بدري نوئيل يوسف
ثرثار ولكنه موسوعة تاريخية الطريق من بغداد إلى السليمانية الجزء الثاني
للاطلاع على الجزء الأول:
https://www.algardenia.com/maqalat/36879-2018-09-06-21-09-36.html
١٥ - ١٠ -١٩٧١
وقفنا عند حافة الطريق نترقب مجيء سيارة، وقد لوحنا إلى جميع السيارات التي مرت من أمامنا، وحتى الخصوصي منها، بعد مضيء ساعة وصلت حافلة صغيرة متجهة نحو كركوك(كوستر)، توقفت بالقرب منا وصعدنا. انطلقت الحافلة الصغيرة باتجاه كركوك. جلست بعيدا عن صاحبنا الثرثار ولكنه رفض أن ابتعد عنه وجاء وجلس بجانبي.
قال لي: المدينة القادمة طوزخورتاتو، هل تحب أن تعرف شيء عنها؟
قلت مبتسما: بفرح وسرور.
قال: قضاء طوزخورماتو أو الطوز يتبعه أربع نواحي وهي آمرلي وبسطاملي وسليمان بيك وينكجة، أهم المناطق الأثرية والتراثية في مدينة طوز خورماتو بش (بارماق) أي خمسة أصابع وهي منطقة أثرية مرتفعة نسبياً، على أرض مبنية من الطابوق طول كل إصبع أكثر من مترين تقريباً، وتقع شمال غرب (أولو تبه)، وهناك منطقة أخرى (أولو تبه) وهو تل أثرى يقع على ارتفاع خمسة أمتار وهو مسجل لدى دائرة الآثار.
في عام (1889 م) اتخذ قوم اليهود محلاً للعبادة اسمه (توراة اليهود)، يقع على نهر (بيوك أرخ) في القسم الشرقي من المدينة، وعلى طريق (ينكجة) يقع تل أثرى ومسجل في دائرة أثار أسمه (طاشلي تبه).
قلت له مستغربا: أقول لك أنتَ ذو معرفة بهذه المواقع، وأنا بصراحة متعجب من ذاكرتك التي تحوي كل هذه المعلومات والتواريخ والأسماء.
قال مبتسما: اشكرك لهذا الوصف وأضيف لك يوجد موقع (بويوك ديوان خانة قنبر أغا) يقع على نهر بويك أرخ مقابل دار اسطه سعيد البناء، في عام 1923م وكان هذا الديوان يستقبل الضيوف، وكذلك موقع لاجتماعات أهالي القصبة وعشائر المنطقة، حيث بناه المرحوم حاج قنبر أغا، ثم تولى ولده زين العابدين أغا، وأثاره باقية ليومنا هذا، كان هناك انتخابات برلمانية عام 1954 وقدم مرشحان الأول هو جهاد الونداوي أما الثاني فهو زين العابدين الحاج قنبر آغا الذي ارتضاه أهل طوز خورماتو ليمثلهم في مجلس النواب.
وتابع حديثة كنت أتمنى أو كان متسع من الوقت، كنت تذهب وتشاهد قيصري (بويك خان) أي سوق القيصرية الكبير أو الخان الكبير، الذي بناه المرحوم حسن شيخلر، ويقال انه من أهالي كركوك من منطقة
تسين صاحب المال والجاه، وصاحب القافلة، بناه ليستريح مع قافلته، ويحتوي السوق على ثلاثين دكان داخل القيصرية تم بناءه عام 1863 م ومرتبط بالخان مع عدد من الدكاكين مع القيصرية.
سألته باستغراب: هل الدولة نشرت كتب أو مقالات تحكي عن هذه الآثار.
همس بأذني بهدوء وقال: خاطر الله اسكت الحائط له أذان.
قلت له بتعجب: لم افهم قصدك أستاذ.
قال بصوت خافت يتلفت يمين ويسار: أخي تريد تسمع مني لو أسكت، كلامك سياسة ويضرب العظم، عندما تتكلم انتبه يطلع لك ابن (...) ويأخذوك وما تطلع من سراديبهم.
قلت له: ولكن أنتَ تتحدث عن الآثار، وليس سياسة أو طعن بالدولة.
قال بهدوء: نتكلم بموضوع جديد، أتمنى ألا يقف سائق الحافلة في مطاعم الطوز.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ، توقف السائق بالقرب من مقهى على الطريق العام، ترجل الركاب جمعيا، اتجهنا نحو مقهى بدون رقابة صحية ولا يمكن وصف حالة المرافق الصحية والمياه الآسنة بالقرب منها، على كل حال أنا وصاحبنا الثرثار وقفنا بالقرب من الحافلة، وعلى الفور قام شاب بمسح زجاج شبابيكها يعمل لدى المقهى، ولن يصبر صاحبنا حتى أفرغ ما بجعبته وقال باستغراب: لاحظ القذارة والوسخ أطراف المقهى والسائق توقف ويجبر الركاب تناول الطعام أو شرب الشاي، وهو يأكل مجانا على حساب المقهى، وهذا ما حدث مع سائق سيارة الأجرة الذي أكل طعام بائت وقديم وتسمم. عندما توقفنا في قضاء الخالص.
قال: قليل من المارين بهذا الطريق لا يعرفون أن (أق صو) اسم نهر وبالتركمانية تعني الماء الصافي أو الأبيض، يمر وسط قضاء طوزخورماتو ويلتقي بمجرى العظيم قرب جبال حمرين، وينبع نهر أق صو من مرتفعات سنكاو ويستمر جريان مياهه في الصيف أيضاً.
قلت له بتعجب: هذه أول مرة اسمع أن هناك نهر يمر وسط المدينة.
خرج السائق ونادى على الركاب الذين كان عددهم سبعة عشرة راكب، ركب الجميع وانطلق الحافلة باتجاه كركوك، مرورا بمدينة داقوق.
قال صاحبنا الثرثار: بعد قليل نصل داقوق تقع هذه المدينة على بعد أربعين كيلو متر إلى الجنوب من كركوك وتحتفظ بالعديد من المعالم الآثارَ التَّارِيخيَّةَ القديمة منها منارة دابوق التي يرجع تاريخها إلى فترة الخلافة العباسية عمرها أكثر من 700 عام، شبيهة بمنارة جولي في مدينة اربيل التي أنشأت في العهد الاتباكي السلجوقي، وكذلك بقايا الجامع الكبير في المدينة، ويوجد (منطقة الطالبنية) والتي تشمل قرية ينكيه وقرية عبد الله غانم الكبير وقرية عبد الله غانم الصغير (عنانة) وقرية سنور وقرية كليسه.
ويشير بيده إلى موقع المناطق التي تمر بيها السيارة.
لعلمك أخي يوجد منطقة أسمها (الكاكائية) واغلب سكانها من الكرد الكاكا ئية ومنها قرية طوبزاوه وقرية على سراي وقرية زنقر وقرية عارب كوي وقرية البو محمد.
سألته: ما هي ديانة الكاكائية؟
أجاب مبتسماً: هذه أول مرة تسألني سؤال مهم جداً، أخي الكاكائية والتي تسمى بأهل الحق (من قبل الإيرانيين، والعرب) هي عبارة عن أحد فروع الديانة اليزدانية القديمة (كلمة يزدان تعني الرب أو الخالق أو الله) التي كانت معتنقة من قبل بعض الأكراد. يعتقد أهل الحق أن الألوهة (الحق) تتجلَى بنفسها في سلسلة من المظهريات تُسمَى أدواراً وتكتمل بالرقم سبعة ولا يعتقدون بعذابات القبر، ولا يلعنون أياً من المخلوقات، ومن بينها الشيطان، يطلقون شواربهم، ويحرَمون حلاقتها ويطلق على كتابهم المقدس لأهل الحق (سه ر ئه نجام) (سنچنار) وهو كتاب باللغة الكردية وتعني بالعربية النتيجة العظمى. وأهل الحق من الأكراد الذين يعيشون في مندلي وخانقين وبعقوبة في محافظة ديالى وكذلك في أربيل والسليمانية والموصل وبغداد، وتقدر أعدادهم بأكثر من مليون نسمة من نفوس العراق.
قلت له: صدقني هذه المرة الأولى التي اسمع بها الطائفة الدينية.
قال للعلم يا صديقي: يطلقون اسم الشيخ على رئيس المنطقة وفي الكاكائية كانوا يطلقون لفظ أغا وهناك قرى حكمتها الشيوخ والبك وأغا مثلا في الطالبينة.
عبرنا ناحية داقوق وبعد مسافة قصيرة قال صاحبي الثرثار: هناك مقام الإمام زين العابدين (ع)، ومرقد السيد محمد الباقر البيطار، ويوجد مقبرة للعوائل التركمانية والعربية، ومقام خضر إلياس (ع). ومرقد إمام الهوى على طريق كركوك ـ داقوق، ومرقد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رض). كما هناك الجسر العثماني بني هذا الجسر في عهد العثمانيين على الطريق الذي يربط داقوق بمدينة كركوك قبل ما يزيد عن مائة وخمسين عاماً.
قلت له: لا اعرف كيف أشكرك يا صديقي على هذه المعلومات.
ابتسم وقال: لم اسمع يوما كلمة شكر من حماتي عندما كنت احكي لها قصص من التاريخ كانت مرات تغفو وتنام، وأخيرا انتقلت إلى كركوك.
الساعة تشير إلى الثانية عشرا وما زلنا بالطريق وأمامنا اقل من ساعة تقريبا للوصول لمحافظة كركوك، وقد اقتربنا من مدينة صغيرة تسمى (تازة خورماتو)، وتدخل صاحبنا الثرثار قائلا: بعد دقائق نصل إلى تازة خورماتو أو تازة وهي مدينة تقع جنوب مدينة كركوك وتبعد عنها عشرة كيلو متر، جزء من سكانها ينتمون للقومية التركمانية وتعتبر من المناطق المشهورة في محافظة كركوك، لكثرة المصطافين وخصوصاً في فصل الربيع
حيث تصبح المنطقة جميلة بخضرتها وأشجارها وحدائقها الكثيرة، ولجمالها وكثرة أشجار النخيل والزيتون والكروم وحدائقها العامة، يقصدها الأهالي أيام العطل والمناسبات.
قلت له: هكذا مدينة تكثر فيها الأشجار والمرابع الخضر تكون موقع سياحي جميل.
قال: صحيح المنطقة سياحية بالإضافة يوجد في تازة مواقع أثرية منها تل تازة الشهيرة بـ (قلا) قرب السوق والتلال الثلاث (أوج تبه)، حيث لم يتمكن الباحثون إلى يومنا هذا من تحديد أصولها، ولكنهم يرجحون بأنها تعود إلى العصرين الأشوري والإسلامي.
وتابع حديثه يقال: إن ابن تيمور لنك عمر شيخ بهادر توقف في هذه القرية، بمنطقة التلال الثلاثة في كانون الثاني سنة 1394، واتخذ المكان معسكراً له بطريقه إلى بغداد للالتحاق بوالده، وذات يوم خرج للتنزه فأصابه سهم من أحد صيادي المنطقة عن طريق الخطأ، أدت إلى وفاته، وتملك الغضب حاشية القائد شيخ بهادر، حيث أقدموا على قتل أهلها وهدم القرية انتقاماً لقائدهم، وقد فر من هذه الفاجعة عدد قليل من الأهالي. وفي هذه المدينة الصغيرة خمسة جوامع وثلاث حسينيات وتكية ومقام الحاج خنكار بكتاش ولي.
سألته: هل تعرف من هو الحاج خنكار بكتاش ولي.
أجاب مبتسما: نعم الحاج بِكْتَاش وَلِيّ هو متصوف، تنسب اليه الطريقة المعروفة بالبِكْتاشيَّة، أكثر المعلومات عن هذا الحاج بِكْتَاش أسطورية، يقال إنه من مواليد نيسابور في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي، وينسب نفسه إلى إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، وأنه توفي سنة 1337 م، أخذ بالأفلاطونية المحدثة وبالتصوف الفلسفي، ملتزما بالمذهب الحنفي ومتأثرا بالطريقة المولوية.
قاطعته وقلت له: قبل أن تكمل الحديث اتركني أكتب ما قلت في دفتر ملاحظاتي. لأن هذه الجملة صعبة جدا وتحتاج إلى مراجعة.
ابتسم وأعاد ما قاله عن طريقة بِكْتَاش بهدوء حتى دونتها ثم تابع حديثه: أسس بِكْتَاش أول (تكية) صوفية للطريقة، وابتدأ الأتباع والرواد يكثرون ويسكنون في هذه القرية، التي لم تكن إلا سبعة بيوت، فقط ثم اكتشفوا جبلاً من جبال الملح سموه جبل ملح الحاج بكتاش، واشتهر هذا الملح حتى كان يجهزون ويزودون مطابخ السلطان العثماني الذي كان يحصل منه على مليونين (أقة) كل عام (معيار للوزن مِقدارُه 1248 غرام).
قلت له بفرح وسرور: اشكرك شكرا جزيلا على ما قدمته لي من معلومات تاريخية وثقافية.
قال بتواضع: وأنا سعيد بمعرفتك ولكن لم اعرف اسمك.
قلت: اسمي بدري وأعمل مهندس مدني من أهالي الموصل، وسألتحق بعملي الجديد في السليمانية.
قال: وأنا اسمي آيدن، وأتمنى لك التوفيق في عملك الجديد، وإذا كان لديك وقت وفراغ اقرأ على تاريخ مدينة كركوك، حيث يختلف الباحثون في أصل تسمية المدينة.
توقفت الحافلة في موقف السيارات وترجل الجميع ودعت صاحبنا الثرثار وشعرت بالخجل والندم على تسميته ثرثار فهذا الرجل موسوعة تاريخية يحفظ الأسماء والتواريخ والحوادث. وهربت حماته منه.
أجرت سيارة أجرة وتوجهت للقاء المهندس (هاء)، الذي يقيم في كركوك ويشرف على الاعمال في السليمانية. استقبلني المهندس في مكتبه وهو شاب نشيط أشوري القومية، والآشوريون من سلالة سام أب آشور، وهو مذكور في سفر التكوين الفصل العاشر (سام ابن نوح). والإمبراطورية الأشورية هزمت الكثير من الجيوش ومنحت حضارتها إلى الكثير من الأمم الأخرى، إلا ان نهايتها كانت مؤسفة في عام 612 ق م حين قام البابليون والميديون بهجمات قوية لفتح نينوى، وتحالفت قوى الطبيعة أيضاً مع الأعداء لتحطيمها وتخريبها، لأن الأمطار القوية أدت إلى فيضان نهر دجلة، وهكذا حطمت السيول الأسوار العالية للمدينة.
بعدما ناقشنا مراحل العمل ونسب الانجاز للمشاريع التي سوف استلمها منه، اعتذر الذهاب معي للسليمانية فله ظروفه الخاصة، ولكنه دعاني لتناول الغداء معه في البيت فوالدته قد طبخت الدولمة، وأيّ عراقي حين يشاهد طبق الدولمة في أيّ مكان من العالم، فإنّه لا يستطيع منع نفسه من الشعور بالحنين الجارف إلى بلاده، ويُعتبر من أجمل الأطباق التي ارتبطت بالعراق، وتحولت من مجرّد أكلة عادية إلى جزء من التراث والذاكرة.
يرجّح أنّ الدولمة من الأكلات التركية الأصل، دخلت المطبخ العراقي في العهد العثماني، وقد طوّرها العراقيون لتصبح جزءاً من تراثهم، فتفوّقوا بصناعتها، وانتشرت في جميع أنحاء العراق.
وكلمة دولمة بالتركي الشيء الذي تجري تعبئته أي المحشو، حيث الخضروات تُعبّأ بالحشو قبل طهوها (الرز واللحم المفروم). وتقاس مهارة المرأة في الطهي عندما تتقن طبخ الدولمة، وخاصة البنت المطلوبة للزواج ومرغوبة من طرف أهل العريس الذين يطمئنّوا إلى مستقبل ابنهم، في حال تكون زوجته قادرة على صنع هذه الأكلة.
بعدما جلسنا حول طاولة الطعام في منزل المهندس (هاء)، صبت والدته قدر الدولة، أي قلبته فوق صينية وكان الغريب في هذه الطبق، وجود قشور البيض المحشوة، أي أن البيض أكل مسلوقا أو فرغت محتويات البيضة وأصبح القشر وعاء، وتم غسله وجمعت القشور وتحضر لهذه الأكلة.
تناولنا طعام الغداء ولكن لا أخفي عليكم لم أتقبل نفسيا وجود القشور في قدر الدولمة، فكنت اشعر بوجود رائحة البيض مخلوطة مع روائح البهارات والتوابل. ثم قدمت والدته الشاي بدون سكر مذاب، أي (استكان) الشاي المر على (طبق) بدون ملعقة وقدمت في آن واحد (الشكردان) الذي يحتوي على قطع من السكر الغير منتظمة، (الشكردان عبارة عن إناء زجاجي شفاف من الخزف أو المعدن يوضع فيه قطع الشكر). انتبهت الوالدة أنني مستغرب لطريقة تقديم الشاي، وقالت مبتسمة: هذه الطريقة تسمى الدشلمة، ولشرب الشاي ضع قطعة من السكر تحت اللسان منفصلة عن الشاي، وارشف رشفة من الشاي المّر ومص ببطء قطعة السكر تحت لسان ثم أشارت بيدها للسكر،
هذه القطع تسمى سكر القند (شكر الكله) وهو قالب مخروطي من السكر الأبيض الصلب،
يكسر إلى هذه القطع الصغيرة، ويوضع في (الشكردان)، واستمرت بالحديث قائلة:
تعلمت هذه الطريقة من جدتي عندما كانوا في أورومية قبل الحرب العالمية الأولى، ثم رحلوهم إلى بعقوبة ومن ثم إلى الحبانية وأخيرا استقرت العائلة في كركوك.
وأكمل الحديث المهندس (هاء) سوف تلاحظ طريقة شرب الشاي الدشلمة في مقاهي محافظة السليمانية وهي عادة كردية، وجميع مدن وقرى المنطقة الكردية، وعملية تكسير قالب شكر القند (شكر الكلة) تقوم بها الوالدة واعتقد هذه المهمة تقوم بها ربات البيوت، ويجب أن تكون القطع متساوية وغير مفتتة لتصلح تحت اللسان.
نهضت الوالدة وجلبت كيس صغير من قماش فتحة، وأخرجت محتوياته قائلة هذا فأس وسندان صغيران، والفأس تكون قبضتها عادة من الخشب وإذا كان منقوش يدل على مستوي العائلة، هذه العدة للدشلمة التي تتكون من هذا الفأس الصغير الذي يسمى (الدكاكه) لتكسير (كله القند)، التي غالبا ما كانت ترسل هذه العدة كهدية في الأعراس.
سألتُ والدة المهندس: ما سبب هجرتكم من أورومية؟
أجابت وحسرة في حنجرتها: يقول جدي في عام 1918 م تركوا أورومية قسم كبير من الاشوريين مع جماعات من الأرمن، وهاجروا الى همدان وسط إيران ، وعند وصولهم لهمدان جُند الكثيرين في الجيش المسمى (فرقة أورومية) ومنهم جدي، لهدف تحضيرهم للعودة وتحرير أرومية، بعدها رحلوهم إلى مخيم بعقوبة، ومنهم إلى مخيم بحيرة الحبانية، بعد سنتان نقلوا جدتي الى عقره، أما ترتيب عودتهم إلى أورومية لم يكن موفقاً، تم حُل (فرقة أورومية) عام 1921 وتخلت الحكومة العسكرية البريطانية عنهم، وجاء جدي واستقر في كركوك بعد فترة قصيرة بدأ العمل في شركة النقط الشمال.
سألتها: ما سبب الهجرة؟
أجابت بعد أن أخذت نفسا عميقا: نكبات وويلات الحرب العالمية الاولى ابتداء من سنة 1914. استأذنت منهم وعليَّ المغادرة والوصول إلى محافظة السليمانية قبل أن يحل الظلام. ودعتهما ووعدتهما أن أزورهما يوما، حيث يعيش المهندس (هاء) مع والدته فقط في كركوك وتوفى والده بحادث سيارة أثناء ثورة الشواف في الموصل، حيث كان يعمل سائق لسيارة أجرة، أما أخواته الثلاثة فقد هاجروا إلى امريكا وهما ايضا ينويان الهجرة.
أوصلني المهندس (هاء) إلى كراج السليمانية بسيارته الموسكوفيج، والكراج واقع في الجهة الشرقية من المدينة عند مدخل طريق السليمانية، ودعته داعيا له التوفيق في عمله.
1649 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع