قاسم محمد داود
الأحزاب السياسية العراقية في العهد الملكي
الحزب الوطني الديمقراطي
يعتبر تتويج الملك فيصل الأول بن الشريف حسين في 23 آب 1921 بداية تأسيس الدولة العراقية المعاصرة ومن الإجراءات التي اتخذها الملك اصدار قانون الأحزاب والجمعيات في آب 1922، فتم تشكيل الحزب الوطني برئاسة جعفر أبو التمن وحزب النهضة برئاسة السيد محمد الصدر وعبد الرسول كبة والحزب الحر برئاسة محمد الكيلاني . توالى طيلة العهد الملكي تأسيس أحزاب وغياب أحزاب أخرى وسوف نحاول الكتابة عن هذه الأحزاب في مقالات قادمة ، من هذه الأحزاب الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي .
احتل الحزب الوطني الديمقراطي مقاماً رفيعاً في الحياة السياسية العراقية وتقاليدها. فقد كان يمثل التيار الرئيسي لتفكير المثقفين ويجسد مشاعرهم. وكانت شخصيات قادته ُ ومؤهلاتهم ابداً موضع تقدير عال. وكان واحداً من ابرز الأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية التي أثرت في السياسة العراقية وفي أجيال من المناضلين الأوفياء لوطنهم وشعبهم. ويمكن اعتباره يمثل اللبرالية الدستورية، التزم الحزب الاتجاه الاشتراكي الديمقراطي في برنامجه السياسي فقد كانت ملامح المسحة الاشتراكية واضحة في برنامجه الاقتصادي بالإضافة الى الميل نحو المعسكر الاشتراكي، وقد كان يشارك غيره في عدائه للنفوذ البريطاني ويعتبره مهيناً يحط بكرامة الوطن. تأسس الحزب في عام 1946 وجاء أعضائه من تيار وسط (بين اليمين واليسار) في جماعة الأهالي لذلك فأن تاريخ الحزب لم يبدأ من هذا التاريخ وانما يمتد ابعد من ذلك أي منذ ظهور جماعة الأهالي، وهي جمعية سياسية عراقية أسست في سنة 1932 يعتبرها المؤرخون نواة العمل السياسي الديمقراطي في العراق الحديث. تكونت من فئة متعلمة من خريجي المعاهد العليا ومن عناصر وطنية كانت تطالب بالاستقلال وانطلقت الجماعة من صحيفة الأهالي التي بدأت بالصدور سنة 1932. كان الحزب الوطني الديمقراطي احد ثلاثة أحزاب انقسمت اليها جماعة الأهالي وهي بالإضافة الى الحزب الوطني (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار التي تحولت فيما بعد الى الحزب الشيوعي وحزب الاستقلال).بعد ان اجازت الحكومة في عام 1946 تأليف الأحزاب السياسية في العراق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اجيز الحزب وكان اشهر المؤسسين كامل الجادرجي ومحمد حديد والمحامي حسين جميل وعبد الكريم الازري ويوسف الحاج الياس وعبد الوهاب مرجان وعبود الشالجي وصادق كمونة والمحامي عبد العباس مطرود والمحامي رسمي العامل والشيخ عراك الزكم . كانت غاية الحزب كما جاء في طلب التأسيس " القيام بإصلاح عام " ويهدف الى:
1- استقلال العراق، 2- تحقيق اتحاد البلاد العربية، 3- تحرير الأقطار العربية المستعمرة، 4- مقاومة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين ،5- تعزيز العلاقات الودية في الدول الأخرى. وفي برنامجه السياسي :
1- تحقيق حياة ديمقراطية نيابية برلمانية والدفاع عن الحريات العامة .
2- اصلاح الجهاز الحكومي والجيش .
3- استقلال القضاء .
4- الدعوة الى وحدة العراق وعدم التمييز بأي شكل من الاشكال بين العرب والاكراد وغيرهم من العناصر التي يتكون منها الشعب العراقي ( ان الوطن العراقي ميدان للتعاون الحر على أساس المصلحة المشتركة بين العرب والاكراد وغيرهم من العناصر التي يتكون منها العراقيون يحترم كل منها الآخر في جو تسود فيه الحرية والمساواة والعدل) .
5- الناحية الاقتصادية: يدعو الحزب الى زيادة الإنتاج – الزراعي – تنظيماً وحسن توزيع الأرض الاميرية على صغار الفلاحين وتحديد الملكية الكبيرة. ويدعو الحزب الى ملكية الدولة لمشاريع الخدمات العامة كالنقل ومشاريع استثمار المعادن والمشاريع الأخرى التي يعود احتكارها بالنفع العام .
وكذلك انشاء مشاريع مختلفة وفيما عدا ذلك تقوم الدولة بتشجيع ومراقبة التشبث الفردي .كذلك اهتم الحزب بالقضايا الاجتماعية والثقافية وفصل ذلك في منهاج الحزب ، رغم ان معظم مؤسسي الحزب كانوا مؤمنين بالفلسفة الاشتراكية الديمقراطية المعتدلة الا ان لم يتم التطرق الى الاشتراكية في منهاج الحزب ويبدو ان ذلك بسبب رغبة قيادة الحزب بعدم وصمه بالشيوعية من قبل الحكومة والناس .
كما انه – أي الحزب – جاء متسقاً مع التيارات القومية العربية بتلك المرحلة لذلك يصنف الحزب بأنه حزب وطني عراقي منسجم مع القضايا العربية العامة في ذلك الوقت كقضايا التحرر والاستقلال والوحدة . لذلك كانت القضية الفلسطينية من القضايا التي كان للحزب الوطني الديمقراطي موقف المدافع عنها فقد كان من اول الرافضين لتقرير اللجنة الانكلو-أمريكية المشكلة بشأن فلسطين في الأول من آيار 1946 واعتبار تقريرها انحيازاً كبيراً الى اليهود ، كذلك رفض الحزب معاهدة بورتسموث وشارك في الوثبة الجماهيرية ضد المعاهدة في كانون الثاني 1948 .وقد كان الحزب معارضاً للعديد من الوزارات المشكلة في العهد الملكي مثل وزارة السويدي وارشد العمري ونوري السعيد .
بعد تغير النظام الملكي في انقلاب 14تموز 1958 شارك الحزب الوطني الديمقراطي في حكومة عبد الكريم قاسم بوزيرين هما محمد حديد وزيراً للمالية وهديب الحاج حمود وزيراً للزراعة. الا انه انهى مشاركته بعد ان طالب زعيم الحزب الجادرجي إيقاف تحول العراق الى دولة يحكمها العسكر واجراء انتخابات ديمقراطية وسن دستور دائم . تعرض قياديو الحزب الى الكثير من المصاعب والاعتقال والسجن . كما اتهم بعضهم بالشيوعية ولم يكونوا كذلك ، بل شكل بعضهم الجناح اليساري في الحزب وقد يكون بعضهم يعتنق الفلسفة الماركسية غير انه لم يكن شيوعياً ولكن الحزب الوطني الديمقراطي ورئيسهُ الجادرجي التزما اتجاهاً اشتراكياً ديمقراطياً عاماً وسعيا للتعبير عن ذلك في برنامجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ودافعا عن مصالح فئات عديدة في المجتمع .
ادرك رئيس الحزب كامل الجادرجي في فترة مبكرة بعد استلام العسكر للحكم عدم رغبة الزعيم عبد الكريم قاسم العودة بالعسكر الى ثكناتهم وتسليم الحكم للمدنيين ووضع دستور دائم للبلاد وحياة برلمانية حرة ونزيهة واطلاق حرية الأحزاب بموجب قانون ديمقراطي وحين شعر بالعاقبة الوخيمة لسياسة قاسم اعلن عن سحب ممثلي الحزب في الحكومة، وحين رفض هذا الامر من بعض قيادات الحزب دب الخلاف داخل الحزب و تسبب بانقسامه الى قسمين بين الجادرجي من جهة ومحمد حديد من جهة أخرى
في أيار 1959 أعلن محمد حديد الرجل الثاني في الحزب تجميد نشاط الحزب واعلن استقالته أيضاً من الحزب وذلك بغياب الجادرجي الذي كان في رحلة علاج خارج العراق وعند عودته اعلن استقالته هو ايضاً من الحزب وكانت أسباب ذلك هو الخلافات الحادة التي حدثت بين قادة الحزب حول كيفية التعامل مع حكومة عبد الكريم قاسم كما اسلفنا. فقد الحزب قياديه وتدهورت أحواله . وشهد اكبر انشقاق في صفوفه عندما اعلن محمد حديد انشاء حزب جديد بقيادته باسم الحزب الوطني التقدمي في تموز 1960.اعقب ذلك حظر حكومة قاسم جريدة الأهالي لسان الحزب الوطني الديمقراطي، لأنها طالبت الحكومة برفع الاحكام العرفية وإعداد دستور دائم والتمهيد لإجراء انتخابات برلمانية، واخيراً أقدم كامل الجادرجي في تشرين الثاني 1961 على اغلاق الحزب بالكامل. بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 جرت محاولات لإعادة احياء وتشكيل الحزب من جديد ولكن لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة.
1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع