مبصرو الموصل

                                         

                      ا.د. ابراهيم خليل العلاف
        استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل

         

   

مبصرو الموصل

موضوع مبصرو الموصل أو عميان الموصل أو مكفوفو الموصل ، موضوع مهم لا أنفرد أنا به اقصد، اننا في تراثنا العربي الاسلامي ، وفي التراث الانساني هناك من أهتم به وبمن نسميهم البرصان ولعل الكاتب العربي الكبير أبي عثمان عمرو بن بحر (الجاحظ) (767 ـ 864)، صاحب الكتب القيمة ومنها كتب (الحيوان) و( البخلاء) و( البيان والتبيين) و(البلدان ) هو من ابرز من كتب عن هذا الموضوع في كتابه الموسوم : ( البرصان والعرجان والعميان والحولان ) .كما الف الكاتب صلاح الدين الصفدي كتابه في الموضوع ذاته وبعنوان : ( نكت الهميان في نكت العميان ) 

وفي عصرنا هذا ، أصدر الشيخ احمد الشرباصي سنة 1965 كتابه (في عالم المكفوفين ) وطبعته مطبعة نهضة مصر بالفجالة .
وقيمة هذا الموضوع ، وقيمة هذا الكتاب تقوم على فكرة رائعة وهي ان التراث العربي اعطى الاولوية في النظر الى الانسان الى ( العقل ) وليس الى ( الجسد ) ؛ فهو يتعامل مع الانسان على هذا الاساس ، ولايعطي للشكل أي إعتبار بل يهتم بالعقل والفكر ومقدار ما يضيفه الانسان الى الحياة وما يقدمه من خدمات للناس ، وما يتركه من بصمات مؤثرة تجعلنا نذكره ونحترمه ونضعه في المكان الذي يستحقه .
وقد خطر كل هذا في بالي ، وانا اقول للصديق الاستاذ علاء مصري النهر ، وهو يراسلني عن هذا الموضوع ويقول انه يريد ان يؤلف كتابا عن العميان من اهل العلم والفكر والسياسة البارزين ، وما قدموا من خدمة لبلادهم وامتهم ليس على صعيد العراق وانما في الوطن العربي كله ، فقلت له ان لدي مقالا عن ( مبصري الموصل ) من الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ الموصل في العصر الحديث .
واعود الى الجاحظ ، لاقول ان هذا الرجل الكبير كما جاء في مقال منشور في جريدة ( البيان ) الاماراتية بتاريخ 11 تشرين الاول سنة 2005 اعاد الاعتبار للعميان وعالج واحدة من اخطر القضايا التي قلما واجهها غيره وهي قضية التشوهات الجسدية والعيوب الخلقية، ولكن من موقع إنساني حضاري وبدون أية سخرية او تجاوز حتى ان محقق الكتاب الدكتور عبد السلام هارون ، يقول ان الجاحظ وهو نفسه كان جاحظ العينين حاول أن يقدم صورة ناصعة مشرقة للمعاقين جسديا ، ومن الذين لم تكن عاهاتهم لتحول بينهم ، وبين التميز .. وقد سرد الكثير من الشواهد على ذلك مما توفر له في ادبنا العربي .ومن هنا جاء كتابه " ذريعة إلى بيان نظرة العرب في أدبهم وأشعارهم إلى هؤلاء القوم الذين كتبت عليهم العاهة، والتعامل الإنساني الرفيع معهم بالقول والفعل، الذي قد يصل إلى حد الإسراف في مدحهم إياهم بما بدا عليهم من تلك المظاهر أو استتر. والدكتور عبد السلام هارون على حق في ان يقول ان المحققين والباحثين استغرقوا طويلا قبل ان يتيقنوا من نسبة هذا الكتاب نهائيا إلى الجاحظ، الذي اورد الكثير من الاسماء او الحكايات عن اصحاب العلة والعوق ، وكيف انهم استطاعوا تجاوزها ، وان يتحولوا الى رموز يشار اليهم بالبنان .ولم ينس ان يرجع ويستعين بالقرآن الكريم وما ورد مثلا عن ( العمى ) ليبين ما في الدين من بعد انساني وكيف ان القرآن الكريم انكر على الناس التفاخر بأجسامهم في قوله سبحانه وتعالى : "ولا تمشِ في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً ".
أعود لااقول ان التراث الانساني ومنه التراث الغربي ايضا عالج هذه المسألة ولدينا على سبيل المثل قصة هربرت جورج ويلز الكاتب الانكليزي الشهير والمعنونة : (بلاد العميان ) التي صدرت سنة 1904 وتتحدث عن مجموعة من المهاجرين من بيرو ، فروا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد غامض ، وانتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم جميعا بالعمى وقد فسروا ذلك بانتشار الخطايا بينهم.
في فكرنا العربي ، وادبنا الحديث من منا لايعرف الدكتور طه حسين وكتابه الرائع ( الايام ) الذي يتحدث فيه عن ما اصاب عينيه من ضرر افقده النظر . وايضا لاننسى الكاتب والاديب الكويتي الكبير الاستاذ عبد الرزاق البصير وايضا الملحن والموسيقار الكبير سيد مكاوي .
وفي العراق من منا لايعرف الكاتب والمناضل والثائر والاكاديمي الدكتور محمد مهدي البصير صاحب كتاب ( القضية العربية ) الشهير والذي يعد من أجل المصادر في تاريخ الحركة الوطنية العراقية وخاصة في بواكيرها الاولى .
اعود الى الموصل لاذكر ان لدينا في تاريخنا المعاصر كثيرون ممن فقدوا نظرهم لكنهم تميزا وتركوا بصمات في تاريخ العراق وتاريخ الموصل واولهم الموسيقار والمتصوف والشاعر والصحفي الملا عثمان الموصلي وقد سبق لي ان تحدثت عنه في حلقة خاصة وتحدثت عن طريقته الصوفيه المولوية وانشاءه التكية المولوية في الموصل وعن نظمه للكثير من التنزيلات والمدايح الموصلية وعن اصداره جريدة في مصر وقد الف عنه الاخ الدكتور عادل البكري كتابا طيع اكثر من مرة .
واذكر ايضا صديقنا الاخ الاستاذ الدكتور محي الدين توفيق ابراهيم عميد كلية التربية الاسبق طيلة سنوات طويلة ورئيس تحرير جريدة ( الحدباء ) الموصلية التي ظلت تصدر بين سنتي 1975 الى سنة 2003 حين وقع الاحتلال الاميركي للعراق . ومن هنا ادعوا لاخي الاستاذ الدكتور محي الدين توفيق صاحب المؤلفات النحوية العديدة العمر المديد والعافية .
ولاانسى الصديق الاستاذ عبد الاله جميل البنا وكان مربيا فاضلا تخرج في جامعة الازهر متخصصا بالفقه حصل على الماجستير في جامعة الازهر عن رسالته الموسومة ( عقوبة الزنا في الشريعة والقانون :دراسة مقانة ) ,وملن قد اتم دراساته الاعدادية في مصر وحصل ايضا على دبلوم من معهد البحوث والدراسات العالية في القاهرة التابع لجامعة الدول العربية وقد كان مدرسا في دار المعلمات في نينوى بالموصل وقد بقي في القاهرة بمصر (19 ) سنة وكان خير عون للطلبة العراقيين قربه الرئيس جمال عبد الناصر في حينه وبقي في مصر حتى سنة 1978 علما انه ذهب الى القاهرة للدراسة سنة 1953 .اتمنى له العمر المديد والعافية .
وقبل ذلك لازلت اتذكر شيخنا الشيخ علي الشمالي ابو فاروق ( 1915- 1974 ) امام وخطيب الجامع المجاهدي –جامع الخضر عليه السلام .وكان الشيخ علي الشمالي من علماء الموصل البارزين وكنا نزوره ونجلس عنده في غرفته بجامع الخضر وقد احبه الموصليون وكانت له مكانة طيبة في نفوسهم لمكانته الدينية وخبرته الفقهية وقد خرج عددا من التلاميذ منهم الشيخ شمس الدين السيد حاتم والشيخ هشام البزاز والشيخ خليل سيد قاسم البرزنجي وقد اصدر صديقنا الاستاذ قصي حسين ال فرج كتيبا عنه .
وايضا هناك الشيخ الجليل ذنون البدراني (1934-1995 ) رجل الدين الكبير والذي كان كما يقول الحاج عبد الجبار الجرجيس في كتابه (موسوعة علماء الموصل ) من ابرز عماء الدين في الموصل درس وافتى وتخرجت على يديه اعداد من العلماء والشيوخ الذين تولوا طريق العلم والشريعة في الموصل ومنهم الدكتور اكرم عبد الوهاب والشيخ شعبان رمضان والشيخ نوري عبد الله وكان للشيخ ذنون اراء سديدة في التفسير وكان محبا للعلم والعلماء مرشدا وداعيا الى الله ووحدة الصف .
وهناك من المبصرين الموصليين القارئ الشهير الشيخ يونس شيت مرزا و الملا ذنون البدراني المكنى ( ابو الغتر ) والشيخ هشام عبد السلام البزاز القارئ الشهير وكذلك الشيخ رمزي حنون وهو ايضا من خريجي جامعة الازهر وكان يعمل مدرسا .هذا فضلا عن عدد من المبصرين كانوا يعملون في اوقاف نينوى منهم الملا عطا والملا يوسف والملا نزار محمد سعيد والملا فاضل مؤذن جامع النبي شيت عليه السلام والملا وعد الله يوسف والاستاذ الحافظ الملا يحيى بن محمد بن فتحي وكان اماما وخطيبا في عدة مساجد منها مسجد المتعافي وجامع الباشا ذ946 وجامع الاغوات .وهناك الشيخ سليمان ذنون الهاشمي امام جامع الحامدين .
قد لايتسع المجال لايراد اسماء كل المبصرين الذين عرفتهم الموصل في تاريخها الحديث وقد نعود اليهم ان شاء الله في حلقات اخرى شكرا لاصغائكم والى حلقة اخرى من برنامج موصليات .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

643 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع