ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
دقات الموصل
وانا ازور الاخ الباحث والكاتب وشيخ الخطاطين العراقيين الاستاذ يوسف ذنون تحدثت معه عن ما يسميه الموصليون : ( الدقات) ومفردها ( دقة ) و( الدقة ) هي الثورة . وقد تحدثت لكم في حلقة سابقة عن دقة ابو جاسم التي وقعت سنة 1906 حينما حاولت السلطات العثمانية تسجيل النساء اسوة بتسجيل الرجال فوقعت (دقة ) اي ثورة في الموصل وقاد هذه الثورة ابو جاسم وارتفعت اهازيج الناس في الموصل تردد : ( ابو جاسم فدا روحوا للاسلام ...عمل ثورة يوم جتبة النسوان) .
وكان الناس يؤرخون بهذه ( الدقات ) بعض الوقائع والولادات والوفيات والسفر والاقامة وما شاكل ذلك من الامور ، ويقولون مثلا فلان ولد يوم دقة الشيخ سعيد ، وفلان بنى بيته يوم دقة ابو جاسم وكبار السن لايزالون يتذكرون ذلك ويقولون ان مقهى رأس الجادة ضرب بقنابل طائرات الانكليز يوم دقة رشيد عالي .
واذا ما رجعنا الى المدونات التاريخية وخاصة في العصور الحديثة نستطيع ان نرصد الكثير من ( الدقات أي الثورات ) ومنها على سبيل المثال دقة سنة 1711 م ( 1123 هجرية ) ، وهذه وقعت بين فرقة انكشارية محلة الميدان (مدن ) وفرقة انكشارية محلة باب العراق وامتدت اياما وبعدها بسنة اي في سنة 1712 ميلادية ( 1124 هجرية) نشبت (دقة رشوان زادة خليل ) الذي جمع قوة من الاوباش (الشقاوات ) وادخل الرعب في الموصل فكلف السلطان العثماني والي الرقة طوبال يوسف باشا بأن يعيد الامن الى الموصل فزحف اليها والقى القبض على الثائر وذبحه وارسل رأسه الى استانبول .
وفي سنة 1138 هجرية -1726 ميلادية قامت دقة علي افندي العمري وتسمى ايضا فتنة فأنقسم اهل الموصل الى فريقين واستغرقت الفتنة ستة اشهر "نهبت فيها حوانيت وقتل عدة نفوس ثم اصطلحوا " . و هناك دقة سنة 1762 ميلادية – 1175 هجرية ودقة سنة 1772 ميلادية (1185 هجرية ) والتي امتدت اربعين يوما وحاصر اهل الموصل بعضهم بعضا خمسة عشر يوما ثم قدم والي ماريدين حسن باشا وصالحهم .
وفي سنة 1825 (1214 هجرية ) وقعت دقة في الموصل حيث انتفض الموصليين ضد الوالي يحيى باشا الجليلي وكان وراء ذلك سوء الاحوال الاقتصادية وتحريض العمريين وقد استعان يحيى باشا بوالي بغداد داؤد باشا فقمع الثورة .
وثمة ثورة او دقة حدثت في الموصل سنة 1839 تحدثت عنها المصادر الوثائقية التي إعتمدها المؤرخ الصديق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في بحثه عن (انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839 ) والتي تسمى في الادبيات التاريخية التي وثقتها ( وقعة ) ومما جاء في هذه المدونات أن احد ضباط الجيش المصري في الشام رفع تقريرا الى ابراهيم باشا سنة 1255هجرية – 1839 ميلادية ذكر فيه ان الموصليين قاموا في هذه السنة ، بثورة قمعتها السلطات العثمانية بقسوة وقد شارك في الثورة عدد كبير من وجهاء الموصل وزعمائها ، وقد هددت تلك الثورة الوجود العثماني في الموصل .وقد تركزت الثورة في محلة المكاوي وما جاورها من المحلات ومنها محلتي الميدان ورأس الكور .. وكانت هذه المحلات تتميز بكثافة سكانها وكان من قادة الثورة عبد الكريم سبتي والى جانبه آخرون منهم رجال من آل نوح، وهم فرع من حمولة آل الهندي من البوشاهر العبيديين الذين كانوا يسكنون محلة رأس الكور الواقعة إلى الجنوب من المكاوي، وتربطهم بعبدالكريم سبتي صلة المصاهرة، ونتيجة لكل هذا قامت السلطات العثمانية بإعدام (72) ، ونفي (7) من زعمائها وهذا دليل كبير على سعة الانتفاضة وكثرة المشاركين فيها .
يقول المؤرخ المطران سليمان صائغ في كتابه ( تاريخ الموصل ) :" "أنه لَمَّا ثارت أهالي الموصل ، وأبوا قبول القانون العسكري وتنفيذه، أرسل إليهم الوالي محمد اينجة بيرقدار أحد أعوانه يدعى قاسم أفندي؛ ليدعوهم إلى الطاعة والاذعان للامر فلما أقبل رسوله إلى الأهالي، ثاروا عليه وقتلوه، فأحضر محمد باشا (اينجه بيرقدار والي الموصل آنذاك) عشرين مدفعًا صَوَّبها على المدينة، ثم أرسل عليها بعض الكتائب النظامية، فدخلوها ونهبوا أسواقها، وسفكوا دماء أبرياء كثيرين، ثم أمسك بعضًا من وجوهها، وأرسلهم نفيًا إلى البصرة" .
وللاسف نحن لا نملك معلومات عن الأشخاص الذين قُتِلوا أو ما هو متوفر من وثائق يشير إلى أنه "اعتقل في تلك المعركة، وأصبح في قبضة الأتراك، ولم نعرف ما جرى له بعدها؛ لأنهم أخذوه إلى إسطنبول"، وفي هذه المدينة تضيع أخبار عبدالكريم سبتي قائد الثورة ، ويُنسى أمره، فلا نعلم ما إذا كان قد سُجِن أو أُعدِم، وعلى أية حال، فإنه لم يَعُد إلى الموصل مرة أخرى.
وعلى الرغم مما كان يبدو توقف الانتفاضة، والقضاء على زعمائها، فإن جمْرها ظل مشتعلا في نفوس الناس .وثمة ما يشير الى أن حفيدًا لعبدالكريم بن سبتي، هو ( أسعد بن جاسم) ورث زعامة محلته وتأييد أهلها، فاختاروه (بيرقدارًا) أي: حاملاً للوائها، واتفق الأخير مع رفاق له، منهم (محمد آل ياس الزهيري) ، من عشيرة الزهيرات الموصلية ، وكان هذا (بيرقدارًا) أيضًا لمحلته، فعُرف الثوار بعد ذلك بإسم ( البيرقدارية) نسبة إليهما.
لقد وصل خبر التكتل الجديد إلى أسماع الحكومة العثمانية، فأرسلت قوة عسكرية حاصرت مساكن الثوار، والقت القبض على أسعد وجماعة البيرقدارية، والقت بهم في السجن، وكان منهم ( محمد آل ياس الزهيري) الذي نجح في الهرب من السجن بينما بقِي ( أسعد بن جاسم )وجماعته في سجنهم، وحكم على أسعد بالاعدام، فنُفِّذ شنقًا، أما رفاقه، فقد حكم عليهم بالسجن.
لم تكن دقة سنة 1839 آخر الدقات التي شهدتها الموصل خلال العهد العثماني كما يظن البعض ، بل ان الموصل شهدت سنة 1908 دقة بإسم (دقة الشيخ سعيد ) وقد وقعت هذه الدقة اي الثورة في كانون الاول سنة 1908 (12 ذي الحجة سنة 1326 هجرية ) .
والشيخ سعيد هو الشيخ سعيد كاكا احمد الشيخ البرزنجي ابن السيد معروف النودهي العالم العلامة الكبير صاحب المؤلفات الكثيرة في مختلف مسائل العلوم الاسلامية واللغوية العربية عدا كونه من اول الناشرين للطريقة القادرية في منطقة السليمانية ، .وقد تحدث عن هذه الدقة المؤرخ الموصلي الكبير المرحوم الاستاذ عبد المنعم الغلامي في كتابه ( الضحايا الثلاث )والذي نشره الصحفي حمادي الناهي صاحب جريدة (الكشكول ) سنة 1955 .
وملخص دقة الشيخ سعيد انه أي الشيخ سعيد البرزنجي كان صاحب نفوذ وسلطة في منطقته السليمانية وفي كل ولاية الموصل ، وكان مقربا من السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909 ) الذي خلعه رجال حزب الاتحاد والترقي في انقلابهم عليه يوم 23 تموز 1908 وكان من نتائج هذا الانقلاب خلعه سنة 1909 .
وكان الشيخ سعيد البرزنجي ، وافراد اسرته الكريمة من المناؤئين لانقلاب حزب الاتحاد والترقي ، لهذا قرروا نفيه الى الموصل واذعن المرحوم الشيخ سعيد للأمر وجاء الى الموصل مع بعض ذويه واولاده وخدمه ونزل في الدار العائدة للمرحوم الحاج محمد باشا الصابونجي ، وهي تقع في شارع الملك فيصل الاول الذي اصبح يسمى بعد ثورة 1958 بشارع العدالة وكانت الدار مقابل الاعدادية الشرقية وقرب دار المرحوم خضر الهماوندي من عشيرة رشاوند الكردية . كما نزل خدمه في الخان المجاور وهو يعود للمرحوم الصابونجي كذلك .
يروي عبد المنعم الغلامي تفاصيل ( دقة الشيخ سعيد ) التي وقعت في اليوم الثاني من عيد الاضحى المبارك لسنة 1326 هجرية ويقول :" كنت مع بعض الاولاد من اقاربي ، ومن ابناء الحي نسير في صباح ذلك اليوم الى باب الطوب ولم يكن عمر اكبرنا يتجاوز الثماني سنوات ، وبينما كنا نمر من امام السجن (وبناية السجن كانت قائمة مكان مصرف الرافدين والذي هدم ايضا في باب الطوب وقرب المركز العام ) ، وقبل ان نصل موقع (طاولة الضبطية ) وهي التي كانت موجودة مكان المركز العام ، وجدنا الناس تتراكض وتتدافع واصوات منها تتعالى : انهزموا .. ارجعوا الى بيوتكم الجندرمة والاهالي يتقاتلون في باب الطوب .. أين الغيرة ؟ أين الناموس ؟ ما هذا القتال وما هو الباعث اليه ؟ " .
الذي حدث ان الشيخ محمود ، واخوه الشيخ احمد ولدا الشيخ سعيد وهما كانا في ريعان الشباب ومعهما رئيس كتاب دائرة انحصار التبغ بهاء افندي عبد الله وهو من اهالي كفري كانوا يمشون ومروا بطريقهم الى جهة في باب الطوب كان يتجمع فيها النسوة وعندما وصلوا تحرش بهاء افندي بإحدى النساء وكان ثملا ، فصرخت صراخ الاستغاثة وعلى اثر ذلك هرع بعض الرجال واصطدموا مع بهاء الدين ، واصبح الموقف حرجا فعاد هو وجماعته الى دار مصطفى بك القائمقام العسكري الكائنة في باب الطوب ، واغلقوا الباب عليهم وتجمع الناس حول الباب واخذ بعضهم في اطلاق الرصاص إرهابا للناس وتخويفا لهم .
وقد حضر بعض افراد الجندرمة ، وكانوا جالسين في مقهى ابو عباس وتراشقوا مع الاهالي بالحجارة وتضاربوا بالعصي وما كان يسمى (الدونكيات ) ، وصادف في تلك الاثناء قدوم دورية من جندرمة الخيالة ( الاستراسوار اي خيالة البغال ) الى مكان الحادث فما كان منهم الا ان اصطدموا مع الاهالي الثائرين ايضا واستخدمت في تلك المواجهة البنادق والمسدسات وكان عدد الجندرمة الذين اشتركوا في المعركة قرابة الاربعين فردا وقد سقط من الاهالي العزل من السلاح ، عدد من القتلى ، والجرحي .
وعندما وصل بعض الرجال المسلحين من الاهالي الى ساحة القتال قادمين من داخل المدينة ، فرت الجندرمة من الميدان الى معقلها في طاولة الضبطية (المركز العام ) ، وكان يرابط فيها عدد آخر من الجندرمة يناهزون المائة .
ومما فاقم الموقف ان الجندرمة بعد ان سدت باب دار الضبطية اخذت تتبادل اطلاق الرصاص مع الاهالي ، وصعد بعض المقاتلين من الاهالي الابنية العالية المجاورة وشرعوا في تبادل اطلاق الرصاص مع الجندرمة وقتل من الجندرمة نحو عشرة اشخاص ودام الحال الى منتصف الليل .
وفي اليوم الثاني ، وهو اليوم الثالث من العيد جاء ثوار الموصل فوجدوا دار الضبطية خاليا حيث فر الجندرمة في الليل الى سراي الحكومة ، فما كان من المقاتلين ومعهم كثير من ما نسميهم اليوم الغوغاء والدهماء الا ان يتوجهوا نحو السراي : سراي الحكومة وهناك طلبوا من الوالي وهو الفريق زكي باشا الحلبي والي الموصل بالوكالة ، تسليم الجندرمة من الذين قاتلوهم ليثأروا منهم وعندما رفض الوالي طلبوا تسليمهم اولاد الشيخ سعيد ومعهم بهاء افندي عبد الله ، فقال لهم الوالي اذهبوا اليهم أنتم ، وسرت اشاعة انهم في دار الشيخ سعيد البرزنجي واندفع الناس الى دار الشيخ سعيد وحاصروها .
تدخل بعض وجهاء الموصل ، ومنهم الاستاذ رشيد افندي العمري والشيخ ابراهيم الرومي و الاستاذ علي خيري افندي الامام امام جامع النبي شيت ، وتوجهوا الى دار الشيخ سعيد ليجيئوا به الى مقر الوالي في السراي ، وحتى لايصيبه مكروه وذهب الشيخ سعيد معهم وسار وهو يحمل المصحف الشريف والجبة الخضراء على كتفه ، ولما وصلوا الى موقع السبيلخانة القريبة من مدخل سراي الحكومة وجدوا ان الباب موصدا امامهم بأمر من توفيق بك طابور اغاسي ، وهو من اهالي السليمانية وكان معروفا بالقسوة والعنف .
ولما لاحظ الاهالي هذا الوضع ، رفع احدهم حجرا كبيرا وضرب به الشيخ سعيد من الخلف على رأسه فسقط ( رحمه الله ) مغشيا عليه ثم فارق الحياة وهجم اخرون على خادمه ايضا وقتلوه .
النقطة المهمة التي حيرت المؤرخين اصبحت واضحة ، وهي ان السلطات الاتحادية العثمانية التي نفت الشيخ سعيد الى الموصل وكانت تقول انه ( حميدي ) أي من جماعة السلطان عبد الحميد الثاني ، هي من ارادت ان يقتل بهذه الطريقة وكان ذلك في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة سنة 1326 هجرية الموافق لشهر كانون الاول سنة 1908 .
وهكذا انتهت دقة الشيخ سعيد ، وتوقف القتال في اليوم الثاني من عيد الاضحى وانتهى بإستشهاد المرحوم الشيخ سعيد في اليوم الثالث منه . وقد دفن الشيخ سعيد في مقبرة النبي شيت واقيم شاخص على قبره ، وجدد القبر علي غالب مدير شرطة لواء الموصل ايام ادارته لشرطة الموصل ، ويزور الناس قبر الشيخ سعيد ويترحمون عليه
الثورة أو الدقة هذه ، لم تقف عند هذا الحدث فقد هاجم الغوغاء دار الشيخ سعيد ، وقتلوا ولده الشيخ احمد ونهبوا خان الصابونجي ، وتوجهوا الى باب الطوب ونهبوا دار القائمقام مصطفى بك ، وكانوا يبحثون عن سبب الفتنة ( بهاء افندي عبد الله ) لكنهم لم يجدوه فقد أخفى نفسه في مكان مجهول .
ويقينا ان من تجاسر على الشيخ سعيد وولده الشيخ احمد كان موجها من الحكومة في استانبول ، بدليل انها كانت مائعة في مواقفها من الاحداث مترددة تركت الحبل على الغارب وادى موقفها هذا الى تأزم الموقف ، وحدوث ما حدث وقد حزن الموصليون لمقتل الشيخ سعيد وولده ولسقوط اناس ابرياء .
الذي اريد ان اقوله ان الاستاذ عبد المنعم الغلامي ، وهو المؤرخ الحصيف والمربي الفاضل صاحب كتاب (اسرار الكفاح الوطني في الموصل ) قد كتب عن هذه الدقة واقصد دقة الشيخ سعيد في جريدة (صدى الاحرار ) الموصلية ودقة الشيخ سعيد وكان لها صداها حين حدوثها وبقيت اسبابها وملابساتها غامضة على الكثيرين لكن المؤرخ الغلامي القى الضوء عليها وازال الكثير من غموضها ووضعها في اطار الصراع السياسي وموقف حزب الاتحاد والترقي التركي الحاكم من الشيخ المغدور رحمه الله .
القنصلية البريطانية في الموصل
وهناك (دقة ) اخرى أي ثورة اخرى قام بها عدد من ابناء الموصل سنة 1939 حين سمعوا بمقتل الملك غازي 1933-1939 ملك العراق الاسبق ، في حادث اصطدام سيارته يوم 4 نيسان سنة 1939 وتسمى ( دقة غازي ) وملخصها انه ما ان سمع الموصليون بمقتل الملك غازي ملك العراق الاسبق بحادث اصطدام سيارته في 4 نيسان سنة 1939 ، حتى ثارت ثائرتهم وساورتهم الشكوك في ان الانكليز وكان يكرههم ويهاجمهم من اذاعته بقصر الزهور ، هم وراء الحادث وقد اتجهوا ، وهم غاضبين الى بناية القنصلية البريطانية في محلة العكيدات والتي ترون صورتها الى جانب هذا الكلام ، فخرج عليهم القنصل ( مونك ميسن ) ليعرف ما الذي جاؤوا من اجله وقد تقدم الصفوف أحد طلاب ثانوية الموصل واسمه هشام عبد الله الدباغ (أصبح محاميا في بغداد فيما بعد ) ، فألقى كلمة ندد فيها بالانكليز وعدهم هم وراء مقتله ..وكان الموصليون وكل العراقيين يحبونه بسبب عداءه للانكليز وعلى اثر الكلمة الحماسية هذه تقدم أحد المتظاهرين وهاجم القنصل وضربه بفأس كانت بيده ولم يستطع القنصل الهرب بعد ان دخلت الجماهير الى داخل القنصلية كما يقول الاستاذ وداد جمال محمد في مقالته التي نشرها في جريدة " الاتحاد " البغدادية " العدد 81 في 10 تموز 1988 ، وكان قد اعتمد على ماكتبه الاستاذ حارث طه الراوي في عدد 78 من جريدة "الاتحاد " البغدادية بتاريخ 19 حزيران 1988 عن زميله الصحفي والمحامي هشام عبد الله الدباغ لمناسبة رحيله .
حاول مدير شرط الموصل ، وكان انذاك بهجت الدليمي مع ثلة من الشرطة معالجة الموقف ، والسيطرة عليه، لكن القوة وصلت متأخرة وشاهدت اشتعال النار في البناية وجثة القنصل مرمية على الارض .
أصدرت" مديرية الدعاية والنشر والاذاعة " بيانا نشرته جريدة "الاستقلال " البغدادية العدد 33170 في 6 نيسان 1939 جاء فيه :" بينما كان أهل (الموصل ) الكرام ، صعقين من شدة هول المصاب العظيم الذي حل فيهم بفقد ملك البلاد المحبوب ، وإذا ببعض المفسدين قد انتهزوا الفرصة ، واندسوا بين الصفوف وحرضوا بعص الجناة على اغتيال القنصل البريطاني في (الموصل ) . وقد القي القبض عليهم وسينالون مايستحقونه من العقاب الصارم " . ووقع على البيان مدير الدعاية والنشر والاذاعة .
وعقب ذلك أعلنت الاحكام العرفية ببلاغ اصدره مجلس الوزراء وتشكل ( المجلس العرفي العسكري ) برئاسة العقيد فرج عمارة وعضوية المقدم رفعت علي والمقدم موفق حبيب وقرر مجلس الوزراء تعيين الحاكمين (القاضيين ) فهمي الجراح ، وعبد الرحمن الدوري عضوين في المجلس .
وقد أصدر المجلس العرفي قراراته بحق المتهمين وجاء فيها :
"إن المحرضين الرئيسيين ، هما المتهمان هشام عبد الله الدباغ ومحمد بن يحيى فحكم عليهما بالاعدام شنقا حتى الموت وحيث ان سنهما اقل من الثامنة عشرة ، فقد أبدل الحكم الى الحبس الشديد لمدة خمس عشرة سنة ، وحكم على المتهم سليم بن نعمان العطار من طلاب المتوسطة الغربية بالاشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة .اما بقية المتهمين فقد تراوحت الاحكام بين السنين والعشر سنوات وافرج عن مجموعة اخرى اعتقلت معهم لعدم توفر الادلة ضدهم .
ومن الغريب ان ( دقة غازي ) ارتبطت بدقة رشيد عالي الكيلاني التي قامت في نيسان –مايس سنة 1941 والعراقيون ايضا يسمونها (دكة رشيد عالي ) . ومن المؤلم ان بريطانيا انتقمت من الموصل لمقتل قنصلها مونك ميسن سنة 1939 ، فحين اندلعت ثورة مايس سنة 1941 والتي يسميها الناس ثورة رشيد عالي الكيلاني ، وقامت الحرب بين الجيش العراقي والقوات البريطانية ، تقدمت القوات البريطانية واعادت احتلال العراق ثانية وهذا ما يسمى بالاحتلال البريطاني الثاني للعراق .
إن مما اريد أن اقوله وانا اتحدث عن دقة رشيد عالي ان الموصل كانت مؤيدة لثورة مايس 1941 العروبية الوطنية لذلك قامت الطائرات البريطانية القادمة من قاعدة الحبانية وهي احدى القواعد التي كانت القوات البريطانية تستخدمها بمهاجمة مقهى شعبي في رأس الجادة مكان انطلاق التظاهرات الموصلية المعروف ، وقتلت اكثر من (40 ) مواطنا كانوا يجلسون في ذلك المقهى او من كانوا يمرون بالقرب منه ومعظم من استشهد كان من الشيوخ والاطفال نسأل الله لهم الرحمة وفي عليين .طبعا الحفرة التي خلفها القصف ظلت لاكثر من خمسين سنة تغور وتسوى وتغور وتسوي من تأثير الضربة والحقد الذي رافقها .
لقد شهدت الموصل عبر تاريخها الطويل الكثير من ( الدقات ) ومن هذه الدقة ( دقة الشواف ) التي سبق ان تحدثت عنها وهي الثورة او الحركة التي قادها العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر موقع الموصل ضد نظام الوزعيم عبد الكريم قاسم يوم 8 اذار سنة 1959 ولكن الزعيم ارسل عددا من الطائرات قصفت مقر الشواف فأُصيب وفشلت الثورة وقتل الشواف وقيل انتحر ودخلت الموصل في اتون صراع دموي بين القوميين والشيوعيين دفع ثمنه الناس عددا من الشهداء .
1692 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع