لا تريد ان يبقى من النظام الديمقراطي سوى ظواهره وان وجود الحزب في مثل تلك الظروف ليس الا شاهد زور على ان النظام نظام ديمقراطي، بينما هو في حقيقته " نظام استبداد وتحكم ". ابلغ الحزب وزارة الداخلية في 12 كانون الأول 1948 قرار اللجنة المتضمن إيقاف نشاط الحزب مؤقتاً الى حين حصول ظروف أخرى ملائمة للنشاط الحزبي والسياسي. وقد اصبح هذا التجميد نهاية حزب الاحرار اذ انه لم يعد الى ساحة العمل السياسي من بعد.
732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع