بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الثانية والثمانون
كيد النساء
حدثتنا جدتي في هذه الليلة حكاية فيها مغزى قالت: حمار كان مقيداً بشجرة، جاء الشيطان وفك له الحبل، دخل الحمار حقل الجيران، وبدا يأكل الأخضر واليابس، رأته زوجة الفلاح صاحب الحقل، فأخرجت البندقية وقتلت الحمار، سمع صاحب الحمار صوت البندقية فلما رأى حماره مقتولاً غضب، وأطلق النار على زوجة الفلاح، رجع الفلاح ووجد زوجته مقتولة فحمل بندقيته وقتل صاحب الحمار، سئل الشيطان: ماذا فعلت؟ قال: لا شيء فقط أطلقت الحمار. تقول جدتي إذا تريد أن تخرب بلدا فأطلق الحمير. (الرحمة لجدتي وجَدَّاتكم).
بعدها حدثتنا جدتي عن ملك في قديم الزمان أمر جنوده بقتل المسنين(كبار السن) جميعا، فكان هناك شاب يحب أبيه جدا، فعندما علم الشاب ادخل أباه غرفه سرية تحت البيت، وعندما جاء الجنود فلم يجدوا أحدا، ومرت الايام وعلم الملك عن طريق الجواسيس، أن الشاب أخفى أباه، فقرر الملك أن يخير الشاب أولا قبل حبسه وقتل أبيه، فبعث له جنديا يبلغه بأن الملك يريده، وأن يأتي في الصباح راكبا ماشيا فاحتار الشاب، وذهب لوالده في حيرة وقص عليه، فتبسم الاب وقال لابنه: أحضر عصا كبيرة واذهب للملك عليها راكبا ماشيا، فذهب الشاب إلى الملك فأعجب بذكائه، وقال له: اذهب وتعال في الصباح لابسا حافيا، فذهب الشاب وقص علي أبيه، فقال الأب اعطني حذاءك ،وقام بنزع الجزء الأسفل منه، وقال له: البسه وأنت عند الملك، ففعل الشاب فتعجب الملك لذكائه وقال له: اذهب وتعال في الصباح معك عدوك وصديقك، فذهب الشاب لأبيه وأخبره، فتبسم الرجل وقال لابنه: خذ معك زوجتك والكلب واضرب كل واحد منهم أمام الملك، فقال الشاب: كيف؟ فقال الأب: افعل وستري فذهب الشاب في الصباح للملك وجاء أمامه وقام بضرب زوجته فصرخت وقالت له ستندم، وأخبرت الملك أنه يخفي أباه، وتركته وانصرفت. وقام بضرب الكلب فجر الكلب بعيدا عنه، ولم يخرج فتعجب الملك وقال: ما هو الصديق الوفي والعدو؟ فقام الشاب وأشار للكلب فأتي مسرعا يلف حوله فرحا به، فقال الشاب للملك: هذا هو الوفاء، وهذا العدو، فأعجب الملك به وقال له: تأتي في الصباح ومعك أبوك. فذهب الشاب وقص على أبيه، وذهبا للملك صباحا، فقرر الملك تعيين أباه مستشارا له بعد اختبارات، ونجا الشاب من القتل بفضل الله اولا ثم بفضل أبيه، فالأب مهما تقدم في السن فهو كنز لا ندرك قيمته إلا بعد فوات الاوان، فالأب مدرسة كاملة ودراية واقعية، فاجعلوه يا اولادي مكان لأسراركم فدائما ستجد الحل لمشاكلكم فحافظوا على أباءكم تغنمون.
نعود يا اولادي لحكايتنا اليومية: يحكى أنه كان في مدينة بغداد شاب جميل، من بين تجار المدينة، كتب على باب دكانه:
لا كيد إلا كيد الرجال فمرت ذات يوم فتاة من أجمل المخلوقات، وقرأت العبارة، فقالت في نفسها: يا له من غرور! لا بد أن أعرف هذا الجاهل بشيء من كيد النساء!
عادت الفتاة في اليوم التالي، لابسة أفخر الملابس، متزينة أحسن زينة، فدخلت الدكان وتظاهرت بالبحث عما تشتريه، وتعمدت في الكشف قليلاً عن بعض جسدها، فتعجب التاجر الشاب من جمالها، وظهر التعجب على وجهه، فقالت له: اعلم يا سيدي أنني مظلومة، والدي رجل بخيل يرفض أن يزوجني، لكي لا يصرف على العرس شيئا من أمواله، ويقول للناس إني حدباء وبلهاء وعرجاء وعوراء، ليس في الدنيا أقبح مني.
سأل الشاب: من هو أبوك؟
أجابت بحيلة ودهاء: هو قاضي القضاة.
قالت الفتاة ذلك وأسرعت في الخروج من الدكان وكأنها تبكي، بينما ظل التاجر الشاب مذهولاً لا يصدق ما رأى وما سمع، لكنه سرعان ما أغلق دكانه، وانطلق إلى المحكمة، واتجه فورًا إلى حيث يجلس قاضي القضاة، فسلم عليه، وجلس بين يديه، وقال: سيدي القاضي، لقد جئتك خاطبًا كريمتك!
رد عليه قائلاً يا ابني: بنتي حدباء وبلهاء وعرجاء وعوراء، لا تصلح للزواج.
أحاب الشاب: لا يهمني ذلك يا سيدي القاضي، المهم هو التشرف بمصاهرتك.
فتراضيا وعقد الزواج، على أن تتم الدخلة الليلة التالية، وفي مساء اليوم التالي دخل العريس على عروسه، وكشف عن وجهها فرأى وجهًا ليس في الدنيا ما هو أقبح منه، فأدرك فورًا ما حدث.
لم ينم الشاب ليلته تلك، وما إن طلع النهار، حتى انطلق يبحث عن تلك الشيطانة التي أوقعته في هذا المأزق.
وبعد ساعات علم أنها بنت أحد الحدادين، واهتدى إلى دار أبيها. فترقبها مدة ولما خرجت لحق بها، وقال لها:
لقد ورطتني أنت بهذا الزواج وعليك أنت أن تخلصيني منه!
قالت بغرور: ليس أسهل من هذا. سأخلصك من عروسك على شرط واحد!
سألها بحماس: قولي، ما هو؟
أجابت مبتسمة: أن تكتب على دكانك لا كيد إلا كيد النساء.
قال لها بحزن شديد: لك ذلك.
قالت له بثقة وجدية: قم حالاً إلى صعاليك المدينة واطلب منهم أن يأتوك إلى المحكمة ليهنؤوك على زواجك من بنت القاضي، وقل للقاضي إنهم جميعًا من عشيرتك.
فعل التاجر الشاب ذلك، وجاء الصعاليك إلى المحكمة حيث كان الشاب في انتظارهم، وصاروا يهنؤونه والقاضي مستغرب للأمر لا يدري ماذا يقول. أخيرًا سأل القاضي الشاب: من هؤلاء؟
أجاب الشاب: هؤلاء أبناء أعمامي وأخوالي وعماتي وخالاتي وكل أقاربي، وأنا فخور بهم جميعًا.
انزعج القاضي وصرخ بوجه الشاب قائلا: اسمع! إذا كانت هذه عشيرتك فلا يمكن أن تظل صهرًا لي! أنا قاضي القضاة.
أجاب الشاب بهدوء: وأنت إذا شتمت عشيرتي فبنتك طالق ثلاثًا.
وهكذا تخلص التاجر الشاب من بنت القاضي وتزوج من بنت الحداد، واعترف أن كيد الرجال لا يوازي كيد النساء.
1434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع