بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة /العدالــة (الجزء الاول)
استيقظت سيمون على صوت والدتها وهي تناديها من الطابق السفلي. فهي لا تستطيع الاستيقاظ في الصباح بسهولة وكذلك تجد صعوبة في الخلود الى النوم ليلاً. لذلك يشفق عليها جميع من في الدار ويراعون مشاعرها فيقومون بايقاظها طوعاً.
"لماذا اجد صعوبة في الاستيقاظ؟ هل ستبقى معي هذه المشكلة حتى اكبر واصبح زوجةً واماً؟ ام ان مشاكلي ستتلاشى بمرور الزمن؟"
نظرت سيمون الى ساعتها فوجدتها تشير الى السابعة و25 دقيقة. "اللعنة، اللعنة لقد تأخرت، ماذا افعل؟ انه سيذهب بعد خمس دقائق. يجب علي ان اغير ملابسي واخرج الى الشارع كي اقابله فوراً والا فانه سيذهب للجامعة دون ان يراني. ياترى هل يفكر في كما افكر فيه؟ هل يحبني كما احبه؟ هل كان صادقاً في كلامه ووعوده ام انه قالها من ... من... من ماذا؟ ايحبني حقاً ام انه اراد ان يجعلني اثق به واسلمه نفسي؟ هل يا ترى سيوافق ان يتزوجني ام ان والدته ستتحكم به كما تتحكم بباقي اخوانه؟"
انطلقت سيمون بسرعة باتجاه باب المنزل فنادتها امها،
- سيمون، اين انت ذاهبة؟ ولماذا تركضين نحو الباب؟ ما الامر يا ابنتي؟
- ساعود بعد قليل يا امي لا تقلقي، 10 دقائق فقط.
- حسناً ولكن خذي معك هذه الشطيرة.
- في ما بعد يا امي في ما بعد، اعدك 10 دقائق واعود.
- ولكن تعالي...
خرجت سيمون واغلقت الباب ورائها، اتجهت نحو الباب الخارجي لدار حبيبها باسل لكنها وجدته مغلقاً فمنزل باسل ملاصقاً لمنزلها وهم جيران منذ اكثر من 18 عاماً. نظرت الى ساعة يدها فوجدتها تشير الى السابعة والنصف تماماً، رفعت رأسها ثانية فشاهدت الباب يفتح ويخرج منه باسل. ابتسمت ابتسامة عريضة وتوجهت نحوه، رد لها الابتسامة بابتسامة فاترة وقال،
- سيمون، هل انت ذاهبة لجامعتك؟
- نعم حبيبي ولكني اردت ان اتحدث معك قبل ذلك، هل تأذن لي؟
- ليس الآن يا سيمون، والا فسأتاخر على الحافلة وتفوتني المحاضرة الاولى وانت تعرفين ان استاذ القانون التجاري رجل شديد جداً وهو لا يتسامح مع الطلاب المتأخرين عن محاضراته.
- دقيقة واحدة فقط يا باسل ارجوك. اريد ان اتحدث معك بشيء خطير ومهم جداً.
- اسف سيمون، سنتحدث في المساء إن اردت ولكن ليس الآن، وداعاً.
هنا رفعت سيمون من حدة صوتها وقالت،
- كلا باسل كلا، سوف تتوقف وسوف تسمعني، انه امر خطير ارجوك.
- حسناً تكلمي وبايجاز ارجوك. ماذا هناك؟
- انت تعلم اننا منذ ان... اقصد انا وانت عندما...
- اجل اجل اعرف، ما الامر؟ قلت لك سنتزوج لاحقاً.
- لكن يا باسل لقد توقفت العادة الشهرية عندي منذ فترة، اي منذ اكثر من دورتين وانا متأكدة من اني حامل. فما هو رأيك؟
- اتقصدين انك حامل مني ام من غيري؟ الم تمارسي الجنس مع شخص آخر؟
- انت حقاً سافل ومنحط. الا تعلم انني كنت عذراء عندما كنا سوية؟
- ولكن قد تكوني ارتكبت شيء مع شخص آخر غيري فيما بعد، اليس ذلك ممكناً؟
- انت حقاً انسان سافل ومنحط. كيف تقول ذلك وعلاقتنا العاطفية كبرت معنا منذ الطفولة؟ فانا احبك منذ ان كنت بسن الخامسة ولم يمر يوماً الا وحلمت بك بمنامي. فكيف تستطيع ان تقول ذلك؟
- اسمعي يا سيمون، انا لا يمكنني الارتباط بك الآن. بامكاننا التحدث بالموضوع بعد ثلاث سنوات أي بعد ان اتخرج من الجامعة. يجب علي الآن أن أركض كي الحق المحاضرة الاولى، وداعاً.
لم تتمكن سيمون من ان تنطق بشيء، فالكلام الذي سمعته من باسل كان محبطاً للغاية وقد جرحها بالعمق. ماذا ستفعل؟ هل هناك شيء تستطيع فعله واهلهما والمجتمع باسره سوف يُقطّعها ارباً وسوف تكون عرضة للتوبيخ والضرب وحتى القتل غير مستبعداً. فماذا بوسعها ان تعمل؟ رجعت الى بيتها وهي تجر اقدامها غارقة بالافكار المزعجة التي عجت برأسها كالغمامة السوداء ودمعها يسيل من عينيها كالانهار. انها تعلم علم اليقين انها لا تستطيع ان تصارح احداً من اهلها بما حدث. لان ذلك سوف لن يحميها من الفضيحة واية فضيحة هذه! ليس هناك مخرجاً من الازمة سوى ان تقنع باسل بان يتزوجها والا فالطامة الكبرى تنتضرها لا محال.
رجعت سيمون الى غرفتها وتوجهت نحو الفراش. ارادت ان تغرق في نوم عميق ينسيها تلك المصيبة التي حلت على رأسها لكن صوت امها عاد يذكرها انها لم تتناول وجبة الافطار. غرقت في نوم عميق ولم تستفيق حتى العاشرة صباحاً عندما سمعت والدتها تقول،
- سيمون اما زلتي هنا؟ اقسم اني تصورتك في الجامعة. ما الذي جعلك تعودين الى النوم؟ هل انت مريضة؟
- كلا يا امي. اليوم قد الغوا جميع المحاضرات والقرار من قبل عمادة الجامعة.
- حسناً ولكنك سوف لن تقضي كل يومك بالنوم اليس كذلك؟ استيقظي يا ابنتي وانزلي معنا في الطابق السفلي.
- حسناً يا امي سافعل ذلك، اذهبي انت وسالحق بك فيما بعد.
نزلت الام الى الطابق السفلي وعادت سيمون الى نومها. في المساء قررت ان تذهب الى بيت جيرانهم، وحالما دخلت الدار حيتها ام باسل قائلة،
- أهلاً بابنتي سيفون ماذا تعملين هنا؟
- اسمي سيمون يا خالتي وقد جئت لزيارتكم فهل ترغبون بالزوار؟
- لا اعلم من اين جائت امك بهذا الاسم الغريب! الم تقدر ان تسميك فاطمة او ليلى او مريم، او كريمة او هدى او سعاد مثلاً فلماذا سيمون؟
- ان سعاد هو اسم اختي التوأم يا خالتي والكثير لا يفرقنا عن بعض من كثر الشبه الذي بيننا اما اسمي فهو اسم الراهبة التي ولدت امي في مستشفى الراهبات يا خالتي، وكما تعلمين ان ولادة امي كانت عسيرة فقامت الراهبة سيمون بالبقاء مع امي طوال الليل حتى ولدتها، لذلك قررت امي تسمية احدانا على اسم الراهبة الطيبة.
- حسناً تفضلي، وما الذي جاء بك الليلة؟
- جئت لاسأل باسل عن بعض الامور بعد اذنك يا خالتي.
- انه في غرفته بالطابق العلوي اذهبي اليه ولكن لا تمكثي عنده كثيراً فهو مشغول بالدراسة ولا اريده ان يسقط بسببك.
- لا طبعاً، وانا كذلك اريد له النجاح يا خالتي.
صعدت سيمون على السلم بهدوء وقبل ان تصل الى غرفة باسل، سمعته من خلف الباب يتحدث بهاتفه، وعندما اقتربت من الباب صارت كلماته واضحة جداً إذ سمعته يقول،
"انكِ لم تفارقي مخيلتي ولا لحظة منذ الامس يا حبيبتي. فانا احبك كثيراً يا بطتي الحبيبة... يجب ان تصدقيني فانا احبك والله... فقلبي خالي تماماً ماعداك انت ...سادع الايام تثبت لك صدق كلامي...بالتأكيد، سابعث امي الى داركم كي تخطبك ولكن يجب علينا ان نفهم بعضنا اكثر.
هنا ازداد غضب سيمون ففتحت الباب بقوة ودخلت عنوة. نظر باسل اليها مذعوراً وقال، لقد دخلت امي للغرفة ساتصل بكَ فيما بعد يا علي.
- اي علي هذا يا باسل؟ اتغازل فتاة غيري؟
- كلا يا عزيزتي كنت اتحدث مع صديقي علي، وكنا نتحدث عن الدروس.
- كفاك رئاءاً فقد سمعت كل شيء سمعتك تغازل البطة الحبيبة. انت انسان مخادع وانا سافضحك عند امك.
- حسناً اذهبي اليها الآن وأخبريها بكل شيء لا تنسي ان تقولي لها عن الجنين الذي ببطنك، هيا اذهبي انا انتظرك هنا.
- كم انت شرير يا باسل، انا لا اصدق كم كنت غبية عندما وثقت بك ووقعت بحبك.
خرجت سيمون من غرفة باسل والدموع تملأ عينيها متوجهة الى الباب الخارجي. رجعت الى بيتها وصعدت مباشرة الى غرفتها في الطابق العلوي. هناك شاهدتها اختها سعاد فسألتها،
- اين كنت يا سمسم؟ لقد بحثت عنك بكل مكان ولم اجدك!
- لقد كنت ببيت الخالة ام باسل.
- اجل اجل انت تخرجين متى تحبين وتعودين متى ما يحلو لك.
- دعك من هذا الكلام واخبريني ماذا كنت تريدين مني؟
- اريد ان استعير الفستان الاحمر لو سمحت.
- كلا، هذا امر مستحيل. ثم لماذا تريدين استعارته؟ واين انت ذاهبة؟
- لقد دعتني رضاب لعيد ميلادها الثالث والعشرين والذي يصادف غداً، انا لا املك فستاناً يليق بتلك الحفلة.
- بامكانك استعارة اي فستان ترغبين به ما عدى الاحمر لانه هدية من باسل، وقد لبسته مرة واحدة فقط فهو تقريباً جديد. انتهى الامر بدون نقاش.
- كم انت بخيلة ولئيمة. ارجوك يا اختي دعيني استعيره ولو لمرة واحدة. انت اختي الكبرى وليس عندي من يعيرني ملابسه. ارجوك!
- انا اكبر منك بدقيقتين فقط يا غبية. طيب، طيب قطعت قلبي ولكن حافظي عليه جيداً واياك ان يتسخ، مفهوم؟
- اجل مفهوم اطمأني.
خرجت سعاد من الغرفة تاركة ورائها انسانة حزينة وقلباً محطماً فاليوم كان اسوأ يوم بحياتها لان حبيبها تخلى عنها عندما علم انها حامل ثم اكتشفت فيما بعد انه يغازل فتاة اخرى بالهاتف وقد مال عنها تماماً ولا يريد ان يقف معها بمحنتها فما العمل؟ هي لا تستطيع ان تصارح احداً من اهلها او من صديقاتها خوفاً من الفضيحة الكبرى التي قد تؤدي الى دمار شامل لحياتها وحياة افراد اسرتها.
باليوم التالي ذهبت سيمون الى جامعتها، وفي فترة الغداء ذهبت الى كلية الحقوق كي تحاول التحدث مع باسل للمرة الثانية لعل وعسى تستطيع تغيير رأيه الا انها وجدته جالساً مع فتاة شقراء جميلة في مطعم الجامعة. فاستدارت وعادت ادراجها الى كليتها من شدة الغضب. بالمساء جلست سيمون مع والدتها كي تتابع مسلسلاً عربياً على التلفاز بعد ان خرجت اختها سعاد لتحضر حفل عيد ميلاد صديقتها رضاب. وبعد اربع ساعات اي بتمام الساعة العاشرة دق جرس الباب فانطلقت سيمون كي تفتح الباب واذا بثلاثة من رجال الشرطة يقفون امام الباب. ذهلت سيمون لهذا المنظر ونادت امها كي تأتي الى عندها. وعندما جائت والدتها ونظرت الى الشرطة ابتدأت تقلق قلقاً شديداً ابتدأ الدم يتسارع برأسها. فالشرطة لا تأتي بالليل الا ويكون هناك شيئاً مريعاً.
- يا ساتر يا رب، ما الامر يا حضرة الضابط؟ هل هناك شيء لا سامح الله؟
- هل انت والدة سيمون عبد الهادي؟
- نعم انا والدتها. ماذا فعلت هذه المرة؟
- البقاء لله يا اختي. لقد وجدت ابنتك سيمون مقتولة في الشارع امام بيت صديقتها رضاب محسن.
صرخت سيمون باعلى صوتها وقالت، "انها اختي سعاد" سقطت الام على الارض مغشياً عليها.
1728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع